إطلاق هيئة دولية مستقلة بمشاركة 250 عالما لتعزيز السلم في العالم الإسلامي

مصادر بالأزهر: «مجلس الحكماء» مهمته نشر الخطاب الوسطي ومواجهة الآيديولوجيات المتطرفة

جلسة إعلان مجلس حكماء المسلمين في أبو ظبي أمس
جلسة إعلان مجلس حكماء المسلمين في أبو ظبي أمس
TT

إطلاق هيئة دولية مستقلة بمشاركة 250 عالما لتعزيز السلم في العالم الإسلامي

جلسة إعلان مجلس حكماء المسلمين في أبو ظبي أمس
جلسة إعلان مجلس حكماء المسلمين في أبو ظبي أمس

القاهرة: وليد عبد الرحمنلقي «مجلس حكماء المسلمين» في أبوظبي ترحيبا واسعا وكبيرا من علماء الأزهر الشريف، وقالت مصادر مسؤولة في مشيخة الأزهر الشريف في مصر لـ«الشرق الأوسط» إن «مهمة المجلس الأولى ستكون نشر الخطاب الإسلامي الوسطي في العالم»، لافتة إلى أن «مجلس الحكماء سيكون معنيا بلمّ شمل الأمة ومواجهة الآيديولوجيات المتطرفة التي تخالف القيم الإنسانية ومبادئ الإسلام السمحة، ووضع خارطة طريق للتصدي لأحداث العنف التي تشهدها دول العالم الإسلامي».
وأطلق في أبوظبي أول هيئة دولية مستقلة تهدف إلى تعزيز السلم في العالم الإسلامي تحت اسم «مجلس حكماء المسلمين»، يترأسها الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، والدكتور عبد الله بن بيه رئيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، وتضم قرابة 250 عالما ومفكرا إسلاميا من مختلف دول العالم.
ويهدف المجلس الذي تقرر أن تكون العاصمة الإماراتية أبوظبي مقرا له إلى توحيد الجهود في لمّ شمل الأمة الإسلامية وإطفاء الحرائق التي تجتاح جسدها وتهدد القيم الإنسانية ومبادئ الإسلام السمحة.
وأكد المشاركون في مجلس الحكماء خلال بيانهم التأسيسي الليلة قبل الماضية على أن «جسد الأمة الإسلامية لم يعد يتحمل حالة الاقتتال وحدة الاحتراب بين مكونات المجتمعات المسلمة، وعلى حاجة الأمة إلى تدخل عاجل وضروري لحقن دم الإنسان»، وأن غاياتهم هي نفسها غايات ومقاصد الشارع التي تتمثل في أن يحفظ على الناس دينهم وأنفسهم ودماءهم وبأن ما يعطيه السلم لا يساويه ما تنتجه الحروب.
وأشار العلماء من خلال بيان أصدروه إلى ضرورة الامتثال إلى نصوص الشرع الداعية إلى إقرار السلم وتأصيل مفهوم السلم وشن الحرب على الإرهاب، وتثبيت منظومة السلم فقها وقيما ومفاهيم وقواعد وثقافة، وتلمس الطريق إلى السلم باقتناع ذاتي من أبناء الأمة الإسلامية ومبادرة جدية مسؤولة من نخبها وحكمائها وعقلائها للمّ شتات الأمة وترسيخ قيم التعايش المشترك والسعيد».
وتابع العلماء بقولهم: «إضافة إلى إعادة ترتيب البيت الإسلامي والتجرد من أية عوامل ذاتية تجعل أعضاء المجلس طرفا في أي صراع سياسي أو ديني أو عرقي وتقوية مناعة الأمة، وخصوصا شبابها ضد خطاب العنف والكراهية وتصحيح وتنقيح المفاهيم الشرعية وتنقيتها مما علق بها من شوائب انحرفت بها عن مقاصدها النبيلة، واستعادة الوضع الاعتباري لمرجعية العلماء وتأثيرها المشرف في تاريخ الأمة الإسلامية وإحياء الوازع الديني والتربوي في جسد الأمة ومكوناتها وإيقاف لعبة التدمير».
من جهته، قال الدكتور أحمد الطيب إن «الإسلام الذي أنشأ هذه الأمة وصنع تاريخها ودخل مكونا أساسيا في نسيج حضارتها هو دين سلام للعالم أجمع يصنع الأمن والسلام بين أهله ويصدره للإنسانية جمعاء»، مضيفا: «لم يكن بُدّ من أن يتحمل علماء الأمة وحكماؤها مسؤولياتهم كاملة في هذا المنعطف التاريخي الخطير الذي تمر به أمتنا الآن وأن يدركوا أمتهم في هذا المعترك البائس بين أبنائها، وذلك بالتدبر والتفكر العميق والتخطيط الدقيق والصبر والمثابرة وبذل الجهد لنشر السلم وتحقيقه وتكريسه في مجتمعاتنا الإسلامية، بل العالمية وفق منهج وسطي سديد وفقه رشيد يوائم بين فهم النص وفقه الواقع ومع البعد عن مسالك الإثارة والتهييج والحماس الزائف».
