كبار علماء الأزهر: رسالة خادم الحرمين لعلماء الأمة في نقد فكر الإرهاب «حكيمة ومحورية»

أكدوا في استطلاع رأي لـ {الشرق الأوسط} أن الملك عبد الله وضع يده على موطن الداء وأساليب العلاج لمحاربة التطرف

كبار علماء الأزهر: رسالة خادم الحرمين لعلماء الأمة في نقد فكر الإرهاب «حكيمة ومحورية»
TT

كبار علماء الأزهر: رسالة خادم الحرمين لعلماء الأمة في نقد فكر الإرهاب «حكيمة ومحورية»

كبار علماء الأزهر: رسالة خادم الحرمين لعلماء الأمة في نقد فكر الإرهاب «حكيمة ومحورية»

أكد كبار علماء الأزهر الشريف في مصر أن رسالة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، لعلماء الأمة للقيام بدورهم في نقد فكر الإرهاب والتطرف الذي يعاني منه العالم في وقتنا الحاضر، دعوة حكيمة للعلماء لمواجهة مثل هذه الأفكار التي أصبحت شبحا يهدد الآمنين، قائلين في استطلاع رأي لـ«الشرق الأوسط» إن «الإرهاب لا أصل له في الشرائع السماوية، ولا يعرف القائمون عليه شيئا يستندون إليه إلا إفكهم وضلالهم».
وكان خادم الحرمين الشريفين وجه رسالة لعلماء الأمة حول دورهم في نقد فكر الإرهاب، ومدى أهمية هذا الدور في إيقاف خطر تمدد التنظيمات الراديكالية الأصولية، باعتبار العلماء هم حائط الصد الحقيقي لمواجهة الفكر المتطرف.
وأكد وكيل الأزهر الشريف، الدكتور عباس شومان، أن دعوة الملك عبد الله نقطة مهمة للاستفادة من إجماع العلماء على خطورة الأفكار التكفيرية. كما قال وزير الأوقاف المصري، الدكتور محمد مختار جمعة، إن «رسالة خادم الحرمين الشريفين تستحق التقدير والتفعيل كونها صادرة من شخصية في وزن وثقل خادم الحرمين الشريفين». في حين أكد مفتي مصر، الدكتور شوقي علام، دعم دار الإفتاء الكامل لدعوة خادم الحرمين الشريفين من أجل مكافحة الإرهاب.
وقالت شخصيات دينية في هيئة كبار العلماء بالأزهر (أعلى هيئة دينية في الأزهر الشريف)، إن «دعوة خادم الحرمين الشريفين لوقف التمدد للأصولية المتشددة أمر حتمي وضروري، لأنها حرب على الإسلام والمسلمين.. وهذه الدعوة نقطة مهمة للاستفادة من إجماع العلماء على خطورة الأفكار التكفيرية».
من جانبه، قال الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر الشريف «مما لا شك فيه أن رسالة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، لعلماء الأمة للقيام بدورهم في نقد فكر الإرهاب والتطرف الذي يعاني منه العالم في وقتنا الحاضر، هي دعوة حكيمة للعلماء للاضطلاع بدورهم في مواجهة مثل هذه الأفكار التي أصبحت شبحا يهدد الآمنين»، لافتا إلى أن الإرهاب لا أصل له في الشرائع السماوية، ولا يعرف القائمون عليه شيئا يستندون إليه إلا إفكهم وضلالهم. وتابع الدكتور شومان، وهو الرجل الثاني في مشيخة الأزهر الشريف «العجيب أن من يقومون بذلك يسمون بأسماء إسلامية، ويختارون لجماعتهم أسماء تنتهي بالإسلام أو معلم من معالمه كالشريعة، أو بيت المقدس، أو جيش الإسلام، ويعتبرون أعمالهم الإجرامية جهادا، ولا أدري من أي مصدر شيطاني يأتي هؤلاء بأحكامهم الضالة المضلة هذه، التي يستدلون بها على مشروعية أعمالهم الإرهابية التي نالت من المسيحي والمسلم ورجال الشرطة والجيش الذين يسهرون على أمن الوطن والمواطنين، وفي نوبات حراستهم».
وأكد الدكتور شومان، وهو الأمين العام لهيئة كبار العلماء، أن «دعوة الملك عبد الله تصب في نقطة مهمة ومحورية وهي الاستفادة مما قدم العلماء الثقات من أنحاء المعمورة، الذين أجمعوا على خطورة هذه الأفكار التكفيرية، ويبينون للناس أن ديننا دين السماحة، يأبى تكفير الناس إلا بيقين، وأنه لا مجال لتكفير من نطق بالشهادتين إلا بجحدهما جملة أو إحداهما أو إنكار ما علم من ديننا بالضرورة، وأن الحكم بالتكفير من اختصاص القضاء». وتابع بقوله «أما العلماء فمجال حديثهم في التكفير يقتصر على التحذير منه وبيان خطورته وبيان الأمور المكفرة دون إسقاط أحكام الكفر على الناس كما يحلو لكثير من الناس في زماننا، وأمر هؤلاء يثير الشفقة عليهم في نفوس العلماء العارفين بخطورة التكفير، ويكفي لبيان غفلة هؤلاء المكفرين للناس قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم «إذا قال المرء لأخيه يا كافر فقد باء بإثمها أحدهما، فإن كان كما قال وإلا ردت إليه».
وثمن مفتي مصر، الدكتور شوقي علام، رسالة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بإنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب، مؤكدا أن الدار تضع كل إمكانياتها العلمية والشرعية وتسخرها لخدمه هذا الكيان المهم. وقال المفتي «إن الإسلام جاء للسلم والبناء، ومخطئ من يعتقد أن الإسلام يدعو للتخريب والعنف والإرهاب، ونحن وجدنا أن أي عمل إرهابي يبدأ بفكرة متشددة، ولكي نقضي على الإرهاب لا بد من تفكيك هذه الأفكار المتشددة بشكل علمي والرد عليها بالحجج ودحضها من أجل القضاء على الإرهاب في مهده، لذلك جاء دعمنا الكامل لمبادرة خادم الحرمين الشريفين.. ونحن على استعداد تام لتقديم كل أشكال الدعم العلمي والشرعي لهذا المركز لأجل مكافحة الإرهاب».
وأشار مفتي مصر إلى «وجوب الالتزام بالاتفاقات والمواثيق والعهود الدولية التي رضيت بها الدول الإسلامية، وكذلك التأكيد على حرمة الغدر بغير المسلمين متى دخلوا بلاد الإسلام مستأمَنين، فكذلك الحال بالنسبة للمسلم إذا دخل بلاد غير المسلمين بتأشيرة دخول ونحوها فإنه يكون مستأمَنا، ولا يجوز له حينئذ أن يقوم بأي انتهاك لحرماتهم أو تَعَدٍّ عليهم، ودماؤهم وأموالهم وأعراضهم عليه حرام، ولو تعدَّى على شيء من ذلك كان غدرا وخيانة منه».
وسبق أن أطلقت دار الإفتاء المصرية حملة دولية ستتواصل فيها مع وسائل الإعلام الأجنبية والشعوب الغربية لعدم استخدام مصطلح «الدولة الإسلامية» عند الحديث عن تنظيم «داعش» الإرهابي، واستبدال مصطلح «دولة المنشقين عن القاعدة في العراق والشام» به. وقال مفتي مصر إن ما يقوم به تنظيم «داعش» من قتل للمسلمين باسم الجهاد هو بعيد عن الدين الإسلامي، مؤكدا أهمية إعادة فهم مصطلح الجهاد.
في غضون ذلك، رحب الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف المصري، بدعوة خادم الحرمين الشريفين لمحاربة الإرهاب، قائلا «لا شك في أن دعوة خادم الحرمين الشريفين تستحق التقدير والتفعيل، كونها تأتي تعبيرا عن الإدراك الكامل لواقع الإرهاب وخطورته، وكونها صادرة من شخصية في وزن وثقل خادم الحرمين الشريفين تزن كلامها بدقة، وتعي ما تقول، ومتى تقول، وتدرك حجم التحديات وموازين القوى».
وأضاف وزير الأوقاف «لقد ظللنا لفترة طويلة من مواجهتنا للإرهاب نشعر بالوحدة في تلك المواجهة الصعبة، غير أننا لم ولن نيأس، ولم نقنط من رحمة الله يوما ما، وكنا وما زلنا على يقين من أن مواجهة الإرهابيين واجب شرعي وقومي وعربي ووطني، لأنه خطر داهم يهدد بنيان الأمة العربية كلها، بل إن شئت فقل إنه مصنوع ومدفوع وممول قصدا لتفتيتها وتمزيقها، وصنع ما لم يستطع الاستعمار أن يفعله بها».
وشدد وزير الأوقاف المصري على أن «وضع الأمة في مواجهة المخاطر يتطلب من كل عقلاء الأمة وحكمائها والوطنيين الغيورين على دينهم وأوطانهم فيها أن يفطنوا لكل هذه المخططات الخبيثة المشبوهة التي لا تخدم سوى أعداء الأمة وعلى رأسهم القوى الاستعمارية الطامعة في الاستيلاء على نفط منطقتنا العربية وخيراتها ومقدراتها الاقتصادية والجغرافية، مما يتطلب وقفة رجل واحد في مواجهة كل هذه التحديات، والعمل على أرضية وطنية وقومية مشتركة تنأى عن توظيف الخلافات المذهبية لأغراض سياسية، وتعمل بكل جد وحسم على مواجهة التطرف الديني بشقيه، سواء في اتجاه الغلو والتشدد والإرهاب، أو في اتجاه الإلحاد والعمل على زعزعة القيم الأخلاقية والحضارية الراسخة لأمتنا العربية والإسلامية».
وأكد الدكتور القصبي زلط، أستاذ علوم القرآن بجامعة الأزهر، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، أن «دعوة خادم الحرمين الشريفين لعلماء الأمة الإسلامية لمواجهة التطرف والإرهاب والأصولية المتشددة تؤكد على شقين: الأول حرص قادة الأمة الإسلامية على التمسك بالإسلام الوسطي المعتدل، وهي دعوة لتكاتف الأمة الإسلامية ضد هذه المنظمات الراديكالية الأصولية التي تدعم الإرهاب والتطرف في المجتمع. والشق الثاني هو توجيه الدعوة لعلماء الأمة الإسلامية لأن علماء الأمة لهم دور كبير في تبصير وتنوير المجتمع وتعريفه بالإسلام الوسطي الصحيح البعيد كل البعد عن التعصب والتطرف وعن القتال وعن البغض والفحشاء، ولأن علماء الأمة هم حائط الصد أمام أي غزو فكري أو غزو يريد النيل من الإسلام واللعب بعقول شباب المسلمين».
وتابع عضو هيئة كبار العلماء بقوله إن تأكيد الملك عبد الله على مواجهة هذا المد الأصولي الذي انتشر في الأمة الإسلامية هو دعوة واضحة لتكاتف الأمة الإسلامية حول العلماء، لأن هذه الدعوة جاءت في وقتها، وجاءت لتنبه المجتمع الإسلامي كله لهذا لخطر الشديد الذي بات يؤرق المجتمع.
