يعلم أي شخص مهتم بالسياسة الدولية المواجهة المستمرة منذ حقبات طويلة بين إيران والولايات المتحدة. إلا أن الأمر الأقل معرفة هو المنافسة بين الدولتين لعرض رؤى مختلفة في الفن السابع وهو السينما.
فمهرجان فينيسيا للسينما الذي سيبدأ هذا الأسبوع، يقدم منبرا جديد للأفلام المقبلة من أميركا وإيران للنقاد. فمن بين 50 فيلما ستعرض في المهرجان هذا العام يوجد 19 فيلما تعرض للمرة الأولى. ومن بين تلك الأفلام الجديدة يوجد 3 أفلام لمخرجين إيرانيين: «رويات» للمخرج رخشان بني ايتماد وفيلم «منزل 99» للمخرج رامين باهراني وفيلم «كلمات قليلة مع الآلهة» لبهمان قبادي.
وفي الوقت الذي تستمر فيه هوليوود في تقديم أفلام جذابة ضخمة فإن السينما الإيرانية تواجه ذلك بأفلام هادئة تبعث على التفكير..
ويصف النقاد الأوروبيون السينما الإيرانية بأنها «معادية لهوليوود». وقبل الثورة كانت إيران واحدة من أكبر 4 دول منتجة للأفلام السينمائية في العالم. وفي الثمانينات فقدت تلك المكانة، وعندما عاد النشاط السينمائي مرة أخرى في التسعينات، انقسمت السينما الإيرانية إلى نوعيتين. الأولى عبارة عن أفلام للسوق المحلي، أفلام تلعب على عواطف المشاهدين وتشمل ما يعرف بأفلام الحركة. والنوعية الثانية أفلام مواجهة للمهرجانات الدولية والمشاهد الغربي. ونجح بعض السينمائيين في المزج بين النوعين. وأظهر هؤلاء هو عباس كياروستامي السينمائي الإيراني. وقد تحول كياروستامي ببذلته البيضاء ونظارة الشمس السميكة الغامقة إلى ما يشبه الأيقونة في الغرب.
لقد بدأ كياروستامي صاحب أفلام مثل «أين منزل صديقي» و«تحت أشجار الزيتون» و«طعام الكرز»، عمله في مجال السينما قبل 40 سنة قبل استيلاء الملالي على السلطة في طهران. وكان كياروستامي الذي اشتهر آنذاك بأفلامه القصيرة للأطفال، يحلم بإخراج أفلام روائية. وجاءت الفرصة الأولى في عام 1970 عندما صور فيلم «الخبز والزقاق» وهو عبارة عن قصيدة مرئية قصيرة. إلا أن فيلمه الروائي الأول «التقرير» هو الذي وضعه في مصاف النجوم.
وقد أصدر بهمان مقصودلو وهو واحد من أشهر نقاد السينما ومؤرخ معروف للسينما الأوروبية فيلما تسجيليا بنفس العنوان «التقرير» طوله 88 دقيقة عن نشاط كياروستامي السينمائي الذي امتد 45 سنة. وقد قدمه في العام الماضي في مهرجان مونتريال للسينما في كندا. ويدرس العمل ويحلل أفلام كياروستامي الرئيسة بمشاركة أكثر من عشرة من نقاد السينما الإيرانيين والغربيين ومن بينهم أندري ساريس ومارتين سكورسيسي وفيريدون هويدا وجان ميشال فوردون.
ويركز فيلم مقصودلو التسجيلي على فيلم كياروستامي «التقرير»، ويكشف عن جوانب ربما لم ينتبه إليها الكثير من المشاهدين. ويتعمق العمل التسجيلي في الواقعية الجديدة لكياروستامي ويستكشف طبيعة الفيلم من الناحية القصصية. والأهم من ذلك يقدم العمل التسجيلي تحليلا لإنسانية كياروستامي والبحث الدائم عن السلام والتصالح في عالم مصاب بالنزاعات الأبدية والكراهية. وخلال عرض العمل التسجيلي نشاهد تطور أسلوب كياروستامي المميز. ونرى كيف تعلم الكمال والعثور على صوته.
وفي نفس الوقت يقدم العمل التسجيلي مؤشرات حول تطور السينما كظاهرة متناقضة مغلفة بالغموض. كيف يمكن لشخص أن يستخدم اللغة السينمائية من أجل تقديم سرد ثقافي سياسي في بلد الكراهية فيه للصورة جزء من النسيج الديني.
في الواقع لا يقدم «التقرير» وجهة نظر حول هذه التطورات الأخيرة. لكن لماذا أجبر كياروستامي ومخرجين آخرين من الرعيل المهم في السينما الإيرانية، مثل محسن مخمالباف، على العمل في المنفى. أول فيلم لكياروستامي «النسخة المرخصة» مع الممثلة الفرنسية جولييت بينوش، بينت توجهاته التجارية وأظهرت تأثره أيضا بالسينما الأوروبية. إلا أن «التقرير» لا يوضح لماذا قرر عدد من السينمائيين الإيرانيين ولا سيما علي أصغر فرهادي الذي حصل فيلمه «الانفصال» على جائزة الأوسكار، جعل أسلوبهم قريبا من أسلوب هوليوود.
ولقد أصدر مقصودلو عددا من الأفلام التسجيلية من بينها فيلم عن السينمائيين الأسطوريين في هوليوود اللذين أصدرا فيلم «كينغ كونغ»، وآخر عن رسام الكارتون الإيراني اردشير موهاسيس. إلا أن فيلمه الجديد «التقرير» يشير إلى ثقة في التعامل مع نظريات فنية وثقافية معقدة.
أفلام إيرانية معادية لهوليوود تبحث عن أسواق دولية
عمل تسجيلي يحلل أعمال السينمائي الإيراني كياروستامي
أفلام إيرانية معادية لهوليوود تبحث عن أسواق دولية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة