انهار مبكرا، أمس، الاتفاق الذي أعلن عنه المجلس المحلي للعاصمة الليبية طرابلس لوقف إطلاق النار بين الأطراف المتنازعة لمدة 24 ساعة لمنح الفرصة لإطفاء الحرائق المشتعلة منذ أمس في خزانات الوقود في محيط مطار طرابلس الدولي، بينما برز تناقض بين السلطات الليبية حول مشاركة طائرات أجنبية في إخماد الحرائق، في حين علمت «الشرق الأوسط» أن عبد الله الثني رئيس الحكومة الانتقالية قد تمكن من مغادرة العاصمة طرابلس، واتجه إلى مدينة البيضاء في شرق البلاد.
وقالت الحكومة في بيان لها أمس إن النيران ما زالت تلتهم الخزانات بالمستودع، الواحد تلو الآخر حتى وصلت الآن إلى الخزان الرابع بسبب استمرار الاشتباكات والقصف العشوائي الذي تتعرض له المنطقة.
وأكدت انسحاب فرق الإطفاء لعدم قدرتهم على الاستمرار في ظل القصف المتواصل، مشيرة إلى أن الفرق المحلية رغم الجهود المضنية والإصرار أضحت غير قادرة على السيطرة على الموقف ما لم يكن هنالك دعم دولي. كما عدت أن استمرار الوضع على ما هو عليه سيسبب كارثة إنسانية وبيئية غير مسبوقة في ليبيا، موضحة أنها نسقت مع الحكومة الإيطالية وشركة «إيني للنفط والغاز» للمساعدة في إطفاء هذه الحرائق، إلا أنها اشترطت وقفا حقيقيا وشاملا لإطلاق النار في المنطقة.
وطالبت الحكومة مجددا جميع الأطراف بالتوقف عن إطلاق النار فورا وفسح المجال للفرق المحلية والدولية للقيام بمهامها، وقالت إنها تحمل الطرف الذي لا يستجيب لهذا النداء كامل المسؤولية الجنائية والأخلاقية عما تسفر عنه هذه الحرائق من كارثة على ليبيا والليبيين.
وأوضح مجلس طرابلس في بيان مقتضب نشره على موقعه الإلكتروني أنه «جرى التوصل إلى اتفاق بعد جهود من التواصل والاتصالات والمفاوضات مدة 24 ساعة تبدأ من الساعة الثامنة من صباح أمس، وذلك لإعطاء فرصة لجهود إطفاء حريق مستودع الوقود وصيانة شبكة الكهرباء».
لكن مصادر ليبية قالت في المقابل لـ«الشرق الأوسط» إن الهدنة انهارت بالفعل بعد الإعلان عنها بساعات قليلة، حيث عاودت الميليشيات المتناحرة للسيطرة على منطقة المطار من جديد قصف خزانات الوقود التي تمد العاصمة باحتياجاتها.
وبرز أمس تضارب رسمي حول حقيقة مشاركة طائرات أجنبية في إطفاء الحرائق، حيث أعلنت الحكومة الانتقالية أنه جرى التنسيق مع الحكومة الإيطالية وشركة «إيني للنفط والغاز» على إرسال سبع طائرات متخصصة في إطفاء الحرائق مع أطقم فنية لمساعدة فرق الإطفاء المحلية في السيطرة على الحرائق المندلعة في مستودعات البريقة للنفط والغاز الواقعة بطريق المطار.
لكن رامي كعال الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية الليبية قال في المقابل لـ«الشرق الأوسط» إن مشاركة الطيران الإيطالي لم تجرِ حتى مساء أمس نظرا لعدم توقف الرماية، مشيرا إلى أن هيئة السلامة الوطنية هي من يقوم بعمليات الإطفاء. وأضاف: «للعلم أنه تم الاتفاق مع الإيطاليين على إخماد النيران إلا أنهم لم يشاركوا بعد، هناك تهدئة وعند قيام رجال الإطفاء بإخماد النيران تحصل عليهم رماية، مما يجعلهم يغادرون المكان».
وأكد محمد الحراري الناطق الرسمي باسم المؤسسة الليبية للنفط هذه المعلومات، حيث قال في مؤتمر صحافي عقده أمس بطرابلس: «حتى هذه اللحظة ﻻ توجد أي طائرات أو وصول مساعدة خارجية للمساهمة في إطفاء حرائق خزانات طريق المطار، وكل الدول تشترط وقف إطلاق النار».
ولفت الحراري إلى إصابة خزان رابع أمس، وعد أن عملية القصف والرماية على الخزانات «متعمدة»، مما يؤكد وجود نية لإحراق العاصمة طرابلس، على حد تعبيره.
كما نفى المهندس سمير كمال مدير الإدارة للعامة بوزارة النفط والغاز الليبية وجود أي طائرات إيطالية أو أجنبية لإخماد النيران المشتعلة في «خزانات الوقود» التابعة لشركة «البريقة»، من غير عمال الإطفاء بشركة «البريقة» والدفاع المدني، وأشاد بوطنيتهم وجهودهم الجبارة رغم تراشق المتحاربين بأنواع الأسلحة المختلفة.
وأضاف في بيان رسمي بثته الوزارة عبر صحفتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»: «كل ما هنالك هو وجود اتصالات مع عدد من الدول الصديقة التي أبدت استعدادها للمساعدة في حالة إيقاف إطلاق النار بين المتحاربين». وناشد أصحاب سيارات نقل «المياه» المساهمة في ملء «خزانات المياه» بمنطقة صلاح الدين، للمساعدة في إطفاء وإخماد النيران المشتعلة.
كما أهابت شركة «البريقة لتسويق النفط» بجميع المواطنين أصحاب صهاريج المياه التوجه إلى مستودع طرابلس النفطي، محملين بالمياه، للمساعدة في عملية إخماد النيران بالخزانات.
وقالت هيئة السلامة الوطنية إنه لم تصل أي طائرات للدفاع المدني من أي دولة لإخماد الحريق، مشيرة إلى أن من يتولى إطفاء الحرائق هم من وصفتهم بـ«جنود المحرقة في طرابلس».
وأكدت الشركة اشتعال النيران بالخزان الرابع بعد استهدافه المتعمد بالصواريخ، وأضافت في بيان لها تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه: «هذا استهداف واضح ومتعمد للخزانات ورجال الإطفاء حتى لا يخمد الحريق، هذه الحرب على طرابلس فقط لتدميرها، هناك من يزيد تغيير العاصمة لمدينة أخرى».
وكانت الحكومة الليبية قد طالبت بالحفاظ على ممتلكات وبيوت المواطنين الذين سبق أن أخلوا بيوتهم حفاظا على أرواحهم، حيث وردت أخبار بتعرض بعضها للاعتداء والسرقة.
وقالت الحكومة في بيان أصدرته مساء أول من أمس إنه نظرا لخروج الحرائق بمستودعات النفط بطريق المطار عن السيطرة، فإنها تطلب من جميع المواطنين المقيمين بجوار المنطقة في دائرة ثلاثة كيلومترات إخلاء منازلهم فورا، حفاظا على سلامتهم.
وعدت أن الوضع أصبح مأساويا بطريق المطار بعد اندلاع النيران في الخزان الثاني للمشتقات النفطية، مما ينذر بكارثة إنسانية وبيئية يصعب التكهن بعواقبها، وحملت الحكومة المسؤولية الجنائية والأخلاقية كاملة لهذه الأطراف التي ما زالت متمادية في غيها وعدم امتثالها لجميع الجهود المبذولة لوقف القتال.
من جهتها، وجهت وزارة الداخلية الليبية نداء إلى الأطراف المتنازعة لمساعدة فرق الإطفاء التي تكافح الحريق. وناشدت الأطراف المتنازعة وقفا فوريا لإطلاق النار في المنطقة المحيطة بمكان الحريق لمساعدة دخول سيارات نقل المياه، وإتاحة الفرصة للعاملين بهيئة السلامة الوطنية للقيام بعملهم وإطفاء الحرائق في خزانات الوقود. وأعلنت الوزارة أنها وفرت 18 سيارة إطفاء مجهزة بكامل طاقمها دخلت صباح أمس إلى موقع الحريق، إلا أنها فوجئت بإطلاق نار كثيف مما أجبرها على الانسحاب. وقالت مصادر ليبية إن شاحنات الإطفاء تعرضت أمس لإطلاق رصاص حي عند خروجها من خزانات النفط للتزود بالمياه بطريق المشروع، مشيرة إلى انسحاب رجال الدفاع المدني بقيادة العقيد الطاهر قريصيعه من خزانات النفط، بعد استهداف الخزان الرابع بمضادات الطيران والصواريخ واشتعال النار به.
وقالت إن تبادلا لإطلاق النار لا يزال مستمرا، الأمر الذي أدى إلى إخلاء الموقع، بعد إصابة عدد من العاملين ورجال الإطفاء وقد جرى نقلهم إلى المستشفى.
في غضون ذلك، تمكن عبد الله الثني من مغادرة العاصمة طرابلس متوجها إلى المنطقة الشرقية، في أول زيارة من نوعها بعد منعه الأسبوع الماضي من مغادرة مطار معيتيقة الذي يسيطر عليه مقاتلون تابعون للقيادي السابق في الجماعة الإسلامية المقاتلة عبد الحكيم بلحاج.
ولم توضح الحكومة بعد الكيفية التي غادر بها الثني العاصمة، لكن أحمد الأمين الناطق باسم الثني قال في المقابل لـ«الشرق الأوسط» في تصريح مقتضب: «نعم، الرئيس (الثني) الآن في مدينة البيضاء».
وتحدثت وسائل إعلام محلية، أمس، عن اختطاف الدكتور مصطفى أبو شاقور رئيس الوزراء الليبي السابق من العاصمة طرابلس، علما بأن أبو شاقور الذي نجح في الفوز بمقعد مجلس النواب الجديد عن دائرة سوق الجمعة، كان مرشحا بقوة لرئاسة المجلس الذي سيتولى لاحقا السلطة من المؤتمر الوطني العام (البرلمان).
