الجيش اللبناني يستعيد سيطرته على عرسال

500 مسلح سيطروا على البلدة.. وآلاف انتشروا في تلالها

طابور من سيارات الصليب الأحمر في انتظار دخول بلدة عرسال اللبنانية بعد انسحاب المسلحين منها أمس (رويترز)
طابور من سيارات الصليب الأحمر في انتظار دخول بلدة عرسال اللبنانية بعد انسحاب المسلحين منها أمس (رويترز)
TT

الجيش اللبناني يستعيد سيطرته على عرسال

طابور من سيارات الصليب الأحمر في انتظار دخول بلدة عرسال اللبنانية بعد انسحاب المسلحين منها أمس (رويترز)
طابور من سيارات الصليب الأحمر في انتظار دخول بلدة عرسال اللبنانية بعد انسحاب المسلحين منها أمس (رويترز)

انسحب المسلحون السوريون المتشددون من بلدة عرسال في شرق لبنان، أمس، باتجاه الحدود السورية، بعد خمسة أيام من الاشتباكات مع الجيش اللبناني الذي بسط سيطرته على مداخل البلدة والتلال المحيطة بها، من غير تسليم العسكريين المحتجزين لديهم، في حين أعلنت «هيئة العلماء المسلمين» التي تقود الوساطة بين الطرفين، فقدان الاتصال بخاطفي العسكريين.
وبدأ المقاتلون السوريون الانسحاب من البلدة، منذ فجر أمس، تنفيذا لاتفاق بادرت إليه «هيئة العلماء المسلمين» التي نجحت وساطتها على مدى يومين بتطبيق هدنة لمدة 24 ساعة تجددت أمس، وتسلم وفد الهيئة خلالها ثلاثة عسكريين من قوى الأمن الداخلي المحتجزين، وثلاثة عناصر من الجيش اللبناني آخرين كانوا محتجزين أيضا.
ويحتجز المسلحون 19 عسكريا من أصل 22 كان الجيش فقد الاتصال بهم، وذلك بعد الإفراج عن ثلاثة منهم، إضافة إلى الإفراج عن ثلاثة عناصر من قوى الأمن الداخلي، من أصل 20 عنصرا كانوا احتجزوا يوم السبت الماضي في أولى أيام المعارك. وكان المسلحون أطلقوا سراح ثلاثة عناصر من قوى الأمن الداخلي أول من أمس، تنفيذا للمرحلة الأولى من الاتفاق، في حين تمكنت وحدات الجيش أمس، من إطلاق سراح سبعة عناصر آخرين كانوا متوارين داخل مستوصف، في عملية نوعية نفذتها داخل البلدة. وأكد قائد الجيش العماد جان قهوجي، بعد مشاركته في اجتماع مجلس الوزراء أمس، أن «العسكريين المخطوفين لم يكونوا أصلا داخل عرسال»، في إشارة إلى أنهم نقلوا إلى خارج البلدة فور احتجازهم.
وأعلن المتحدث باسم هيئة العلماء المسلمين الشيخ محي الدين نسبي، أمس، فقدان الاتصال بخاطفي العسكريين، قائلا: «من الطبيعي أن نفقد الاتصال مع الإرهابيين لأنهم هم من يتحكمون بالاتصال معنا، ويجب التكتم على بعض المعلومات للوصول إلى نتائج فيما خص المختطفين من الجيش والدرك».
وإذ رفض الحديث عن أن «الإرهابيين فرضوا شروطهم على الهيئة»، أكد أن «جميع الأسرى بحالة جيدة وطيبة، ونحن بانتظار الرسالة التي سيبعث بها الإرهابيون للاتصال معهم»، موضحا أن «وفد العلماء سيبقى في الداخل حتى يصل إلى معلومات عن الأسرى العسكريين».
وقالت الهيئة، إنها «لا تزال مستمرة في مبادرتها، وكانت الأولوية وقف إطلاق النار وقد استجاب لها الجيش، والمطلب الثاني إخراج الجرحى، والمطلب الثالث إدخال المساعدات، وهذا ما جرى بالفعل، بالمقابل كان هناك مطلب للجيش هو الإفراج عن مسلحي الجيش وقوى الأمن الداخلي». كما أكد أنه «لا داعي لإطلاق النار على عرسال لأنه لا يوجد مسلحون فيها».
و«هيئة العلماء المسلمين» هي هيئة علمائية تضم خمسمائة عالم من علماء أهل السنة والجماعة في لبنان، وعرفت بتمايزها السياسي عن دار الفتوى، إذ تدعم المعارضين السوريين، وغالبا ما تقود وساطات بينهم وبين الدولة اللبنانية، في حالات النزاع. ودخلت الهيئة وأبرز علمائها الشيخ سالم الرافعي، على خط الوساطة في خضم المعارك بين الجيش اللبناني والشيخ المتشدد أحمد الأسير في عبرا (جنوب لبنان) في يونيو (حزيران) 2013، كما على خط التفاوض مع المسلحين المتشددين في طرابلس (شمال لبنان) الذين خاضوا نحو 20 جولة قتال خلال ست سنوات.
وكانت المعارك اندلعت السبت بهجوم شنه المسلحون الجهاديون على مواقع الجيش إثر توقيف الأخير قياديا جهاديا سوريا، كما اقتحم المسلحون البلدة وسيطروا على فصيلة لقوى الأمن الداخلي فيها واختطفوا عناصرها قبل أن يسيطروا على أحياء البلدة.
وأكد محمد الحجيري، أحد سكان البلدة لـ«الشرق الأوسط»، أن البلدة «خالية تماما من المسلحين»، كذلك مداخلها التي كانت واقعة تحت سيطرتهم. وأوضح أن «الجيش اللبناني أحكم سيطرته على كل النقاط العسكرية الواقعة على أطراف البلدة باستثناء معبر واحد كان تركه مفتوحا لخروج المسلحين باتجاه الحدود السورية». وأشار إلى أن «عددا كبيرا منهم توجه نحو المرتفعات الحدودية، في حين أغار الطيران الحربي السوري عليهم، أثناء خروجهم باتجاه بلدة رأس المعرة في سوريا».
وليل الأربعاء، أعلن وفد من هيئة علماء المسلمين ضم الشيخين حسام الغالي وسميح عز الدين وقف إطلاق النار حتى الساعة السابعة من مساء الخميس بعد اتفاق مع رئيس الوزراء اللبناني تمام سلام وقيادة الجيش والأطراف المعنيين. وقال الغالي مساء الأربعاء: «إن المقاتلين الموجودين في عرسال بدأوا بالتوجه إلى خارج لبنان»، في حين أشار عز الدين إلى أن المسلحين «تعهدوا بالانسحاب قبل انتهاء الهدنة، وطلبوا ألا يتعرضوا لإطلاق النار».
ويقول السكان في عرسال، إن الدمار محدود. فقد تضررت منازل كثيرة بفعل القصف والاشتباكات التي اندلعت في أحياء البلدة، من غير أن تدمر، وأكثرها يقع في منطقتي رأس السرج ووادي حميد اللتين شهدتا أعنف الاشتباكات. في حين تحدث سكان البلدة عن أن جثث بعض المسلحين لا تزال تحت الركام. ويقول زياد، وهو من سكان البلدة، لـ«الشرق الأوسط» إن نحو 150 شخصا من المسلحين السوريين قتلوا في الاشتباكات، لافتا إلى أن عدد المسلحين المتشددين الذين كانوا يسيطرون على أحياء البلدة «ناهز الـ500 مسلح، وكانوا يتسلحون بمختلف أنواع الأسلحة، ويخوضون اشتباكات مع الجيش قرب مراكز في غرب البلدة، قبل عودتهم إلى شوارعها الداخلية».
وقالت مصادر محلية في البلدة، رفضت الكشف عن اسمها لـ«الشرق الأوسط»، إن المسلحين في البلدة، ينقسمون بين فصيلي تنظيم «داعش»، وتنظيم «جبهة النصرة»، إلى جانب مقاتلين آخرين. وينفي زياد أن يكون شبان من البلدة شاركوا في المعارك إلى جانب المسلحين، مؤكدا أن «شبابنا كانوا يتدخلون لمنع المسلحين من إطلاق النار على الجيش أو عرقلة تحركهم.. وقد استشهد أشخاص أثناء منعهم المسلحين من الهجوم على عسكريين».
ولم يكن المسلحون داخل البلدة بمفردهم، حيث يتحدث السكان عن نحو عشرة آلاف مسلح يقيمون في التلال الحدودية مع سوريا، ولم يدخلوا البلدة. ويقول زياد في تصريحاته لـ«الشرق الأوسط»: «يبدو أنهم جاءوا ليؤازروا المسلحين هنا. ويمكن القول إن مقاتلي القلمون (ريف دمشق الشمالي الحدودي مع عرسال) بأكملهم عبروا إلى الجانب اللبناني من الحدود»، موضحا أن هؤلاء «كانوا يمتلكون مختلف أنواع الأسلحة، من رشاشة متوسطة ورشاشة ثقيلة، إلى مدافع الهاون والمدافع الرشاشة وصواريخ 107. كل الأسلحة كانت بحوزتهم، باستثناء الدبابات، وكانوا يتحركون في سيارات رباعية الدفع (بيك أب) تحمل رشاشات ثقيلة».
وأشار إلى أن عددا قليلا من المسلحين، لم يتجاوز المائتين، خرج من مخيمات النازحين، لافتا إلى فرار بعضهم من مخيماتهم، باتجاه البلدة وإقامتهم في المساجد والمدارس.
وتضرر اثنان من مخيمات اللاجئين على الأقل، بفعل المعارك. أولها، بفعل حريق شب في نصف الخيام تقريبا، وقضى عليها قبل أن يسيطر السكان على الحريق. ويبدو أن الاشتباكات وقعت قرب محطة للوقود ومحطة غاز في البلدة، بالقرب من مخيم للنازحين أيضا.
وعاد 1700 على الأقل من السوريين اللاجئين في بلدة عرسال إلى بلادهم أمس، عبر مركز المصنع الحدودي مع سوريا، كما قالت الراهبة الأخت إنياس في تصريح لوكالة «الصحافة الفرنسية»، مؤكدة أن هؤلاء من الرجال والنساء والأطفال وغادروا ضواحي عرسال عائدين إلى سوريا، مشيرة إلى أنهم «جميعهم تقريبا من القلمون، وخصوصا من قارة». وأشارت إلى أن «السلطات اللبنانية سهلت إجراءات الخروج للاجئين الذين دخلوا البلاد بطريقة غير قانونية»، لافتة إلى أن ثلاثة آلاف لاجئ آخرين على الأقل في عرسال طلبوا العودة إلى سوريا.
وفور إعلان الهدنة، دخلت قوافل المساعدات الإنسانية إلى عرسال، التي رفض السكان تسلمها، مما دفعها للعودة محملة، في حين أخرجت الطواقم الطبية في 17 سيارة إسعاف 42 جريحا منهم 38 سوريا وأربعة لبنانيين، كما ذكرت «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية اللبنانية. ودخلت قوافل المساعدات غداة منعها في العبور إلى عرسال في بلدة اللبوة أول من أمس، لكن الجيش اللبناني منع التعرض أمس للشاحنات التي دخلت إلى عرسال.
وكان الاستيلاء على عرسال أول اختراق رئيس في لبنان من قبل المسلحين المتطرفين وهم طرف رئيس في أعمال العنف بين الشيعة والسنة في أرجاء المنطقة مما يهدد استقرار لبنان من خلال تأجيج التوترات الطائفية داخله.
وعرسال بلدة سنية على الحدود لجأ إليها آلاف النازحين من الحرب في سوريا المجاورة. ولحقت أضرار بالغة بمخيماتهم في القتال، حسبما ذكر ناشطون سوريون هناك.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».