رغم أن العطلة الصيفية لم تصل إلى خواتيمها بعد، فإن المحركات السياسية الأوروبية عادت إلى النشاط مجددا، استعدادا للاستحقاقات الكثيرة المقبلة؛ وفي طليعتها ملف الهجرة الذي يعيد رسم السياسات وترتيب الأولويات ويهدد بتقويض دعائم المشروع الأوروبي من أساسها.
في 20 سبتمبر (أيلول) المقبل تستضيف مدينة سالزبورغ النمساوية على سفوح جبال الألب، القمة الأوروبية الاستثنائية التي دعا إليها مستشار النمسا سيباستيان كورز في محاولة جديدة للتوصل إلى اتفاق مشترك بين الدول الأعضاء بعد أن فشلت كل الاقتراحات والمحاولات السابقة.
وفي إطار المساعي الحثيثة الجارية منذ أسابيع لتشكيل جبهة موحدة بين ألمانيا وفرنسا وإسبانيا والبرتغال في القمة المرتقبة، أمضت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل نهاية الأسبوع الماضي في ضيافة رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز الذي يقضي إجازته الصيفية في محمية «دونيانا» الطبيعية الواقعة على أطراف الساحل الأندلسي الذي تحول إلى البوابة الرئيسية التي يدخل منها المهاجرون غير الشرعيين إلى أوروبا بعد امتناع إيطاليا عن فتح مرافئها لسفن المنظمات غير الحكومية التي تنقذ اللاجئين في عرض البحر المتوسط.
وتتزامن هذه الزيارة مع بدء سريان الاتفاق الثنائي الموقع بين البلدين الذي تتعهد إسبانيا بموجبه باستقبال اللاجئين الذين يصلون إلى ألمانيا بعد طلب اللجوء لدى السلطات الإسبانية، وهو الاتفاق الذي أنقذ حكومة ميركل الشهر الماضي بعد أن هدد وزير الداخلية بالاستقالة ما لم تعالج مشكلة اللاجئين الوافدين من الدول الأوروبية الأخرى. لكن تجاوز ميركل هذه الأزمة الحكومية لا يضمن عدم نشوبها مجددا في ضوء استطلاعات الرأي التي تشير إلى صعود اليمين المتطرف في إقليم بافاريا الذي يشكل بؤرة التمرد الرئيسية في وجه سياسة المستشارة حول موضوع الهجرة.
كما يذكر أن الاتفاق الثنائي بين مدريد وبرلين يبقى رمزيا ما دام مقصورا على اللاجئين الذين يدخلون إلى ألمانيا من الحدود النمساوية حيث لم يدخل لاجئ واحد في العام الماضي. وتسعى البلدان الأربعة، ألمانيا وفرنسا وإسبانيا والبرتغال، إلى تقديم اقتراح مشترك في قمة سالزبورغ يقطع الطريق على الاستمرار في تطبيق سياسات فردية لمعالجة ظاهرة الهجرة، لكن القلق يتنامى في هذه البلدان بفعل الضغوط الداخلية التي تهدد بانقلابات سياسية في القريب المنظور على غرار ما حصل في إيطاليا مؤخرا.
وبعد أن فشلت كل الاقتراحات التي طرحتها المفوضية الأوروبية في الأشهر الأخيرة، بدءاً بالتوزيع الإلزامي للمهاجرين وفق نظام الحصص الذي اضطرت بروكسل لسحبه أمام إصرار بولونيا والمجر على رفضه، إلى «المراكز المراقَبة» داخل الاتحاد الأوروبي أو «منصات الاستقبال» خارج الأراضي الأوروبية، يواجه الاتحاد الأوروبي امتحانا مصيريا في الأسابيع المقبلة إزاء تنامي القوى اليمينية المتطرفة ودخول الرئيس الأميركي مباشرة لدعمها على خط الهجرة.
ومن ألمانيا صرح وزير الخارجية الألماني هايكو ماس بقوله: «من الإجحاف أن نترك بلدان الوصول مثل إيطاليا وإسبانيا تتحمل عبء استقبال اللاجئين وحدها. من واجبنا أن نوزع الأعباء، وأولئك الذين يرفضون استقبال اللاجئين عليهم أن يتحملوا مسؤوليات في مجالات أخرى».
في غضون ذلك كان التطابق تاماً بين ميركل وسانشيز الذي يسعى إلى ضمان دعم ألمانيا من أجل مساعدة المغرب لمواجهة الأعباء الجديدة التي بدأت تترتب على تحول الضغط إلى حدوده بعد تراجعه عن السواحل الليبية والتونسية نتيجة التعنت الإيطالي الذي بلغ حد رفض استقبال بعض السفن الحربية الأوروبية في موانئه.
وتعتمد إسبانيا على ألمانيا لزيادة المساعدات الأوروبية إلى المغرب الذي يحتاج إلى سفن لمراقبة السواحل ومروحيات وأجهزة بصرية متطورة بقيمة تناهز 150 مليون دولار، إضافة إلى قدرات تنظيمية وصحية وأمنية. وقد أعربت ميركل عن استعدادها للمساعدة، مؤكدة أن «المغرب شريك أساسي لا نتحاور معه في موضوع الهجرة فحسب؛ بل نريد تعزيز التعاون معه في كل المجالات... ألمانيا ستفي بالتزاماتها، ونعمل بالتنسيق مع إسبانيا التي يسعدني أننا معها على الموجة نفسها في موضوع سياسة الهجرة الأوروبية». وأضافت: «الاتحاد الأوروبي يقوم على مجموعة من القيم الأساسية وفي طليعتها الدفاع عن حقوق الإنسان واحترام الكرامة البشرية، ولذلك سنكافح بكل قوانا ضد العنصرية». وقال سانشيز: «أوروبا بحاجة للزعامة الألمانية، وإسبانيا تريد أن تكون طرفاً فاعلاً في مسعى إبعاد شبح العنصرية».
إيطاليا تطالب بريطانيا باستقبال سفينة مهاجرين ترفع علم جبل طارق
- طالبت إيطاليا لندن بأن تستقبل 141 مهاجرا على متن سفينة إنقاذ تديرها منظمات خيرية وترفع علم «جبل طارق» التابعة لبريطانيا. وأنقذت سفينة «أكواريوس»، التي تديرها منظمتي «إس أو إس ميديترينيان» و«أطباء بلا حدود»، المهاجرين قبالة ساحل ليبيا يوم الجمعة الماضي.
وكتب وزير النقل الإيطالي دانيلو تونينيلي أمس الاثنين على «تويتر»: «السفينة الآن في مياه مالطا، وهي ترفع علم جبل طارق. في هذا الوقت، ينبغي على المملكة المتحدة تحمل مسؤولية حماية المهاجرين». وقالت منظمتا الإنقاذ إن خفر السواحل الليبي قام بتنسيق عمليات إنقاذ المهاجرين، لكنه رفض إخبار المنظمتين بالمكان الذي يمكنهما نقل المهاجرين إليه. كما قالت المنظمتان إن المهاجرين الذين تم إنقاذهم «أخبروا فرقنا بأنهم صادفوا 5 سفن مختلفة لم تقدم لهم المساعدة قبل أن تقوم السفينة (أكواريوس) بإنقاذهم».