نجحت الضغوط السياسية والشعبية في حمل الحكومة الفرنسية على التراجع عن مواقفها السابقة والسماح، أمس، بالمظاهرات الداعمة للفلسطينيين في باريس والمدن الفرنسية الرئيسة، ليون وتولوز وليل. كما أعلن عن تنظيم مظاهرات إضافية السبت المقبل وأكبرها في العاصمة. والأهم من ذلك أن 33 نائبا فرنسيا منهم 31 من الحزب الاشتراكي الحاكم أصدروا بيانا طالبوا فيه الفرنسيين بـ«تحمل مسؤولياتهم» و«التعبير عن آرائهم بالمشاركة في المظاهرة». وأكد النواب الـ33 مشاركتهم الشخصية في مظاهرة باريس مما أعطاها بعدا إضافيا.
وتأتي التعبئة الشعبية بالدرجة الأولى ردا على المواقف التي اتخذها الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في بداية الحرب الإسرائيلية على غزة والتي أعلن بشأنها أن «من حق الحكومة الإسرائيلية أن تتخذ كل الإجراءات لحماية سكانها»، من غير الإشارة أبدا إلى الضحايا المدنيين في القطاع.
وفهم هذا الموقف على أنه «تفويض على بياض لإسرائيل» لتفعل ما تريد وترتكب ما تشاء من الجرائم. ثم جاء قرار وزارة الداخلية، وفق تعليمات رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، منع مظاهرتين في باريس وفي مدينة سارسيل، شمال باريس، بحجة تلافي أعمال شغب وشعارات معادية للسامية ولليهود وتجاوزات حملت مسؤوليتها للمتظاهرين أو لبعض منهم لتسكب الزيت على النار ولتزيد النقمة الشعبية.
وأخذ على هولاند وحكومته «الخلط» بين الذين نزلوا إلى الشارع للتعبير عن رأيهم، وهو حق يضمنه الدستور، والذين ارتكبوا التجاوزات وهم أقلية قليلة. فضلا عن ذلك، فهم قرار المنع على أنه استجابة لمطلب الطائفة اليهودية التي «صدمت» بسبب الاشتباكات التي حصلت في محيط كنيسين يهوديين الأحد ما قبل الماضي في باريس، ويوم السبت السابق في سارسيل التي تسكن فيها جاليتان عربية ويهودية كبيرتان.
وأمس، رفعت شعارات تطالب بـ«الوقف الفوري للقصف على غزة» و«رفع الحظر المجرم وغير الشرعي» والمطالبة بـ«عقوبات فورية بحق إسرائيل حتى تحترم القانون الدولي».
بيد أن المتظاهرين رغم تنديدهم بالتجاوزات وبكل ما يشتم منه أنه تصرف «لا سامي» أو «معاد» لليهود أخذوا على الحكومة أنها تتبنى وجهة نظر واحدة ولا تتحقق مما حصل فعلا وميدانيا وهم يتهمون رابطة الدفاع اليهودية، وهي ميليشيا يهودية متطرفة معروفة بلجوئها المنهجي للعنف، بـ«استفزاز» المتظاهرين والتهجم عليهم. وتصنف الرابطة التي أقامها الحاخام اليهودي العنصري كاهانا بأنها «إرهابية» وهي ممنوعة وفق القوانين الأميركية.
وأمس، أصدرت محكمتان فرنسيتان أحكاما بالسجن الفعلي والسجن مع وقف التنفيذ على تسعة من المتظاهرين لـ«عصيانهم» الشرطة والمشاركة في أعمال شغب. وعمدت النيابة العامة إلى استئناف أحكام السجن مع وقف التنفيذ مطالبة بالحبس الفعلي والتشدد.
ويقوم الموقف الرسمي الفرنسي على القول إنه «ليس من المسموح استجلاب النزاع الشرق أوسطي إلى فرنسا». وكرر هولاند هذا الكلام في مجلس الوزراء الذي عقد أمس وطالب باحترام قوانين الجمهورية ورفض الشعارات التي تعبر عن الحقد. أما وزير الداخلية برنار كازنوف أكد أنه أعطى «تعليمات متشددة» لقوى الأمن للقبض على أي شخص يهتف «الموت لليهود» أو «يحرق علم إسرائيل». والحال أن أحدا لم يسمع شعار «الموت لليهود» في المظاهرات السابقة.
أما سياسيا ودبلوماسيا، فإن موقف فرنسا يقوم اليوم على الدعوة للوقف الفوري لإطلاق النار. وكرر وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس وصف ما يحصل في غزة بأنه «مجزرة» داعيا إلى «عمل فوري ودولي» لانتزاع وقف النار وهي الرسالة التي كررها في جولته الشرق أوسطية حيث ذهب إلى مصر والأردن وإسرائيل. لكنه بدا، في نهاية زيارته، وفق ما علمت «الشرق الأوسط» من دبلوماسيين فرنسيين «بالغ التشاؤم».
ولعل الأمر الوحيد العملي الذي حمله فابيوس هو اقتراحه إعادة إحياء لجنة المراقبين الأوروبيين على المعابر بين غزة ومصر والبحث في آلية لفرض الرقابة على الحدود بين الجانبين. ودعا إلى الأخذ بعين الاعتبار مطالب الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي وليس الاكتفاء بوقف النار بل إزالة الأسباب التي تجعل الحرب تطل برأسيها كل عامين أو أقل من ذلك.
الحكومة الفرنسية تتراجع عن قرار منع التظاهر دعما لغزة
استمرار التعبئة.. و33 نائبا اشتراكيا دعوا للمشاركة في المظاهرات
الحكومة الفرنسية تتراجع عن قرار منع التظاهر دعما لغزة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة