الأقليات الدينية والعرقية في العراق تدفع ثمن مواطنتها مرتين

نصف مسيحيي العراق غادروا البلد.. والإيزيديون تمسكوا بكرديتهم

شيخ إيزيدي وخلفه معبد لالش في قضاء شيخان قرب مدينة الموصل ({الشرق الأوسط})
شيخ إيزيدي وخلفه معبد لالش في قضاء شيخان قرب مدينة الموصل ({الشرق الأوسط})
TT

الأقليات الدينية والعرقية في العراق تدفع ثمن مواطنتها مرتين

شيخ إيزيدي وخلفه معبد لالش في قضاء شيخان قرب مدينة الموصل ({الشرق الأوسط})
شيخ إيزيدي وخلفه معبد لالش في قضاء شيخان قرب مدينة الموصل ({الشرق الأوسط})

كان بكاء فيان دخيل، النائبة عن الإيزيديين، تحت قبة البرلمان قبل ثلاثة أيام بمثابة رسالة بليغة وصلت بسرعة إلى العالم الغربي عندما أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما أنه أجاز للقوات الأميركية بعمل عسكري محدود في جبال سنجار سواء على مستوى استهداف قواعد مسلحي داعش أو إرسال مساعدات إنسانية من الجو للعالقين هناك. وفي الوقت الذي يبدو فيه وضع الإيزيديين، وهم أقلية دينية وعرقية تقطن المناطق الشمالية القصية من العراق لا سيما جبل سنجار وتبلغ أعدادها نحو 300 ألف نسمة هو الأصعب بعد مأساة تهجير المسيحيين من الموصل قبل نحو أسبوعين من قبل تنظيم داعش أو فرض الجزية على من يبقى منهم ولا يعلن إسلامه قد فتحت من جديد ملف الأقليات الدينية والعرقية في العراق بعد عام 2003 بعد أن كانوا قد عاشوا وتعايشوا مع العراقيين المسلمين منذ آلاف السنين. كما أنهم تعايشوا معهم بعد نشوء الدولة العراقية الحديثة عام 1921 والذين وجدوا أن هناك عدالة حتى على مستوى الاضطهاد الذي عاشه العراقيون في ظل النظام السابق الذي لم يكن في الغالب الأعم على أسس دينية أو طائفية بقدر ما كان على أسس سياسية بحتة.
وفي هذا السياق يرى النائب في البرلمان العراقي عن طائفة الصابئة المندائيين (نحو 250 ألف نسمة) خالد الرومي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إنه «ليس لدى الصابئة المندائيين وجود كثيف في المناطق الشمالية من العراق على غرار المسيحيين والإيزيديين والشبك وبالتالي فإن مخاوفنا كأقلية تتركز الآن بشأن ما إذا كان داعش سيتمدد إلى مناطقنا الوسطى والجنوبية، حيث لنا وجود كبير على قلته في بغداد والمحافظات الجنوبية مثل العمارة» موضحا أن «لدينا عائلة صابئية واحدة في الموصل تمكنت من الخروج قبل أن تحصل التداعيات الأمنية بالكامل كما كانت لدينا عائلتان في الفلوجة وقد تمكنتا من النزوح قبل احتلال داعش الفلوجة».
وأشار الرومي إلى أن «وضع الأقليات في العراق قبل عام 2003 اختلف كثيرا عن وضعها الحالي في إطار مفارقة لافتة للنظر، حيث إنه في الوقت الذي كانت فيه تعيش في أمان طالما إنها لا تخالف النظام رغم أنها كانت مهمشة أيضا إلا أنها اليوم ومع ظواهر الانفتاح والديمقراطية والحديث عن نيل الحقوق تدفع ثمن مواطنتها مرتين، مرة بتعرضها إلى الاضطهاد العرقي والديني والذي تحول الآن إلى شبه إبادة جماعية وثانيا عدم مشاركتها في القرار السياسي».