من جهة أخرى، لقي 30 شخصا على الأقل مصرعهم في مدينة بنغازي بشرق ليبيا، خلال اشتباكات عنيفة بالصواريخ بين القوات الحكومية الخاصة ومقاتلين إسلاميين شاركت فيها أيضا طائرات حربية، بينما تمكن المتطرفون للمرة الأولى من إسقاط طائرة عسكرية تابعة للجيش الوطني، الذي يقوده اللواء متقاعد خليفة حفتر.
واعترف مصدر عسكري أمس بأن طائرة عسكرية تابعة لقاعدة بنينا الجويـة من نوع «ميغ» سقطت بمنطقة الكويفية شرق بنغازي، لكنه قال في المقابل إن سقوطها جاء نتيجة لما وصفه بـ«عطل فني».
وأوضح المصدر أن طاقم الطائرة تمكن من النجاة، حيث تمكن الطيار من القفز بالمظلة وهو «سالم»، كما قال العميد الركن صقر الجروشي قائد العمليات الجوية لدى القوات الموالية للواء حفتر. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن الجروشي قوله: «لا نعلم بعد ما إذا كان عطلا فنيا، أو إذا كانت الطائرة أصيبت برصاصة طائشة».
وبحسب شاهد، فإن الطائرة كانت تشن ضربات على مواقع مجموعات إسلامية قبل تحطمها، وقال إنه شاهد الطيار يقفز بالمظلة قبل سقوط الطائرة.
وفى انتكاسة كبيرة للمعارك التي تخوضها قوات حفتر ضد المتطرفين المتشددين، اجتاح مقاتلون ومتشددون إسلاميون قاعدة كبيرة للجيش الليبي في مدينة بنغازي، بعد معركة شرسة استخدمت فيها الصواريخ والطائرات الحربية.
وقال مسؤولون عسكريون وسكان إن جنودا من القوات الخاصة اضطروا إلى التخلي عن معسكرهم الرئيس في جنوب شرقي بنغازي بعد تعرضهم لهجوم متواصل من تحالف يضم مقاتلين ومتشددين إسلاميين.
وقال فاضل الحاسي المسؤول بقوات الصاعقة الخاصة لوكالة «رويترز» إنهم انسحبوا من القاعدة العسكرية بعد قصف عنيف، في حين أكد متحدث باسم القوات الخاصة استيلاء المقاتلين الإسلاميين على القاعدة.
ولم يرد الجنرال حفتر على محاولة الاتصال به عبر هاتفه الجوال، بينما نقل مقربون من العقيد ونيس بوخمادة قائد القوات الخاصة عنه لـ«الشرق الأوسط» قوله: «إن هذا الانسحاب تكتيكي فقط»، وأنه توعد المتطرفين بمفاجآت خلال الساعات المقبلة.
لكن مجلس شورى ثوار بنغازي التابع للمتطرفين، أكد أنه نجح حتى أمس في السيطرة على خمس معسكرات تابعة للجيش في بنغازي، مشيرا في بيان أصدره أمس إلى أن قواته سيطرت على معسكر الصاعقة بعد محاصرته من أكثر من جهة، وسيطرت على طريق بوعطني - بنينا، وحتى ما يُعرف بمفرق المهشهش.
وزعم المجلس أيضا أنه سيطر على مقر الكتيبة 21 صاعقة، لافتا إلى أن قواته تحاصر حاليا معسكر 2 مارس في المدينة التي تشهد منذ نهاية الأسبوع قتالا عنيفا بين مجموعات إسلامية والجيش وكذلك قوات اللواء حفتر، حيث تشن كتائب مسلحة من الثوار السابقين السبت هجوما على مقر قيادة القوات الخاصة والصاعقة في منطقة بوعطني، جنوب وسط المدينة.
وأعلنت كتائب الثوار السابقين في مدينة بنغازي خلال الشهر الماضي عن تأسيس «مجلس شورى ثوار بنغازي»، وقالت في بيان تأسيسه إن «ثوار المدينة أسسوا مجلسهم هذا بعد أن تخلى من أوكلت إليهم مسؤولية حماية المدينة وحفظ أمن أهلها، وبعد أن أعلنت الحرب القذرة على ثوارها وأبنائها الشرفاء لإسقاط مشروعهم وخيانة دماء الشهداء تقبلهم الله».
وكان المجلس نفسه قد زعم يوم الخميس الماضي اقتحامه لعدد من معسكرات الجيش الليبي وسيطرته عليها، وهي مقر اللواء 319 مشاة، ومقر الكتيبة 36 الصاعقة، ومعسكر الدفاع الجوي، إضافة إلى إعلانه السيطرة على مقر الكتيبة 21 التابعة للصاعقة، وجميعها في محيط منطقة بوعطني حيث تدور الاشتباكات.
انتكاسة قوات حفتر أمام مسلحي بنغازي
انهيار هدنة وقف إطلاق النار.. وتضارب رسمي حول مشاركة طائرات أجنبية في إطفاء حرائق النفط
انتكاسة قوات حفتر أمام مسلحي بنغازي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة