من التاريخ: التاريخ بين النصب السياسي والأزياء

من التاريخ: التاريخ بين النصب السياسي والأزياء
TT

من التاريخ: التاريخ بين النصب السياسي والأزياء

من التاريخ: التاريخ بين النصب السياسي والأزياء

أُدرك اليوم ونحن نقترب من نهاية عام ميلادي ومولد عام جديد أننا تناولنا التاريخ على مدار السنوات الماضية بوصفه مصدرا للإلهام أو العظة أو التجربة، وقليلا ما سعينا للنظر لهذا التاريخ الإنساني على أنه قد يكون مصدرا للترفيه الإنساني؛ أَوَليس التاريخ انعكاسا لتجارب البشر، التي منها الطريف والترفيهي أيضا؟ فالإنسان هو الإنسان بكل ما له وما عليه، ولا يتغير عبر الزمن، وقد رأيت أن أخصص اليوم مقالا مختلفا بعض الشيء، فنغوص في بعض الحقائق الخفيفة على القلب لتعيد إلينا ابتسامة ولو خافتة ونحن على أعتاب العام الجديد، خاصة أن المواطن العربي من المحيط للخليج يحتاج لهذه الاستراحة الفكرية بعد إصابة وجدانه السياسي ببعض القرح.. ومن هنا نبرز هذه الحقائق الثلاث:
أولا: إن قاعدة النصب والاحتيال ليست مقصورة على طبقة بعينها، فالنصب صنعة قد يقوم بها الشخص حتى مع الملوك والرؤساء والذين يقعون ضحية لها حتى من أقرب الناس إليهم، ولكنني أعتقد أن أعظم عمليات الاحتيال السياسي على القيادة هي المحفورة باسم «غريغوري بوتيمكين Potemkin رئيس وزراء «كاترينا الكبرى» إمبراطورة روسيا، فبعدما استولت روسيا على ممتلكات واسعة من الدولة العثمانية، سعى الرجل لإقناع الإمبراطورة بنجاح سياسته الاستعمارية والهادفة لاستعمار هذه الأراضي، فما كان منه إلا أن دعا الإمبراطورة لرحلة نهرية لتشاهد بنفسها من المركب عملية الاستيطان، وكانت حيلته مكونة من مجموعة من القرى المتحركة التي كانت تحتل المناطق التي تمر من أمامها سفينة الإمبراطورة، حيث يقوم المواطنون الروس بالتلويح للإمبراطورة وإطلاق صيحات السعادة والحب والترحيب لها، وفي المساء يجري فك القرى سريعا ونقلها إلى المناطق التي من المقرر أن تمر أمامها السفينة في اليوم التالي، وهكذا تقتنع الإمبراطورة بأن الأرض قد عُمرت، وأن الناس يدعون لها ويهللون لها بالرخاء والسعادة، وهم في حقيقة الأمر ليسوا إلا مأجورين من قبل رئيس الوزراء. وقد كان السفراء الأجانب يبدون إعجابهم الشديد بعظمة بوتيمكين الذي استطاع أن يضع سياسة استعمارية واستيطانية ناجحة كل هذا النجاح، مما جعل الناس تطلق على من يسعون لخديعة القيادة السياسة، مصطلح «مدن بوتيمكين» أو «سرابات بوتيمكين». وعلى ما يبدو، فإن «كاترينا الكبرى» كانت تتشكك في أكاذيب رئيس وزرائها في الصباح، ولكنها تنساها وهي في أحضانه في المساء، فلقد كان الرجل عشيقها، وهو ما سمح له بأن يمر بهذه الخديعة بلا مساءلة.
ثانيا: وبعيدا عن السياسة، فإنه ما من شك في أن الفرنسيين كانوا مصدرا للإلهام الثقافي، ولو سألت عن مصدر هذا الثراء لأرجعه كثير من الفرنسيين إلى أن لديهم مجموعة من الفلاسفة والمفكرين والأدباء أكثر من أي دولة أخرى، ولكن كثيرين منا ينسون أن فرنسا تقود العالم في صناعة الأزياء، وهذا ليس بجديد، بل يمكن إرجاع ذلك إلى عهد الملك لويس الرابع عشر أعظم ملوك فرنسا وأكثرهم هيلمانا، مما جعل فرنسا منارة الأزياء، ولكن هذا ليس بالضرورة صحيحا في كل المناسبات، فنحن جميعا نلبس رابطة العنق والاسم الدارج لها هو «كرافتة»، ويعتقد أغلبنا أنها بدعة فرنسية، ولكن بعض المصادر التاريخية تشير إلى غير ذلك، فهي بدعة كرواتية الأصل دخلت البلاط الملكي في عهد لويس الرابع عشر من خلال أحد التجار الكروات المتعاملين مع القصر، ويقال إن الملك عندما رأي الرابطة أعجبته فاستفسر عنها وبدأ يرتديها، فتبعته في ذلك كل الحاشية والأرستقراطيين، فأصبحت بعد ذلك جزءا من اللبس المتحضر، وحقيقة الأمر أنها لم تكن على شكلها الحالي، بل كانت تغطي أغلبية القفص الصدري من خلال كرانيش مختلفة، لأن الجاكيت كان مفتوحا وليس مغلقا مثل اليوم.
وعلى أي حال، فإن هذه البدعة سرعان ما بدأت تتطور تحت اسم «الكرافاتة» اشتقاقا من كلمة «كرواتيا»، مما جعل أحد المؤرخين يداعبنا فيؤكد أنها «الوسيلة التي من خلالها تقوم دولة صغيرة مثل كرواتيا بوضعنا جميعا في أغلال الأعناق»، ولكننا يجب أن نشكر الإخوة الفرنسيين لتطويرها من شكلها البدائي، وإلا صرنا اليوم مرتدين ما يشبه مفارش السفرة المصغرة ذات الكرانيش.
ثالثا: كثيرا ما يعاني شخص من اسمه، فالاسم ليس خيارا لنا، وتسمية الذرية كانت ضمن أمور كثيرة شغلت المجتمعات المختلفة، ولكن الرأي استقر اليوم على أن ينسب الإنسان لأبيه ومن بعده لجده أو للقب الأسرة الذي إما يأتي كناية عن مدينة أو وظيفة.. إلخ، ولكن بعض الدول تضع اسما إضافيا تعطفه على اللقب أو الجد، وهو أمر شائع تاريخيا في إسبانيا، وجرى نقله من خلال الاحتلال إلى كثير من الدول اللاتينية، وهو لقب الأم ليكتمل النسب عندهم.
وأيا كانت الرؤيا، فإن أغرب أنظمة التسمية على الإطلاق كانت في تقديري للنظام الروماني، فهناك 12 اسما يجري الاختيار منها مثل «جايوس» أو «تايتوس» أو «ماركوس».. إلخ، ونظرا لأنها 12 اسما فقط، فإنه يجري اختصار كل واحد فيها بالحرف الأول ليوضع قبل الكلمة فيعرف الجميع الاسم المقصود، أما الاسم الثاني فكان نسبة إلى العشيرة التي ينتمي إليها، والاسم الأخير كان اسم الأسرة ذاتها، فمثلا «يوليوس قيصر» كان اسمه «جايوس» من عشيرة «يوليي» والاسم الأخير لأسرة قيصر، وفي حالة تشابه الأسماء مثلا، يجري وضع تعريف في نهاية كل اسم يميز صاحبه، مثل «الكبير» أو «الصغير» أو «الأفريقي». أما النساء الرومانيات، فنظرا لوضعيتهن الاجتماعية المتدنية نسبيا عند الرومان، فإنهن كنّ يُنسبن لآبائهن من خلال تأنيث لقبها، فيصبح اسم ابنة ماركوس أنطونيوس على سبيل المثال «أنطونيا»، وفي حالته خصيصا، فإن ابنتيه سميتا بالاسم نفسه أيضا دون تمييز بين الكبرى أو الصغرى.
والاختلاف الاسمي جاء أيضا في دول الشرق الأوروبي حيث كانت عملية النسب للأب أو الزوج توضع من خلال تأنيث نهاية اللقب فيعود على المرأة أو الزوجة.
واستنادا إلى الحقائق الثلاث الماضية، يبدو أن الحكم الأساسية التي يجب أن نأخذها منها هي:
الخدعة السياسية يجب ألا تكون مبنية على أكذوبة كبيرة مثل نقل قرى بأكملها كالتي ابتدعها بوتيمكين. كما أننا يجب أن نحمد المولى لمفهوم ارتقاء الأذواق، وإلا كنا جميعا مضطرين للبس ما يشبه المفرش الصغير بدلا من رابطة عنق صغيرة. وأخيرا نحمد الله أن الجيوش العربية قهرت الدولة الرومانية وإلا كانت أسماؤنا اليوم أقل ما توصف به أنها سريالية.. وعام سعيد عليكم جميعا.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».