عادت الاغتيالات إلى قلب العاصمة الليبية طرابلس أمس بعدما قتل مجهولون ملثمون العقيد محمد سويسي مدير أمن طرابلس، بينما قرر أمس مجلس النواب الليبي أن تجرى أول انتخابات رئاسية في تاريخ البلاد لاختيار رئيسها المقبل عن طريق الاقتراع المباشر، لكنه أعلن أنه سيحدد لاحقا موعد الانتخابات وكيفية إجرائها للمفوضية العليا للانتخابات.
ووافق أعضاء المجلس في جلسة عقدوها بمقره المؤقت بمدينة طبرق بأقصى شرقي ليبيا، بأغلبية ساحقة على أن يجري اختيار رئيس الدولة الليبية عن طريق الانتخابات المباشرة من القاعدة الشعبية، حيث صوت 141 عضوا على أن يكون اختيار رئيس الجمهورية عن طريق الانتخابات المباشرة من القاعدة الشعبية، فيما امتنع اثنان، ورفض عضو واحد التصويت، من إجمالي 144 عضوا شاركوا في الجلسة.
وتعلق التصويت بكيفية انتخاب الرئيس المؤقت لليبيا وهل سيجري بالانتخاب المباشر أم غير مباشر وفقا لما جاء في التعديل الدستوري.
وجرى التصويت علانية في جلسة جرى بثها مباشرة على بعض القنوات الفضائية المحلية في أول إجراء من نوعه منذ تولي المجلس مهام عمله الأسبوع الماضي، بوصفه أعلى جهة دستورية وتشريعية في البلاد.
ويأمل شركاء غربيون أن يتيح البرلمان الجديد المجال أمام مفاوضات بين الميليشيات المتناحرة وداعميها السياسيين ليعود الاستقرار إلى ليبيا بعد شهر من اشتباكات حولت العاصمة طرابلس ومدينة بنغازي إلى ساحتي قتال.
وبعد ثلاث سنوات من الإطاحة بنظام حكم العقيد الراحل القذافي، خيم الخلاف السياسي على الحكومة الليبية الهشة، فأصاب البرلمان السابق بالشلل، وزاد من قوة الكتائب المتناحرة للمقاتلين السابقين المدججين بالسلاح.
واشتبكت هذه الكتائب في الماضي لكن الخصومة بينها تحولت الشهر الماضي إلى معارك ضارية في الشوارع تأتي في إطار صراع أوسع على غنائم عهد ما بعد القذافي في ليبيا. ومنذ بدء القتال، انسحب معظم الدبلوماسيين الغربيين من البلاد وأغلقوا سفاراتهم في ظل مخاوف من أن البلد المنتج للنفط على شفا الحرب الأهلية.
وأصبحت طرابلس أهدأ أمس، ولم تشهد أعمال القصف ونيران الصواريخ التي شهدتها خلال الأيام القليلة الماضية، بينما أدانت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بشدة استمرار المعارك في طرابلس رغم الدعوات المتكررة لوقف فوري لإطلاق النار وعدم اللجوء إلى القوة لحل الخلافات السياسية.
وأعربت البعثة في بيان حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه، عن استنكارها ارتفاع أعداد القتلى والجرحى من المدنيين، وأبدت قلقها البالغ من تناقص الإمدادات الطبية ونزوح آلاف العائلات والدمار الكبير الذي لحق بالمنازل والبنية التحتية وتوقف النشاط الاقتصادي.
كما نددت أيضا استمرار المعارك في المنطقة الشرقية والأذى الذي يلحق بالسكان المدنيين والاعتداء المستمر على مقرات الجيش والشرطة وكذلك استخدام الطيران في العمليات العسكرية. وقالت البعثة إنها بالتنسيق مع الشركاء الدوليين، على اتصال مستمر مع كل الفرقاء سعيا إلى تحقيق وقف لإطلاق النار وحقن الدماء والاتفاق على معالجات سياسية للمشكلات الحاضرة، وحثت الجميع على التجاوب مع هذه الجهود دون إبطاء.
ويدور الصراع بين كتيبتي «القعقاع» و«الصواعق» المناهضتين للإسلاميين والتابعتين لمقاتلين سابقين من بلدة الزنتان الغربية من جهة، وكتائب تميل أكثر إلى الإسلاميين والكيانات السياسية الإسلامية ومرتبطة ببلدة مصراتة في غرب البلاد، من جهة أخرى.
في المقابل، دعا ما يسمى «المجلس الأعلى لثوار ليبيا» رئاسة المؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته لتحديد موعد انعقاد جلسة إتمام مراسم التسليم والتسلم القانونية لمجلس النواب بمدينة بنغازي، مؤكدا استعداد الثوار لتأمين أعمال المجلس. وطلب المجلس الذي تهيمن عليه جماعة الإخوان المسلمين وحلفاؤها من أعضاء مجلس النواب التوجه إلى مدينة بنغازي والإسهام بشكل فاعل في إنهاء حالة الانقسام ، مشيرا إلى أن أعضاء مجلس النواب الموجودين في طبرق قد خالفوا ما جاء في الإعلان الدستوري الذي منح رئاسة المؤتمر الوطني صلاحيات تحديد مكان وزمان انعقاد جلسة التسليم والتسلم.
وعدّ أن اجتماع الأعضاء في طبرق قد ساهم في إحداث شقاق واختلاف بين طيف واسع من ممثلي الشعب الليبي الذين قال إنهم تجاهلوا قرارات هيئة تطبيق معايير تولي المناصب العامة.
