«داعش» عذب رهائنه بـ {الإيهام بالغرق}

على خطى «سي آي إيه»

الصحافي الأميركي جيمس فولي الذي ذبحته «داعش» بعد تعذيبه بتقنية «الإيهام بالغرق» (أ.ب)
الصحافي الأميركي جيمس فولي الذي ذبحته «داعش» بعد تعذيبه بتقنية «الإيهام بالغرق» (أ.ب)
TT

«داعش» عذب رهائنه بـ {الإيهام بالغرق}

الصحافي الأميركي جيمس فولي الذي ذبحته «داعش» بعد تعذيبه بتقنية «الإيهام بالغرق» (أ.ب)
الصحافي الأميركي جيمس فولي الذي ذبحته «داعش» بعد تعذيبه بتقنية «الإيهام بالغرق» (أ.ب)

جرى تعذيب 4 أشخاص على الأقل من الرهائن المحتجزين في سوريا على يد تنظيم «داعش»، بما في ذلك الصحافي الأميركي الذي أُعدم أخيرا على يد الجماعة، بالإيهام بالغرق، خلال الفترة الأولى من أسرهم، وفقا لأشخاص مطلعين على طريقة التعامل مع الغربيين المختطفين.
كان جيمس فولي من بين الـ4 الذين جرى إيهامهم بالغرق عدة مرات على أيدي مسلحي «داعش»، في محاكاة لأسلوب الإيهام بالغرق الذي استخدمته وكالة الاستخبارات المركزية في استجواب الإرهابيين المشتبه بهم، بعد هجمات 11 سبتمبر 2001.
الإيهام بالغرق غالبا ما ينطوي على ربط شخص في نقالة أو مقعد، ثم يسكب الماء البارد على قطعة قماش تغطي الوجه. يسبب ذلك الإحساس بالغرق. ووفقا لمذكرة وزارة العدل في مايو (أيار) 2005 حول استخدام وكالة الاستخبارات المركزية لهذه التقنية، «فإن قطعة القماش المبللة تشكل حاجزا يصعب من خلاله التنفس، وفي بعض الأحيان يكون غير ممكن»، بحسب تقرير لـ«واشنطن بوست»، أمس. وأدان الرئيس أوباما الإيهام بالغرق واصفا إياه بأنه تعذيب.
وقال شخص على معرفة مباشرة بما حدث للرهائن على أيدي مسلحي «داعش»: «كانوا يعرفون بالضبط كيف يقومون بذلك». وقال الشخص، الذي تحدث عن تجربة الرهائن، بشرط عدم الكشف عن اسمه، إن الرهائن كانوا محتجزين في الرقة، وهي مدينة في شمال وسط سوريا. وكان تنظيم الدولة الإسلامية قد قطع رأس فولي الأسبوع الماضي انتقاما على ما يبدو من الغارات الجوية الأميركية على العراق، حيث يسيطر التنظيم على مساحات شاسعة من الأراضي. كما هددت الجماعة التي تسيطر أيضا على أجزاء من سوريا بقتل أميركي آخر، وهو الصحافي ستيفن سوتلوف، الذي ظهر في نهاية مقطع الفيديو الذي نشره تنظيم «داعش» ويظهر فيه قتل فولي. كما تحتجز الجماعة أميركيين اثنين آخرين.
وأكد شخص ثانٍ على دراية بالفترة التي قضاها فولي في الأسر أنه تعرض لأساليب تعذيب، من بينها الإيهام بالغرق.
وقال هذا الشخص: «أعتقد أنه عانى الكثير من الإيذاء البدني».
وقالت والدة فولي، ديان، يوم الخميس إنها لم تبلغ سابقا بأن ابنها قد جرى إيهامه بالغرق.
ورفض مكتب التحقيقات الفيدرالي، الذي يحقق في وفاة فولي واختطاف الأميركيين في سوريا، التعليق. ولم يصدر تعليق رسمي في هذا الصدد عن وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه).
وقال مسؤول أميركي: «إن (داعش) جماعة تصلب وتقطع رأس الأشخاص بشكل روتيني». وأضاف: «الإشارة إلى أن هناك أي علاقة بين وحشية (داعش) وأفعال قامت بها الولايات المتحدة في الماضي أمر مثير للسخرية ويغذي دعايتهم الملتوية».
كان الإيهام بالغرق أحد أساليب الاستجواب التي اعتمدتها «سي آي إيه» وأقرتها وزارة العدل، عندما فتحت الوكالة سلسلة من سجون سرية في الخارج لاستجواب المتهمين بالإرهاب.
وجرى إيهام 3 معتقلين بالغرق، وهم خالد شيخ محمد وأبو زبيدة وعبد الرحيم الناشري أثناء احتجازهم في سجون «سي آي إيه» السرية. كما جرى إيهام محمد، الذي اعترف على نفسه بأنه العقل المدبر لهجمات الـ11 من سبتمبر (أيلول)، بالغرق 183 مرة، وفقا لمذكرة صادرة عن مكتب وزارة العدل والمستشار القانوني.
وجرى نقل الرجال الثلاثة، إلى جانب 11 آخرين ممن يسمون بالمعتقلين ذوي القيمة العالية، إلى السجن العسكري الأميركي غوانتانامو بكوبا، في سبتمبر (أيلول) 2006. عندما أغلق الرئيس جورج بوش سجون وكالة الاستخبارات في الخارج.
وقام أوباما عقب توليه السلطة بحظر استخدام أساليب الاستجواب القسرية، بما في ذلك الإيهام بالغرق.
وظل منتقدو الإيهام بالغرق يقولون لسنوات إن تلك الممارسة عرضت الأميركيين للخطر، مما يعرضهم لخطر التعرض للمعاملة الوحشية نفسها على أيدي العدو.
وقال السيناتوران الديمقراطيان، ديان فينشتاين عن ولاية كاليفورنيا، وشيلدون وايت هاوس عن ولاية رود آيلاند، في مقال افتتاحي في 2008: «إن الإيهام بالغرق يرجع إلى تاريخ محاكم التفتيش الإسبانية، وكان الطغاة يفضلون استخدامها عبر العصور، بما في ذلك بول بوت والنظام الحاكم في بورما». وأضافا بأن «التغاضي عن التعذيب يفتح الباب أمام أعدائنا لفعل الشيء نفسه للقوات الأميركية المأسورة في المستقبل».
تحضر لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ لنشر تقرير للتأكيد على أن الإيهام بالغرق وغيرها من أساليب الاستجواب التي يستخدمها عملاء وكالة الاستخبارات لم تكن فعالة. ويشكك موظفون سابقون بالوكالة في هذا الاستنتاج.
الصحافي الفرنسي ديدييه فرنسوا، الذي سجن مع فولي، أخبر الصحافيين بأن فولي كان مستهدفا بمزيد من الإيذاء، لأن خاطفيه وجدوا صورا على جهاز الكومبيوتر الخاص به لشقيقه، الذي يعمل في سلاح الجو الأميركي.
وقال فرنسوا إن فولي تعرض لعمليات إعدام وهمية، وهو أمر يشتبه في أن عميل تنظيم القاعدة الناشري عانى منه أيضا، أثناء احتجازه في سجن سري تابع لـ«سي آي إيه»، وفقا لتقرير صادر عن المفتش العام بوكالة الاستخبارات المركزية. إلا أن وزارة العدل لا تجيز الإعدامات الوهمية.
اختطف فرنسوا على يد تنظيم «داعش» في يونيو (حزيران) 2013. واحتجز لمدة 10 أشهر. وأفرج عنه و3 صحافيين فرنسيين آخرين بالقرب من الحدود التركية.
وقال مسؤولون أميركيون وبريطانيون في المخابرات إنهم قريبون من تحديد قاتل فولي من بين مجموعة من الرجال البريطانيين الذين سافروا إلى سوريا للقتال، ويبدو أنهم احتجزوا فرنسوا ورهائن آخرين.
ونشرت أم سوتلوف يوم الأربعاء مقطع فيديو وجهت فيه نداء مؤثرا لزعيم «داعش»، من أجل تحرير ابنها.
وقالت شيرلي سوتلوف: «أرجوك أطلق سراح طفلي». وأضافت: «أطلب منك كأم أن تستعمل سلطتك، وأن تكون رحيما، وألا تعاقب ابني بسبب أمور لا يتحكم فيها».
ونشر المتشددون في «داعش»، أول من أمس (الخميس) فيديو آخر لذبح أحد سجنائهم، هذه المرة كان مقاتلا كرديا عراقيا قُتل لتحالف حكومته مع الولايات المتحدة.



