إردوغان: انتهى عصر فرض رئيس الجمهورية بالانقلابات

أكد على استمرار مسيرة التغيير بتركيا في حال انتخابه رئيسا للبلاد

شباب أتراك يمرون قرب ملصق انتخابي لرئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان مرشح الانتخابات الرئاسية في إسطنبول أمس (إ.ب.أ)
شباب أتراك يمرون قرب ملصق انتخابي لرئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان مرشح الانتخابات الرئاسية في إسطنبول أمس (إ.ب.أ)
TT

إردوغان: انتهى عصر فرض رئيس الجمهورية بالانقلابات

شباب أتراك يمرون قرب ملصق انتخابي لرئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان مرشح الانتخابات الرئاسية في إسطنبول أمس (إ.ب.أ)
شباب أتراك يمرون قرب ملصق انتخابي لرئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان مرشح الانتخابات الرئاسية في إسطنبول أمس (إ.ب.أ)

يمضي رئيس الوزراء التركي والمرشح لرئاسة الجمهورية رجب طيب إردوغان جل وقته في الأحاديث الصحافية واللقاء بمختلف شرائح المجتمع التركي لكسب أكبر عدد من أصوات الناخبين وضمان فوزه في الجولة الأولى في الانتخابات الرئاسية التي ستجرى بعد غد.
وفي هذا السياق قال إردوغان إن «عصر الوصاية، والانقلابات، وتنصيب رؤساء الجمهورية بالتهديد والوعيد قد ولى بلا رجعة»، قائلا: «من الآن فصاعدا، الشعب هو الذي سيحدد من يكون الرئيس».
وأضاف إردوغان في كلمة ألقاها على حشد من مناصريه في مدينة مالاطيا (شرق تركيا)، أنه يجب على أحزاب «الشعب الجمهوري»، و«الحركة القومية»، و«الشعوب الديمقراطي» المعارضة، التي رشحت أشخاصا لانتخابات الرئاسة «أن تستحيي على نفسها، وتتذكر أنها طالما عارضت أن ينتخب الشعب رئيسه»، داعيا المواطنين إلى «توجيه ضربة لهؤلاء من خلال صناديق الاقتراع، لا يقومون بعدها»، حسبما نقلت وكالة الأناضول التركية أمس.
وأشاد إردوغان بقوة الاقتصاد التركي، لافتا إلى أن الدخل القومي بلغ 820 مليار دولار، مؤكدا أن الاحتياطي النقدي لدى البنك المركزي يبلغ 133 مليار دولار.
من جهة أخرى قال إردوغان: «لن يكون هناك أي تبدل في مسيرة التغيير (مسيرة الإصلاحات) التي بدأتها تركيا وستبقى مستمرة في صعودها، في حال انتخبه الشعب رئيسا للبلاد، يوم الأحد». وأضاف في كلمة ألقاها أمس خلال مشاركته في فعالية نظمها اتحاد الغرف والبورصات التركية، شكر فيها كل المسؤولين وأعضاء الاتحاد للمساهمات التي قدموها من أجل نمو تركيا وإرساء الديمقراطية فيها، وحل مشاكلها.
وأوضح إردوغان أن الشعب سيتجه إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيسه الثاني عشر، مضيفا: «لأول مرة في تاريخ شعبنا سينتخب بنفسه الرئيس، ويمكن أن نواجه أسئلة محقة من بعض شرائح المجتمع في حال فوزي بالرئاسة، كمصير مسيرة السلام الداخلي، والتنظيم الموازي الذي يهدد الأمن القومي، إضافة إلى الموضوع الاقتصادي، لذلك لن يكون هناك أي تبدل في مسيرة التغيير التي بدأتها تركيا في حال انتخبني الشعب».
وشدد إردوغان على أنهم سيواصلون أولوياتهم؛ وعلى رأسها حماية الاستقرار الاقتصادي، ومسيرة السلام الداخلي، وعملية القضاء على التنظيم الموازي.
وتطرق إردوغان إلى حزب العدالة والتنمية الحاكم قائلا: «إن سياسات حزبنا القائم على مبادئ محددة، شُكلت نتيجة لمسيرة تواصلت لقرون، وتلك المسيرة ستستمر في طريقها نحو المستقبل، دون زعزعة أو انحراف، فحزبنا ليس حزبا مرحليّا، وإنما حركة سياسية متجذرة، ولم يكن يوما معتمدا على شخص واحد، ولكنه قائم على التشاور وكل الأعمال تستند على الاستشارة».
