أنهى تنظيم «داعش»، وجود مقرات القوات النظامية في معقله بالرقة، لكنه لم يتمكن بعد من «تطهير» المحافظة من كامل معارضيه، نظرا لخضوع بعض القرى في شمال شرقي المحافظة لسيطرة «قوات حماية الشعب الكردي». وإضافة إلى كونها أول محافظة تخرج بالكامل عن سيطرة نظام الرئيس السوري بشار الأسد، تحولت، خلال عام، إلى عاصمة «داعش»، حتى بات ناشطون سوريون يطلقون عليها اسم «قندهار سوريا».
والمحافظة الواقعة شمال شرقي سوريا، وتحدّ حلب من الغرب، والحسكة من الشرق، والبادية السورية من الجنوب، والأراضي التركية من الشمال، اكتسبت لقب «قندهار» لاتساع نفوذ الإسلاميين فيها، منذ العام الثاني للحراك ضد النظام. فقد سُجل فيها واحد من أوائل مؤشرات ظهور «جبهة النصرة»، حيث سيطر مقاتلوها على مقرات حكومية، وشنوا عمليات واسعة ضد القوات النظامية، ما أدى إلى طردهم من مناطق واسعة في المحافظة. وبعد هذه المرحلة، شهدت المحافظة أول ظهور لتنظيم «داعش» الذي كان يعمل تحت مسمى «الدولة الإسلامية في العراق والشام». وولد التنظيم في الرقة، نتيجة انشقاقات داخل فصائل إسلامية أخرى، وأعلن رسميا عن عملياته، بحادثة إعدام ثلاثة أشخاص علويين في ساحة المدينة، تبين فيما بعد أن بينهم طبيبا وابن شقيقته.
ولم تغب الرقة عن الأخبار اليومية التي أبرز سلوكيات التنظيم وأحكامه المتشددة، بدءا من جمع السجائر ومنع بيعها، إلى مصادرة أزياء نسائية مزركشة، ومنع النساء من ارتياد المدارس، وصولا إلى إعدام الخصوم، وفرض التعاليم الإسلامية في المحافظة، ومصادرة منازل يسكنها سوريون بعد تهجيرهم، واستخدامها كمساكن لمقاتليها المهاجرين. وشهدت الرقة ثلاث عمليات رجم، نفذت أولها بحق امرأة، فيما عوقب رجل اتهم امرأة بالزنى، بالرجم خلال الشهر الماضي. وساهمت تلك الممارسات «بتكريس المحافظة كوجه لحكم الإسلاميين المتشددين، الشبيه بمدينة قندهار الأفغانية»، إبان حكم «حركة طالبان»، كما يقول ناشطون من المحافظة.
اتسع ظهور «داعش» في الرقة، بشكل مفاجئ بين ربيع العام 2013. وسبتمبر (أيلول) 2013، حين أعلن سيطرته على أول مدينة سوريا يُطرد النظام منها، ولا تزال حتى الآن المدينة الوحيدة الخارجة عن سيطرته. وكانت ثلاثة كيانات مسلحة تتقاسم السيطرة على المحافظة، هي «داعش» والنظام السوري الذي بقي مسيطرا على ثلاثة مقرات عسكرية، إضافة إلى مقاتلين إسلاميين، في مقدمهم «جبهة النصرة». وفيما هادنت «داعش» قوات النظام، على قاعدة «قضم الأضعف»، كما تقول مصادر عسكرية معارضة لـ«الشرق الأوسط»، أطلق في المقابل عملياته «ضد خصومه من الإسلاميين، وبدأ بطرد مقاتلي النصرة وحلفائها من مناطق الرقة تدريجيا، إلى أن استقرت السيطرة في يونيو (حزيران) الماضي على قوات النظام، ومقاتلي «داعش».
ويقول مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن لـ«الشرق الأوسط»، إن تنظيم داعش سيطر على الرقة «بعد أن قتل وأعدم مئات المقاتلين من جبهة النصرة وأحرار الشام والكتائب الإسلامية والكتائب المقاتلة». وعند إنهاء وجود خصومه من فصائل المعارضة، بدأ التنظيم شن عملياته على مواقع النظام الثلاثة، وتمكن من طرد القوات النظامية من الفرقة 17 بداية، قبل الهجوم على اللواء 93، والسيطرة عليه، ثم السيطرة أول من أمس على مطار الطبقة العسكري، آخر مواقع النظام في المحافظة.
وفي فترة الهدنة غير المعلنة بين النظام و«داعش» في الرقة، لم تتوقف الطائرات السورية عن ضرب مواقع للتنظيم، استهدفت المحاكم الشرعية، والمقرات العسكرية، ونقاط التجمّع العسكري، حتى قال ناشطون إن صواريخ أطلقها النظام على المحافظة، بينها «سكود»، رغم أن عبد الرحمن يؤكد أنها صواريخ ضخمة، أحدثت دمارا كبيرا: «من غير أن نتمكن من التوثيق ما إذا كانت صواريخ باليستية أو صواريخ سكود أو غيرها».
وإذ تتجه الأنظار إلى المحافظة كونها نقطة استقطاب لهجمات جوية أميركية محتملة ضد معاقل التنظيم، بعد إعلان وزير الخارجية السوري وليد المعلم، أمس، موافقة بلاده على تنسيق الضربات مع المجتمع الدولي، تتواصل الاشتباكات في محيطها، بعد سيطرة التنظيم على مطار الطبقة الذي قالت مصادر مقربة من «جبهة النصرة» إنه تحقق «بعد اتفاق عُقد بين النظام وداعش على الانسحاب منه باتجاه مدينة أثريا في حماه».
ويؤكد عبد الرحمن لـ«الشرق الأوسط» أن انسحاب مقاتلي النظام من المطار باتجاه أثريا «تحقق بالفعل»، مستدلا إلى «إزالة داعش حاجزا لها بين المنطقتين، ما مكّن عناصر النظام من الخروج باتجاه السلمية». ويوضح أن «داعش أزال الحاجز كي يجنب مقاتليه المزيد من الخسائر، ففتح ممرا للهروب لتخفيف المقاومة عن المطار، فيما لجأ النظام إلى سياسة تقليص الخسائر عبر الانسحاب من الموقع».
ويؤكد أن 195 مقاتلا من القوات النظامية، من أصل 1400 على الأقل، قتلوا في المعركة إضافة إلى عدد من الأسرى لدى «داعش»، في مقابل 800 إصابة بين قتيل وجريح تكبدها التنظيم، بينهم 346 قتيلا. ويشير إلى أن القوات النظامية «استخدمت مختلف أنواع أسلحتها للسيطرة على مطار الطبقة، بدءا من العبوات إلى القصف المدفعي والصاروخي والغارات الجوية، لكنها لم تتمكن من صد الهجمات المتتالية التي نفذها الآلاف من مقاتلي الدولة، خصوصا بعد وصول أرتال من مقاتليها من دير الزور والعراق».
وتواصل القصف النظامي أمس لمعقل «داعش»، إذ أفاد المرصد بإطلاق النظام صاروخين من نوع «سكود» على أماكن في منطقة الطبقة، فيما نفذ الطيران الحربي خمس غارات على مناطق في مطار الطبقة العسكري بعد سيطرة التنظيم عليه وعلى مزارع بالقرب منه، بالتزامن مع اشتباكات بين عناصر من قوات النظام والمسلحين الموالين لها، من طرف، وتنظيم داعش، من طرف آخر، في محيط مزرعة العجراوي بالقرب من مطار الطبقة. وأشار المرصد إلى أن تنظيم داعش منع الحافلات والسيارات من الخروج من محافظة الرقة، تخوفا من قيام هذه السيارات والحافلات بـ«نقل عناصر قوات النظام الفارين والمنسحبين من مطار الطبقة العسكري»، و«حفاظا على سلامة المسلمين».
الرقة.. «قندهار سوريا» تنتظر الضربات الأميركية
«داعش» سيطر عليها في ربيع 2013.. وتعد الأولى خارج سيطرة النظام بالكامل
الرقة.. «قندهار سوريا» تنتظر الضربات الأميركية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة