طالبت دار الإفتاء في مصر بالبدء في برامج إعادة تأهيل الشباب الذين سقطوا في براثن التطرف والعنف، وإعاقة أي عمليات تجنيد جديدة من خلال الحملات التوعوية والبرامج الإرشادية والملتقيات الدينية. وقالت الدار، في تقرير أعده مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء الشاذة، أمس، إن «التصدي للفكر المتشدد والمتطرف مسؤولية الجميع.. وعلماء الدين والدعاة والأئمة يجب أن تكون لهم الصدارة في اجتثاث الأفكار المتطرفة من جذورها».
في حين قال الدكتور شوقي علام، مفتي مصر، لـ«الشرق الأوسط»، إن «مرصد الفتاوى التكفيرية أداة ترصدية بحثية مهمة للغاية، تستطيع من خلاله الدار متابعة ورصد مقولات التكفير في جميع وسائط التواصل المقروءة والمسموعة والمرئية وعلى شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي ورصد الظواهر والأسباب المؤدية لنشوء مثل تلك الآراء والفتاوى المتشددة».
وأنشأت دار الإفتاء المصرية مرصدا لفتاوى التكفير والآراء الشاذة والمتشددة للرد عليها بطريقة علمية منضبطة لمواجهة الإرهاب الذي يجتاح العالم. وأضافت دار الإفتاء في تقرير أعده المرصد نشرته على موقعها الرسمي أمس، أن «قضية التطرف والغلو والعنف شغلت بال الكثيرين من علماء الدين في المرحلة الراهنة من تاريخ الأمة، لما ترتب على هذا الفكر من سفك وإراقة للدماء وعنف وتدمير وتخريب للممتلكات العامة والخاصة، وتقويض للدول، واعتداء على حرية ومعتقدات الآخرين، باسم الدين، وذلك نتيجة للفتاوى المغلوطة الصادرة عن أناس غير متخصصين، تحرض على القتل والعنف تارة، وتارة أخرى تدعو إلى التخوين وبث الرعب في نفوس المواطنين الآمنين».
وطالب تقرير مرصد الإفتاء «بضرورة التنبه للظاهرة من البداية، والعمل على غرس القيم الفاضلة والأخلاق النبيلة والثقافة الإسلامية الصحيحة في نفوس النشء ليشبوا على ما تربوا عليه، لتكون لديهم حصانة مانعة من تسلل الفكر المتشدد والمتطرف والأفكار الهدامة إلى عقولهم قبل أن يقعوا فريسة سهلة لتلك المعتقدات الخاطئة، وبذلك يتحولون إلى أداة هدم وتخريب تنشر الفوضى والخراب والدمار في المجتمع، بدلا من البناء والتعمير الذي أراده المولى عز وجل وأمر به في قرآنه».
وذكر التقرير أن الفكر المتشدد والمتطرف نشأ في عقول الشباب بسبب قراءة بعض الكتب الدينية بطريقة فردية وعشوائية، وأخذ المعلومات الدينية من أشخاص هواة ليست لهم قدم راسخة في العلم الشرعي، مضيفة «هذا يستلزم العودة إلى مصادر العلم الأصلية، باعتماد الشباب على المناهج المنضبطة التي تدرس على أيدي العلماء والأساتذة في الأماكن المعدة لذلك في الأزهر الشريف وما يماثله في منهجه الوسطي من معاهد وجامعات في العالم، وعلى العلماء تقدم الصفوف في نشر المنهج الإسلامي الوسطي، والبدء في برامج إعادة تأهيل الشباب الذين سقطوا في براثن التطرف والعنف، وإعاقة أي عمليات تجنيد جديدة من خلال الحملات التوعوية والبرامج الإرشادية والملتقيات الدينية».
وشهدت جامعات مصر خلال العام الماضي، والتي يدرس فيها أكثر من مليوني طالب وطالبة في سن الشباب، أحداث عنف وتخريب وقع خلالها عشرات القتلى والمصابين من الطلاب.
ونصح تقرير دار الإفتاء العلماء باتخاذ أساليب وطرق مختلفة لاحتواء الشباب ووقايتهم من مخاطر التطرف والعنف، من خلال الالتزام بتقديم نموذج وسطي للتدين، والسعي الجاد في أن تكون الوسطية ثقافة عامة سائدة، وترسيخ واستنهاض مشاعر الترابط بين جميع فئات وشرائح المجتمع، وتوعية المجتمع بأضرار وعواقب التعصب والتشدد وأخذ العبرة من المجتمعات التي تعاني من هذه الآفات الفكرية التي تفتك بنسيجها الوطني، وتوجيه طاقات الشباب واستثمارها لصالح الوطن، والحرص على مشاركتهم لرصد رؤاهم، والتواصل مع شباب الجامعات من خلال إقامة الندوات والمؤتمرات والمحاضرات، داخل الحرم الجامعي وفى الملتقيات الدينية والثقافية، واعتماد الحوار كوسيلة للتغيير، ومقابلة الكلمة بالكلمة، والفكر بالفكر، والحجة بالحجة، والدليل بالدليل.
واقترح التقرير أيضا تبني سياسة الاحتواء الفكري لمن وقعوا في براثن التطرف، معللا ذلك بأن الاحتواء سيحدث تقاربا بينهم وبين محاوريهم من العلماء، ويفتح آفاقا للحوار والسماع، فإن استمتعوا وفتحوا آذانهم وقلوبهم كان هذا أدعى لإقناعهم، مشيرا إلى أهمية عقد جلسات إعادة تأهيل يقوم العلماء من خلالها بالرد على شبهات المتطرفين فكريا، من خلال التأصيل العلمي وبحث بيان مواطن الخلل في الاستدلال، سواء تعلق هذا بالفهم الخاطئ، أو إيراد الأدلة في غير موطنها، أو تحميلها ما لا تحتمل، أو إخراجها عن سياقها الديني والتاريخي.
واختتم التقرير توصياته بضرورة دعم الانتماء الوطني، مؤكدا أن الانتماء الوطني يعد من المشاعر والروابط الفطرية التي تنمو وتكتسب لتشد الإنسان إلى وطنه الذي استوطنه. وشدد تقرير دار الإفتاء على أن الانتماء الوطني يقتضي مراعاة ما يرتضيه المجتمع من أسلوب حياة، فإن كان المجتمع قد ارتضى أن تكون المنظومة الأخلاقية ضابطة لحركة المجتمع، فالانتماء الحق لهذا الوطن يجعل تعاليم الدين الصحيحة نبراسا للمجتمع، والخروج عن هذا الفهم يسبب الاضطراب الفكري.
في غضون ذلك، أكد الدكتور شوقي علام، مفتي مصر، أن «مرصد دار الإفتاء يعمل به مجموعة متميزة من الباحثين والإعلاميين والسياسيين والشرعيين من ذوي الخبرة في الرصد والمتابعة على مدار الساعة، لإعداد التقارير والدراسات الخاصة بهذا وتقديمها للجان الشرعية للرد عليها ودفعها للناس لإزالة الأفكار الهدامة من أذهانهم»، مضيفا «هدفنا تجفيف منابع الفكر التكفيري والقضاء عليه من خلال تصحيح الصورة الذهنية والخاطئة للقضايا التي تهم المسلمين».
تقرير لـ«الإفتاء المصرية» يطالب بإعادة تأهيل الشباب الذين سقطوا في براثن العنف
علام لـ {الشرق الأوسط} : المرصد أداة مهمة لإزالة الأفكار الهدامة
تقرير لـ«الإفتاء المصرية» يطالب بإعادة تأهيل الشباب الذين سقطوا في براثن العنف
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة