الباعة الجائلون في «مظاهرة ثورية» وسط القاهرة

قطعوا الطرق مطالبين بالعودة إلى أماكنهم.. واتهامات أمنية وسياسية تطاردهم

وزير الداخلية محمد إبراهيم (وسط) محاطا برجال الأمن في القاهرة بعد تنفيذ قرار نقل الباعة الجائلين أمس (رويترز)
وزير الداخلية محمد إبراهيم (وسط) محاطا برجال الأمن في القاهرة بعد تنفيذ قرار نقل الباعة الجائلين أمس (رويترز)
TT

الباعة الجائلون في «مظاهرة ثورية» وسط القاهرة

وزير الداخلية محمد إبراهيم (وسط) محاطا برجال الأمن في القاهرة بعد تنفيذ قرار نقل الباعة الجائلين أمس (رويترز)
وزير الداخلية محمد إبراهيم (وسط) محاطا برجال الأمن في القاهرة بعد تنفيذ قرار نقل الباعة الجائلين أمس (رويترز)

بعد يوم واحد فقط من تنفيذ قرار نقلهم من أماكن وجودهم العشوائية في أغلب شوارع وسط القاهرة إلى إحدى ساحات الانتظار بصورة مؤقتة لحين إقامة سوق دائمة لهم، تظاهر مئات من الباعة الجائلين في وسط العاصمة أمس مطالبين بإعادتهم إلى أماكنهم، ووسط مشادات وتراشقات مع تعزيزات أمنية، وقطع لبعض الطرق، رفع الباعة شعارات اعتاد المصريون سماعها في وقت ثورة 25 يناير 2011، ومنادين بـ«العيش والحرية والعدالة الاجتماعية».
ورغم اختلاف المشهد صباح أمس عن السنوات السابقة في وسط القاهرة، إذ لاحظ المارة أن الشوارع خلت تماما من الباعة الجائلين الذين احتلوا الأرصفة طيلة نحو ثلاثة أعوام، حاجبين ببضائعهم كل مظاهر الشوارع من محال وشركات وحتى فنون العمارة التي تمتاز بها تلك المنطقة، فإن رواد وسط المدينة، رغم تعبيرهم عن الارتياح، قالوا في سخرية: «نقلوا الباعة الجائلين، وزرعوا محلهم سيارات وحافلات ومدرعات وأوناش الشرطة.. مجرد استبدال لإشغال الطريق، لكن بصورة (رسمية) هذه المرة».
وتقول السلطات المصرية إن وجود الباعة الجائلين بأحد أهم مناطق العاصمة أدى إلى مشكلات مرورية وأمنية كبيرة خلال السنوات الماضية، وإن قرار نقلهم إلى «جراج الترجمان» المجاور، الذي جرى تنفيذه أول من أمس، كان حتميا. وأوضح مصدر أمني لـ«الشرق الأوسط» أن «القرار لا رجعة فيه، ويتعلق بصورة مباشرة بفرض هيبة الدولة بعدما أدى وجود هؤلاء الباعة إلى خلل أمني كبير، وضرب عرض الحائط بالقوانين. إلى جانب استعادة المظهر الحضاري لإحدى أهم مناطق العاصمة، وأغزرها كثافة من حيث المرور والسكان».
وأشار المصدر الأمني إلى أن الأجهزة المختلفة بمحافظة القاهرة تواصلت على مدار أسابيع مع الباعة الجائلين قبل تنفيذ القرار، وأوضحت لهم أهمية تنفيذه. مؤكدا أن النقل مؤقت لحين تجهيز مكان دائم يستوعب عددا كبيرا من الباعة على غرار الأسواق التي تقام في شوارع الدول المتقدمة.
ويؤكد سكان وأصحاب المتاجر من منطقة وسط القاهرة أن وجود الباعة الجائلين تسبب في رفع معدلات الجريمة في المنطقة، بداية من سلوك «البلطجة»، والمشاحنات اليومية التي لا تنتهي حتى في أوقات متأخرة من الليل، وصولا إلى خطورة بعضهم على الأمن بصورة عامة، كون عدد منهم من المسجلين الإجراميين.
ويقول مراقبون إن هؤلاء الباعة الجائلين جرى استغلالهم خلال الأحداث السياسية التي شهدتها مصر خلال الأعوام الماضية، بدءا من «تأجير بعضهم للسير في مظاهرات تابعة لعدد من القوى»، وصولا إلى «استغلالهم للاعتداء على عدد آخر من المظاهرات المعارضة». وقالت مصادر أخرى قريبة من المشهد، إن «عددا من حوادث الاعتداءات والانتهاكات الجنسية التي شهدها محيط ميدان التحرير، كان عدد من هؤلاء الباعة ضالعين فيها بصورة مباشرة.. لا نقول إن كلهم جناة، لكن هناك مجرمين يتخفون وسطهم».
لكن عددا كبيرا من الباعة يقسمون أنهم غير «مسيسين»، بل فقط يسعون إلى إيجاد مورد رزق. مؤكدين أن ادعاءات انتماء كثير منهم إلى الإخوان أو استغلالهم سياسيا من قبل الجماعة، هي اتهامات مرسلة من أجل التخلص منهم. لكن هؤلاء لم ينفوا عن أنفسهم التسبب في بعض المشاغبات «الخفيفة» على حد قولهم، مثل الشجارات والمشاحنات في الشوارع، لكنهم أوضحوا أن ذلك يأتي فقط في إطار «سياسة السوق، التي قد تشهد مثل تلك الأحداث».
ورغم الكثافة والتعزيزات الأمنية في وسط القاهرة أمس، تظاهر مئات من الباعة الجائلين، بدءا من موقعهم الجديد، ووصلوا في مسيرتهم إلى دار القضاء العالي وسط القاهرة، والتي تبعد أمتارا عن أماكن وجودهم القديمة. وكان لافتا هتافاتهم التي استعادت أجواء ثورة يناير، وكان أبرز تلك الهتافات: «عيش، حرية، عدالة اجتماعية»، ووجهوا اتهامات للحكومة بمحاربة الفقراء والباحثين عن الرزق، وطالبوا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالتدخل لحفظ موارد رزقهم.
وقال أحد الباعة ويدعى عبد السلام: «الحكومة نقلتنا إلى مكان صعب الوصول إليه من الزبائن.. ضحكوا علينا، ومن الصبح لم يدخل علينا أحد ليشتري.. قطعوا أرزاقنا». فيما أكد زميل له بالمظاهرة: «أنا لم أجد مكانا من الأساس للوقوف.. عددنا بالآلاف والمكان لا يستوعب إلا مئات»، على حد قوله.
وأوضح عبد السلام لـ«الشرق الأوسط» أن المحافظة خلال تواصلها مع الباعة الأسبوع الماضي، وعدتهم بالعمل على توفير خطوط مواصلات في شكل «ميكروباصات» (حافلات أجرة خاصة صغيرة) بين شوارع وسط القاهرة ومنطقة عملهم الجديدة، إلا أن ذلك لم يحدث.
وخلال المظاهرة، حاول عدد من الباعة إعادة بضائعة وإشغالاته إلى أرصفة وسط القاهرة مجددا، إلا أن قوات الأمن الكثيفة أزالت تلك الإشغالات مجددا بعد مشادات واحتكاكات مع الباعة. وهو ما أدى إلى اختناقات مرورية في عدد كبير من الشوارع، مذكرا السكان والمارة مجددا بأيام ظنوا أنهم تجاوزوها عقب قرار نقل الباعة الجائلين.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».