وفي السياق نفسه، ذكر إردوغان أن النضال للقضاء على التنظيم الموازي لا ينسب له فقط، وإنما يعود لتركيا بأجمعها، مبينا أن ذلك مسألة أمن قومي، ومشيرا إلى أن التنظيم الموازي لم يستهدف شخصه أو حزبه أو حكومته فقط، وإنما الجمهورية التركية، وبشكل مباشر إرادة الشعب، معلقا على عمليات التنصت التي قام بها عناصر الكيان الموازي: «ماذا سيفعل هؤلاء بمحادثاتي التي أجريتها مع السيد محمود عباس (رئيس فلسطين)، ورئيس الصومال؟ ولأي غرض سيستخدمونها؟ ومن سيخدمون بها؟ من الواضح أن تلك خيانة صارخة، فإذا كان هناك أمس أشخاص (يقصد المعارضة) يسكتون على تلك الخيانة فأدعوهم لأن يراجعوا مواقفهم. يقولون إن طيب إردوغان فظ، نعم أنا فظ في هذه المواقف، وإذا كان هناك أشخاص منزعجون من ذلك فأنا سأبقى فظا».
وتابع إردوغان (في إشارة للكيان الموازي الذي تتهمه الحكومة بالتغلغل في الأجهزة الأمنية والقضائية): «إن هؤلاء لم يعملوا فقط على إخضاع السياسة والقضاء والأمن لصالحهم، بل ذهبوا لأبعد من ذلك من خلال سعيهم لإخضاع الأوساط المالية والتجارية عبر فرض إتاوات على رجال الأعمال، وأنا أدعو من هنا رجال الأعمال الذين تعرضوا للابتزاز إلى أن يفضحوهم وألا يلتزموا الصمت حيال ذلك»، مؤكدا أنه لن يكون هناك أي انحراف في سياسات تركيا الاقتصادية في حال انتخابه رئيسا للبلاد، مبينا أن اقتصاد تركيا صمد أمام كل الأزمات التي تشهدها المنطقة، وبخاصة الأزمة العالمية الكبرى في التاريخ (الأزمة المالية العالمية)، وأن اقتصادها بات ذا أرضية صلبة وقوية.
ويتنافس في الانتخابات الرئاسية التركية ثلاثة مرشحين هم رئيس الوزراء رجب طيب إردوغان، مرشح حزب العدالة والتنمية الحاكم، وأكمل الدين إحسان أوغلي، المرشح التوافقي لعدد من أحزاب المعارضة أبرزها «الشعب الجمهوري» و«الحركة القومية» أكبر حزبين معارضين، وصلاح الدين دميرطاش، مرشح حزب «الشعوب الديمقراطي»، وستجري الانتخابات داخل تركيا في العاشر من أغسطس (آب) الجاري.
وفي حال لم يتمكن أي من المرشحين الثلاثة من الحصول على الأغلبية المطلوبة من أصوات الناخبين، وحسمها في الجولة الأولى، فستكون هناك جولة ثانية يوم 24 من الشهر ذاته.
اشتدت المعركة بين رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان ورجل الدين فتح الله غولن أمس من خلال اعتقالات لرجال شرطة وإجراء حكومي ضد بنك إسلامي وتقارير عن عملية تطهير لوكالة المخابرات الداخلية.
واتهم إردوغان مؤيدين لغولن الذي يقيم في الولايات المتحدة «بالخيانة الدنيئة» لتركيا وهو يقوم بحملته لانتخابات رئاسية ستجري بعد غد وتوقعت استطلاعات الرأي أن يفوز بها.
وقال في كلمة أمام رجال أعمال «توجد تهديدات وابتزاز ومؤامرات وأموال تبتز من رجال الأعمال» طالبا دعمهم في المعركة ضد حركة غولن التي يتهمها بالسعي للإطاحة به.
وقال: «بالأمس وجهوا طعنة لنا في الظهر. وغدا سيطعنون زملاءهم الحاليين في الظهر إذا سنحت لهم الفرصة». وأضاف: «إنني أدعو هؤلاء الذين ما زالوا صامتين في وجه هذه الخيانة الدنيئة أن يعيدوا النظر في مواقفهم».
ويعتقد أن مؤيدي غولن في القضاء والشرطة لعبوا دورا رئيسيا في مساعدة إردوغان في تحييد منافسيه في الجيش المهيمن آنذاك والمؤسسة العلمانية من خلال سلسلة قضايا في المحاكم حظيت بتغطية إعلامية كبيرة.
لكن تحالف إردوغان مع حركة «خدمة» انهار بسبب الخلافات بشأن سياسات الحكومة وتحركاتها لكبح حركة غولن. وأصبح الخلاف علنيا في ديسمبر (كانون الأول) وأدى إلى استقالة ثلاثة وزراء من الحكومة.
وبينما كان إردوغان يتحدث قال محامي الدفاع عمر تورانلي في حسابه على «تويتر» بأن قاضيا في إسطنبول أمر بتمديد اعتقال أربعة ضباط شرطة كانوا بين 32 ألقي القبض عليهم يوم الثلاثاء في تحقيق موسع لعملية تنصت أفادت مزاعم أنها استهدفت إردوغان.



أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
TT

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

مرة أخرى، وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال غرب باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام»، على حد قوله.

متظاهرون يتجمعون بالقرب من أشياء أضرمت فيها النيران في أحد الشوارع في جارانوالا بباكستان 16 أغسطس 2023 (رويترز)

منذ يوليو (تموز)، تفيد مصادر عدة بأن 212 شخصاً قُتلوا في إقليم كورام بسبب نزاعات قديمة على الأراضي كان يفترض بسلسلة من الاتفاقات برعاية وجهاء قبليين وسياسيين وعسكريين، أن تبت بها.

إلا أنه تم انتهاك هذه الاتفاقات على مر العقود مع عجز السلطات الفيدرالية وفي مقاطعة خيبر بختونخوا عن القضاء على العنف.

فقدت القوات الأمنية الباكستانية مئات من أفرادها خلال الأشهر الماضية في الموجة الإرهابية الجديدة (أ.ف.ب)

والأسوأ من ذلك أن الهجوم الذي أجج أعمال العنف في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) استهدف السلطات أيضاً، إذ إن نحو 10 مهاجمين أمطروا موكبي سيارات تنقل عائلات شيعية كانت بحماية الشرطة.

وكان ابن شقيق علي غلام في هذا الموكب. وكان هذا الرجل البالغ 42 عاماً ينتظر منذ أيام فتح الطرق في كورام عند الحدود مع أفغانستان.

أطلقت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق الطلاب أثناء مسيراتهم خلال مظاهرة للتنديد باغتصاب طالبة مزعوم في لاهور بباكستان 17 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

«لا ثقة مطلقاً بالدولة»

وكانت الطرق الرئيسية قد قُطعت بسبب تجدد القتال بالأسلحة الثقيلة والقذائف بين السنة والشيعة.

وفي غضون أربعين عاماً، خسر علي غلام شقيقه وابن شقيقه فيما جُرح ثلاثة من أشقائه أيضاً.

ويؤكد الرجل الشيعي البالغ 72 عاماً: «لم أعرف السلام يوماً وليس لدي أمل كبير لأولادي وأحفادي لأن لا ثقة لي مطلقاً بالدولة».

ويقول أكبر خان من لجنة حقوق الإنسان في باكستان إنه في السابق «كانت الدولة تساند مجالس الجيرغا وكانت هذه المجالس القبلية تنجح في تحقيق نتائج».

ويضيف: «لكن اليوم لم تعد الدولة تغطي تكلفة استدعائهم»، لأن المسؤولين السياسيين في إسلام آباد منغمسون في الاضطرابات السياسية «ولا يتعاملون بجدية مع أعمال العنف هذه».

