أنفاق حماس.. بعضها اقتصادية وأخرى للقيادات ونوع ثالث لتسلل المسلحين إلى داخل إسرائيل

محللون: ما استثمرته الحركة تحت أرض غزة يفوق ما أنفقته فوقها

أنفاق حماس.. بعضها اقتصادية وأخرى للقيادات ونوع ثالث لتسلل المسلحين إلى داخل إسرائيل
TT

أنفاق حماس.. بعضها اقتصادية وأخرى للقيادات ونوع ثالث لتسلل المسلحين إلى داخل إسرائيل

أنفاق حماس.. بعضها اقتصادية وأخرى للقيادات ونوع ثالث لتسلل المسلحين إلى داخل إسرائيل

كان ذلك في يوم اثنين في أكتوبر (تشرين الأول)، عندما سمع سكان كيبوتس عين هشلوشا، إلى الشرق من غزة، أصواتا غريبة.
كان من الصعب تحديد مصدر تلك الأصوات. ولم تكن تصدر من فوق سطح الأرض، ولكن من أسفلها. وسرعان ما قادت تلك الضوضاء جنودا إسرائيليين إلى نفق متقدم للغاية ومجهز بصورة جيدة.
كان طول النفق 1.5 ميل ويقع 66 قدما تحت الأرض. كان مجهزا بالكهرباء وبه كميات كافية من الشطائر، والزبادي، وغير ذلك من التجهيزات لإبقاء ساكنيه لعدة شهور على قيد الحياة. وقدر الجيش الإسرائيلي أن حماس قد أنفقت ما يقرب من 10 ملايين دولار واستخدمت 800 طن من الخرسانة في ذلك المشروع الذي استغرق عامين.
ووصف الجيش الإسرائيلي في بيان، الجمعة، تلك الأنفاق بأنها «متقدمة ومعقدة، وتستخدم في شن هجمات مثل اختطاف المدنيين والجنود الإسرائيليين على حد سواء، واختراق المجتمعات الإسرائيلية، وارتكاب جرائم القتل الجماعي، وسيناريوهات احتجاز الرهائن».
وقال موقع «المونيتور» الإخباري، واصفا حرب الأنفاق المتصاعدة من واقع وثيقة فلسطينية، إن الهدف من شبكة الأنفاق هو مفاجأة العدو وتوجيه ضربة قاتلة لا تسمح بفرصة النجاة أو الهرب أو السماح بالمواجهة والدفاع عن نفسه.
والسبت الماضي، وفي ما وصفته جريدة «واشنطن بوست» بأنه «هجوم جريء»، تسلل مقاتلون من حماس يرتدون زي الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة إلى داخل إسرائيل من خلال أحد الأنفاق، وهاجموا دورية للجيش، مما أسفر عن مقتل جنديين. وفي محاولة ثانية يوم السبت للدخول إلى إسرائيل من خلال الأنفاق، عثر على نشطاء لحماس يحملون الأصفاد اليدوية والمهدئات في محاولة يبدو أنها كانت لخطف الجنود، وقتل أولئك النشطاء، على حد قول الجيش الإسرائيلي. وفي يوم السبت كذلك، خرج أحد المسلحين من أحد الأنفاق المخفية في جنوب قطاع غزة وبدأ بإطلاق النار على الجنود.
وقال متحدث باسم الجيش الإسرائيلي أول من أمس إن خليتين قد تسللتا إلى داخل إسرائيل من خلال نفق في شمال غزة. وقام الطيران الإسرائيلي بقصف إحداهما، وأطلقت الخلية الثانية قذيفة مضادة للدبابات على مركبة عسكرية قبل مقتل عشرة من النشطاء بالنيران المقابلة. وفي الوقت الذي تنكشف فيه الشبكة الكاملة لأنفاق حماس، يقول الجيش الإسرائيلي إن تفكيك تلك الجحور هو من أهم الأولويات لديه. وقال النقيب إيتان بوخمان، وهو متحدث عسكري إسرائيلي «لقد وسعنا من نطاق القوات العاملة على الأرض حتى يمكن استكمال تلك المهمة. إن غزة بالكامل تعتبر مدينة تحت الأرض، وكمية البنية التحتية التي تبنيها حماس على مر السنوات تعتبر هائلة. فهناك أنفاق، ومخابئ ممتدة، ومنشآت لتخزين السلاح، حتى داخل المناطق المأهولة بالسكان». ويقول المحللون إن الأنفاق هي الشق الرئيس للاستراتيجية العسكرية لدى حماس ضد إسرائيل. وقد قام الجيش الإسرائيلي بهدم نحو 36 مما يسميها «أنفاق الإرهاب»، لكن ربما يكون هناك المزيد. وفي حين يستمر قطاع غزة غارقا في الفقر - حيث كان دخل الفرد يبلغ 1165 دولارا في عام 2011 - يقدر أن حماس قد أنفقت ما يقرب من مليون دولار أميركي في أعمال الحفر والصيانة لكل نفق من الأنفاق. ويقول شلومي علدار من موقع «المونيتور»: «هناك الكثير من سوء الحظ ينال شعب غزة، فلقد استثمرت حماس موارد أكثر بكثير في غزة ما تحت الأرض عن غزة ما فوق الأرض. وما وعدت به حماس ناخبيها من تغيير وإصلاح تم استثماره في تلك الأنفاق على حساب شعب غزة».
وإذا كانت الأنفاق هي نتاج انتخابات حماس لعام 2006، فقد بدأت الجماعة في العمل سريعا. ففي يونيو (حزيران) من ذلك العام، استخدمت حماس أحد الأنفاق لأسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط. وفي ذلك اليوم، وفقا لجريدة «هآرتس» الإسرائيلية، عبر المسلحون تحت الحدود بين غزة وإسرائيل وهاجموا برج الحراسة الذي كان يوجد به شاليط في الساعة 05:13 صباحا. وخلال ست دقائق، سيطر المهاجمون على شاليط وعادوا به إلى غزة عبر النفق - ولم يرجع إلى إسرائيل لمدة خمسة أعوام.
وفي السنوات الأخيرة، اقتربت أنفاق حماس من التفوق على أنفاق الفيتكونغ خلال حرب فيتنام. إذ قيل إن مقاتلي حرب العصابات الشيوعيين قد شيدوا مئات الأميال من الأنفاق في المنطقة المحيطة بسايغون، التي صارت عاصمة جنوب فيتنام في ما بعد.
غير أن أنفاق حماس تتجسد في سياق مغاير. فهناك سبب وحيد من وراء بناء الأنفاق، كما كتب علدار في مقال مختلف، وهو إبقاء الجنود مشغولين خلال فترات السلام النسبي مع إسرائيل: «ماذا تصنع بالآلاف من الشباب المتحمس المسلح برغبة عارمة على القتال؟. عليك المجيء ببعض الحلول التشغيلية: حفر نفق تحت الأرض».
أحد حفاري الأنفاق، والذي يقول إن العمال يستمرون في العمل تحت الأرض لفترات طويلة، يفسر كيفية البناء بقوله «يتم الحفر باستخدام آلة ميكانيكية، وليست آلة كهربائية، لتجنب إحداث الضجيج. وهي تستخدم سلسلة تعمل بطاقة التبديل، تماثل سلسلة الدراجة. وتحرك السلسلة الأجزاء المعدنية التي تحفر خلال التراب. وأثناء الحفر، يستلقي عامل الحفر على ظهره ويبدل بقدميه. وترتفع الأنفاق بما فيه الكفاية لتسير فيها وأنت مرفوع الرأس غير محني الظهر ويجري تدعيمها بالخرسانة».
وتودي الأنفاق بحياة الإنسان، طبقا لمقال مفصل بشكل غير معتاد من تأليف جيمس فيريني ظهر في عدد شهر أغسطس (آب) من مجلة «ناشيونال جيوغرافيك»، وهو يصف هذه الحادثة «كانت الساعة تدور حول التاسعة مساء، وكان الإخوة في مناوبة ليلية ينفذون أعمال الصيانة في النفق. وهناك المئات من تلك الأنفاق تنتشر بين غزة وشبه جزيرة سيناء المصرية غير مطابقة لأي مواصفات في طريقة بنائها. كنا تحت الأرض بمائة قدم تحت مدينة رفح، جنوب مدينة غزة، وكان سمير يعمل بالقرب من المدخل، بينما كان يوسف واثنان من العمال، كريم وخميس، بالقرب من منتصف النفق. كانوا يحاولون دق إسفين من الخشب الرقائقي في الجدار لتدعيمه عندما بدأ في الانهيار. سحب كريم خميس من الطريق في الوقت الذي قفز فيه يوسف في الاتجاه المقابل. توقف انهيار التربة والصخور للحظة، وعند رؤية أن أصحابه بخير، صرخ يوسف (الحمد لله)، ثم تحرك النفق مرة أخرى، واختفى يوسف».
وهناك ثلاثة أنواع من الأنفاق، كما يقول الخبراء. النوع الأول هو النفق الاقتصادي: مئات الأنفاق التي تخترق مصر والتي سهلت لحماس سحب الموارد، والأسلحة، والصواريخ، حتى قام المصريون بإغلاق الكثير منها. وهناك مجموعة أخرى من الأنفاق التي تخدم القيادات العليا لحماس. «كل قائد من قادة حماس، من أدنى درجات السلم البيروقراطي فيها وحتى كبار القادة، على دراية كاملة بالطريق المؤدي إلى نفق الأمان المخصص له ولعائلته»، على حد زعم صحيفة «المراقب»، التي تضيف أن «للقيادة العليا أنفاقها الخاصة». والنوع الثالث الذي حرك الهجوم الإسرائيلي تمثله الأنفاق التي يتنقل مسلحو حماس عبرها تحت حدود قطاع غزة إلى داخل إسرائيل.
* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.