وقال الدكتور عبد الله بن بيه إن «حالة الاحتراب والتشرذم والاضطراب في الأمة لا تسمح لها أن تصبح شريكا في صنع القرار في ظل الصراعات الداخلية التي تمزقها، وفي ظل الواقع الذي أصبحت فيه لعبة الموت أمرا معتادا وصار فيه تنازع البقاء المفني هدفا لدى الكثير من أبنائها»، موضحا أن الفرص التي يمنحها السلم أكثر من الفرص التي تمنحها الحروب، التي لا تنتج إلا الفناء، مؤكدا أهمية الفصل بين الخطاب الإسلامي ومنهج الإسلام، حيث إن الخطاب الإسلامي ليس هو الإسلام، بل هو فهم للإسلام، والإسلام حاكم على الفهم وليس العكس، فلا يحاكم الإسلام إلى فهم ولا إلى تاريخ.
في السياق ذاته، لفت أحد علماء جامعة الأزهر الشريف، تحفظ عن ذكر اسمه، إلى أن «المجلس سيحل محل الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يترأسه الدكتور يوسف القرضاوي، الذي ينظر إليه باعتباره المرجع الديني لجماعة الإخوان المسلمين التي أعلنتها السلطات المصرية تنظيما إرهابيا في ديسمبر (كانون الأول) الماضي»، مضيفا أن «الأزهر والعالم كله عانى من كيان القرضاوي (المقيم في قطر) وجاء الوقت لحل فروع اتحاد علماء المسلمين في العالم، لقيام القرضاوي بالتحريض على القتل والعنف».
وسبق أن تحدثت مصادر مطلعة في الأزهر الفترة الماضية عن أن «الأزهر الشريف يدرس اتخاذ قرار بعدم الاعتراف العلمي بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين». وقالت المصادر إن «القرار يأتي لاستخدام الاتحاد وتوظيفه للدين في أغراض سياسية، وإصدار فتاوى هدفها إرباك المجتمع، وإحداث الفتن بين أبناء الوطن».
ويشار إلى أن رؤية مجلس حكماء المسلمين تتمثل في إيجاد مجتمعات آمنة توقر العلم والعلماء وترسخ قيم الحوار والتسامح واحترام الآخر وتنعم بالسلام، كما تقوم رسالته على إحياء دور العلماء واستثمار خبراتهم في ترشيد حركة المجتمعات المسلمة والإسهام في إزالة أسباب الفرقة والاختلاف والعمل على تحقيق المصالحة.
وجاء الإعلان عن تأسيس مجلس الحكماء، كأول كيان مؤسسي جامع لحكماء الأمة الإسلامية تنفيذا لما خرج به المشاركون في منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة من توصيات جاءت في وثيقة البيان الختامي للمنتدى، الذي دارت فعالياته خلال مارس (آذار) الماضي، والتزاما بمقاصد الشريعة الإسلامية السمحة.
تضم الهيئة التأسيسية للمجلس إلى جانب الطيب وبن بيه، الدكتور محمد قريش وزير الشؤون الدينية سابقا في إندونيسيا، والشيخ إبراهيم الحسيني رئيس هيئة الإفتاء بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في نيجيريا، والدكتور أبو لبابة الطاهر رئيس جامعة الزيتونة سابقا في تونس، والدكتور أحمد الحداد كبير مفتين، مدير دائرة الإفتاء في دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري في دبي، والدكتور حسن الشافعي عضو هيئة كبار علماء الأزهر، رئيس مجمع اللغة العربية في مصر، والدكتور عبد الحكيم شارمن جاكسون أستاذ بجامعة كاليفورنيا الجنوبية، والدكتور عبد الرزاق قسوم رئيس جمعية العلماء المسلمين في الجزائر، والدكتور عبد الله نصيف رئيس مؤتمر العالم الإسلامي، والدكتور غازي بن محمد بن طلال رئيس مجلس أمناء مؤسسة آل البيت الملكية للفكر الإسلامي في الأردن، والدكتورة كلثم المهيري أستاذ في معهد دراسات العالم الإسلامي بجامعة زايد، والقاضي محمد تقي الدين العثماني نائب رئيس دار العلوم في باكستان، والدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف الأسبق في مصر.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.