بعد يوم واحد فقط من تنفيذ قرار نقلهم من أماكن وجودهم العشوائية في أغلب شوارع وسط القاهرة إلى إحدى ساحات الانتظار بصورة مؤقتة لحين إقامة سوق دائمة لهم، تظاهر مئات من الباعة الجائلين في وسط العاصمة أمس مطالبين بإعادتهم إلى أماكنهم، ووسط مشادات وتراشقات مع تعزيزات أمنية، وقطع لبعض الطرق، رفع الباعة شعارات اعتاد المصريون سماعها في وقت ثورة 25 يناير 2011، ومنادين بـ«العيش والحرية والعدالة الاجتماعية».
ورغم اختلاف المشهد صباح أمس عن السنوات السابقة في وسط القاهرة، إذ لاحظ المارة أن الشوارع خلت تماما من الباعة الجائلين الذين احتلوا الأرصفة طيلة نحو ثلاثة أعوام، حاجبين ببضائعهم كل مظاهر الشوارع من محال وشركات وحتى فنون العمارة التي تمتاز بها تلك المنطقة، فإن رواد وسط المدينة، رغم تعبيرهم عن الارتياح، قالوا في سخرية: «نقلوا الباعة الجائلين، وزرعوا محلهم سيارات وحافلات ومدرعات وأوناش الشرطة.. مجرد استبدال لإشغال الطريق، لكن بصورة (رسمية) هذه المرة».
وتقول السلطات المصرية إن وجود الباعة الجائلين بأحد أهم مناطق العاصمة أدى إلى مشكلات مرورية وأمنية كبيرة خلال السنوات الماضية، وإن قرار نقلهم إلى «جراج الترجمان» المجاور، الذي جرى تنفيذه أول من أمس، كان حتميا. وأوضح مصدر أمني لـ«الشرق الأوسط» أن «القرار لا رجعة فيه، ويتعلق بصورة مباشرة بفرض هيبة الدولة بعدما أدى وجود هؤلاء الباعة إلى خلل أمني كبير، وضرب عرض الحائط بالقوانين. إلى جانب استعادة المظهر الحضاري لإحدى أهم مناطق العاصمة، وأغزرها كثافة من حيث المرور والسكان».
وأشار المصدر الأمني إلى أن الأجهزة المختلفة بمحافظة القاهرة تواصلت على مدار أسابيع مع الباعة الجائلين قبل تنفيذ القرار، وأوضحت لهم أهمية تنفيذه. مؤكدا أن النقل مؤقت لحين تجهيز مكان دائم يستوعب عددا كبيرا من الباعة على غرار الأسواق التي تقام في شوارع الدول المتقدمة.
ويؤكد سكان وأصحاب المتاجر من منطقة وسط القاهرة أن وجود الباعة الجائلين تسبب في رفع معدلات الجريمة في المنطقة، بداية من سلوك «البلطجة»، والمشاحنات اليومية التي لا تنتهي حتى في أوقات متأخرة من الليل، وصولا إلى خطورة بعضهم على الأمن بصورة عامة، كون عدد منهم من المسجلين الإجراميين.
ويقول مراقبون إن هؤلاء الباعة الجائلين جرى استغلالهم خلال الأحداث السياسية التي شهدتها مصر خلال الأعوام الماضية، بدءا من «تأجير بعضهم للسير في مظاهرات تابعة لعدد من القوى»، وصولا إلى «استغلالهم للاعتداء على عدد آخر من المظاهرات المعارضة». وقالت مصادر أخرى قريبة من المشهد، إن «عددا من حوادث الاعتداءات والانتهاكات الجنسية التي شهدها محيط ميدان التحرير، كان عدد من هؤلاء الباعة ضالعين فيها بصورة مباشرة.. لا نقول إن كلهم جناة، لكن هناك مجرمين يتخفون وسطهم».
لكن عددا كبيرا من الباعة يقسمون أنهم غير «مسيسين»، بل فقط يسعون إلى إيجاد مورد رزق. مؤكدين أن ادعاءات انتماء كثير منهم إلى الإخوان أو استغلالهم سياسيا من قبل الجماعة، هي اتهامات مرسلة من أجل التخلص منهم. لكن هؤلاء لم ينفوا عن أنفسهم التسبب في بعض المشاغبات «الخفيفة» على حد قولهم، مثل الشجارات والمشاحنات في الشوارع، لكنهم أوضحوا أن ذلك يأتي فقط في إطار «سياسة السوق، التي قد تشهد مثل تلك الأحداث».
ورغم الكثافة والتعزيزات الأمنية في وسط القاهرة أمس، تظاهر مئات من الباعة الجائلين، بدءا من موقعهم الجديد، ووصلوا في مسيرتهم إلى دار القضاء العالي وسط القاهرة، والتي تبعد أمتارا عن أماكن وجودهم القديمة. وكان لافتا هتافاتهم التي استعادت أجواء ثورة يناير، وكان أبرز تلك الهتافات: «عيش، حرية، عدالة اجتماعية»، ووجهوا اتهامات للحكومة بمحاربة الفقراء والباحثين عن الرزق، وطالبوا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالتدخل لحفظ موارد رزقهم.
وقال أحد الباعة ويدعى عبد السلام: «الحكومة نقلتنا إلى مكان صعب الوصول إليه من الزبائن.. ضحكوا علينا، ومن الصبح لم يدخل علينا أحد ليشتري.. قطعوا أرزاقنا». فيما أكد زميل له بالمظاهرة: «أنا لم أجد مكانا من الأساس للوقوف.. عددنا بالآلاف والمكان لا يستوعب إلا مئات»، على حد قوله.
وأوضح عبد السلام لـ«الشرق الأوسط» أن المحافظة خلال تواصلها مع الباعة الأسبوع الماضي، وعدتهم بالعمل على توفير خطوط مواصلات في شكل «ميكروباصات» (حافلات أجرة خاصة صغيرة) بين شوارع وسط القاهرة ومنطقة عملهم الجديدة، إلا أن ذلك لم يحدث.
وخلال المظاهرة، حاول عدد من الباعة إعادة بضائعة وإشغالاته إلى أرصفة وسط القاهرة مجددا، إلا أن قوات الأمن الكثيفة أزالت تلك الإشغالات مجددا بعد مشادات واحتكاكات مع الباعة. وهو ما أدى إلى اختناقات مرورية في عدد كبير من الشوارع، مذكرا السكان والمارة مجددا بأيام ظنوا أنهم تجاوزوها عقب قرار نقل الباعة الجائلين.
الباعة الجائلون في «مظاهرة ثورية» وسط القاهرة
قطعوا الطرق مطالبين بالعودة إلى أماكنهم.. واتهامات أمنية وسياسية تطاردهم
الباعة الجائلون في «مظاهرة ثورية» وسط القاهرة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة