الجزائر تحتضن جولة جديدة من المفاوضات بين حكومة مالي والمتمردين

يشارك فيها وفد حكومي وممثلون عن ست حركات مسلحة

الجزائر تحتضن جولة جديدة من المفاوضات بين حكومة مالي والمتمردين
TT

الجزائر تحتضن جولة جديدة من المفاوضات بين حكومة مالي والمتمردين

الجزائر تحتضن جولة جديدة من المفاوضات بين حكومة مالي والمتمردين

تستعد أطراف الأزمة في مالي للدخول في جولة جديدة من المفاوضات التي ستحتضنها الجزائر يوم غد (الأربعاء)، من أجل التوصل إلى حل سياسي للأزمة التي تضرب شمال البلاد منذ أكثر من عامين، ويشارك في هذه المفاوضات ممثلون عن ست حركات مسلحة، بالإضافة إلى وفد حكومي يقوده وزير الخارجية المالي عبد الله ديوب.
وحسب ما أكدته مصادر شبه رسمية في باماكو في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» فإن الجلسة الافتتاحية من الحوار ستعقد مساء الأربعاء، قبل أن تتواصل المفاوضات صباح الخميس بمناقشة «خارطة طريق» يمكن للأطراف التفاوض وفقها.
في غضون ذلك، احتجت أحزاب سياسية مالية معارضة على التفاوض مع الحركات المسلحة، واتهمت الحكومة والرئيس إبراهيم ببكر كيتا بالسعي إلى منح المتمردين حكما ذاتيا موسعا في الشمال، وهو ما نفته الحكومة في أكثر من مناسبة.
وتحاول الحكومة المالية، مع اقتراب موعد استئناف المفاوضات المتوقفة منذ توقيع اتفاق واغادوغو بين الحكومة والمتمردين في يونيو (حزيران) 2013. شرح أسباب وأهداف تفاوضها مع الحركات المسلحة، إذ قال رئيس الوزراء موسى مارا «نحن راغبون في المشاركة في المفاوضات من أجل التوصل إلى اتفاق يضمن السلام والمصالحة الوطنية، ما سيمكن من إطلاق العملية التنموية في جميع مناطق البلاد، بما فيها الشمال».
وشدد مارا خلال مؤتمر صحافي، عقده رفقة عدد من أعضاء الحكومة أول من أمس في باماكو، على أن الأزمة التي يعيشها شمال مالي تشكل «تحديا كبيرا» لمستقبل الدولة في مالي، وقال: «نحن نرغب في أن يكون ما سنوقعه آخر اتفاق من أجل شمال مالي»، على حد تعبيره.
ولم تكتف الحكومة المالية بتصريحات رئيس الوزراء أمام الصحافيين المحليين والدوليين، بل وزعت، أمس، وثيقة تحمل عنوان «12 سؤالا لفهم عملية الحوار الشامل»، أجابت فيها على أسئلة تتعلق جميعها بالمفاوضات المرتقبة في الجزائر، حيث أوضحت أن الهدف من التفاوض هو «التوصل إلى اتفاق سلام دائم، يغلق بشكل نهائي فصل الحرب في مالي».
وفي سياق حديثها عن مستقبل المفاوضات، قالت الوثيقة إنها «يجب أن تسفر عن آلية مؤسسية جديدة تحافظ على الوحدة الترابية لمالي، وعلى وحدة الأمة والطابع العلماني للدولة، مع الأخذ بعين الاعتبار بعض التطلعات لتنمية أفضل في بعض المناطق المهمشة»، لكن بعض المراقبين عدوا هذا التصريح بمثابة أول اعتراف رسمي من الحكومة بـ«تهميش» منطقة الشمال، التي تعد الأكثر فقرا وتخلفا في مالي.
بيد أن الحكومة المالية شددت في وثيقتها على أن «هنالك نقاطا غير قابلة للتفاوض وهي: الوحدة الترابية، السيادة الوطنية على كامل التراب المالي، العلمانية ووحدة الأمة؛ ولن يكون هنالك أي نقاش بخصوص الاستقلال أو الحكم الذاتي».
في غضون ذلك، تتباين آراء الفصائل المسلحة المشاركة في المفاوضات، بخصوص المستقبل السياسي لإقليم (أزواد)، ما بين حركات سبق أن أعلنت الاستقلال، ولن ترضى بأقل من الحكم الذاتي، وأخرى تطالب بتوزيع عادل للثروات مع البقاء في حضن الدولة المالية.
ويشارك في المفاوضات ست حركات مسلحة، من أبرزها حركات الطوارق التي تضم الحركة الوطنية لتحرير أزواد، التي سبق أن أعلنت استقلال إقليم أزواد عام 2012. والمجلس الأعلى لوحدة أزواد الذي يضم قيادات قبلية تملك نفوذا واسعا في المنطقة؛ بالإضافة إلى الائتلاف من أجل الشعب الأزوادي، وهو فصيل جديد منشق من الحركة الوطنية.
وبالإضافة إلى حركات الطوارق، تشارك في المفاوضات الحركة العربية الأزوادية التي تعاني من انقسام بين تيارين، يقود أحدهما الأمين العام للحركة سيدي إبراهيم ولد سيداتي، ويقود التيار الآخر الأمين العام السابق أحمد ولد سيدي محمد؛ وتتباين مواقف الفصيلين، حيث عرف ولد سيداتي بتقاربه الكبير مع الطوارق والدعوة إلى انفصال إقليم (أزواد) عن مالي، بينما يواجه ولد سيدي محمد تهما بالتعاون مع الحكومة المالية.
أما الحركة المسلحة السادسة التي تشارك في مفاوضات الجزائر فهي منسقية الحركات والجبهات الوطنية من أجل المقاومة، والتي تعرف في شمال مالي باسم (ميليشيا الغونداكوي)، وهي حركة محسوبة على قبائل السونغاي الزنجية، تأسست خلال تسعينات القرن الماضي في إطار الصراع العرقي والقبلي الذي اندلع آنذاك.
ورغم تباين الرؤى والمواقف لدى هذه الحركات بسبب خلفياتها السياسية والقبلية، فإنها تعلن أنها مجمعة على ضرورة الخروج باتفاق سلام دائم ينهي الصراع في الإقليم، حيث قال أتاي أغ عبد الله، المسؤول الإعلامي في الائتلاف من أجل الشعب الأزوادي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن الحركات تدخل المفاوضات وهي تتطلع للتوصل إلى «حل نهائي للأزمة».
وأضاف أغ عبد الله أن الاتفاق المرتقب يجب أن «يمنح إقليم (أزواد) حكما ذاتيا تحت رعاية برلمان أزوادي، وتقسيم عادل للموازنة العامة بالتساوي بين الجنوب والشمال، وتوزيع المناصب السيادية عن طريق المحاصصة بين الجانبين، إضافة لدسترة أحقية التعليم باللغة العربية وتيفيناغ في شمال البلاد».
إلى ذلك، يعيش شمال مالي حالة من الهدوء الحذر بعد وقوع اشتباكات اندلعت الجمعة الماضي بين الحركة الوطنية لتحرير أزواد ومقاتلين محليين، اتهمتهم الحركة بأنهم موالون للجيش الحكومي، وهو ما نفاه الأخير.
وسبق للجزائر أن رعت عدة اتفاقيات بين الحكومة المالية والمتمردين، خلال تسعينات القرن الماضي من خلال اتفاقيتي تمنراست، بالإضافة إلى اتفاقية وقعت عام 2006 تنص على ضرورة منح امتيازات تنموية لإقليم (أزواد)، لكن سكان الشمال يتهمون الحكومة المالية بأنها لم تلتزم بتطبيق بنود الاتفاقية.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.