أطباء مستشفى الشفاء في غزة تحت القصف الإسرائيلي وضغط العمل 24 ساعة

طبيب قال لـ {الشرق الأوسط} إنه لا يمتلك الوقت للاطمئنان على أسرته.. وآخر حذر من كارثة صحية

جانب من إسعاف مصاب في مستشفى الشفاء بقطاع غزة («الشرق الأوسط»)
جانب من إسعاف مصاب في مستشفى الشفاء بقطاع غزة («الشرق الأوسط»)
TT

أطباء مستشفى الشفاء في غزة تحت القصف الإسرائيلي وضغط العمل 24 ساعة

جانب من إسعاف مصاب في مستشفى الشفاء بقطاع غزة («الشرق الأوسط»)
جانب من إسعاف مصاب في مستشفى الشفاء بقطاع غزة («الشرق الأوسط»)

اعتاد الطبيب الفلسطيني أيمن السحباني، الذي يعمل رئيسا لقسم الاستقبال والطوارئ في مستشفى الشفاء بمدينة غزة، مشاهد الدماء والأشلاء من ضحايا وجرحى الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة، إلا أن العدوان الجديد على القطاع أضاف مزيدا من الضغوط عليه، بفعل تدفق عشرات القتلى يوميا ومئات الجرحى على المستشفى.
والسحباني واحد من بين عشرات الأطباء والممرضين الذين يعملون في قسم الطوارئ، بالإضافة للعشرات من الأطباء الذين يعملون في أقسام مختلفة من المستشفى الرئيس والوحيد في القطاع الذي يمتلك إمكانيات كبيرة أفضل من المستشفيات الأخرى.
ويقول السحباني (56 سنة) لـ«الشرق الأوسط» إنه لم يغادر المستشفى منذ الساعة الأولى للعدوان الذي دخل أمس يومه الـ14، لافتا إلى أنه وجميع الأطباء في المشفى يصلون الليل بالنهار لتقديم الخدمات للمصابين على مدار 24 ساعة، وفقا للإمكانيات المتاحة لدى كل طبيب مختص.
ويوضح السحباني أنه لا يمتلك الوقت الكافي للاطمئنان على أسرته، بينما تتواصل الغارات الإسرائيلية على القطاع. ويضيف: «أتصل هاتفيا بعائلتي مدة دقيقتين يوميا فقط من أجل الاطمئنان عليهم، ولا أجد متسعا من الوقت للتحدث معهم دقيقة إضافية تزيد عن الدقائق التي تتاح لي في ظل أعداد الجرحى الكبيرة التي تصل تباعا للمستشفى».
وذكر أن غالبية الأطباء لا يجدون الوقت للإفطار، ويكتفون ببعض التمرات والماء لتقديم الرعاية الطبية للجرحى، ويقول: «كل دقيقة هناك أكثر من خمسة جرحى، ومعظمهم بجروح خطيرة، ولا نجد الوقت للإفطار أو الراحة قليلا».
وأشار إلى أنه لا توجد في المستشفى أسرّة لاستقبال الجرحى الذين يجري تمديد عدد كبير منهم على أرضية الأقسام لتقديم العلاج لهم. ويقول: «الوضع كارثي على مختلف الأصعدة، ولا توجد إمكانيات أكبر في المشفى لرعاية الجرحى الذين ينقلون لأقسام مختلفة من أجل توزيع حمل الضغط على الأقسام المهمة التي توفر الرعاية العاجلة للجرحى».
وبلغ عدد ضحايا العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة نحو 550 فلسطينيا، وأكثر من 3350 جريحا حتى مساء أمس.
ويشير الطبيب يوسف أبو الريش إلى أن جميع الأطباء يعملون تحت ضغط كبير جدا، خاصة أنهم في شهر رمضان، مبينا أن غالبيتهم من الأطباء والممرضين الذين يعملون من دون رواتب منذ ثمانية أشهر، بفعل الخلافات السياسية الداخلية على الساحة الفلسطينية، ولكن ذلك لم يمنعهم من مواصلة تقديم الخدمات للمواطنين.
ولفت في حديث، على عجل، بسبب وصول عدد من الضحايا والجرحى، إلى المعاناة الكبيرة التي يجدها الأطباء في التعامل مع الجرحى جراء نقص الأدوية والمستلزمات الطبية، ونفاد كثير منها قبيل العدوان بفعل الحصار على القطاع، ونفاد النسبة الأكبر مما تبقى منها بفعل العدوان الإسرائيلي على القطاع.
وطالب أبو الريش المنظمات العربية والدولية للتحرك العاجل لإنقاذ القطاع الصحي من كارثة صحية وبيئية تضرب كل مرافقه، مشيرا إلى شح الوقود اللازم لتشغيل مولدات الكهرباء الخاصة بالمستشفيات لتمكين الأطباء من مواصلة عملهم، ولتشغيل جميع سيارات الإسعاف التي تعمل بقدرات محدودة جدا.
ووجه أبو الريش في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، نداء عاجلا لجميع المنظمات الدولية للضغط على الاحتلال، لوقف استهدافه لسيارات الإسعاف والطواقم الطبية التي تهرع لإنقاذ الجرحى، مشيرا إلى أن الاستهداف المتكرر للطواقم الطبية خلف ضحية من المسعفين و15 جريحا.
وتزامن نداء أبو الريش لوقف العدوان على الطواقم الطبية، مع نبأ تلقاه باستهداف المدفعية والطائرات الحربية الإسرائيلية لمستشفى شهداء الأقصى الرئيس في المنطقة الوسطى لقطاع غزة، مما خلف خمسة قتلى وإصابة 57 آخرين، غالبيتهم من المرضى الذين كانوا يتلقون العلاج في المشفى.
وأعلنت وزارة الصحة عن تدمير الاحتلال لغرفة العمليات ومحطة إنتاج الأكسجين، واستهداف ثلاثة سيارات إسعاف كانت تنقل جرحى من مستشفى شهداء الأقصى.
واعتذر الطبيب النرويجي مادوس جيلبرت الذي وصل إلى غزة للمساعدة في تقديم الرعاية الطبية للفلسطينيين نتيجة العدوان، الحديث لـ«الشرق الأوسط» عن تجربته الصعبة في العمل بغزة.
وكان جيلبرت عبر عن صدمته من المشاهد المروعة التي رآها في مستشفى الشفاء، متهما إسرائيل باستخدام أسلحة جديدة محرمة دوليا تفتك بالفلسطينيين، مشيرا إلى أن تلك الأسلحة لم تستخدم سابقا في غزة، وفقا لتجربة سابقة عاشها في القطاع.
ويتدافع المئات من الفلسطينيين إلى مستشفى الشفاء بمدينة غزة لمتابعة أقربائهم من الجرحى، مما زاد من تعقيد صورة الأوضاع الصعبة في المستشفى الذي طالبت إدارته من هم من دون الجرحى بمغادرته إلى ساحته، وإتاحة الفرصة أمام الأطباء للعمل بحرية أكبر.
وعبر المواطن أشرف فرج الله عن تقديره لجهود الأطباء والممرضين في تقديم الخدمات لجرحى العدوان، قائلا: «الصورة أبلغ من كل الكلام في وصف ما يجري هنا، لا أعلم كيف يتحمل أولئك الأطباء هذه الصور المروعة بسبب المجازر الإسرائيلية».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.