يسكن أهالي تالش في شمال غربي محافظة غيلان وفي منطقة جغرافية صغيرة في غرب محافظة أردبيل وجنوبي جمهورية أذربيجان. إنهم قوم مسالمون، وعلى الرغم من التعدد المذهبي فإنهم يعيشون بسلام قل نظيره. وتقع مدينة تالش في غرب غيلان، غير أن قوم تالش يتمتعون بتاريخ ضارب في القديم ويتوزعون في هذه المنطقة، وفي جنوبي جمهورية أذربيجان.
إن تاريخ سكان مدينة تالش الإيرانية ضارب في القدم. وتروي الموسوعة الإسلامية الكبرى في المجلد الرابع عشر أن الباحثين يعتقدون أن قوم تالش هم قوم «كادوس» أنفسهم. ويذكر تاريخ إيران القديم لحسن بيرنيا أن قوم تالش أو قوم كادوس كانوا يقطنون المنطقة قبل دخول الأريين إلى إيران.
لم تتضمن النصوص قبل الإسلام عبارة «تالش»، ويعتقد الباحثون أن تالش هم قوم كادوسيون الذين أشارت إليهم مصادر الروم القديمة. وكانت تسمى تالش طيلسان وفقا لنصوص القرون الأولى بعد الإسلام، وأصبحت عبارة تالش متداولة منذ القرن السابع الهجري. ويقال إن «قوم تالش» كانوا من القبائل التي ساهمت في إنشاء الدولة الميدية، وتمتعوا بحكم مستقل حتى حكم شاهبور الأول للسلالة الأخمينية. وعاش هذا القوم بسلام في عهد الشاهنشاهية الساسانية والشاهنشاهية الأشكانية، غير أنهم يعدون من الأقوام التي تركت تأثيرا في تاريخ إيران. وتأثر سكان تالش بالغيلك والديلميين.
وتم فتح مدينة تالش في فترة حكم الخليفة الثاني على يد عقبة بن أبي معيط، وبالتزامن مع دخول العلويين إلى تالش انتشر الإسلام في المنطقة بشكل كامل منذ القرن الثالث الهجري.
ولم تتحدث المصادر التاريخية عن قوم تالش في التطورات التاريخية في إيران حتى عهد المغول الإيلخانيين، وجرى قمعهم على يد المغول. وكانت العلاقة بين قوم تالش والحكومة في الفترة التيمورية أكثر سلمية من الحكومات الأخرى.
وأدى سكان تالش دورا بارزا في صناعة التاريخ. ويقول فلاديمير مينورسكي مؤلف كتاب «النظام الإداري للدولة الصفوية» إن ولاة تالش كانوا من ضمن إحدى المجموعتين المواليتين للشيخ صدر الدين. وتفيد الأبحاث أن الشيخ صفي كان يتكلم اللغة التالشية، ويقطن في منطقة هيله كران بتالش لعدة سنوات. وبدأ دراسته في مدرسة الشيخ زاهد، وزوجته تتكلم اللغة التالشية. وكانت العلاقات بين قوم تالش والحكام الصفويين مضطربة أحيانا مما دفع سكان تالش إلى حماية السلالة الأفشارية لدى تسلمها السلطة، ولكنهم انتفضوا على نادر شاه بسبب الانتشار الواسع للظلم.
يعد الحكم القاجاري من أسوأ الفترات في تاريخ سكان تالش حيث جرى ضم جزء من منطقة تالش إلى الأراضي الروسية في فترة حكم فتحعلي شاه القاجاري وذلك وفقا لمعاهدة تركمانجاي.
من نهر سفيد رود إلى نهر كورا
لا يمكن تحديد مساحة المنطقة التي يقطنها قوم تالش. ولاحظت خلال الزيارة التي قمت بها إلى المناطق التي يقطنها قوم تالش التشابك والتلاحم بين هؤلاء القوم والأقوام الأخرى ومنهم الغيلك، والأتراك. يقطن قوم تالش في ثماني مناطق على الأقل في شرقي غيلان بعد هجرتهم إلى هذه المنطقة. ويعد المصب الشرقي لنهر سفيدرود في بلدة رودبار بغيلان موطن قوم تالش والذي يمتد إلى منطقة ألبرز الشمالي إلى نهر كورا في جمهورية أذربيجان، غير أن سلسلة جبال تالش تشكل الجزء الرئيس من الأراضي التي يقطنها قوم تالش.
وتتضمن أراضي تالش ثلاثة أجزاء: الجزء الشمالي يضم بلدات آستارا (أذربيجان)، ولنكران، ولريك، وماسللي، وبيله سوار، وياردملي، وجليل آباد في حين يشمل الجزء الوسط بلدات آستارا (إيران)، وتالش، وماسال، ورضوانشهر. هذا وتقع بلدات فومن، وشفت في الجزء الجنوبي. كما يتوزع قوم تالش في بلدات نمين، ورودبار، وميناء أنزلي، وصومعه سرا. ويقول الكتاب الصادر حول سكان تالش للباحث الإيراني علي عبدلي إن مساحة الأراضي التي يقطنها قوم تالش تبلغ عشرة آلاف كيلومتر مربع، في الوقت الذي يصل فيه عدد سكان المنطقة إلى مليون ومائة ألف نسمة حيث يقيم 700 ألف منهم في الجزء الشمالي للأراضي التالشية. وأما عدد سكان الجزء الجنوبي من قوم تالش فيصل إلى 400 ألف شخص.
الجزء الشمالي لتالش وحلم الحكم الذاتي نشرت قيادة الوحدة العسكرية السابعة عشرة في 21 يناير (كانون الثاني) 1993 بيانا خاطب سكان لنكران. جاء في البيان أن الوحدة العسكرية «إن» تولت في ظل غياب الحكومة، وانتشار الفوضى، والأوضاع المتأزمة الحالية مهمة توفير الأمن في مدن أستارا، ولنكران، ولريك، وياردملي، وماساللي، وجليل أباد، وبيله سوار، وأعلنت قيام جمهورية تالش - مغان ذات الحكم الذاتي في هذه المناطق. ولم تستمر جمهورية تالش - مغان ذات الحكم الذاتي إلا شهرين جرى خلاله الانتخابات البرلمانية. وشنت القوى الحكومية هجوما واسعا على الجمهورية بعد أسبوعين من تحديد البرلمان موعد إجراء الانتخابات الرئاسية.
وشكلت هذه الأحداث التي وقعت في مدينة كنجة في مطلع يونيو (حزيران) 1993 نقطة انطلاق لحركة تمرد أهالي تالش ضد جمهورية أذربيجان، غير أن جذور تكوين هذه الحركة السياسية تعود إلى قبل أربع سنوات حيث جرى تأسيس حزب رستاخيز في تالش بقيادة هلال محمداف.
ونصت معاهدة تركمانجاي على فصل الجزء الشمالي لتالش عن إيران منذ 150 عاما. ويضم الجزء الشمالي لتالش مدن أرشق، وجاي إيجي، ولنكران (الجزء الشمالي لأستارا)، وزووند، وألوف، ودريغ، ودشت وند، وموغان الشرقية، وأجارود. ويقال إن عدد التالشيين القاطنين في مدينتي أريس، وشيمكنت في كازاخستان يصل إلى 150 ألف نسمة. وفي عام 1938 حظرت جمهورية أذربيجان وهي من الجمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق استخدام عنوان تالش في البلاد. يعيش السكان الشيعة والسنة في تالش بسلام ووئام، وهي إحدى ميزات أهالي المنطقة.
إن الكثير من سكان المنطقة من السنة، ويعد أهالي الجزء الشمالي الواقع في إيران والوسط من منطقة تالش من أكثر الأقليات السنية انسجاما ووحدة في إيران وذلك بعد الأكراد، والبلوش، والتركمان، وقسم من العرب في إقليم خوزستان.
وينتمي معظم سكان تالش من أهل السنة إلى المذهب الشافعي، وفي عهد الحكم الصفوي تشيع بعض السكان الذين كانوا ينتمون إلى المذهب الحنبلي. إن السكان في الجزء الجنوبي من تالش والذي يضم مدن فومن، وشفت، وكسكر، وماسال، وشاندر هم من الشيعة الإمامية الاثني عشرية. وتشيع سكان الجزء الشمالي الواقع في جمهورية أذربيجان منذ القرن الثامن عشر.
وتدعى اللغة التي يتكلم بها سكان المنطقة بالتالشية وهي لغة هندوأوروبية، وتشابه الفارسية، والتاتية، والكردية، والغيلكية، والطاجيكية. لا تملك اللغة التالشية خطا مكتوبا ولا أعمالا أدبية مكتوبة.
في الجزء الجنوبي من منطقة تالش تختلف لغة السكان من منطقة عن أخرى، على سبيل المثال هناك تباين ملحوظ في اللغة التي يتحدث بها السكان في خليف آباد عن تالش وجوكندان في الوقت الذي لم تبعد فيه هذه المناطق عن بعضها سوى 20 كيلومترا. يتحدث سكان أرياف منطقة تالش باللغة التالشية في حين تنتشر اللغات التركية والغيلكية في المدن.
* إعداد لـ«الشرق الأوسط» بالفارسية (شرق بارسي)