«هدنة غزة»: غموض يكتنف مصير المفاوضات وترقب لنتائج «جولة القاهرة»

صبي فلسطيني يحمل فانوساً وهو يمشي في حي دمرته الحرب بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
صبي فلسطيني يحمل فانوساً وهو يمشي في حي دمرته الحرب بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

«هدنة غزة»: غموض يكتنف مصير المفاوضات وترقب لنتائج «جولة القاهرة»

صبي فلسطيني يحمل فانوساً وهو يمشي في حي دمرته الحرب بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)
صبي فلسطيني يحمل فانوساً وهو يمشي في حي دمرته الحرب بجنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

غموض يكتنف مصير الهدنة في قطاع غزة مع انتهاء المرحلة الأولى دون أفق واضح للخطوة التالية، وسط تمسك كل طرف بموقفه، ومحاولات من الوسطاء، كان أحدثها جولة مفاوضات في القاهرة لإنقاذ الاتفاق، وحديث عن زيارة مرتقبة للمبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف، إلى إسرائيل ضمن مساعي الحلحلة، وسط مخاوف من عودة الأمور إلى «نقطة الصفر».

تلك التطورات تجعل مصير المفاوضات بحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، في مهب الريح وتنتظر تواصل جهود الوسطاء وخصوصاً ضغوط أميركية حقيقية على رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو؛ للوصول لصيغة مقبولة وتفاهمات بشأن مسار الاتفاق لاستكماله ومنع انهياره، وخصوصاً أن «حماس» لن تخسر ورقتها الرابحة (الرهائن) لتعود إسرائيل بعدها إلى الحرب دون ضمانات حقيقية.

وبعد 15 شهراً من الحرب المدمّرة، بدأت الهدنة في 19 يناير (كانون الثاني) الماضي، وانتهت مرحلتها الأولى (42 يوماً)، السبت، وشملت إفراج «حماس» وفصائل أخرى عن 33 من الرهائن بينهم 8 متوفين، مقابل إطلاق سراح نحو 1700 فلسطيني من سجون إسرائيل، فيما لا يزال 58 محتجزين داخل قطاع غزة، بينهم 34 يؤكد الجيش الإسرائيلي أنهم قد تُوفوا، وسط انتظار لبدء المرحلة الثانية المعنية بانسحاب نهائي ووقف للحرب على مدار 42 يوماً، وأخرى ثالثة معنية بإعمار القطاع.

وأفادت صحيفة «تايمز أوف» إسرائيل، السبت، بأن نتنياهو أجرى، مساء الجمعة، مشاورات مطولة مع كبار الوزراء ومسؤولي الدفاع بشأن الهدنة، على غير العادة، في ظل رفض «حماس» تمديد المرحلة الأولى «ستة أسابيع إضافية» ومطالبتها بالتقدم إلى مرحلة ثانية.

وطرحت المشاورات بحسب ما أفادت به «القناة 12» الإسرائيلية، السبت، فكرة العودة إلى القتال في غزة، في حال انهيار الاتفاق، لافتة إلى أن الولايات المتحدة تضغط لتمديد المرحلة الأولى.

فلسطينيون نزحوا إلى الجنوب بأمر إسرائيل خلال الحرب يشقُّون طريقهم عائدين إلى منازلهم في شمال غزة (رويترز)

بينما نقلت «تايمز أوف إسرائيل»، السبت، عن مصدر دبلوماسي إسرائيلي، أن وفد بلادها عاد من محادثات تستضيفها القاهرة منذ الخميس بشأن المراحل المقبلة وضمان تنفيذ التفاهمات، كما أعلنت الهيئة العامة للاستعلامات المصرية الرسمية، لكن المحادثات «ستستأنف السبت»، وفق الصحيفة.

وأكدت متحدث «حماس»، حازم قاسم، السبت، أنه لا توجد حالياً أي «مفاوضات مع الحركة بشأن المرحلة الثانية»، وأن «تمديد المرحلة الأولى بالصيغة التي تطرحها إسرائيل مرفوض بالنسبة لنا»، وفق ما نقلته وكالة «رويترز»، دون توضيح سبب الرفض.

ويرى الخبير الاستراتيجي والعسكري، اللواء سمير فرج، أن مصير المفاوضات بات غامضاً مع تمسك إسرائيل بطلب تمديد المرحلة الأولى، ورفض «حماس» للتفريط في الرهائن أهم ورقة لديها عبر تمديد لن يحقق وقف الحرب.

ولا يمكن القول إن المفاوضات «فشلت»، وفق المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، الذي لفت إلى أن هناك إصراراً إسرائيلياً، على التمديد والبقاء في 3 بؤر عسكرية على الأقل في شمال وشرق القطاع و«محور فيلادليفيا»، بالمخالفة لبنود الاتفاق ورفض من «حماس».

لكنّ هناك جهوداً تبذل من الوسطاء، والوفد الإسرائيلي سيعود، وبالتالي سنكون أمام تمديد الاتفاق عدة أيام بشكل تلقائي دون صفقات لحين حسم الأزمة، بحسب الرقب.

ونقلت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية عن مصادر، قولها إنه إذا وافقت «حماس» على تمديد المرحلة الأولى من خلال الاستمرار في تحرير دفعات من الرهائن، فإنها بذلك تخسر النفوذ الرئيسي الوحيد الذي تمتلكه حالياً. وذلك غداة حديث دبلوماسي غربي كبير لصحيفة «تايمز أوف إسرائيل»، أشار إلى أن نتنياهو يستعد للعودة إلى الحرب مع «حماس».

طفل يسير في حي دمرته الحرب تم وضع زينة شهر رمضان عليه في خان يونس جنوب قطاع غزة (أ.ف.ب)

ووسط تلك الصعوبات، استعرض وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، بالقاهرة، مع رئيس وزراء فلسطين، محمد مصطفى مستجدات الجهود المصرية الهادفة لتثبيت وقف إطلاق النار في غزة وتنفيذ كل بنوده خلال مراحله الثلاث، وخطط إعادة الإعمار في قطاع غزة في وجود الفلسطينيين على أرضهم وترتيبات القمة العربية غير العادية المقرر عقدها يوم 4 مارس (آذار) الحالي بالقاهرة، مؤكداً دعم مصر للسلطة الفلسطينية ودورها في قطاع غزة.

ويعتقد فرج أن حل تلك الأزمة يتوقف على جدية الضغوط الأميركية تجاه إسرائيل للوصول إلى حل، مؤكداً أن التلويح الإسرائيلي بالحرب مجرد ضغوط لنيل مكاسب في ظل حاجة «حماس» لزيادة دخول المواد الإغاثية في شهر رمضان للقطاع.

وبعد تأجيل زيارته للمنطقة، ذكر ويتكوف، الأربعاء، خلال فعالية نظّمتها «اللجنة اليهودية-الأميركية»، إنه «ربّما» ينضمّ إلى المفاوضات يوم الأحد «إذا ما سارت الأمور على ما يرام».

ويرجح الرقب أن الأمور الأقرب ستكون تمديد المرحلة الأولى من الاتفاق مع ضمانات واضحة لأن الوسطاء و«حماس» يدركون أن إسرائيل تريد أخذ باقي الرهائن والعودة للحرب، مشيراً إلى أن «الساعات المقبلة بمحادثات القاهرة ستكون أوضح لمسار المفاوضات وتجاوز الغموض والمخاوف الحالية».