فلسطينيون يروون لـ {الشرق الأوسط} مشاهداتهم لحظة فرارهم من الموت

700 قذيفة في أربع ساعات حولت الشوارع إلى أكوام لحم وبرك دماء

سكان يفرون من الشجاعية يحمل بعضهم جثة وآخرون راية بيضاء بعد ليلة دامية عاشها الحي في غزة أمس (أ.ف.ب)
سكان يفرون من الشجاعية يحمل بعضهم جثة وآخرون راية بيضاء بعد ليلة دامية عاشها الحي في غزة أمس (أ.ف.ب)
TT

فلسطينيون يروون لـ {الشرق الأوسط} مشاهداتهم لحظة فرارهم من الموت

سكان يفرون من الشجاعية يحمل بعضهم جثة وآخرون راية بيضاء بعد ليلة دامية عاشها الحي في غزة أمس (أ.ف.ب)
سكان يفرون من الشجاعية يحمل بعضهم جثة وآخرون راية بيضاء بعد ليلة دامية عاشها الحي في غزة أمس (أ.ف.ب)

لم يدر في مخيلة محمد محيسن (39 سنة) ولو لوهلة أنه سينجح إلى جانب زوجته وأطفاله الستة في الوصول إلى ميدان فلسطين آمنا سالما معافى دون أن يتأذي أي من أفراد عائلته جراء سقوط العشرات من القذائف المدفعية التي استهدفته إلى جانب عشرات الآلاف من سكان حي الشجاعية الذين فروا من منازلهم تحت مرمى القذائف العشوائية الإسرائيلية.
محيسن الذي اضطر للمشي على الأقدام أكثر من أربعة كيلومترات، للوصول إلى أقرب نقطة آمنة بمحيط حي الشجاعية في غزة، عمل جاهدا على توفير الحماية لزوجته وأطفاله من بطش القذائف الإسرائيلية التي انهمرت على الحي كالمطر لتقتل وتجرح كل من كان في طريقه باحثا عن الأمن والأمان في ربوع الحي الذي تحولت شوارعه إلى «أكوام من اللحوم» و«بركة من الدماء».
وتساقطت القذائف على شوارع المنطار والمنصورة وبغداد والنزار وكل الشوارع الرئيسة والفرعية في الحي الذي امتلأت شوارعه بالجثث والأشلاء التي تناثرت على جدران المنازل التي تحولت بدورها إلى ركام بفعل تلك القذائف.
«أطفال، نساء.. كلهم أشلاء»، هكذا بدت على محيسن ملامح الهلع والخوف وهو يتحدث لـ«الشرق الأوسط» عن المجزرة الدموية في منطقة سكناه، مشيرا إلى أن جيش الاحتلال تعمد استهداف المواطنين داخل منازلهم لإجبارهم على الخروج منها قبل أن يستهدفهم بشكل مباشر وهم خارجون منها للفرار إلى مناطق آمنة.
وأشار محيسن إلى أن قوات الاحتلال طلبت منذ أربعة أيام إخلاء الحي، الذي يصل عدد سكانه إلى أكثر من 100 ألف نسمة، بشكل كامل وترك المنازل فارغة تمهيدا للتوغل فيه بذريعة البحث عن المقاومين وأنفاق حماس. وقال إن العائلات رفضت إخلاء منازلها وفضلت البقاء في الحي لغياب مكان آمن في غزة يحتمون به من الغارات الإسرائيلية التي تطال كل أنحاء القطاع بلا استثناء.
وعن لحظات القصف وخروجهم من المنزل، توضح زوجة محيسن أنهم اضطروا للبقاء ليلة المجزرة أسفل درج البيت، مشيرة إلى أن أكثر من 30 قذيفة سقطت في محيط منزلهم وسط حالة من الرعب والخوف الشديد التي انتابتها وأطفالها الذين كانوا يصرخون بشدة مع هول القصف وتسبب بإحداث انفجارات عنيفة. وأضافت بلكنتها الشعبية: «ما صدقنا وطلع النهار علينا فكررنا الشهادتين ثم خرجنا من منزلنا وسط إطلاق القذائف بشدة، فوجدنا الآلاف من الناس يخرجون أيضا. نجونا بأعجوبة وكنا نتوقع أن نُصاب بسبب حجم القذائف التي تطلق، ولم أصدق حتى اللحظة أنني وصلت وأطفالي إلى مكان آمن». وتضيف: «شاهدنا عشرات الجثث ملقاة على الأرض.. لم نستطيع فعل أي شيء، حاولنا فقط الهرب وسط إطلاق القذائف العشوائي. الشوارع كلها تسيل دماء على الأرض، والأشلاء متناثرة هنا وهناك، وبعضها اللحم التصق بالجدران.. رؤوس شهداء فصلت عن أجسادهم، وآخرون أصابت القذائف رؤوسهم مباشرة.. رأينا مناظر مرعبة ومخيفة».
وتشير الإحصاءات التقديرية إلى أن عدد ضحايا المجزرة الدامية بلغ نحو 60 شخصا على الأقل بينهم 17 طفلا و14 سيدة وأربعة مسنين، فيما بلغ عدد الجرحى أكثر من 250 فلسطينيا.
ويقول المواطن «عاطف المغني» لـ«الشرق الأوسط»، الذي لجأ فارا من الحي إلى مستشفى «الشفاء» إنه لحظة خروجه من المنزل فوجئ بوجود ست جثث ملقاة بعضها فوق بعض والدماء تسيل منها بغزارة، وأنه لم يستطع انتشال أي منها، وغادر منزله مسرعا. وأوضح أنه كان نقل عائلته إلى خارج الحي منذ بداية التهديد الإسرائيلي إلى منزل أهل زوجته في النصيرات وسط قطاع غزة وبقي وحده في المنزل قبل أن يفاجئ بالقصف العنيف الذي تعرض له الحي. وأضاف: «لن أبالغ إن قلت أن أكثر من ألف قذيفة طالت الحي خلال خمس ساعات فقط، لقد كان القصف يطال كل متر مربع في الحي حتى أصبح أثرا بعد عين، والعشرات من الناس استشهدوا في منازلهم، وآخرون استشهدوا أثناء محاولتهم الفرار صبيحة اليوم (الأحد)».
وحسب مصادر أمنية، فإن ما لا يقل عن 700 قذيفة سقطت على الحي في غضون أربع ساعات، وبلغت ذروتها بين الساعة الثانية والنصف حتى الرابعة من فجر أمس، ثم جدد الاحتلال قصفه للحي بأكثر من 200 قذيفة مع لحظة خروج المواطنين من منازلهم للفرار إلى مناطق آمنة. وحسب تقديرات، فإن المدفعية الإسرائيلية كانت تطلق أكثر من قذيفتين في الدقيقة الواحدة.
وربطت المواطنة أم تيسير سليم، صورة خروج المواطنين من منازلهم في محاولة لإنقاذ أنفسهم بذكريات وقصص وروايات لطالما سمعتها من والديها عن الهجرة القسرية التي تعرض لها الفلسطينيون عام 1948. وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «هربنا من منازلنا دون أن نأخذ منها شيئا.. خرجنا وكلنا يأس من أن نستطيع أن نخرج أحياء.. كان المشهد مذهلا وكأن المنطقة تعرضت لزلزال كبير أحالها لأكوام من الركام». وتابعت باكية: «مجزرة اللي صار فينا.. دمروا كل شيء وقتلوا أولادنا. الشهداء ما عرفناهم، وناس مفقودة منا، وجثث محروقة، وين العالم؟ وين العرب؟ عملوا فينا صبرا وشاتيلا».
وتقول إحصاءات رسمية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» إن أكثر من 35 ألف أسرة نزحت من حي الشجاعية وضواحيه متجهة للمدارس التابعة لها، وقد فتحت مدارس جديدة لاستقبال الفارين من أتون الحرب. وأشارت إلى أن المئات من العوائل التي تسكن الحي فرت هاربة إلى منازل تعود لأقربائها، وبعضهم إلى مستشفى «الشفاء» الذي امتلأ بالأطفال والنساء. بينما اضطرت عوائل ضحايا إلى التحرك لدفنهم فورا، بعد أن امتلأت ثلاجة الموتى بالجثث.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.