إقالة الحكومة السورية المؤقتة.. أخطاء تنظيمية وتجاذبات إقليمية

وزير الاتصالات والنقل والصناعة في الحكومة المقالة لـ {الشرق الأوسط}: كنا نحتاج لمزيد من الوقت والدعم

طوافة قامت الحكومة المؤقتة بتنفيذها على قناة الطليان في سهل الغاب في ريف حماه (وزارة صناعة الحكومة المؤقتة)
طوافة قامت الحكومة المؤقتة بتنفيذها على قناة الطليان في سهل الغاب في ريف حماه (وزارة صناعة الحكومة المؤقتة)
TT

إقالة الحكومة السورية المؤقتة.. أخطاء تنظيمية وتجاذبات إقليمية

طوافة قامت الحكومة المؤقتة بتنفيذها على قناة الطليان في سهل الغاب في ريف حماه (وزارة صناعة الحكومة المؤقتة)
طوافة قامت الحكومة المؤقتة بتنفيذها على قناة الطليان في سهل الغاب في ريف حماه (وزارة صناعة الحكومة المؤقتة)

طرحت إقالة الحكومة المؤقتة من قبل الهيئة العامة للائتلاف الوطني السوري في يوم 21 يوليو (تموز) وما يتبعها من مسؤوليات، الكثير من التساؤلات حول أسباب الإقالة ومسيرة عمل الحكومة المؤقتة.
وفي حين رجح متابعون لعمل الائتلاف أن الإقالة كانت نتيجة لخلافات داخلية مستمرة منذ فترة سبقت حتى صعود الحكومة المقالة، رجح آخرون أسباب تأخر الائتلاف في تحقيق أهدافه للأوضاع الأمنية والتجاذبات السياسية الإقليمية.
ويطمح سياسيون وأكاديميون وناشطون منهم عبيدة فارس الذي تعاون مع «الشرق الأوسط» في إعداد هذا التقرير، إلى التوصل لحكومة جديدة تمثل كل الأطياف السياسية، كما يرى البعض أن الاستفادة من خبرة الوزراء والمسؤولين المنشقين عن النظام السوري الحالي ستكون «مفيدة» للحكومة المقبلة.
وعد وزير الاتصالات والنقل والصناعة في الحكومة السورية المؤقتة المقالة محمد غسان النجار في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن الائتلاف استعجل باتخاذ قراره «السياسي» بشأن الإطاحة بالحكومة باعتبار أن أعضاءه لم يزوروا خلال المرحلة السابقة مقر الحكومة كما أنّه لم يجر تشكيل لجان برلمانية تقيّم أداء كل وزارة على حدة، لافتا إلى أن هذه الحكومة كانت تحتاج للمزيد من الوقت والدعم من قوى المعارضة السورية كما الأطراف الدولية باعتبار أنها لم تبدأ عملها فعليا إلا من 4 أشهر بسبب تأخر وصول الدعم المادي.
ورأى النجار أنه كان من الأنسب أن يشكل الائتلاف لجنة مختصة بهدف المزيد من التواصل مع الوزارات والاستيضاح عمّا إذا كانت حققت إنجازات في مكان ما أو ارتكبت أخطاء فادحة لا يمكن إصلاحها. وقال: «السوريون قادرون اليوم على تشكيل حكومة جديدة لكن الأهم هو الانتباه للمعايير»، مشددا على وجوب اختيار «كفاءات كان لها دور سياسي قبل وبعد الثورة وعلى دراية باحتياجات الشعب السوري، خاصة أن الصورة ملتبسة والقوى العسكرية متناحرة على الأرض كما أن الواقع بمجمله مزرٍ».
وأمل النجار أن «تكون القيادة الجديدة موثوقة وقادرة على إعادة الثقة بالثورة»، وأضاف: «المهمة ليست سهلة على الإطلاق، فالقيادة يجب أن تكون على مسافة واحدة من جميع الفرقاء وأن تحسن تقييم المرحلة السابقة فتستفيد من تجربة الحكومة الانتقالية الأولى».
من جانبه، أكد عضو الائتلاف السوري، سمير النشار القول أن الائتلاف الوطني لم يحقّق الأهداف المطلوبة منه وهو اليوم أمام فرصة أخيرة بعد انتخاب الرئيس الجديد هادي البحرة لإنقاذه واستعادة ثقة السوريين والمجتمع الدولي به.
ورأى النشار في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنّه وللأسف منذ تأسيس الائتلاف حصلت تراجعات خطيرة على الصعيد الميداني بدءا من سقوط القصير وصولا إلى حصار مدينة حلب، الموقع الأخير للثوار بعد تمدّد داعش في أرياف حلب الشرقية.
وعد أنّ أسباب إخفاقات الائتلاف ليست فقط داخلية - ذاتية، إنّما أيضا مرتبطة بالخارج ولا سيما بالدعم العسكري المطلوب، وأضاف «فهو لم يتلقّ الدعم المطلوب من مجموعة أصدقاء سوريا لبناء مؤسسات حقيقية فاعلة، كما أنّ القرار الوطني السوري أصبح مصادرا بعدما بات الائتلاف موضوع تجاذب بين القوى الإقليمية والدولية». وأوضح النشار أنّ الائتلاف كما «هيئة الأركان» بنيا على توافقات إقليمية ودولية ولم تستطع المعارضة فيما بعد إصلاح الخلل في المؤسستين، إلى أن أصبحت القضية السورية اليوم رهن الصراع الإقليمي.
وأشار النشار إلى أنّ المعارضة تعوّل الآن على جهود مخلصة قد يدركها رئيس الائتلاف الجديد إذا استوعب الأخطار السابقة وعمل على إنقاذ الائتلاف، آملا أن تعيد القيادة الجديدة إعادة أحيائه.
وبينما عد النشار أنّ مباحثات تجرى مع شخصيات عدّة لتولي منصب رئيس الحكومة، رأى أن الشخصيات التي أعلنت انشقاقها عن النظام قد يكون لها دور فاعل إذا أعطيت الفرصة لتولي مناصب قيادية، نظرا إلى خبرتها الطويلة في بنية الدولة وفي معالجة الإشكاليات.
وأمل النشار الذي رشّح «معاون وزير النفط» السابق لدى النظام، لتولي رئاسة الحكومة، ألا تعتمد الحكومة الجديدة الطريقة نفسها التي طبعت مسيرة الحكومة السابقة وأن تعمل بعيدا عن الانحيازات، وأوضح أنّ حكومة طعمة كانت محطّ نفوذ «الإخوان المسلمين» إضافة إلى تيارات محسوبة عليها، عمدت إلى إقصاء باقي المكونات. وأمل النشار أن تقوم المعارضة بتشكيل حكومة «تكنوقراط» بعيدا عن الأحزاب وأن يكون توزيع المساعدات عادلا بعيدا عن الانتماء السياسي.
وقال الصحافي أحمد كامل المتابع لعمل الائتلاف والحكومة المؤقتة إن الحكومة المؤقتة كانت تُمثل أقل مؤسسات المعارضة السياسية سوءا، ففي تقديره فإن الحكومة عملت 50 في المائة مما تستطيع أن تعمله، وكان 40 في المائة من موظفيها لا يستحقون المكان الذي هم فيه، وثلث المال الذي وصلها أهدر، ولكن هذه أفضل نتيجة حققتها أي مؤسسة من مؤسسات المعارضة السياسية.
وقد حققت الحكومة المؤقتة إنجازات مهمة في ثلاثة قطاعات، الأول في ملف التعليم، وخاصة فيما يتعلق بالمناهج، والثاني في مجال الاتصالات وإعادة تشغيل المقاسم، والثالث في مجال المواصلات، وخاصة فيما يتعلق بإصلاح الطرق.
وأضاف كامل أن الحكومة عانت من مشكلة الهدر في أجور الموظفين الاستشاريين، فقد كان لرئيس الحكومة 13 مستشارا، لكن ينبغي الإشارة إلى أن عددا من الفاعلين في الائتلاف ضغطوا على رئيس الحكومة لتعيين مستشارين من طرفهم، وهم أنفسهم من تحرّك لاحقا لإقالة الحكومة واتهمها بتشغيل موظفين لا حاجة لهم!.
وفيما يتعلق بإقالة الحكومة، يرى كامل أن المجموعة التي تحرّكت لإقالة الحكومة (66 عضوا في الائتلاف)، لم يقوموا بتحركهم بناء على دوافع تتعلق بطريقة إنجاز الحكومة، بقدر ما ارتبط الأمر بمناكفات سياسية مع رئيس الحكومة نفسه، ولم يستبعد أن تبقى معظم التشكيلة الحالية للوزراء في الحكومة المقبلة، طالما أن هدفهم لإسقاط رئيس الحكومة قد تحقق.
وأشار كامل إلى أنّ نجاح الحكومة المؤقتة في عملها يتطلب ثلاثة عوامل، هي الأرض المحررة والآمنة، والموارد المالية، ووجود صلاحيات واضحة ومحددة. وأشار إلى أن تقدير الاحتياج المُلح في الأراضي التي لا تخضع لسيطرة النظام يبلغ 42 مليون دولار يوميا، أي بما يُعادل نصف ما تسلمته الحكومة المؤقتة خلال عام كامل!
من جهته قال الباحث عبد الرحمن عبّارة إن المشهد الثوري يتطلب من حيث المبدأ وجود جهة تنفيذية تقوم على متابعة الاحتياجات الأساسية لجمهور الثورة وخصوصا في المناطق المحررة ودول الجوار، وجاء تشكيل الحكومة المؤقتة لتحقيق هذه الغاية، ونجحت في مجالات وأخفقت في أخرى، لكنها في النتيجة وقعت ضحية التجاذبات والانقسامات السياسية الحادة للكتل داخل الائتلاف الوطني السوري.
وأضاف عبّارة أن هذا لا يعفي الحكومة المؤقتة من التقصير والإهمال في مجالات العمل المؤسساتي ومتابعة ملفي المساءلة والمحاسبة للعاملين فيها، الأمر الذي أدى لظهور «حكومة ظل» مكوّنة من كبار المستشارين والموظفين تقوم مقام رئيس الحكومة ووزرائه، وهي عوامل مجتمعة أعطت المزيد من الحجج لإقالتها، هذا عدا عما تعانيه الحكومة المؤقتة منذ التأسيس ولغاية الآن من عدم وجود نظام أساسي ناظم لعمل الحكومة المؤقتة، وعدم وجود هيكل تنظيمي واضح لرئاسة الوزراء والوزارات، كذلك عدم وجود أنظمة أساسية ناظمة لعمل كل وزارة وكذلك أنظمة داخلية لها، وعدم وجود نظام مالي يبين كيفية إعداد وإقرار وتنفيذ ومراقبة الموازنة العامة للحكومة وتبويب النفقات والإيرادات وآلية عقد النفقات وصرفها وتصفيتها، وقلة الكوادر من ذوي الخبرة في العمل في القطاع العام أو الإدارة العامة، وعدم إدراك أغلب العاملين بالحكومة ووزاراتها لطبيعة العمل المؤسساتي العام.
وقال عبارة إنه لا أحد يطالب بحماية المفسدين، وبالمقابل لا رغبة لدى الثورة بأكل أبنائها والعبث بسمعتهم ومصداقيتهم، لذا فإن خطوة إقالة الحكومة المؤقتة دون أسباب واضحة، ودون تحديد أسماء المفسدين فيها وإحالتهم إلى القضاء المختص، ودون إعلان أسماء الشرفاء فيها وتوجيه الشكر لهم باسم الثورة السورية، هي خطوة غير كافية، بل نستطيع حينئذ وضعها في خانة الكيدية السياسية.
ومن جهة أخرى فإن الفساد في مؤسسات الثورة السياسية لا يقتصر على مواقع بالحكومة المؤقتة فحسب، بل هو ربما فرعٌ عن فساد متأصل ببعض الشخصيات والكتل المشكلة للائتلاف الوطني، ونأمل أن يكون عنوان القيادة الجديدة للائتلاف العمل على تلافي أخطاء المرحلة السابقة، وتعزيز مبدأ المسائلة والمحاسبة، واعتماد الكفاءة كأساس للتعيينات في الحكومة المؤقتة وكل مكاتب ومؤسسات الائتلاف الوطني من الرأس إلى القاعدة.
وأقالت الهيئة العامة للائتلاف الوطني السوري الحكومة المؤقتة بأغلبية 66 صوتا، وذلك عقب اجتماعاته التي ناقش خلالها أعمال الحكومة. وأشارت الهيئة العامة إلى أن «هدف الإقالة هو الرقي بعمل الحكومة لخدمة شعبنا، والعمل على تحقيق أهداف الثورة».
جدير بالذكر أن رئاسة الائتلاف فتحت باب الترشح منذ تاريخ اليوم ولغاية أسبوعين، على أن تقوم الهيئة العامة من تاريخه، بتشكيل الحكومة الجديدة خلال ثلاثين يوما.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.