موسم الصيد في غزة: البوارج الإسرائيلية تقنص قوارب الصيادين

عشرات المراكب دمرت.. وخسائر القطاع البحري وصلت إلى أكثر من 80 مليون دولار

موسم الصيد في غزة: البوارج الإسرائيلية تقنص قوارب الصيادين
TT

موسم الصيد في غزة: البوارج الإسرائيلية تقنص قوارب الصيادين

موسم الصيد في غزة: البوارج الإسرائيلية تقنص قوارب الصيادين

يمتلك الكثيرون من سكان قطاع غزة حرفا وأعمالا مختلفة ولكنهم لا يستطيعون توفير لقمة عيشهم بسلامة وأمان، هذا هو حال الصيادون الذين يعيشون ظروفا معيشية صعبة تفاقمت في السنوات العشر الأخيرة مع فرض إسرائيل حصارا بحريا على حركة مركبات الصيد وزادت صعوبة بتوقفهم عن العمل مع بدء الحرب الأخيرة على غزة خشية على حياتهم، مما أفقد الصيادين الكثير من رزقهم الذي يعتمد على الدخول إلى أميال بحرية كبيرة تساعدهم في اصطياد الأسماك المحبذة للسكان.
وزاد ذلك من معاناتهم الحياتية، مما حولها إلى ضنك شديد مع افتقار الأميال البحرية القصيرة التي يعملون فيها للأسماك المفضلة للفلسطينيين، فكانوا قبيل الحرب التي انتهت منذ أيام يعملون جاهدين على توسيع حركة قواربهم أملا في اصطياد أسماك أفضل.
وقال الصياد سامي العامودي من سكان مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، والذي يعمل في مهنة الصيد منذ 19 عاما، إن الاحتلال قبيل اندلاع انتفاضة الأقصى الثانية كان يسمح لهم بالصيد في مساحة تصل إلى 12 ميلا بحريا، ولكنه مع بداية الانتفاضة قلصها إلى عشرة أميال قبل أن يعود في عام 2004 إلى تقليصها مرة أخرى إلى ستة أميال إلى أن وصل بنا الحال في السنوات الأخيرة إلى أقل من ثلاثة أميال.
وأشار في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «في أعقاب حرب الأيام الثمانية عام 2012، سمح لنا بالعودة للصيد في 12 ميلا بحريا، وحينها كنا نصطاد أسماكا جديدة غزت الأسواق في قطاع غزة، وكانت هناك حركة بيع كبيرة، لكن ذلك لم يدم طويلا بعد أن عادت قوات الاحتلال استهدافنا مجددا ومنعنا بالصيد في تلك المساحة وإعادتنا إلى ثلاثة أميال فما أقل من ذلك».
ولفت إلى أنه مع بدء الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة امتنع الصيادون عن العمل تخوفا من استهدافهم، مشيرا إلى أن ميناء غزة والسواحل البحرية تعرضت لقصف عنيف طوال فترات الحرب وأن عشرات المراكب للصيادين جرى تدميرها بشكل كامل وجزئي.
ومع إعلان الهدنة المؤقتة لـ72 ساعة، وصل المئات من الصيادين إلى ميناء غزة لتفقد مراكبهم وأحوال العمل بعد فترة الهدوء المقررة، إلا أن الكثيرين منهم لم يتمكنوا من تحريك مراكبهم بعد تعرضها للهجوم.
وفي حين نجح الصياد، خليل الهسي وأبناؤه الستة في تشغيل مركبهم وبدأوا بالتحرك في البحر بحثا عن الأسماك التي من الممكن أن يصطادوها، وقف الصياد، وائل أبو ريالة، وعدد من أبناء عمومته يتحسرون على مركبهم المدمر بفعل القذائف الإسرائيلية.
وقال الهسي لـ«الشرق الأوسط»، إنه منذ اللحظة الأولى لإعلان التهدئة صباح يوم الثلاثاء، سارع نحو الميناء وحرك مركبه الذي وجده سليما وبدأ بالصيد في مساحة لا تتعدى الميل ونصف الميل فقط، تخوفا من البوارج الإسرائيلية التي ما زالت متمركزة في عرض البحر، مشيرا إلى أن هذه المساحة غير كافية لصيد الأسماك المتنوعة والجيدة التي يفضلها سكان القطاع، ولذلك فضل الكثير من الصيادين إبقاء مراكبهم على الشاطئ على أن يشغلوها ويبدأوا بالعمل وهم يعرفون أنهم سيخسرون مزيدا من المال.
وأشار إلى أنه اصطاد يومي الثلاثاء والأربعاء أسماك «البوري والسردين الصغيرة» فقط ولم يستطع صيد أسماك أخرى يطلبها السكان، لافتا إلى أن الكميات من هذه الأسماك الصغيرة غير المرغوبة كثيرا لدى السكان كانت قليلة جدا، ولكنها عرضت في الأسواق بأسعار عالية نفر أمامها الفلسطينيون الذين اعتادوا على سعرها الرخيص، مرجعا سبب غلائها لتكبد الصيادين خسائر مادية فادحة.
وأمام كل هذه المخاوف، تبقى الخسائر أكبر لدى الصياد وائل أبو ريالة الذي قال لـ«الشرق الأوسط»، إن المركب الذي يعمل فيه مع أبناء عمومته والذي كلفهم أكثر من 15 ألف شيقل إسرائيلي، أي ما يعادل نحو 4500 دولار، قد تضرر بشكل كبير جراء تعرض ميناء غزة لوابل كثيف من القذائف التي كانت تطلقها البوارج البحرية على الميناء. وبدا الصياد متحسرا على ما حل بمركبه الذي يعتاش منه ست عوائل كل واحدة منها تضم ما لا يقل عن 15 فردا.
وقال نجله هاشم: «ما صدقنا والحرب خلصت، خلينا نرجع لشغلنا لنصيد السمك ونبيعه ونعيش، لكن وصلنا إلى الميناء ووجدنا كل مراكبنا مدمرة وهينا قاعدين وبنتحسر على حالتنا».
وتشير التقديرات الأولية إلى أن خسائر القطاع البحري وصلت إلى أكثر من 80 مليون دولار في مدينة غزة. ووفقا للمعطيات الميدانية فإن عشرات القوارب في مناطق مختلفة من قطاع غزة تعرضت للاستهداف المباشر من البوارج البحرية خاصة قبالة سواحل خان يونس وميناء رفح القديم.
من جانبه، قال الصياد خالد مطر إنهم يستغلون ذروة موسم الصيف لكثرة أنواع الأسماك في البحر، لكن العدوان الإسرائيلي «شل حياة منازلنا وحولها لجحيم مع افتقارنا للمال وإعالة عوائلنا، كل مركب صيد يعمل به ما لا يقل عن 20 فردا، وكل فرد منهم يعتاش من خلفه عائلة لا تقل عن 8 أفراد، هذه هي حياة الصيادين في غزة».
ويقول الصياد موسى الهبيل لـ«الشرق الأوسط»، والذي كان يستغل قاربه الصغير للصيد أمام منطقة مخيم الشاطئ خلال الهدن الإنسانية التي كان يعلن عنها في غزة، أن المساحة المحدودة للصيد تزيد من أعباء العمل. وتشير الإحصائيات إلى أن نحو 3550 صيادا و1000 مركب من مختلف الأحجام يعملون في عرض بحر القطاع، على مستوى مساحة صغيرة تصل لـ35 كيلو في عرض ثلاثة أميال، وهي مسافة صغيرة جدا تؤثر بشكل كبير على الصيادين.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».