لبنان: الصراع على الزعامة الطرابلسية يؤجج مبادرات الإعمار

ميقاتي يقدم 25 مليون دولار بعد 100 مليون قدمتها حكومته السابقة ولم تنفذ

نجيب ميقاتي
نجيب ميقاتي
TT

لبنان: الصراع على الزعامة الطرابلسية يؤجج مبادرات الإعمار

نجيب ميقاتي
نجيب ميقاتي

في مبادرة مفاجئة، أعلن رئيس الوزراء اللبناني السابق نجيب ميقاتي، أمس، عن تأسيس صندوق استثماري خاص بمدينة طرابلس يحمل اسم «ثمار طرابلس»، برأسمال قدره 25 مليون دولار، له مجلس إدارة، يقوم بتحديد القطاعات الإنتاجية القابلة للتطور، ومساعدتها، سواء في مراحلها الأولى أو بعد سنوات من بدء عملها، لدعم اقتصاد المدينة، وتوفير فرص عمل لأبنائها. ومعلوم أن الوضع الاقتصادي في طرابلس وصل إلى شفير الهاوية بسبب المعارك المتلاحقة التي عاشتها المدينة طوال السنوات الثلاث الماضية، وشلل مرافق الحياة فيها.
وقال ميقاتي أثناء إطلاقه للصندوق، خلال لقاء عقد في مقر غرفة التجارة والصناعة والزراعة في طرابلس «إنه سيكون الخطوة الأولى في جلب الاستثمارات الواعدة وإعادة ضخ الحيوية في الكثير من القطاعات الإنتاجية، وإعادة تثبيت شبابنا وأبنائنا في مدينتهم وبين أهلهم، وتعزيز روح المبادرة والابتكار»، في إشارة منه إلى أنه سيعمل على جلب المزيد من الاستثمارات لطرابلس، عبر الصندوق.
ويأتي الإعلان عن هذا المبلغ السخي المرتبط بمشروع طموح في وقت يتقاذف فيه سياسيو المدينة التصريحات النارية، ويتهم كل طرف الآخر بأنه كان وراء تأجيج نار المعارك بين باب التبانة وجبل محسن، ليستفيد سياسيا. ووصف بعض المراقبين هذا التجاذب بأنه «حرب باردة بين ميقاتي والحريري»، وقال آخرون إن «ميقاتي يواجه المستقبل على القطعة» أو إنها «مواجهة مفتوحة» بين الطرفين.
وجاء هذا الصراع على العاصمة اللبنانية الثانية، ذات الثقل السني، أيضا وسط كلام متزايد عن هبوط أسهم «تيار المستقبل» بين مناصريه. كما يأتي صندوق «ثمار طرابلس»، بعد أن قدم الحريري هبة بمبلغ أربعة ملايين دولار لترميم واجهة شارع سوريا في باب التبانة إثر توقف المعارك، إسهاما منه في إعادة الحياة إلى طبيعتها، ووسط انتقادات أيضا حول تراجع تقديمات الحريري للمدينة.
وشارع سوريا هو خط التماس الفاصل بين المنطقتين المتحاربتين، والذي طاله الجزء الأكبر من الدمار. فهل تأتي هذه الهبات في إطار التنافس الحاد على طرابلس بين سياسييها؟ وهل ستدفع مبادرة ميقاتي إلى تشجيع سعد الحريري على طرح مبادرة أكثر سخاء؟
وردا على هذه الأسئلة، أجاب القيادي في «تيار المستقبل» مصطفى علوش، أمس، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «نحن لسنا في وارد الدخول في منافسة على من يدفع أكثر. نحن تيار سياسي ولسنا جمعية خيرية، والأمور لا تقاس على هذا النحو»، عادا «التبرعات والهبات التي قدمها الرئيسان رفيق الحريري ومن بعده سعد الحريري ليست مرتبطة بالسياسة».
وعن هبوط شعبية «التيار الأزرق» في طرابلس كما يتردد، وكما تقول أوساط الرئيس ميقاتي، رد معلقا «نحن نقوم باستطلاعات رأي مستمرة وبإحصاءات، عبر مؤسسات مستقلة، ولدينا فكرة واضحة عن وضع التيار على الأرض. والرئيس ميقاتي، من جانبه، يعرف أن شعبيته في الحضيض». وحين أصررنا على معرفة أرقام ومؤشرات تيار المستقبل حول شعبيته في طرابلس أجاب علوش «نحن لن نعطي معلومات بهذا الخصوص، وكل شيء سيظهر في الوقت المناسب».
وكان الرئيس ميقاتي اتهم تيار المستقبل بأنه عمل على تأجيج الصراع بين جبل محسن وباب التبانة طوال ثلاث سنوات، أثناء توليه رئاسة الحكومة السابقة، لإفشاله وللنيل منه، فيما يتهم تيار المستقبل ميقاتي، وقد صار التيار شريكا في الحكومة الحالية، وبيده وزارتا العدل والداخلية الحساستان، بأنه هو من يقف، الآن، وراء احتجاج أهالي الموقوفين الإسلاميين ويحركهم، ويوتر الأوضاع أمنيا، ليرد لهم الصاع صاعين.
لكن ميقاتي عاد ورد على المستقبل بهجوم عنيف، وهو الذي غالبا ما يختار الأساليب الخفرة، حيث قال «البعض يريد مجددا إلباس الطائفة السنية ثوب الأحداث الأمنية في طرابلس المعروفة أهدافها ومفتعلوها وممولوها على مدى ثلاث سنوات». وقال ميقاتي «إن البعض، وبدل أن يتعظ من تجارب الماضي القريب، ثم اضطراره لعقد تسوية ملتبسة انقلب فيها على كل مزاعمه، عاد مجددا إلى استعمال ماكينته الإعلامية لرمي الاتهامات جزافا ومحاولة قلب الحقائق لتحويل الأنظار مجددا عن المآزق التي يمر بها».
ويأتي الإعلان عن صندوق «ثمار طرابلس» بينما لا يزال أهالي الموقوفين الإسلاميين يقيمون احتجاجاتهم بشكل شبه يومي، وتبادل التهم حول المسؤولية عن الأحداث الأمنية مستمر بدوره، والتراشق بين ميقاتي وتيار المستقبل، حول من ورط الأهالي في جبل محسن وباب التبانة، في صراع عبثي لم يتوقف، يضاف إلى كل ما سبق إلقاء القبض، مساء السبت، على قائد أكبر مجموعة مسلحة في باب التبانة خلال المعارك، ومطالبة مناصريه بالإفراج عنه، مما يشي بأن معارك طرابلس، التي يفترض أنها انتهت عسكريا، لا تزال ترخي بظلالها على الحياة السياسية في المدينة، مما يزيد الخشية بين المواطنين من استخدام مدينتهم مرة جديدة ساحة للحرب.
لكن كيف ينظر تيار المستقبل إلى الهبة السخية للرئيس ميقاتي التي أعلن عنها أمس؟ يعلق القيادي في التيار مصطفى علوش بالقول: «أي تنافس في خير المدينة مشكور ونرحب به. نحن نشجع الرئيس ميقاتي على مزيد من العطاء، خاصة أن له قدرات أكثر من ذلك بكثير، بدل أن يصرف الجهود في المماحكة وإثارة الشغب».
يذكر أن حكومة ميقاتي السابقة كانت قد قررت تخصيص مبلغ 100 مليون دولار لتنفيذ مشاريع في المدينة، لا يعرف ما الذي حل بها! ولا يعرف لماذا لم يفعّل القرار!



تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

سلطت أحدث التقارير الحقوقية في اليمن الضوءَ على آلاف الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعة الحوثية ضد المدنيين في 3 محافظات، هي العاصمة المختطفة صنعاء، والجوف، والحديدة، بما شملته تلك الانتهاكات من أعمال القمع والقتل والخطف والتجنيد والإخضاع القسري للتعبئة.

وفي هذا السياق، رصد مكتب حقوق الإنسان في صنعاء (حكومي) ارتكاب جماعة الحوثيين نحو 2500 انتهاك ضد المدنيين في صنعاء، خلال عامين.

بقايا منازل فجرها الحوثيون في اليمن انتقاماً من ملاكها (إكس)

وتنوّعت الانتهاكات التي طالت المدنيين في صنعاء بين القتل والاعتداء الجسدي والاختطافات والإخفاء القسري والتعذيب ونهب الممتلكات العامة والخاصة وتجنيد الأطفال والانتهاكات ضد المرأة والتهجير القسري وممارسات التطييف والتعسف الوظيفي والاعتداء على المؤسسات القضائية وانتهاك الحريات العامة والخاصة ونهب الرواتب والتضييق على الناس في سُبل العيش.

وناشد التقرير كل الهيئات والمنظمات الفاعلة المعنية بحقوق الإنسان باتخاذ مواقف حازمة، والضغط على الجماعة الحوثية لإيقاف انتهاكاتها ضد اليمنيين في صنعاء وكل المناطق تحت سيطرتها، والإفراج الفوري عن المخفيين قسراً.

11500 انتهاك

على صعيد الانتهاكات الحوثية المتكررة ضد السكان في محافظة الجوف اليمنية، وثق مكتب حقوق الإنسان في المحافظة (حكومي) ارتكاب الجماعة 11500 حالة انتهاك سُجلت خلال عام ضد سكان المحافظة، شمل بعضها 16 حالة قتل، و12 إصابة.

ورصد التقرير 7 حالات نهب حوثي لممتلكات خاصة وتجارية، و17 حالة اعتقال، و20 حالة اعتداء على أراضٍ ومنازل، و80 حالة تجنيد للقاصرين، أعمار بعضهم أقل من 15 عاماً.

عناصر حوثيون يستقلون سيارة عسكرية في صنعاء (أ.ف.ب)

وتطرق المكتب الحقوقي إلى وجود انتهاكات حوثية أخرى، تشمل حرمان الطلبة من التعليم، وتعطيل المراكز الصحية وحرمان الموظفين من حقوقهم وسرقة المساعدات الإغاثية والتلاعب بالاحتياجات الأساسية للمواطنين، وحالات تهجير ونزوح قسري، إلى جانب ارتكاب الجماعة اعتداءات متكررة ضد المناوئين لها، وأبناء القبائل بمناطق عدة في الجوف.

ودعا التقرير جميع الهيئات والمنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان إلى إدانة هذه الممارسات بحق المدنيين.

وطالب المكتب الحقوقي في تقريره بضرورة تحمُّل تلك الجهات مسؤولياتها في مناصرة مثل هذه القضايا لدى المحافل الدولية، مثل مجلس حقوق الإنسان العالمي، وهيئات حقوق الإنسان المختلفة، وحشد الجهود الكفيلة باتخاذ موقف حاسم تجاه جماعة الحوثي التي تواصل انتهاكاتها بمختلف المناطق الخاضعة لسيطرتها.

انتهاكات في الحديدة

ولم يكن المدنيون في مديرية الدريهمي بمحافظة الحديدة الساحلية بمنأى عن الاستهداف الحوثي، فقد كشف مكتب حقوق الإنسان التابع للحكومة الشرعية عن تكثيف الجماعة ارتكاب مئات الانتهاكات ضد المدنيين، شمل بعضها التجنيد القسري وزراعة الألغام، والتعبئة الطائفية، والخطف، والتعذيب.

ووثق المكتب الحقوقي 609 حالات تجنيد لمراهقين دون سن 18 عاماً في الدريهمي خلال عام، مضافاً إليها عملية تجنيد آخرين من مختلف الأعمار، قبل أن تقوم الجماعة بإخضاعهم على دفعات لدورات عسكرية وتعبئة طائفية، بغية زرع أفكار تخدم أجنداتها، مستغلة بذلك ظروفهم المادية والمعيشية المتدهورة.

الجماعة الحوثية تتعمد إرهاب السكان لإخضاعهم بالقوة (إ.ب.أ)

وأشار المكتب الحكومي إلى قيام الجماعة بزراعة ألغام فردية وبحرية وعبوات خداعية على امتداد الشريط الساحلي بالمديرية، وفي مزارع المواطنين، ومراعي الأغنام، وحتى داخل البحر. لافتاً إلى تسبب الألغام العشوائية في إنهاء حياة كثير من المدنيين وممتلكاتهم، مع تداعيات طويلة الأمد ستظل تؤثر على اليمن لعقود.

وكشف التقرير عن خطف الجماعة الحوثية عدداً من السكان، وانتزاعها اعترافات منهم تحت التعذيب، بهدف نشر الخوف والرعب في أوساطهم.

ودعا مكتب حقوق الإنسان في مديرية الدريهمي المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لإيقاف الانتهاكات التي أنهكت المديرية وسكانها، مؤكداً استمراره في متابعة وتوثيق جميع الجرائم التي تواصل ارتكابها الجماعة.