المتخلفون عن الخدمة العسكرية السورية قاربوا الـ85 في المائة

عضو بالائتلاف: حاجة النظام للنقد المالي دفعت الأسد لتخفيض بدل الإعفاء

عملية عسكرية للجيش السوري في بلدة «المليحة» قرب العاصمة دمشق (أ. ف. ب)
عملية عسكرية للجيش السوري في بلدة «المليحة» قرب العاصمة دمشق (أ. ف. ب)
TT

المتخلفون عن الخدمة العسكرية السورية قاربوا الـ85 في المائة

عملية عسكرية للجيش السوري في بلدة «المليحة» قرب العاصمة دمشق (أ. ف. ب)
عملية عسكرية للجيش السوري في بلدة «المليحة» قرب العاصمة دمشق (أ. ف. ب)

تأتي محاولات نظام الرئيس السوري بشار الأسد لترميم العطب الذي أصاب بنيته العسكرية والاقتصادية، بموازاة عزوف عدد كبير من المطلوبين للخدمة العسكرية عن الالتحاق بمواقعهم وثكنات تجنيدهم، وتخلفهم عن الخدمة، واقتصار المنضمين على عدد قليل يتحدر معظمهم من الساحل السوري، معقل النظام.
وحاول النظام، طوال السنوات الثلاث الماضية، إصدار القرارات والمراسيم التشريعية التي يعتقد أنها قادرة على ترميم الجسم العسكري لديه، وكان آخرها القرار الذي صدر الأربعاء الماضي، القاضي بتعديل بعض المواد من المرسوم التشريعي رقم 30 لعام 2007 وتعديلاته، المتضمن «قانون خدمة العلم»، وتخفيض البدل النقدي للراغبين بإعفائهم من الخدمة.
ويرى عضو الائتلاف السوري المعارض رفعت عامر، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن الهدف الرئيس من إصدار المرسوم هو «الحصول على منافع مالية، يعدّ النظام بأشد الحاجة لها، سواء أكان على مستوى النقد (الكاش) الذي سيدخل في موازنته الحربية، أو على مستوى المساهمة في لجم عملية التضخم وارتفاع الأسعار، وتقليل العرض النقدي من الليرات السورية الموجودة في السوق وتحويلها من مدخرات الناس إلى مصرف النظام المركزي».
ويعرب عامر، وهو دكتور في الاقتصاد، عن اعتقاده بأن النظام «يحاول بشكل دائم ربط السوريين به من خلال إصداره المستمر لجملة من القوانين والمراسيم»، لافتاً إلى أن ذلك، باعتقاد النظام، «سيؤمن له عودة المنفكّين عنه أو تحييدهم، بالحد الأدنى، عن مسار ارتباطهم بالجماعات المناهضة له».
ويجمع معارضون سوريون على أن المرسوم «يأتي في سياق حثّ النظام للمغتربين السوريين على دفع قيمة بدل الخدمة الإلزامية، بعد أن تخلف عشرات آلاف من الشباب السوري عن دفعها، طوال السنوات الثلاث الماضية»، وذلك «ظناً منهم بأن الأحداث في سوريا ستؤدي في نهايتها إلى تفكك النظام وخلاصهم من الخدمة العسكرية من دون دفعهم لتكاليف طائلة، هم الأحق فيها».
ويشير شاب سوري مقيم في دولة الإمارات العربية المتحدة، متخلف عن خدمة العلم، إلى أن أكثر المطالبين بدفع «بدل خدمة الجيش» اعتكفوا عن سدادها، «لقناعتهم أن الصراع في سوريا سيؤول إلى انهيار النظام»، لافتاً، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إلى «أننا نجمع على ضرورة الخلاص من الالتزام بدفع هذا المبلغ، كونه سيكلفنا سنوات طويلة من العمل الشاق في دول الخليج وغيرها». وأكد أن فئة المتخلفين لا تقتصر على الشباب المعارض لسياسة النظام بل إن الكثير من الموالين له ينهجون الخطوة ذاتها.
وبلغت نسبة المتخلفين عن الخدمة العسكرية خلال الثلاث سنوات الأخيرة، ما يقارب الـ85 في المائة في المناطق الواقعة تحت سلطة النظام. ويقول ناشطون إنه في محافظة السويداء الواقعة في الجنوب السوري، «وصل عدد الملتحقين بالخدمة العسكرية 450 مكلفاً من أصل ما يزيد عن 8000 مطلوب لخدمة العلم في عام 2012». ويشير هؤلاء إلى أنه «التحق بالخدمة الاحتياطية في العام ذاته قرابة 250 مكلفا من أصل ما يزيد عن 7000 شاب مطلوب للخدمة الاحتياطية».
واقتصرت النسبة الأكبر من الملتحقين بالخدمة على مناطق الساحل السوري الذي يتمتع فيه النظام بنسبة تأييد عالية، وذلك استناداً إلى الأرقام التي تظهر في أعوام 2012 و2013 ومطلع العام الحالي. ويؤكد الناشطون أن وقوع النظام أمام العزوف عن الالتحاق بالخدمتين الإلزامية والاحتياطية، دفعه للجوء في بداية عام 2013، إلى تأسيس ما يسمى «جيش الدفاع الوطني». ويتقاضى كل جندي في هذا الجيش راتباً شهرياً يتراوح بين 15000 ليرة و25000 ليرة، تتفاوت بحسب المهام الموكلة للفرد المتطوع بين صفوفه.
وكان النظام السوري قد استهدف المتخلفين عن الخدمة العسكرية والفارين منها بجملة مراسيم كان آخرها مرسوم العفو الذي صدر بعيد تولي بشار الأسد لولايته الرئاسية الثالثة في يونيو (حزيران) الماضي. وفي سعي منه للحفاظ على العسكريين في صفوفه، كان الأسد قد أصدر قراراً يمنع اقتطاع أي مبلغ من راتب العسكري الكفيل لأي عسكري آخر مدين بقرض مصرفي وقام بالانشقاق عن النظام أو تغيب عن الخدمة، علماً أن القانون المصرفي الخاص بالقروض كان ينص على وجوب اقتطاع قسط القرض من راتب الكفيل في حال تغيب المدين.
واستتبع الأسد هذا المرسوم بمرسوم تشريعي آخر، أصدره أول من أمس، حمل الرقم 33 لعام 2014، يتضمن تعديلات طرأت على المادة (13) ونصت على خفض قيمة البدل النقدي إلى ثمانية آلاف دولار أميركي، بدلاً من 15 ألف دولار أميركي، يمكن دفعها من الشاب السوري الذي دخل في سن التكليف وأقام خارج سوريا مدة أربع سنوات بدلاً من خمس سنوات. كما نصت المادة على رفع قيمة البدل من خمسمائة دولار أميركي إلى ألفين وخمسمائة دولار أميركي لمن ولد في دولة عربية أو أجنبية، من أبناء الجمهورية العربية السورية وأقام فيها أو في غيرها إقامة دائمة ومستمرة حتى دخوله سن التكليف.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».