وعن الدور المتوقع من علماء الأمة الإسلامية، قال الدكتور زلط إن «دور علماء الأمة يتمثل في توضيح زيف ادعاءات هذه المنظمات التي ترعى الأصولية المتشددة وتنشر في الأرض الفساد، لأن هذه المنظمات تصم آذانها عن الحقائق ولا تلقي بالا لأي مسألة صحيحة يمكن أن تدحض افتراءاتهم ومزاعمهم؛ لكنها تسعى وتلهث خلف أخطاء بعض الجهلاء». ولفت عضو هيئة كبار العلماء إلى أن «هذه قضية خطيرة نبه إليها خادم الحرمين الشريفين، لأن هناك نصوصا تؤول على غير وجهها، وهذه النصوص لا بد من الوقوف عليه لشرحها وتفسيرها وتوضيحها حتى لا يقع فيها من لا دراية له بتأويل النصوص، فمثلا هناك قول الله تعالى (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)، وهناك قوله (وَقاتِلُوهُمْ حتى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ)، فبعض الفقهاء فسروا الفتنة بالشرك، ومعنى هذا أن علاقة المسلم مع غير المسلم علاقة حرب وقتال، أي أنه لا بد من إزالة الشرك، وإزالة الشرك تقتضي القتال وتقتضي الحروب، وهذا الفهم لا يمكن أن يقر عليه أحد.. ومن هنا تتخذ هذه المنظمات الأصولية المتشددة هذا الفهم لتنشره بين شباب الأمة الإسلامية، وتظهر هذه الأفكار لتنشئ جماعات تقتل وتستحل الدماء بما يخالف فهم الإسلام الصحيح، وتعيث في الأرض فسادا، وتقوم هذه الجماعات بما نراه الآن من مجازر ترتكب باسم الإسلام وباسم إقامة دولة الإسلام.. ولذلك فدعوة الملك عبد الله هي دعوة لتنبيه الأمة الإسلامية لهذا الخطر الذي يتهددها».
بينما يرى الدكتور أحمد عمر هاشم، أستاذ الحديث الشريف بجامعة الأزهر، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، أن دعوة خادم الحرمين الشريفين هي تنبيه وتأكيد على دعوات الأزهر الشريف التي أطلقها منذ وقت قريب للتنبيه إلى خطر هذه الجماعات التي تنشر الفكر المتطرف بين المجتمع المسلم وتشوه صورة المجتمع المسلم وتصوره على أنه مجتمع متعطش للدماء ومجتمع يهوى القتال والحروب، ويلغي من عقيدة الإسلام فكر السلام والمحبة التي هي في الأساس دعوة الإسلام الصحيح.
ولفت الدكتور هاشم إلى أن «الرسول (صلوات الله وسلامه عليه) لم يكن في يوم من الأيام يسلك سبيل القتال أو الحروب إلا بعد اعتداء الكفار عليه»، مضيفا أن «التنبيه لمثل هذا الخطر الذي يدفع بالأمة الإسلامية إلى الهاوية أمر ضروري، ويجب على علماء الأمة التوضيح والتبصير للمجتمع المسلم وغير المسلم بحقيقة الإسلام السمح المعتدل الذي يدعو إلى السلام والمحبة والتعايش وإعمار الأرض، وينهى عن القتال والبغضاء وينهى عن الإفساد في الأرض».
ويرى هاشم أن مثل هذه الجماعات المتطرفة تتخذ فهم الإسلام الخاطئ وتتخذ التشدد والتطرف والقتل منهجا لها، وأن دور علماء الأمة التبصير بهذا المنهج الخاطئ ورد من يسلك هذا الطريق، مشيرا إلى أن دعوة خادم الحرمين الشريفين لوقف هذا التمدد للأصولية المتشددة أمر حتمي وضروري لأنها حرب على الإسلام والمسلمين.
في السياق ذاته، أكد الدكتور الأحمدي أبو النور، وزير الأوقاف المصري الأسبق، عضو هيئة كبار العلماء، أن علماء الأمة الإسلامية هم حائط الصد ضد أي أفكار خاطئة تريد المنظمات التي ترعى التطرف والإرهاب نشرها، موضحا أن دعوة خادم الحرمين الشريفين لمواجهة هذا الخطر الحقيقي الذي يتهددنا هي دعوة للأمة الإسلامية للتكاتف، ودعوة لعلماء الأمة لكشف زيف هذه المفاهيم الخاطئة.
وأبدى وزير الأوقاف الأسبق استعداد علماء الأزهر الشريف وأساتذة جامعته وخطباء الأوقاف وعلماء الأمة لمناقشة هذه الملفات الدينية ودحض افتراءات هؤلاء الذين يتبعون سنن الإفساد في الأرض والقتل، مشددا على أن هذا هو دور علماء الأمة باعتبارهم حائط الصد ضد هذه الأفكار المتشددة، لافتا إلى أن دعوة خادم الحرمين الشريفين تؤكد على ضرورة وحدة الأمة الإسلامية وعدم فرقتها لأن في فرقتها إضعافا لها، مشيرا إلى أن مثل هذه الجماعات التي تقتل باسم الإسلام تعمل بعيدا عن تعاليم الإسلام، ومن ثم فإنها تسعى لشق صف المسلمين وإضعافهم.
وعن دور علماء الأمة، أوضح وزير الأوقاف الأسبق أن علماء الأمة يجب أن ينتبهوا إلى هذا الخطر الحقيقي الذي يتربص بالإسلام، ويتجهوا لمناقشة القضايا الخطرة التي تتعلق بمثل هذه الجماعات المتشددة التي تقتل وتفسد في الأرض باسم الإسلام، وتوضيح المفاهيم الإسلامية الصحيحة، وأن يخرج العلماء لتوضيح حقيقة الإسلام الذي ينهى عن القتل والتخريب وليس الإسلام المتشدد الذي تنهجه هذه الجماعات.
وقال الدكتور محمود مهني، نائب رئيس جامعة الأزهر الأسبق، عضو هيئة كبار العلماء، إن «دعوة خادم الحرمين الشريفين هي دعوة تؤكد على مدى خطورة هذه الأفكار المتشددة التي تسعى في الأرض فسادا»، مضيفا «الناظر لهذه الدعوة يشعر بمدى هذا الخطر الذي يهدد المجتمع المسلم وباتت تعاني منه كل المجتمعات»، مشددا على أن دعوة خادم الحرمين الشريفين لعلماء الأمة لنقد هذا الفكر المتطرف تعد أول خطوة في الطريق الصحيح، لأنه على علماء الأمة دور التصحيح وتعريف المجتمع الدولي بصفة عامة والمجتمع المسلم بصفة خاصة بحقيقة الإسلام الحنيف الذي يدعو إلى السلام والمحبة وإعمار الكون، لافتا إلى أن علماء الأمة هم بالفعل حائط الصد الذي يمنع انتشار تلك الأفكار المتشددة وهذا دورهم، مشيرا إلى أنه يجب على علماء الأمة التكاتف والوجود في كل المجتمعات الإسلامية حتى يوضحوا حقيقة الإسلام الصحيح البعيد كل البعد عن هذه الأفكار التي تقول بالقتل وسفك الدماء، وأن يحاول العلماء جاهدين حل لهذه القضية الخطرة التي نبه إليها خادم الحرمين الشريفين وكذلك الأزهر الشريف.
من جهته، قال الدكتور عبد الحليم منصور، أستاذ الفقه المقارن، وكيل كلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر بفرع الدقهلية، إن «أهم شيء يمكن مواجهة الفكر المتطرف من خلاله هو العلم، وخط الدفاع الأول والأهم في مواجهته هم رجال العلم، والفكر، والدين، ومن ثم فإن رسالة الملك عبد الله أصابت في فحواها ودلالاتها الهدف مباشرة، ووضع يده على موطن الداء، وأساليب العلاج». وتابع «ليس ذلك إلا لأن الفكرة لا تواجه إلا بمثيلتها، وبمناقشتها، وببيان مدى صحتها أو عوارها، فلن تسكت الألسن أصوات المدافع، ولن تنير العقول الأسلحة الثقيلة أو الخفيفة، وإنما يفعل كل ذلك العلماء، وأهل الفكر المعتدل من رجال الأزهر وغيرهم في مصر والعالم»، مضيفا «من المفيد أيضا أن تكون رسالة الملك عبد الله - التي نثمنها كثيرا - هي رسالة كل الرؤساء والملوك في العالم العربي والإسلامي، والعمل على تنفيذ فحواها ومضمونها على أرض الواقع، من خلال التعاون العام والتام بين هذه الدول ومؤسساتها المختلفة، لمواجهة أوجه الانحراف الفكري لدى هذه التيارات».
وأضاف الدكتور منصور «بقيت آليات التنفيذ، والتي تحتاج إلى دعم على مستوى الدولة، وعلى كل مستويات قطاعاتها، ففي مصر مثلا من المعلوم أن التيارات الراديكالية الأصولية تتوارى خجلا في ظل وجود الأزهر وقوته، وتفقد ذاتيتها ووجودها في ظل قوته وقوة علمائه، لما له من ميراث طويل عبر قرون عديدة، وتراث مجيد، فضلا عن وضوح رسالته، وهي تجديد الدين في قلوب الخلق، وحمل رسالة الأنبياء في هداية الناس إلى صراط الله المستقيم، في اعتدال ويسر، وبالحكمة والموعظة الحسنة. ولم يكن لهذه التيارات وجود إلى جوار الأزهر عبر عمر مديد، ولكن في القرن الماضي دأبت بعض الحكومات على إضعاف دور الأزهر، وعدم دعمه ماديا، ومعنويا، فنشأت إلى جواره نتوءات من هنا ومن هناك، ثم ما لبثت أن تمددت، لوجود من يدعمها، داخليا وخارجيا، وأصبحت تعمل هذه الكيانات على مناهضة الأزهر، والنيل من علومه ومن رجاله، ثم ما لبثت أن خرجت إلى الحياة تعلن عن وجودها، وأصوليتها، وعن مشاريعها السياسية، التي تريد جعلها موضع التطبيق والتنفيذ، وكل ذلك ما كان ليحدث لو أن الأزهر كان في قوته، وفي عنفوانه».
وتابع قائلا إنه على دول المنطقة جمعاء العمل على دعم الأزهر ورجاله في أداء رسالته في نشر الدين الوسطي المعتدل في مصر والعالم العربي والإسلامي لما له من تأثير كبير في الداخل والخارج، وهو بمثابة حائط الصد الأول في وجه كل أولئك الذي يريدون العبث بمقدرات الأوطان وحقوق الشعوب، مضيفا أن «الأزهر ورجاله دأبوا على مر التاريخ على الحفاظ على الهوية المصرية والعربية والإسلامية، ونشر الدين السمح بين جموع شعوب الوطن العربي والإسلامي، دون أن تكون لهم مصلحة أو هدف سوى تعبيد الناس لرب العالمين وفق منهج الله الصحيح، وصراطه المستقيم».
وقال الدكتور منصور «تنفيذيا على أرض الواقع، لا بد لمواجهة هذه التيارات من العمل على وجود تعاون علمي بين المؤسسات الدينية في العالم العربي والإسلامي، مثل هيئة كبار العلماء، ومجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، وأيضا وزارة الأوقاف، ودار الإفتاء، وبين المؤسسات الدينية الأخرى، مثل مجمع الفقه الإسلامي بجدة، واللجنة الدائمة للإفتاء بالسعودية، وكذا باقي المؤسسات الدينية في الوطن العربي، لوضع الأسس التي يجب أن يواجه بها كل فكر منحرف، يدعو إلى فكر غير معتدل. ولا بد من وضع خطط استراتيجية قصيرة وطويلة المدى، ووضع آليات تنفيذها، واختيار المسؤولين الأكفاء القادرين على التنفيذ بشكل علمي، للنهوض بالوطن نحو الأفضل، من خلال مواجهة الفكر المتشدد في الوطن العربي والإسلامي»، موضحا أنه «من خلال ما تقدم يمكن أن تؤتي رسالة الملك عبد الله رسالتها على النحو المنشود، في دحض الإرهاب، وقطع دابره، وتخليص الناس من شره، إذا قام العلماء على رسالتهم خير قيام، متعاونين مع سائر المؤسسات الأخرى داخليا وخارجيا، وأدوا رسالتهم وواجبهم على النحو المنشود، فلا شك أنه في هذه الحالة ستتغير ملامح الحياة نحو الأفضل».
أما الدكتور عبد الله النجار، أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، فقال إن «دعوة خادم الحرمين الشريفين بمثابة تنبيه وإشعار للمجتمع المسلم بخطر الفكر التكفيري، وأن هذا الخطر بات يهدد الأمة من مشرقها لمغربها، وأصبح حال المسلمين يرثى له، فلا يوجد بلد مسلم إلا وبه عصابة تسمى نفسها بجماعة الإسلام وتنتهك حرمات المجتمع المسلم من قتل وتخريب وسفك للدماء، ولا تراعي حرمات الله تعالى»، مضيفا أنه «على الأمة الإسلامية أن تتنبه لهذه الدعوة (دعوة خادم الحرمين الشريفين) وأن تتكاتف وتلفظ هذه المنظمات التي ترعى الإرهاب وتدعمه، لأنها تعمل على تخريب الدول وتفريق المسلمين وإضعاف شوكة الإسلام بنشر هذه الجماعات التكفيرية حتى تصور للعالم أن هذا هو الإسلام وهؤلاء هم المسلمون».
وأضاف الدكتور محمد فتحي فرج، الأستاذ بجامعة الأزهر فرع المنوفية «حفظ الله أمة الإسلام على مدار الزمان، ولن تضيع هذه الأمة الأبية الآن أو مستقبلا إن شاء الله تعالى؛ لأن الله تعالى قد وهب لها من خيرة أبنائها في ساعة العسرة من يأخذ بيدها، ويشد من أزرها، وينير لها الطريق، ويزيل منه العوائق والعقبات الكأداء. وقد حدث هذا كثيرا في تاريخ أمتنا البعيد والقريب على السواء.. وما زالت تتردد في الذاكرة العربية أصداء قرار المغفور له بإذن الله تعالى الملك فيصل بحظر تصدير النفط أثناء حرب أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973.. والآن، فإن ما قام به الملك عبد الله من خلال تفهمه لما يجري على الساحة العربية، لا سيما في مصر، ووقوفه ومعظم أشقائه من قادة دول الخليج العربي بجوارها ومساندتها؛ بل وموقفه مما يجري في البلاد العربية الأخرى التي تسيل على أرضها دماء شهداء الإرهاب الأسود، كل هذا يدل دلالة قاطعة على حكمته وحرصه على قيامه بمسؤولياته دينيا وسياسيا وقوميا».
وتابع «ثم تأتي دعوته الكريمة الآن في هذه الأوقات العصيبة التي تمر بها أمتنا العربية والإسلامية؛ ليظهر من خلالها فكره الثاقب ونظرته المستقبلية المستشرفة الراصدة لأخطار محدقة ببلاد عالمنا العربي الإسلامي، جراء ما يراد لها من مخططات تهدف إلى خلط الأوراق، لإلقاء التهم بالباطل وإلصاقها بديننا السمح الحنيف وشعوبنا العربية والإسلامية المسالمة؛ لاتخاذ هذا كله ذريعة لإعادة النظر في المنطقة كلها ومحاولة تفتيتها. ويعد ذلك من باب تنبيه الغافل، وإيقاظ النائم، ودق ناقوس الخطر لاستنهاض همم علماء الأمة ومفكريها، للقيام بواجبهم تجاه أمتهم. وهي دعوة كريمة نحمدها لقادة هذه الأمة، خاصة حينما يقوم بها من نثق فيهم كالملك عبد الله»، لافتا إلى أن دعوة خادم الحرمين الشريفين بشأن تفعيل مبادرة إنشاء «مركز دولي لمكافحة الإرهاب» هي «الخيار الأمثل في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ أمتنا، ولكي تثبت للعالم أجمع من خلال بحوث علمية وميدانية يجريها الباحثون والدارسون، ويقوم بها أو يشرف عليها العلماء والمفكرون، الذين ينتمون إلى اتجاهات عقلانية شتى، بل وأديان وجنسيات شتى، المدى الراقي والرائع لوسطية الإسلام وسماحته ووقوفه بالمرصاد للإرهاب والإرهابيين، الذين يروّعون الآمنين في أوطانهم وأعمالهم».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.