الهند تحن إلى أيام زمان

موجة جديدة للتخلي عن الطهي بالغاز واستبدال الفحم به

الهند تحن إلى أيام زمان
TT

الهند تحن إلى أيام زمان

الهند تحن إلى أيام زمان

الطهي ليس مجرد عملية، بل فن يمكن أن يؤدي إلى النجاح أو الفشل. وقد تنوعت طرق وأساليب الطهي منذ الأزمنة القديمة. ومع انتشار توجه الاستغناء عن استخدام وصلات الغاز في المطاعم حول العالم ليتمكن الطهاة من إعادة اكتشاف طرق الطهي التقليدية مثل الشواء المدخن، أو الشي على الفحم، في الهند أيضاً، يستعيد الطهاة حالياً المعرفة المحلية، ويستخدمون طرق الطهي الهندي القديمة من الطهي على موقد الفحم، والطهي بالبامبو (الخيزران)، والطهي على حجر ساخن، والطهي داخل حفرة وما إلى ذلك.
تقدم الطاهية أمنيندر ساندو نفسها كواحدة من أوائل الطهاة في البلاد الذين يعملون دون استخدام غاز تماماً، حيث يخلو المطبخ المفتوح في مطعمها «أرث» من الغاز، بل يتم إعداد كل طبق بطريقة تقليدية تعود إلى ما قبل الحقبة الصناعية، مستلهمة ذلك من حقيقة أنه تم طهي أول طعام مذكور في التاريخ باستخدام موقد يعمل بالفحم النباتي. وتضمن أمنيندر أن يتم إعداد كل طبق على الخشب أو الفحم النباتي. كذلك يوجد في مطبخها هون ومدقّ تقليدي من الحجر، وآنية عميقة ثقيلة مصنوعة من النحاس، ومواقد فحم، وآنية فخارية. تخبرني أمنيندر بأن النكهات تظهر بقوة أكبر عند استخدام طرق الطهي التقليدية. وتضيف قائلة: «الحرارة الزائدة عن الحد الناتجة عن آلات الطحن تجرّد المكونات من نكهاتها». وتوضح قائلة: «لم يكن هناك غاز في ذلك الزمن، لكن كانت نكهة الطعام أفضل وألذ. يساعد الطهي البطيء، والطهي على مواقد الفحم في الاحتفاظ بالنكهات». الجدير بالذكر أن وزارة السياحة قد منحت أمنيندر جائزة أفضل طاهية لعامي 2015 و2016.
كانت إقامة ذلك المطبخ الفريد من نوعه الموصى عليه تمثل تحدياً بالنسبة إلى أمنيندر، حيث لم تكن أي من المعدات والأدوات اللازمة لإقامته متوافرة. وكان هناك تحدٍّ آخر هو زيادة درجة الحرارة داخل المطابخ التي لا تستخدم الغاز مما يتطلب نظام تبريد أكثر كفاءة.
كذلك كان على ساندو الاستعانة بفريق راغب في العمل في بيئة خالية من الغاز. وقد استغرق تدريب ذلك الفريق على استخدام تلك المعدات وقتاً، لكنها تقول إنهم يجيدون هذا الفن الآن.

الطهي بالبامبو
تعد طريقة الطهي بالبامبو من الطرق الشائعة المتجذرة في المنطقة الساحلية من الهند، وشمال شرقي البلاد، وتستخدم في إعداد الأرز، والسمك، واللحم وما إلى ذلك. يتم قطع سيقان البامبو إلى نصفين ووضع الطعام المراد طهيه مثل الأرز أو اللحم في ورقة موز وإضافة نكهة مثل جوز الهند وغيرها. يتم بعد ذلك وضع الورقة على فحم ساخن. لا يعمل ذلك على طهي الطعام جيداً فحسب، بل يضيف إلى الأطباق التي يتم طهيها نكهة الأرض المحببة.
يحضّر الطاهي فاروق أحمد في مطعم «جاكوي» بدلهي ساق بامبو، ويقطّعها ويشكلها على هيئة أنبوب له غطاء، ثم يملأه بطبقات متبادلة من الأرز ولحم الضأن المضاف إليهما معجون الفلفل الحار، وصوص الصويا، والزنجبيل، والثوم. الطريقة الوحيدة للاستمتاع بهذا الطبق في المطعم هو الانتظار لمدة نصف ساعة للحصول على الطلب.

الطهي على الحجر
تعد طريقة الطهي على الحجر طريقة من طرق الطهي البطيئة جداً، وقد أدخل مطعم «بيدري»، في فندق «ماريوت» بحيدر آباد، سحر الطهي على الحجر إلى عالم الطهي الاحترافي في الهند. ولا تزال هذه الطريقة العتيقة شائعة حيث يتم نقع اللحم وغيره من المكونات، وطهيها على حجر ساخن إلى أن تصبح ناضجة وطرية. تقول الأسطورة إن هذه الطريقة قد ظهرت حين طلب محبوب علي باشا، أحد أفراد سلالة نظام الملك، تناول الكباب في أثناء رحلة صيد. نظراً لأنه لم يكن هناك موقد، وأدوات ملائمة لطهي الكباب مع الحاشية، عدّل الطاهي الماهر، الذي يعمل لدى محبوب، قطعة من الحجر بحيث تصبح مثل مقلاة. أثار ذلك الطبق إعجاب الحاكم الشاب حتى إنه طلب إعداده بهذه الطريقة بعد عودته من الرحلة. وأصبحت تلك الطريقة جزءاً لا يتجزأ من مطبخ حيدر آباد. ويتم نقع شرائح من لحم الضأن طوال الليل في خليط من البهارات المحلية من بينها أنواع غير شهيرة مثل «زهرة الحجر». كذلك قدم «بيدري» طبقاً من المشهيات هو دجاج الحجر، وهي شرائح من الدجاج المنقوعة في الزعفران، والمنكهة باللبن الرايب المجفف، وعصير الليمون، والتي يتم طهيها على حجر ساخن.
وقال الطاهي التنفيذي أنغشمان تشاكرابورتي: «نوقد النار أسفل الحجر ونتركه ليسخن قليلاً، ثم ندهنه ونطهو عليه. نستخدم هنا حجر الغرانيت الأسود حيث تتصدع الأنواع الأخرى من الحجارة لعدم قدرتها على تحمل درجة الحرارة».

الطهي داخل حفرة
ظهر هذا الشكل من أشكال الطهي في صحاري الهند حيث يتم عمل حفر أسفل الرمل، ولفّ لحوم حيوانات مثل الدجاج، والضأن، والماعز، والأرانب في قطعة من قماش الموسلين، ووضعها داخل تلك الحفر حيث يتم طهيه ببطء على حرارة الشمس إلى أن ينضج ويصبح مليئاً بالعصارة. وتشتهر ولاية راجستان الغامضة بطبق من اللحم مطهي بتلك الطريقة. وقد ذكر كايلان كارماكار، مدوّن الطعام، في كتابه «البطن المسافر»، طبق «كاد مورغ» (دجاج) و«كاد» بمعنى حفرة، الذي يتم إعداده من خلال وضع الدجاج تحت الأرض كما اعتاد البدو طهي الضأن تحت الأرض في صحاري الجزيرة العربية. كانت تلك الطريقة، في رواية أخرى، هي الطريقة التي يستخدمها الجنود في ولاية راجستان ليلاً في أثناء المعارك. ويضمن طهي الدجاج داخل حفر تحت الأرض عدم انكشاف موقع الجنود للأعداء، حيث لن تكون هناك نار واضحة يمكن من خلالها الاستدلال على مكانهم. ويتم نقع لحم الأرنب الطازج مع البهارات والمكسرات بعد سلخ جلده وتنظيفه جيداً، ويتم تغطيته بعد ذلك بالعجين ولفّه داخل قطعة قماش مبللة، ووضعها في الطين. بمجرد الانتهاء من عملية الإعداد، يتم وضعه في حفرة يتم إشعالها بالخشب. يصبح للحم نكهة محمصة فريدة نظراً إلى تعرضه مباشرة للنار مع المكسرات والبهارات. بمجرد الانتهاء من تحضير الطبق تتم إزالة قطعة القماش، ويصبح ذلك الطبق الطري اللذيذ «كود كارغوش» جاهزاً للأكل مع خبز الروتي.
إلى جانب ذلك تستخدم المطاعم الهندية موقد الـ«تشولا» الكلاسيكي المصنوع يدوياً من الطين والقش، والذي يعمل بروث الأبقار والشجيرات المجففة. تساعد هذه الطريقة في اكتساب الطعام نكهة مدخنة، وتستخدم في إعداد خبز الشعير والأرز الهش الهندي.
يقول الطاهي الشهير نيشانت تشوبي: «يمثل الطهي على المواقد التي تعمل بالفحم، والـ(تشولا) وداخل حفر الرمال جزءاً من عالم الطهي التقليدي الهندي. في كل مرة أبحث فيها عن وصفة تقليدية أجد الطهي على الفحم النباتي، نظراً لما تتسم به هذه الطرق من بطء، وقدرة على توزيع الحرارة بشكل متساوٍ». كذلك أشار إلى قول الطاهي الفرنسي الأسطوري ميشيل جيرارد إن الطهي على النار التي يتم إشعالها بالخشب طريقة بدائية لإعداد الطعام لا يمكن أن تضاهيها أحدث الطرق التكنولوجية. وقال جيرارد: «هناك شوّايات حديثة فعّالة تعمل بالغاز والكهرباء والأشعة تحت الحمراء، لكن لم تنجح أي منها في إحداث الأثر الرائع الذي يتركه دخان الخشب على الطعام».



«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
TT

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة، وتنوع أطباقه التي تبدأ من زبدية الجمبري والكاليماري إلى الفسيخ بطريقة مختلفة.

وتعتبر سلسلة المطاعم التي تحمل اسم عائلته «أبو حصيرة» والمنتشرة بمحاذاة شاطئ غزة هي الأقدم في الأراضي الفلسطينية، لكن بسبب ظروف الحرب اتجه بعض أفراد العائلة إلى مصر؛ لتأسيس مطعم يحمل الاسم العريق نفسه، وينقل أطباق السمك الحارة المميزة إلى فضاء جديد هو مدينة القاهرة، وفق أحمد فرحان أحد مؤسسي المطعم.

«صينية السمك من البحر إلى المائدة»، عنوان إحدى الأكلات التي يقدمها المطعم، وهي مكونة من سمك الـ«دنيس» في الفرن بالخضراوات مثل البقدونس والبندورة والبصل والثوم والتوابل، وإلى جانب هذه الصينية تضم لائحة الطعام أطباق أسماك ومقبلات منوعة، تعتمد على وصفات قديمة وتقليدية من المطبخ الفلسطيني. وتهتم بالنكهة وطريقة التقديم على السواء، مع إضفاء بعض السمات العصرية والإضافات التي تناسب الزبون المصري والعربي عموماً؛ حيث بات المطعم وجهة لمحبي الأكلات البحرية على الطريقة الفلسطينية.

على رأس قائمة أطباقه السمك المشوي بتتبيلة خاصة، وزبدية الجمبري بصوص البندورة والتوابل وحبات القريدس، وزبدية الجمبري المضاف إليها الكاليماري، والسمك المقلي بدقة الفلفل الأخضر أو الأحمر مع الثوم والكمون والليمون، وفيليه كريمة مع الجبن، وستيك، وجمبري بصوص الليمون والثوم، وجمبري بالكريمة، وصيادية السمك بالأرز والبصل والتوابل.

فضلاً عن قائمة طواجن السمك المطهو في الفخار، يقدم المطعم قائمة متنوعة من شوربات السي فود ومنها شوربة فواكه البحر، وشوربة الكريمة.

يصف محمد منير أبو حصيرة، مدير المطعم، مذاق الطعام الفلسطيني لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «هو أذكى نكهة يمكن أن تستمتع بها، ومن لم يتناول هذا الطعام فقد فاته الكثير؛ فالمطبخ الفلسطيني هو أحد المطابخ الشرقية الغنية في منطقة بلاد الشام، وقد أدى التنوع الحضاري على مر التاريخ إلى إثراء نكهته وطرق طبخه وتقديمه».

أطباق سي فود متنوعة يقدمها أبو حصيرة مع لمسات تناسب الذوق المصري (الشرق الأوسط)

وأضاف أبو حصيرة: «وفي مجال المأكولات البحرية يبرز اسم عائلتنا التي تتميز بباع طويل ومميز في عالم الأسماك. إننا نتوارثه على مر العصور، منذ بداية القرن الماضي، ونصون تراثنا الغذائي ونعتبر ذلك جزءاً من رسالتنا».

«تُعد طرق طهي الأسماك على الطريقة الغزاوية خصوصاً حالة متفردة؛ لأنها تعتمد على المذاق الحار المميز، وخلطات من التوابل، والاحتفاء بالطحينة، مثل استخدامها عند القلي، إضافة إلى جودة المكونات؛ حيث اعتدنا على استخدام الأسماك الطازجة من البحر المتوسط المعروفة»، وفق أبو حصيرة.

وتحدث عن أنهم يأتون بالتوابل من الأردن «لأنها من أهم ما يميز طعامنا؛ لخلطتها وتركيبتها المختلفة، وقوتها التي تعزز مذاق أطباقنا».

صينية أسماك غزوية يقدمها أبو حصيرة في مصر (الشرق الأوسط)

لاقت أطباق المطعم ترحيباً كبيراً من جانب المصريين، وساعد على ذلك أنهم يتمتعون بذائقة طعام عالية، ويقدرون الوصفات الجيدة، والأسماك الطازجة، «فنحن نوفر لهم طاولة أسماك يختارون منها ما يريدون أثناء دخول المطعم».

ولا يقل أهمية عن ذلك أنهم يحبون تجربة المذاقات الجديدة، ومن أكثر الأطباق التي يفضلونها زبدية الجمبري والكاليماري، ولكنهم يفضلونها بالسمسم أو الكاجو، أو خليط المكسرات، وليس الصنوبر كما اعتادت عائلة أبو حصيرة تقديمها في مطاعمها في غزة.

كما انجذب المصريون إلى طواجن السي فود التي يعشقونها، بالإضافة إلى السردين على الطريقة الفلسطينية، والمفاجأة ولعهم بالخبز الفلسطيني الذي نقدمه، والمختلف عن خبز الردة المنتشر في مصر، حسب أبو حصيرة، وقال: «يتميز خبزنا بأنه سميك ومشبع، وأصبح بعض الزبائن يطلبون إرساله إلى منازلهم بمفرده أحياناً لتناوله مع وجبات منزلية من فرط تعلقهم به، ونلبي لهم طلبهم حسب مدير المطعم».

تحتل المقبلات مكانة كبيرة في المطبخ الفلسطيني، وهي من الأطباق المفضلة لدى عشاقه؛ ولذلك حرص المطعم على تقديمها لزبائنه، مثل السلطة بالبندورة المفرومة والبصل والفلفل الأخضر الحار وعين جرادة (بذور الشبت) والليمون، وسلطة الخضراوات بالطحينة، وبقدونسية بضمة بقدونس والليمون والثوم والطحينة وزيت الزيتون.

ويتوقع أبو حصيرة أن يغير الفسيخ الذي سيقدمونه مفهوم المتذوق المصري، ويقول: «طريقة الفسيخ الفلسطيني وتحضيره وتقديمه تختلف عن أي نوع آخر منه؛ حيث يتم نقعه في الماء، ثم يتبل بالدقة والتوابل، ومن ثم قليه في الزيت على النار».

لا يحتل المطعم مساحة ضخمة كتلك التي اعتادت عائلة «أبو حصيرة» أن تتميز بها مطاعمها، لكن سيتحقق ذلك قريباً، حسب مدير المطعم الذي قال: «نخطط لإقامة مطعم آخر كبير، في مكان حيوي بالقاهرة، مثل التجمع الخامس، أو الشيخ زايد».