أحد مؤسسي «حركة مقاطعة إسرائيل»: ما بعد مجزرة غزة لا يمكن أن يكون كما كان قبلها

البرغوثي لـ «الشرق الأوسط»: نحشد لتأييد دولي.. والمرحلة المقبلة ستشهد نقلة نوعية

عمر البرغوثي
عمر البرغوثي
TT

أحد مؤسسي «حركة مقاطعة إسرائيل»: ما بعد مجزرة غزة لا يمكن أن يكون كما كان قبلها

عمر البرغوثي
عمر البرغوثي

شهد الشهران الماضيان اهتماما عالميا واسعا بالتطورات الفلسطينية بعد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، مما أعطى دفعة لـ«حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها» المعروفة بـ«BDS» بالإنجليزية. وبعد انتهاء حرب الـ50 يوما، يسعى الناشطون في الحركة، التي تأسست عام 2005، إلى العمل على حشد التأييد الدولي للمقاطعة. وشرح عمر البرغوثي، أحد مؤسسي الحركة بأن المرحلة المقبلة ستشهد «نقلة نوعية» في دعم المقاطعة السياسية والاقتصادية والأكاديمية لإسرائيل. وأوضح الناشط في حقوق الإنسان في حوار عبر الهاتف مع «الشرق الأوسط» كيف تعمل الحركة، وأهدافها.. وفي ما يلي أبرز ما جاء في الحوار:
* بعد وقف إطلاق النار، هناك مخاوف من تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية رغم استمرار الاحتلال..
- العدوان الأخير على قطاع غزة سيؤدي إلى ارتفاع نوعي في وتيرة حركة المقاطعة وفي شتى المجالات، وبدأنا نرى أدلة ملموسة، ونستدل على ذلك من حالتين في الماضي؛ حرب عام 2008 - 2009 على غزة، والعدوان على أسطول الحرية (مافي مرمرة) في مايو (أيار) 2010.
في الحالتين، كان التوقع أن يتبدد الاهتمام، وأن ينتقل الناس إلى قضية أخرى، ولكن بالعكس؛ إذ أسسنا حركة متينة مبنية على حقوق الإنسان برسائل قوية وواضحة ومفهومة غير فئوية. نتوقع أن تأخذ آليات المقاطعة في التجذر والتأصل، فمثلا مجلس الاتحاد الأوروبي قرر استثناء كل منتجات اللحوم والألبان والأسماك الإسرائيلية منذ 1 سبتمبر (أيلول) إذا كان أي جزء منها يأتي من المستعمرات في الأراضي المحتلة منذ عام 1967. وهناك الآن حظر لهذه المواد، هذا أمر غير مسبوق ومؤشر على ما سيأتي لاحقا.
* كيف تغيرت الظروف منذ انطلقت حملة «المقاطعة» قبل 9 أعوام، وما أبرز إنجازاتكم؟
-إسرائيل تشعر اليوم بالتهديد من حركة المقاطعة بوصفها ركيزة رئيسة من ركائز النضال الشعبي والمدني. ففي يونيو (حزيران) 2013، قررت الحكومة الإسرائيلية رسميا أن الحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل باتت تشكل «تهديدا استراتيجيا» للنظام الإسرائيلي الذي يجمع بين الاحتلال والاستعمار الاستيطاني والفصل العنصري. ونقلت مسؤولية محاربة حركة المقاطعة إلى وزارة الشؤون الاستراتيجية، بعد أن كانت وزارة الخارجية تتولى هذا الملف.
نحن نطالب بمقاطعة إسرائيل في شتى المجالات؛ الأكاديمية والثقافية والاقتصادية والعسكرية، حتى تنصاع للقانون الدولي وتلبي 3 شروط تشكل الحد الأدنى المطلوب: إنهاء احتلال جميع الأراضي العربية التي احتلت في 1967، بما في ذلك إزالة المستعمرات والجدار. وإنهاء نظام الفصل العنصري القائم في أراضي عام 1948 ضد جزء من شعبنا يحمل الجنسية الإسرائيلية. وعودة اللاجئين إلى ديارهم الأصلية التي شردوا منها.
* هناك استعدادات الآن لإعادة إعمار غزة، كيف يمكن ضمان وجود صوت لحملة المقاطعة في إعادة الإعمار؟
- موقف اللجنة الوطنية للمقاطعة من موضوع إعادة الإعمار هو أنه يجب ألا تستفيد الدولة التي دمرت غزة والشركات التي تربحت من تدميرها وتواطأت في العدوان، من مشاريع إعادة الإعمار، بل يجب أن تذهب العقود للشركات غير المتورطة في العدوان أو في انتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني، ويجب اعتبار كل الأموال والمنح التي تجمع دينا على دولة إسرائيل بصفتها دولة احتلال، كي لا تعفى إسرائيل من مسؤوليتها القانونية والأخلاقية لإعادة الإعمار بعد أن دمرت البنية التحتية المدنية عمدا.
* كيف تغير التجاوب في دول غربية، خاصة الأوروبية، مع جهود المقاطعة؟
- لا توجد دراسات دقيقة لحجم خسائر الاقتصاد الإسرائيلي جراء المقاطعة حتى الآن، رغم تصريح وزير المالية الإسرائيلي، يائير لابيد، بأنه في حال استمرت المقاطعة في النمو وانخفض التصدير لأوروبا بنسبة 20 في المائة، فسوف تخسر إسرائيل أكثر من 10 آلاف وظيفة، وما قيمته 5.7 مليار دولار من العملات الأجنبية. وتُظهر بعض المؤشرات بداية تأثر التجارة مع أوروبا، مما يبرر التخوفات الإسرائيلي؛ فبيانات 2012 تظهر بأن هناك تراجعا في الصادرات إلى الاتحاد الأوروبي بنسبة 7 في المائة عن 2011 (باستثناء الماس). وهذه نسبة لا يستهان بها في البداية، فإذا ما أخذنا بعين الاعتبار معادلة وزارة المالية الإسرائيلية، فإن هذا الانخفاض يكون قد أفقد الاقتصاد الإسرائيلي ما يعادل 3500 وظيفة.
وهناك نماذج عدة للمقاطعة، فعلى سبيل المثال أعلنت الحكومة النرويجية أن صندوق التقاعد الحكومي سيسحب استثماراته من الشركات الإسرائيلية المرتبطة بالبناء في المستعمرات، كما قرر الاتحاد الأوروبي منتصف 2013 إصدار توجيهات تمنع تمويل مشاريع إسرائيلية في الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967، بما فيها القدس الشرقية. تلا ذلك قرار من الحكومة الألمانية هذا العام باستثناء جميع الهيئات الإسرائيلية العاملة في الأرض المحتلة من جميع العقود المستقبلية في مجال التكنولوجيا والبحث العلمي. كما نصحت حكومات 17 دولة أوروبية شركاتها ومواطنيها بعدم التورط في مشاريع إسرائيلية في الأرض المحتلة.
* كيف انخرطتَ في هذه الحملة؟
- كنت من مؤسسي الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل في 2004، التي سبق أن لعبت دورا محوريا في تشكيل «حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها». رغم نشأتي بصفتي لاجئا فلسطينيا في الشتات ودراستي الهندسة الكهربائية بجامعة كولومبيا في نيويورك، فإنني بدأت نشاطي السياسي الحقيقي في حركة مناهضة نظام الأبارتهايد (الفصل العنصري) في جنوب أفريقيا التي كانت نشطة في جامعتي. وقتها بدأت أفهم كيف يسهم تحرر شعب كالشعب الجنوب أفريقي في تحرر بقية الشعوب الواقعة تحت نير الاستعمار، كالشعب الفلسطيني.
* هناك من يرى أن المقاطعة تحتاج إلى وقت طويل للتأثير على إسرائيل، والعالم الغربي، فهل لديكم الوقت الكافي لممارسة هذه الاستراتيجية؟
- من المؤشرات المتوفرة حتى الآن لانتشار الحركة، ومن ردود فعل إسرائيل، نستطيع أن نرى أننا نحقق اختراقات نوعية نعزز فيها من عزلة إسرائيل الدولية ونسبب تراجع شعبيتها بين شعوب العالم. فاستطلاعات الرأي العام العالمي السنوية التي تجريها هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» أظهرت في السنوات القليلة الماضية أن إسرائيل باتت تنافس كوريا الشمالية على موقع ثالث أو رابع أسوأ الدول تأثيرا في العالم.
* كيف تواجهون مهاجمة أطراف إسرائيلية أو مناصرة لإسرائيل لجهودكم، خاصة في الغرب؟
- إسرائيل تعاملت مع حركة المقاطعة تقريبا بالضبط كما يقول (الزعيم الهندي الراحل المهاتما) غاندي في مقولته الشهيرة: «في البدء يتجاهلونك، ثم يسخرون منك، ثم يحاربونك، ثم تنتصر». وصلنا إلى مرحلة «ثم يحاربونك»، ففي 9 فبراير (شباط) الماضي، نوقشت في اجتماع سري للحكومة الإسرائيلية، استراتيجية لمحاربة حركة المقاطعة بسبب نمو تأثيرها في الآونة الأخيرة. وسربت وسائل الإعلام بعض المقترحات التي قدمها الوزراء في هذا الاجتماع، أهمها رصد 100 مليون شيقل (نحو 30 مليون دولار) لشن حملات دعائية ضد حركة المقاطعة وناشطيها، بالإضافة إلى تصعيد العمل الاستخباري الذي تقوم به الأجهزة الأمنية الإسرائيلية ضد الحركة.
أما بالنسبة لأحد أهم الأسلحة التي تستخدمها إسرائيل ومجموعات الضغط التابعة لها، فهو الادعاء بأن حركة مقاطعة إسرائيل معادية للسامية. وعلى الرغم من فعالية هذا الادعاء في الغرب، فإننا نجحنا لدرجة كبيرة في إبطال مفعوله الترهيبي في تكميم الأفواه. فهذا الادعاء، كما حاججنا، هو بحد ذاته معاد للسامية.. فهو يختزل يهود العالم إلى كتلة واحدة متجانسة، ويعتبر إسرائيل ممثلا وحيدا، بل رديفا لها، وهذا ينمّ عن عنصرية حقيقية ضد اليهود.
* ما الخطوات المقبلة لكم في دفع الحملة إلى الأمام؟
- ما بعد مجزرة غزة لا يمكن أن يكون كما كان قبلها.. لقد عاهدنا أهلنا في غزة أن نُدفِّع إسرائيل ثمنا لن تنساه لجرائمها من خلال عزلها الاقتصادي والأكاديمي والثقافي والعسكري المتصاعد. وسنبني على بعض الإنجازات المهمة التي حققناها خلال العدوان. على سبيل المثال، قررت قبل أيام الحكومة الإسبانية تجميد تصدير السلاح لإسرائيل، وقد كان الحظر العسكري على إسرائيل من أهم ما ناضلت وتناضل «حركة المقاطعة» لتحقيقه في كل دول العالم. كما قررت الحكومة البريطانية إعادة النظر في صادراتها العسكرية لإسرائيل، وصرّح نائب رئيس الوزراء البريطاني، نيك كليغ، بتأييده لوقف تصدير السلاح إلى إسرائيل.
وفي المجال الثقافي، شهدنا للمرة الأولى في تاريخ الصراع، عددا كبيرا من ألمع نجوم الموسيقى ونجوم هوليوود، ومن ضمنهم بعض الحائزين على جوائز «أوسكار»، يتعاطفون مع الشعب الفلسطيني علانية، ويذهب بعضهم إلى درجة اتهام إسرائيل بارتكاب «إبادة» بحق الفلسطينيين في غزة، كما فعلت الممثلة الإسبانية الشهيرة بينيلوبي كروز ومعها 100 من أهم نجوم الفن في إسبانيا.



مدارس لبنانية تفتح أبوابها للتلاميذ لتلقي العلم وسط النازحين

المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)
المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)
TT

مدارس لبنانية تفتح أبوابها للتلاميذ لتلقي العلم وسط النازحين

المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)
المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)

في بلدة عمشيت الساحلية الهادئة التي تبعد 45 دقيقة بالسيارة شمالي بيروت، استأنفت المدارس الحكومية أخيراً مهمتها التعليمية وسط عشرات الآلاف من النازحين الذين اتخذوا من بعض المدارس مأوى مؤقتاً.

وحسب «رويترز»، قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إنه مع تصاعد الصراع بين إسرائيل و«حزب الله» في سبتمبر (أيلول) لحق الدمار بمئات المدارس في لبنان أو اضطرت لغلق أبوابها بسبب الأضرار أو المخاوف الأمنية.

وقالت وزارة التربية والتعليم العالي اللبنانية إنه تم تحويل 505 مدارس من بين نحو 1250 مدرسة حكومية في لبنان إلى ملاجئ مؤقتة لبعض النازحين الذين يبلغ عددهم 840 ألف شخص.

وبدأت الوزارة، الشهر الماضي، إعادة فتح المدارس على مراحل، مما سمح بعودة 175 ألف طالب منهم 38 ألف نازح إلى بيئة تعليمية لا تزال بعيدةً عن وضعها الطبيعي.

وفي مدرسة عمشيت الثانوية الحكومية، التي تضم الآن 300 طالب مسجل ويُتوقع انضمام المزيد منهم مع استمرار وصول العائلات النازحة، تحولت المساحات المألوفة ذات يوم إلى مكان مخصص لاستيعاب الواقع الجديد.

وقال مدير المدرسة، أنطوان عبد الله زخيا، إنه قبل شهرين ونصف الشهر اختيرت المدرسة كملجأ.

واليوم، تتدلى الملابس المغسولة من نوافذ الفصول الدراسية، وتملأ السيارات ساحة اللعب التي كانت ذات يوم منطقةً صاخبة، والممرات التي كان يتردد فيها صوت ضحكات التلاميذ أصبحت الآن استراحةً للعائلات التي تبحث عن ملجأ.

وأعربت فادية يحفوفي، وهي نازحة تعيش مؤقتاً في المدرسة، عن امتنانها الممزوج بالشوق. وقالت: «بالطبع، نتمنى العودة إلى منازلنا. لا أحد يشعر بالراحة إلا في المنزل».

كما أعربت زينة شكر، وهي أم نازحة أخرى، عن قلقها على تعليم أطفالها.

وقالت: «كان هذا العام غير عادل. بعض الأطفال يدرسون بينما لا يدرس آخرون. إما أن يدرس الجميع، أو يجب تأجيل العام الدراسي».

التعليم لن يتوقف

قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن الخطة المرحلية لاستئناف الدراسة ستشمل تسجيل 175 ألف طالب من بينهم 38 ألف طفل نازح في 350 مدرسة عامة غير مستخدمة كملاجئ. وقال وزير التربية والتعليم العالي، عباس الحلبي، لـ«رويترز»: «العملية التعليمية هي أحد مظاهر مقاومة العدوان الذي يواجهه لبنان». وأضاف الحلبي أن قرار استئناف العام الدراسي كان صعباً لأن العديد من الطلاب والمدرسين النازحين لم يكونوا مستعدين نفسياً للعودة إلى المدرسة. وفي مبنى مجاور في مدرسة عمشيت الثانوية الرسمية، يتأقلم المعلمون والطلاب مع أسبوع مضغوط مدته 3 أيام ويشمل كل يوم 7 حصص دراسية لزيادة وقت التعلم إلى أقصى حد.

ولا تزال نور قزحيا (16 عاماً)، وهي من سكان عمشيت، متفائلة. وقالت: «لبنان في حالة حرب، لكن التعليم لن يتوقف. سنواصل السعي لتحقيق أحلامنا». ويتأقلم المعلمون مع الظروف الصعبة. وقال باتريك صقر وهو مدرس فيزياء (38 عاماً): «الجميع مرهقون ذهنياً... في نهاية المطاف، هذه الحرب تطولنا جميعاً». وبالنسبة لأحمد علي الحاج حسن (17 عاماً) النازح من منطقة البقاع، يمثل الأسبوع الدراسي الذي يدوم 3 أيام تحدياً لكنه ليس عائقاً. وقال: «هذه هي الظروف. يمكننا أن ندرس رغم وجودها».