قتل 8 أشخاص بينهم 5 عناصر أمن جراء اشتباكات مسلحة مع «إرهابيين» في 3 مناطق بإقليم خيبر بختونخوا شمال غربي باكستان الأسبوع الماضي (متداولة)

لكن في إقليم كورما الشاسع اعتمدت السلطات والقوى الأمنية موقفاً متأنياً. فالإقليم على غرار 6 أقاليم أخرى مجاورة، لم يُضم رسمياً إلى مقاطعة باكستانية إلا في عام 2018.

وكان قبل ذلك ضمن ما يسمى «مناطق قبلية تحت الإدارة الفيدرالية» وكان يحظى تالياً بوضع خاص وكانت المؤسسات الرسمية تترك مجالس الجيرغا تتصرف.

وفي حين كانت حركة «طالبان» الأفغانية تقوم بدور الوسيط في خضم العنف الطائفي في نهاية العقد الأول من الألفية، يؤكد سكان راهناً أن بعض القضاة يفضلون أن توافق مجالس جيرغا على أحكامهم لكي تحترم.

بن لادن - «طالبان»

يقول مالك عطاء الله خان، وهو من الوجهاء القبليين الذين وقعوا اتفاقاً في 2007 كان من شأنه إحلال السلام في كورام، إن «السلطات لا تتولى مسؤولياتها».

ويشير خصوصاً إلى مفارقة بأن كورام هو الإقليم الوحيد بين الأقاليم التي ضمت حديثاً، حيث «السجل العقاري مكتمل». لكنه يضيف: «رغم ذلك تستمر النزاعات على أراضٍ وغابات في 7 أو 8 مناطق».

ويرى أن في بلد يشكل السنة غالبية سكانه في حين يشكل الشيعة من 10 إلى 15 في المائة، «تحول جماعات دينية هذه الخلافات المحلية إلى نزاعات دينية».

فلا يكفي أن كورام تقع في منطقة نائية عند حدود باكستان وأفغانستان. فيجد هذا الإقليم نفسه أيضاً في قلب تشرذمات العالم الإسلامي بين ميليشيات شيعية مدعومة من طهران وجماعات سنية تلقى دعماً مالياً.

في عام 1979، أحدث الشيعة ثورتهم في إيران فيما دخل المجاهدون السنة في كابل في حرب مع الجيش السوفياتي الذي غزا البلاد، في حين اختار الديكتاتور الباكستاني ضياء الحق معسكر المتشددين السنة.

وقد تحول الكثير من هؤلاء إلى حركة «طالبان» في وقت لاحق لمواجهة إيران وإقامة «دولة إسلامية» وتوفير عناصر للتمرد المناهض للهند في كشمير.

«سننتقم له»

تقع كورام بمحاذاة كهوف أفغانية كان يختبئ فيها زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، وكانت حتى الآن معروفة، خصوصاً بأزهارها التي تتغنى بها قصائد الباشتون. ويقول خان: «إلا أنها استحالت الآن منصة لإرسال أسلحة إلى أفغانستان. كل عائلة كانت تملك ترسانة في منزلها».

لم يسلم أحد هذه الأسلحة إلى السلطات. في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) عندما أضرم شيعة النار في منازل ومتاجر في سوق سنية في باغان رداً على الهجوم على الموكب قبل يومين، سمع إطلاق النار من الطرفين.

وقد حاصرت النيران ابن عم سيد غني شاه في متجره.

ويروي شاه لوكالة الصحافة الفرنسية: «منعنا والديه من رؤية جثته لأنه كان يستحيل التعرف عليها. كيف عسانا نقيم السلام بعد ذلك؟ ما إن تسنح الفرصة سننتقم له».

أما فاطمة أحمد فقد فقدت كل أمل في 21 نوفمبر. فقد كان زوجها في طريقه لتسجيلها في كلية الطب في إسلام آباد بعدما ناضلت من أجل إقناع عائلتها بالسماح لها بمتابعة دروسها.

إلا أنه لم يعد. وتقول أرملته البالغة 21 عاماً إنها لا تريد «العيش بعد الآن من دونه». وتؤكد: «لم يقتلوا زوجي فحسب بل قتلوا كل أحلامي معه».