ويقارن الرومي بين الفترتين قائلا إن «الفترة الوحيدة التي عشنا فيها كصابئة على سبيل المثال وضعا مثاليا هي فترة الزعيم عبد الكريم قاسم (1958 - 1963) حيث أصبح الدكتور عبد الجبار عبد الله، وهو صابئي، أول رئيس لجامعة بغداد». وأوضح أنه «في ظل النظام السابق لم تكن لنا مناصب تنفيذية في الدولة أما ضباطنا فقد كانوا يصلون إلى رتبة عميد وتتم إحالتهم للتقاعد بينما اليوم لدينا عضو في البرلمان وعضو في مجلس المحافظة ولكننا لم نشارك طوال حكومات وبرلمانات ما بعد عام 2003 في القرار السياسي».
ولم يختلف أمر الأقليات الأخرى وفي المقدمة منهم الكلدواشوريين (المسيحيون) والذين يبلغ تعدادهم نحو مليون نسمة ويمثلون نحو واحد في المائة من سكان العراق ويصنفون على أنهم مع الصابئة المندائيين السكان الأصليين للعراق. وأكد عضو البرلمان العراقي عن الكلدواشوريين عماد يوحنا في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك عجزا وصمتا دوليا حيال ما جرى وما يجري للمسيحيين ولباقي الأقليات العرقية والدينية في العراق» معتبرا أن «هذه المكونات تعايشت على مدى آلاف السنين ولم يحصل لها مثل ما يحصل اليوم لأن هناك تجانسا مجتمعيا وثقافيا داخل العراق وبالتالي فإن ما يحصل لنا اليوم ليس بعيدا عن نظرية المؤامرة لإفراغ العراق من سكانه الأصليين».
وانتقد يوحنا «تأخر القوى السياسية وأطراف كثيرة بمن فيها أطراف سياسية ومجتمعية في الموصل عن التنديد والإدانة لأن ما يحصل للمسيحيين و للإيزيديين والشبك يشمل الجميع في النهاية».
تقارير المنظمات الدولية تطرح مشكلات أساسية في هذا الخصوص حيث ترى منظمة «هيومان رايتس ووتش» أن «الأقليات الإثنية والدينية في العراق التي تشكل عشرة في المائة من مجموع سكان البلاد، ضحية عنف غير مسبوق قد يؤدي إلى زوالها»، مشيرة إلى أنها «تواجه درجات من العنف غير مسبوقة، وهي مهددة في بعض الحالات بالزوال من وطن أجدادها». وبحسب تقديرات الأمم المتحدة فإن 50 في المائة تقريبا من المسيحيين العراقيين، الذين يقدر عددهم بمليون في آخر إحصاء لسنة 2003، يحتمل أنهم غادروا البلاد إلى البلدان المجاورة،، بينما استطاع الآخرون الفرار إلى الدول الغربية من أجل الانضمام إلى عائلاتهم الكبيرة هناك، تاركين وراءهم أنقاض أكثر من 30 كنيسة دمرها الإرهاب. ولا يقل وضع الشبك في العراق عن وضع باقي الأقليات والأديان. ففي الوقت الذي لا يوجد فيه إحصاء سكاني ثابت لهم إلا أن التقديرات تشير إلى أنهم لا يتعدون المائتي ألف نسمة، لكن معاناتهم تبدو دينية - عرقية - مذهبية في آن واحد. ففيما حسم الإيزيديون أمرهم بوصفهم أكرادا، فإن الشبك مختلف على هويتهم بين كونهم أكراد أو عرب شيعة وهو ما أدى إلى أزمة داخل البرلمان العراقي في الدورة الماضية بشأن إشكالية تمثيلهم. لكنهم اليوم وفي المناطق التي يوجدون فيها في الموصل باتوا يتعرضون إلى نفس ما تتعرض له الأقليات الدينية والعرقية.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.