مقابر غزة تعجز عن استقبال المزيد.. والبعض يدفن في قبور موتى سابقين

فلسطينية فقدت نحو 20 فردا من أسرتها لـ {الشرق الأوسط}: دفناهم على دفعات

مقبرة جماعية لعائلة البطش بعد مقتل 18 من أفرادها في غارة إسرائيلية على غزة ({الشرق الأوسط})
مقبرة جماعية لعائلة البطش بعد مقتل 18 من أفرادها في غارة إسرائيلية على غزة ({الشرق الأوسط})
TT

مقابر غزة تعجز عن استقبال المزيد.. والبعض يدفن في قبور موتى سابقين

مقبرة جماعية لعائلة البطش بعد مقتل 18 من أفرادها في غارة إسرائيلية على غزة ({الشرق الأوسط})
مقبرة جماعية لعائلة البطش بعد مقتل 18 من أفرادها في غارة إسرائيلية على غزة ({الشرق الأوسط})

لم تجد عائلة البطش في حي التفاح شرق مدينة غزة، التي قتل 18 فردا منها وأصيب 50 آخرون في مجزرة إسرائيلية طالت منازل العائلة في المنطقة، مكانا في مقبرة الحي لدفن جثامين أبنائها، فاضطرت إلى تجهيز قبور خاصة بالضحايا في أرض تعود ملكيتها للعائلة بعد أن نفدت أمامهم كل الخيارات لدفنهم في المقابر القريبة.
وفضلت العائلة بإجماع الأحياء منهم دفن ضحايا المجزرة الإسرائيلية في أرض مجاورة تماما للمنازل المستهدفة من قبل الاحتلال. ويقول أبو الهيثم البطش لـ«الشرق الأوسط»: «لم يكن هناك أي خيار أمام العائلة لدفن الشهداء سوى في مقبرة الحي، وهي ممتلئة عن بكرة أبيها، بالإضافة إلى مقبرة الشهداء، شرق مدينة غزة، التي لا يمكن الوصول إليها بسبب التوغل الإسرائيلي في محيطها وإطلاق النار على كل هدف يتحرك في تلك المناطق».
وأشار أبو الهيثم إلى أن العائلات في قطاع غزة تفضل دوما البحث عن مقابر قريبة من منازلها لدفن الموتى بهدف زيارة قبورهم باستمرار، مبينا أن هناك مقابر أخرى في مدينة غزة لكنها بعيدة جدا عن الحي الذي تقطن به العائلة. وأضاف: «الاحتلال قتل أبناءنا مرتين، الأولى حين دمر المنازل بأكملها عليهم وحول جثثهم إلى أشلاء، والثانية بحرماننا من دفنهم في مقبرة رسمية شرعية وفق الدين كما يدفن جميع الموتى في العالم».
وقال البطش بحسرة: «لا أحد يشارك في الجنازات ولا نجد قبورا خالية في المقابر، ارحموا غزة وأوقفوا العدوان، الناس في بيوتها تحمل أكفانها بانتظار الموت الذي يطالهم من كل مكان برا وبحرا وجوا».
وقتل نحو 615 فلسطينيا وأصيب نحو أربعة آلاف آخرين حتى يوم أمس، وتقول وزارة الصحة في غزة إن مجازر دامية ارتكبت تسببت بإبادة عائلات بأكملها ومن أبرزها مجزرة عائلة «أبو جامع» في خان يونس، التي قتل 27 فردا منها.
وتقول الصحافية ميرفت أبو جامع لـ«الشرق الأوسط» إن أبناء عمها لقوا حتفهم في غارة مفاجئة دون تحذير، طالت المنزل وقتلوا جميعهم، من بينهم سبعة أطفال وتسع نساء من بينهم حامل في شهرها الخامس، مشيرة إلى أن صاروخا كان عبارة عن قنبلة كبيرة ألقي على المنزل المكون من عدة طوابق حول من بداخله إلى أشلاء.
ولفتت إلى أن عائلتها دفنت على دفعات، الأولى أشلاء في مقبرة خان يونس المركزية، ثم دفن عدد آخر انتشلت جثثهم لاحقا، قبل أن تدفن المجموعة الأخيرة مساء يوم الغارة التي وقعت فجرا.
ويقول الشاب أحمد أبو جامع لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعد المقابر تتحمل مزيدا من الموتى، أفواج قادمة وأخرى تغادر المقبرة، شهداء بالجملة يدفنون، هناك عائلات تضطر إلى تأخير دفن شهدائها بانتظار انتهاء دفن آخرين لعدم قدرة المقبرة على استيعاب المشيعين والشهداء».
وذكر أن ستة من أفراد عائلته دفنوا صباح الاثنين الماضي وهم عبارة عن أشلاء، قبل أن تعثر طواقم الدفاع المدني على أجزاء صغيرة من اللحم لبعضهم، وأن آخرين عثر على أطرافهم فأعيد فتح القبور لدفن الأجزاء المتبقية.
وتضطر عائلات ضحايا في غزة إلى دفن بعض الجثامين في قبور موتى سابقين من أفراد العائلة، كما يقول خضر بكر، الذي شارك إلى جانب أشقائه وعدد من أفراد عائلته في تشييع جثمان والدهم الذي قتل فجر أمس في غارة إسرائيلية غرب غزة. ويشير في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى أنهم توجهوا في الصباح الباكر إلى مقبرة الشيخ رضوان ولم يجدوا أي قبر خال في المقبرة المكتظة بكاملها بالموتى، مبينا أنهم اضطروا إلى دفن والدهم في قبر عمهم الذي كان توفي إثر مرض ألمّ به منذ خمس سنوات.
ولم تسلم المقابر في قطاع غزة من العدوان الإسرائيلي، إذ شنت طائرات حربية أول من أمس غارة على مقبرة الشهداء في رفح ثم أتبعتها بغارة أخرى بثلاثة صواريخ على مقبرة فرعية في المنطقة الشرقية من خان يونس ما تسبب بدمار كبير فيها.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.