وزعم المجلس أنه احتراما لمطالب الشارع الليبي الذي خرج يوم الجمعة الماضي معبرا عن رفضه الاعتراف بالمجلس، فقد قرر المجلس الأعلى لثوار ليبيا اعتبار كل ما صدر عن المجلس المنعقد في طبرق من قرارات كأنها لم تصدر على الإطلاق.
من جهته، أصدر اللواء عبد السلام العبيدي رئيس الأركان العامة للجيش الليبي أمرا إلى أركان القوات البرية، البحرية، والجوية، والدفاع الجوي، وحرس الحدود، والمناطق العسكرية، وإلى التشكيلات والدروع التابعة لرئاسة الأركان، بالوقف الفوري لإطلاق النار في جميع مدن ليبيا.
وقال رئيس الأركان: «حقنا لدماء الليبيين وتنفيذا للبيان الصادر عن مجلس النواب بشأن وقف إطلاق النار، عليه نأمر نحن رئيس الأركان العامة للجيش الليبي بالوقف الفوري لإطلاق النار في جميع مدن ليبيا، وسوف يتحمل كل مخالف لهذه التعليمات والأوامر مسؤولية ذلك».
إلى ذلك، اغتال مجهولون أمس العقيد محمد سويسي مدير أمن طرابلس، بعدما أطلقوا عليه النار في منطقة تاجوراء عند إحدى الإشارات الضوئية بعد خروجه من اجتماع لمجلسها البلدي.
وقالت مصادر أمنية إن مجموعة ملثمة اغتالت سويسي وقامت باختطاف اثنين كانوا برفقته، فيما قال رامي كعال الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية الليبية إن «السويسي اغتيل عندما كان عائدا من اجتماع دعي إليه من قبل المجلس البلدي في تأجوراء، وبالتحديد بالقرب من مصحة المتوسط، حيث جرى اعتراضه من قبل سيارتين».
وأضاف: «طلبوا منه النزول بعدما قاموا بإجبار المرافقين له على النزول، حيث رفض السويسي النزول، عندها قام المسلحون بإطلاق النار مباشرة عليه، كما قاموا بضربه على مؤخرة الرأس بكعب البندقية، ولاذوا بالفرار بعدما قاموا باختطاف المرافقين».
وأعلن أن وزارة الداخلية تنعى الفقيد، مشيرا إلى أن مراسم دفن رسمية ستجرى لاحقا بحضور قيادات الوزارة.
من جهتها، زعمت غرفة العمليات الرسمية لعملية «قسورة» التي يشنها مقاتلون من مصراتة وحلفائهم أن مجموعة من ثوار مصراتة قاموا بمساعدة ثوار من «سوق الجمعة» في ما وصفته بـ«عملية نوعية» بالقرب من تأجوراء واعتقلوا أربعة أشخاص زعمت أنهم كانوا يخططون للسيطرة على معسكر في تأجوراء.
وقالت الغرفة في بيان مقتضب بثته عبر صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»: «هذه المجموعة قتلت شخصين من بينهم (من وصفته) الزلم وقائد العصابة (مدير مديرية أمن طرابلس)»، وتساءلت: «من تظنونه يحميكم يا أهل طرابلس، هو يسرقكم ويمول العصابات».
وجاءت عملية الاغتيال بعد ساعات من تجديد مديرية الأمن بطرابلس، طلبها لجميع أعضاء الشرطة المتغيبين بضرورة الالتحاق فورا بأعمالهم، وذلك لتأدية واجباتهم لحماية المواطنين، وتأمين المرافق العامة والأماكن الحيوية بالمدينة.
ودعت المديرية رجال الشرطة المتغيبين عن العمل إلى ضرورة الالتحاق بمقار عملهم، نظرا لما تطلبه مصلحة الوطن، ولأنه تقع عليهم مسؤولية المحافظة على الأمن والاستقرار للمواطن.
وحثت في نداء بثته وكالة الأنباء المحلية، رجال الشرطة على الالتزام بالعمل المنوط بهم قانونا للمحافظة على الأمن داخل المدينة، وهددت باتخاذ الإجراءات القانونية ضد كل من يتخلف عن الالتحاق بعمله.
من جهة أخرى، قصفت طائرة عسكرية يعتقد أنها تابعة للجيش الوطني الذي يقوده اللواء متقاعد خليفة حفتر، مخزنا بميناء درنة البحري مما أدى إلى إحداث أضرار تدميرية بمرافقه دون وقوع أي إصابات بشرية بالميناء.
وقالت وكالة الأنباء المحلية إن الطائرة أصابت أيضا بقذائف أخرى المنطقة السكنية القريبة من الميناء، مما أدى إلى إصابة سبعة أشخاص بإصابات متفاوتة بين البسيطة والمتوسطة أخطرها إصابة طفلة تبلغ من العمر ثمانية أشهر حالتها مستقرة، فيما غادر بقية المصابين المستشفى. وكان العقيد محمد حجازي، الناطق باسم القيادة العامة للجيش الوطني، قد طلب من مصلحة الموانئ نقل کل سفنها إلى ميناء طبرق البحري.
وكان قد جرى العثور على جثتين إحداهما بمعسكر الصاعقة «21»، والأخرى بمنطقة سيدي فرج، وجرى تسليمهما لمركز بنغازي الطبي، فيما أعلن قيس الفاخري رئيس فرع الهلال الأحمر الليبي أنه جرى انتشال 85 جثة من مناطق الاشتباكات منذ أول أيام عيد الفطر وحتى أمس.