مع دخول العقوبات الأميركية على إيران حيز التنفيذ، وتسببها بانهيار العملة الإيرانية، يكثر الحديث هذه الأيام عن الآثار المحتملة لذلك الانهيار على الأوضاع الاقتصادية في العراق، نظراً لعلاقة الجوار القائمة بين البلدين، والتبادل التجاري النشط بينهما، وارتباطهما بحدود تمتد لنحو 1300 كيلومتر.
وفيما ترى اتجاهات اقتصادية إمكانية أن يستفيد العراق استفادة قصوى من عقوبات إيران، إن تمكنت القيادات السياسية والاقتصادية في البلاد من التصرف على النحو المطلوب، تتخوف اتجاهات أخرى من تأثير ذلك، وانعكاسه على شكل ارتفاع في سعر صرف الدينار العراقي مقابل الدولار الأميركي، بسبب سعي إيران ووكلائها في العراق إلى الحصول على الدولار الأميركي بطرق متحايلة من الأسواق والبنوك العراقية.
كان رئيس الوزراء العبادي قد أعلن أكثر من مرة التزامه بعدم التعامل التجاري مع إيران بالدولار الأميركي، وقال أول من أمس: «نعم، نلتزم بمسألة التعامل بالدولار، وإيران هي نفسها ملتزمة بهذا الأمر، ومن يتقوّل علينا فهو متضرر من هذا الأمر، فتهريب العملة يضر باقتصاد البلد والمواطن».
الخبيرة الاقتصادية الدكتورة سلام سميسم تمثل الاتجاه الذي يرى إمكانية استفادة العراق من عقوبات إيران على مختلف المستويات، منها مثلاً أن «وجود العقوبات على إيران لن تمكن الدول الأخرى من شراء أغلب صادرات هذا البلد، لكن الخصوصية الجغرافية التي يتمتع بها العراق ستؤهله لأن يكون سوقاً مفتوحة للاقتصاد الإيراني».
وتقول سميسم لـ«الشرق الأوسط»: «إذا أصبح العراق السوق الأولى للمنتجات الإيرانية، ستكون لديه فرصة الاستفادة القصوى من ذلك، عبر الضغط للحصول على مكتسبات من إيران، كما أن حظر تصدير النفط الإيراني سيساعد في ارتفاع أسعار النفط، وذلك بمجمله يصب في صالح الاقتصاد العراقي».
وتضيف: «كذلك يمكن الاستفادة من العقوبات عن طريق تحول العراق إلى محطة لتصريف الصادرات الإيرانية إلى دول أخرى، عبر إعادة تصديرها على أساس أنها بضائع عراقية، وبالتالي يربح العراق القيمة المضافة على تلك البضائع».
وأعربت عن تمنياتها أن «يكون للعراق دور مماثل للدور الأردني خلال فترة العقوبات الدولية على العراق في تسعينات القرن الماضي، عندما أصبح وسيطاً اقتصادياً بين العراق والعالم».
وبالنسبة للأضرار، تخشى الخبيرة من «قيام بعض الموالين لإيران، من أصحاب رؤوس الأموال، بالذهاب إلى إيران، وشراء أصول مالية هناك بسبب انخفاض الأسعار، بدلاً عن استثمارها داخل البلاد، وذلك يؤثر على قيمة الناتج الإجمالي المحلي».
أستاذ العلاقات الاقتصادية الدولية في الجامعة العراقية عبد الرحمن المشهداني يرى أن «العقوبات سيف ذو حدين، يمكن أن يلحق ضرراً فادحاً بالعراق، أو يصب في مصلحته إلى حد كبير»، وينظر إلى موضوع الاستفادة من العقوبات ضد إيران عبر «الطلب من الولايات المتحدة أن يكون العراق المنفذ والطريق لتلبية الحاجة الإيرانية للعبور والتجارة مع العالم، كما فعل الأردن مع العراق سابقاً، وبذلك يتمكن العراق من الاستفادة من دور الوكيل التجاري الحصري لإيران».
لكن المشهداني لا يستبعد، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، الآثار السلبية التي قد تصيب العراق جراء العقوبات، ومنها مثلاً «انقطاع منافذ التبادل الرسمية، في مقابل نشاط منافذ التهريب غير المشروع، وبالتالي عدم استفادة الدولة ضريبياً، إلى جانب تهريب المخدرات، وعمليات تزوير العملة، التي تلجأ إليها مافيات الأموال الإيرانية والعراقية للحصول على الدولار».
ويشير المشهداني إلى أن أكبر المخاطر التي قد تواجه العراق في هذا الاتجاه يتمثل بـ«عدم التزام العراق بالعقوبات، وذلك يعني التفريط بمصالحه الاستراتيجية مع الولايات المتحدة لصالح علاقته مع إيران، وهذا الخيار سيكون كارثة بالنسبة للعراق».
وحول الأحاديث الدائرة في العراق هذه الأيام عن محاولة إيران وأتباعها في العراق الحصول على عملات صعبة عبر التحايل من العراق، يقول المشهداني: «لا ألوم الجانب الإيراني في ذلك، فهو يبحث عن مصالحه؛ المحاصر يحاول أن يدير أموره، حتى أنه يسعى إلى سرقة الجيران، إن تمكن من ذلك، المطلوب من العراقيين عدم السماح بذلك لأنه يعرض اقتصاد بلادهم إلى خطر شديد».
ويعتقد المشهداني أن «العراق قادر على إيجاد أسواق بديلة عن الأسواق الإيرانية، في حال التزم بتطبيق العقوبات، فأغلب البضائع الإيرانية التي تصل العراق تتكون من مواد غذائية وفاكهة وخضراوات، وبعض المواد البلاستيكية، ومواد البناء والسيراميك، ويمكن تعويضها من أسواق تركيا والأردن والخليج».
ومن جهته، يرى الخبير الاقتصادي باسم جميل أنطون أن «كفة الميزان التجاري تميل لصالح إيران، حيث بلغت قيمة التبادل التجاري مع العراق نحو 12 مليار دولار أميركي في السابق، في مقابل نحو 700 مليون دولار للعراق فقط».
ويعتقد أنطون، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن العراق «قادر على تعديل هذا الميزان، إن تمكن من الاستفادة من وضع العقوبات على إيران، بشرط أن يقوم بتنشيط قطاعات الزراعة والتجارة والصناعة وغيرها».
ويخشى أنطون من أن «العراق يستورد ما نسبته 85 في المائة من احتياجاته، وليس لديه منتجات صناعية أو زراعية يمكن أن تسد حاجته المحلية، وهذا يعقد الأمور بالنسبة له، إلى جانب الرخص الذي تتمتع بها البضائع الإيرانية».
خبراء: يمكن للعراق توظيف عقوبات إيران لصالحه
خبراء: يمكن للعراق توظيف عقوبات إيران لصالحه
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة