إردوغان يطرح نفسه مكملا لإرث أتاتورك

يلقبه أنصاره وخصومه بـ«السلطان الجديد»

رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان يلقي خطابا في أنقرة وخلفه صورته  إلى جانب مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك (أ.ف.ب)
رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان يلقي خطابا في أنقرة وخلفه صورته إلى جانب مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك (أ.ف.ب)
TT

إردوغان يطرح نفسه مكملا لإرث أتاتورك

رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان يلقي خطابا في أنقرة وخلفه صورته  إلى جانب مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك (أ.ف.ب)
رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان يلقي خطابا في أنقرة وخلفه صورته إلى جانب مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك (أ.ف.ب)

يسعى رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان من خلال ترشحه للرئاسة إلى الانضمام إلى مصطفى كمال أتاتورك على سجل كبار القادة الأتراك، على الرغم من اتهامات معارضيه له بتهديد إرث مؤسس تركيا الحديثة.
على ما جرت العادة في تركيا، يذكر إردوغان، الأوفر حظا للفوز في الانتخابات التي تنظم الأحد، باستمرار أول رئيس للجمهورية التي أسسها أتاتورك عام 1923 على أنقاض السلطنة العثمانية.
ففي العام الماضي قال إردوغان: «من ألب أرسلان إلى محمد الفاتح، من سليمان القانوني إلى سليم الأول، من السلطان عبد الحميد إلى مصطفى كمال، خط المئات، الآلاف، بل ملايين الأبطال تاريخ هذه البلاد»، معددا أسماء حكام تركيا الحالية منذ القرن الحادي عشر.
ومنذ توليه السلطة عام 2003 لم يخف رئيس الوزراء طموحه في احتلال مكانة في كتب التاريخ.
ويفتخر الرجل الذي يلقبه أنصاره وخصومه أحيانا بـ«السلطان الجديد» في وقوفه وراء النمو المذهل الذي إحياء الاقتصاد التركي حتى 2011 ونجاحه في إعادة العسكر إلى ثكناتهم، بعد أن مارسوا وصاية صارمة طوال عقود على الحياة السياسية في البلاد.
بالتالي، لم يخف رجب طيب إردوغان متسلحا بإنجازاته وبفوز حزبه في جميع الانتخابات منذ 2002، في السنوات الأخيرة إرادته مواصلة حكمه بلا مشاركة حتى عام 2023، عندما تبلغ دولة أتاتورك الحديثة 100 عام.
ويحتوي برنامج ورشة الأعمال الكبرى التابع لإردوغان الذي سمي «هدف 2023» إشارة واضحة إلى ذلك، حيث تضمن مشاريع ذات رمزية كبرى على غرار الجسر الثالث على البوسفور والمطار الضخم الجديد في إسطنبول أو القطار السريع الذي يربط بين انقره وإسطنبول.
لكن على الرغم من أنه طرح نفسه خليفة لأتاتورك، يعد رئيس الوزراء إلى حد كبير أحد ناسفي عمله الأساسيين.
فعلى ما أشارت شعارات ملايين الأتراك الذين تظاهروا في شوارع البلاد في أثناء موجة الاحتجاجات المناهضة للحكومة في يونيو (حزيران) 2013، يواجه إردوغان الشديد التدين اتهامات بنسف نموذج أتاتورك للعلمانية على الطريقة التركية.
ويخشى حزب الشعب الجمهوري الذي يعد حارس هذه الوصية وحركة المعارضة الرئيسة لحزب العدالة والتنمية الحاكم، أن يشن إردوغان من موقع الرئاسة حملة دينية جديدة وخطيرة.
وصرح نائب رئيس الحزب «الكمالي» (نسبة إلى مصطفى كمال أتاتورك) فاروق لوغ أوغلو بأن «الإجراءات المنبثقة عن الدين ستتضاعف ومجال الحريات سيتقلص». وتابع أن «إردوغان يريد العودة إلى الخلافة، ولو أنه لا يجرؤ على قول ذلك صراحة.. سيستغل الرئاسة ليحاول أن يفرض نفسه على رأس العالم الإسلامي».
ورفض إردوغان الانتقادات التي طالت القوانين التي أصدرها أخيرا وتحد من بيع واستهلاك الكحول أو تجيز الحجاب في الوظيفة الرسمية.
كما تعهد أنه سيسير في حال انتخابه على طريق تحديث تركيا التي شقها أتاتورك. لكن وعوده لم تقنع من يشير إلى توجهات نظامه السلطوية والمخاطر التي تلحقها بالديمقراطية.
وقال مسؤول البرنامج التركي في معهد واشنطن سونير تشاغابتاي: «أعتقد أنه سيبقى في التاريخ على أنه القيادي الذي لم يغير البلاد على المستوى السياسي والاجتماعي. أي بمعنى أن تركيا باتت بلدا للطبقات الوسطى من دون الديمقراطية الليبرالية التي ينبغي أن ترافقها».
وفي الأشهر الأخيرة انكب رئيس الوزراء على إسكات الانتقادات في صفوف المعارضة والصحافة وعزز سطوته على الإنترنت والقضاء، مما أثار غضب عدد من العواصم الأجنبية.
وقال المحلل السياسي سنان أولغن من مؤسسة كارنيغي أوروبا: «لا أحد يشك في شرعية إردوغان الانتخابية، لكن الكثير من الأتراك يريدون حكومة أكثر انفتاحا مع قضاء مستقل وإعلام تعددي ومجتمع مدني قوي، كما هي الحال في الديمقراطيات الغربية».
وأضاف أولغن: «سيجري الحكم على إنجازاته من خلال الثقة والاحترام اللذين سيوحي بهما كرئيس لدى مختلف طبقات المجتمع.. وليس فحسب عبر بضعة مشاريع ضخمة».



أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
TT

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

مرة أخرى، وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال غرب باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام»، على حد قوله.

متظاهرون يتجمعون بالقرب من أشياء أضرمت فيها النيران في أحد الشوارع في جارانوالا بباكستان 16 أغسطس 2023 (رويترز)

منذ يوليو (تموز)، تفيد مصادر عدة بأن 212 شخصاً قُتلوا في إقليم كورام بسبب نزاعات قديمة على الأراضي كان يفترض بسلسلة من الاتفاقات برعاية وجهاء قبليين وسياسيين وعسكريين، أن تبت بها.

إلا أنه تم انتهاك هذه الاتفاقات على مر العقود مع عجز السلطات الفيدرالية وفي مقاطعة خيبر بختونخوا عن القضاء على العنف.

فقدت القوات الأمنية الباكستانية مئات من أفرادها خلال الأشهر الماضية في الموجة الإرهابية الجديدة (أ.ف.ب)

والأسوأ من ذلك أن الهجوم الذي أجج أعمال العنف في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) استهدف السلطات أيضاً، إذ إن نحو 10 مهاجمين أمطروا موكبي سيارات تنقل عائلات شيعية كانت بحماية الشرطة.

وكان ابن شقيق علي غلام في هذا الموكب. وكان هذا الرجل البالغ 42 عاماً ينتظر منذ أيام فتح الطرق في كورام عند الحدود مع أفغانستان.

أطلقت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق الطلاب أثناء مسيراتهم خلال مظاهرة للتنديد باغتصاب طالبة مزعوم في لاهور بباكستان 17 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

«لا ثقة مطلقاً بالدولة»

وكانت الطرق الرئيسية قد قُطعت بسبب تجدد القتال بالأسلحة الثقيلة والقذائف بين السنة والشيعة.

وفي غضون أربعين عاماً، خسر علي غلام شقيقه وابن شقيقه فيما جُرح ثلاثة من أشقائه أيضاً.

ويؤكد الرجل الشيعي البالغ 72 عاماً: «لم أعرف السلام يوماً وليس لدي أمل كبير لأولادي وأحفادي لأن لا ثقة لي مطلقاً بالدولة».

ويقول أكبر خان من لجنة حقوق الإنسان في باكستان إنه في السابق «كانت الدولة تساند مجالس الجيرغا وكانت هذه المجالس القبلية تنجح في تحقيق نتائج».

ويضيف: «لكن اليوم لم تعد الدولة تغطي تكلفة استدعائهم»، لأن المسؤولين السياسيين في إسلام آباد منغمسون في الاضطرابات السياسية «ولا يتعاملون بجدية مع أعمال العنف هذه».

قتل 8 أشخاص بينهم 5 عناصر أمن جراء اشتباكات مسلحة مع «إرهابيين» في 3 مناطق بإقليم خيبر بختونخوا شمال غربي باكستان الأسبوع الماضي (متداولة)

لكن في إقليم كورما الشاسع اعتمدت السلطات والقوى الأمنية موقفاً متأنياً. فالإقليم على غرار 6 أقاليم أخرى مجاورة، لم يُضم رسمياً إلى مقاطعة باكستانية إلا في عام 2018.

وكان قبل ذلك ضمن ما يسمى «مناطق قبلية تحت الإدارة الفيدرالية» وكان يحظى تالياً بوضع خاص وكانت المؤسسات الرسمية تترك مجالس الجيرغا تتصرف.

وفي حين كانت حركة «طالبان» الأفغانية تقوم بدور الوسيط في خضم العنف الطائفي في نهاية العقد الأول من الألفية، يؤكد سكان راهناً أن بعض القضاة يفضلون أن توافق مجالس جيرغا على أحكامهم لكي تحترم.

بن لادن - «طالبان»

يقول مالك عطاء الله خان، وهو من الوجهاء القبليين الذين وقعوا اتفاقاً في 2007 كان من شأنه إحلال السلام في كورام، إن «السلطات لا تتولى مسؤولياتها».

ويشير خصوصاً إلى مفارقة بأن كورام هو الإقليم الوحيد بين الأقاليم التي ضمت حديثاً، حيث «السجل العقاري مكتمل». لكنه يضيف: «رغم ذلك تستمر النزاعات على أراضٍ وغابات في 7 أو 8 مناطق».

ويرى أن في بلد يشكل السنة غالبية سكانه في حين يشكل الشيعة من 10 إلى 15 في المائة، «تحول جماعات دينية هذه الخلافات المحلية إلى نزاعات دينية».

فلا يكفي أن كورام تقع في منطقة نائية عند حدود باكستان وأفغانستان. فيجد هذا الإقليم نفسه أيضاً في قلب تشرذمات العالم الإسلامي بين ميليشيات شيعية مدعومة من طهران وجماعات سنية تلقى دعماً مالياً.

في عام 1979، أحدث الشيعة ثورتهم في إيران فيما دخل المجاهدون السنة في كابل في حرب مع الجيش السوفياتي الذي غزا البلاد، في حين اختار الديكتاتور الباكستاني ضياء الحق معسكر المتشددين السنة.

وقد تحول الكثير من هؤلاء إلى حركة «طالبان» في وقت لاحق لمواجهة إيران وإقامة «دولة إسلامية» وتوفير عناصر للتمرد المناهض للهند في كشمير.

«سننتقم له»

تقع كورام بمحاذاة كهوف أفغانية كان يختبئ فيها زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، وكانت حتى الآن معروفة، خصوصاً بأزهارها التي تتغنى بها قصائد الباشتون. ويقول خان: «إلا أنها استحالت الآن منصة لإرسال أسلحة إلى أفغانستان. كل عائلة كانت تملك ترسانة في منزلها».

لم يسلم أحد هذه الأسلحة إلى السلطات. في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) عندما أضرم شيعة النار في منازل ومتاجر في سوق سنية في باغان رداً على الهجوم على الموكب قبل يومين، سمع إطلاق النار من الطرفين.

وقد حاصرت النيران ابن عم سيد غني شاه في متجره.

ويروي شاه لوكالة الصحافة الفرنسية: «منعنا والديه من رؤية جثته لأنه كان يستحيل التعرف عليها. كيف عسانا نقيم السلام بعد ذلك؟ ما إن تسنح الفرصة سننتقم له».

أما فاطمة أحمد فقد فقدت كل أمل في 21 نوفمبر. فقد كان زوجها في طريقه لتسجيلها في كلية الطب في إسلام آباد بعدما ناضلت من أجل إقناع عائلتها بالسماح لها بمتابعة دروسها.

إلا أنه لم يعد. وتقول أرملته البالغة 21 عاماً إنها لا تريد «العيش بعد الآن من دونه». وتؤكد: «لم يقتلوا زوجي فحسب بل قتلوا كل أحلامي معه».