اللعب على حواف الأشياء

عبير الحلوجي في «وجه آخر للصلصال»

اللعب على حواف الأشياء
TT

اللعب على حواف الأشياء

اللعب على حواف الأشياء

تسيطر هموم الحياة، خصوصاً في جانبها الأنثوي، على عوالم المجموعة القصصية «وجه آخر للصلصال» للكاتبة عبير الحلوجي، الصادرة عن دار «بدائل» بالقاهرة، وتحيل رمزاً أو تلميحاً إلى كثير من ظواهر التخلُّف والرجعية التي سادت الواقع المصري منذ سبعينات القرن الماضي، وانعكست بدورها على واقع الأسرة المصرية، وعلى نحو خاص العلاقة بين الزوجين.
قصص وحالات ومشاهد أغلب بطلاتها نساء، تعلو فيها نبرة الجروح والألم الإنساني، والإخفاق العاطفي، والرضوخ لمقتضى الحال، تحت وطأة التناقضات ومفارقات الزمن والذكريات والأحلام والوجود.
ويبدو منطق الحكي والسرد، وكأنه محاولة للمس الأشياء عن بعد، وبشكل خاطف، فالذات الساردة لا تتورط في مناطق شائكة وملتبسة، وإنما تحافظ على نقطة محايدة، ودائماً تتمسك بدور المراقب، حتى لو كانت ظرفاً فاعلاً في النص، أو بطلة الحكاية نفسها.
إنها حكايات ناقصة وهشّة ومبتورة، لا تكتمل دائرة الفعل الإنساني في ظلالها إلا بالموت أو المرض، أو الوصول إلى نقطة العجز عن الحياة، والطريف أن كل هذه الأعراض تلحق بالرجل، باعتباره الطرف الأكثر سطوةً وظلماً، وحريةً في ارتكاب الآثام، التي تصل في معادلة الوجود الأسري، إلى التخفي تحت قناع الخيانة العاطفية أحياناً، أو البحث عن مبررات هشة للانفصال عن الطرف الآخر، وهنا يكون زمام الأمور - غالباً - بيد المرأة الطرف الأضعف في المعادلة، لكنها مع ذلك تملك الكثير من الحيل لتحقيق هذا الهدف، ولو وصل الأمر خاصة في لحظات اليأس بتمني الموت لنفسها أيضاً ثأراً لكرامتها المهدرة.
في قصة «فتوى»، وقصة «الحاجز الزجاجي»، وغيرهما من القصص، ثمة زوج مريض، يصارع لحظاته الأخيرة مع الحياة، وثمة زوجة مشغولة بالاستيلاء على ميراثه، تبحث عن فتوى شرعية تمكّنها من ذلك، حتى لا ينازعها أحد فيه، وتفكر أن تلجأ إلى القضاء سرّاً لتحصل على مرادها... أو إنقاذ البطلة/ الزوجة لما تبقى من عمرها، والعيش بهدوء واحترام، سواء طالت أيامها أو قصرت في تلك الحياة.
تصف الذات الساردة ذلك المشهد على لسان بطلة قصة «فتوى» على هذا النحو قائلة: «توالت سنوات مرضه إلى أن أقعده تماماً، تعترف لنفسها بأنها ليست آسفة على وضعه، بل لعله العكس، سرعان ما تطرد تلك الأفكار من رأسها، لكنها أبداً لم تتمنّ له الشفاء من قلبها. كل ما رغبت فيه عبر السنين هو الخلاص، فتراه لا يتحقق إلا بموتها أو موته، لا فرق عندها، أيهما أسبق».
وبعين المراقب المحايد ترصد الكاتبة حالة البطلة وإيقاعها النفسي المتراوح ما بين الشك والحيرة في قصة «الحاجز الزجاجي» قائلة: «هي الآن في أشد حالات الحيرة، إذا مرت الأزمة بسلام فستخلف آثاراً جسيمة يؤكدها الأطباء، ما يفرض عليها ملازمته ورعايته حتى آخر يوم من عمره، لن تستطيع أن تتخلى عنه رغم أن رصيده في قلبها قد نفد وتلاشى بعيداً».
لا تسلم هذه العلاقة من أمراض المجتمع المعتمة، فالداعية المسلم الشاب، في قصة «ازدراء» يحوِّل الدرس الديني إلى دعوى للتمييز ونفي الآخر المختلف معه عقائدياً، وضرب فكرة المواطنة في مقتل. تتسع الصورة في الخلفية، حيث يتحول نفور «مريم» الفتاة الشابة من الواعظ المتخلف، إلى ضجر من الحياة والواقع معا، وتتذكر صورة أمها القبطية الذي تزوجت من أب مسلم بعد قصة حب جمعتهما، خاضا من أجلها حرباً شرسة، مع عائلتيهما.
ويطل وجه الفساد الثقافي في قصة «إرث آثم»؛ فالابن الذي تربي في كنف والده الأديب والشاعر المغمور، وتشرب منه حبَّ المعرفة واللغة والثقافة، لم يجد وسيلة لنشر ميراثه بعد وفاته، إلا بالسطو علية وانتحاله ونسبه إلى نفسه، محققاً بذلك شهرة جابت الآفاق، حاصداً الجوائز واحدة تلو الأخرى، وبعد أن انطفأ نجمه، يستعيد شهرته عبر مؤتمر صحافي، يعلن فيه عن مسابقة أدبية كبرى لاكتشاف المواهب الشابة، مدعياً أنه سيشرف عليها ويحكِّمها بنفسه، وتخصيص جائزة مالية مغرية للأعمال المتميزة، لكنه في الحقيقة يسطو عليها وينشرها باسمه، تعويضاً عن نفاد مخزونه من ميراث الأب.
بلغة سلسلة مشّربة أحيانا بـ«لطشات» من العامية الدراجة، تتنوع مقومات السرد في أغلب قصص المجموعة، تارة بالتجاور والتقاطع، مع هموم الذات الساردة، وتارة أخرى بممارسة الذات نفسها نوعاً من التعمية الفنية على عالم المعنى ودلالاته الأساسية في النص، وترك الأمر لتخمين واجتهاد القارئ، إمعاناً في التشويق والتفاعل مع أجواء النص، مثلما في قصة بعنوان «فقد»، حيث تظل ماهية البطل، ودوافع صراعه العابر المشبوب مع زوجته معلقة حتى آخر النص، فلا نعرف كيف تبدلت أحواله المادية، بعد فقده حبيبته، بواسطة زوجته، التي يستعيدها ويضمها لعائلته بعد جهود مضنية من البحث في أسواق المزادات... يصف البطل ولعه بهذه الحبيبة قائلاً (ص48): «لا أحد استطاع أن يشعر بي، حتى أقرب الناس. إحساس بالتيه اجتاحني، كان من الصعب علي تحمله، فجأة أصبح فؤادي خاوياً، هي وحدها من كانت تملأه، لكم شعرت بالسعادة كلما كنتُ أنظر إليها. كيف طاوعتني نفسي لأستغني عنها، هي أول فرحتي، أيمكن أن يستغني عاقل عن باكورة أبنائه؟».
هذه الحبيبة المجهولة، التي أصبحت بمثابة غريمة للزوجة، يستعيدها الزوج في آخر القصة من إدارة المزاد، لتزين جدران قلبه، وحائط بيته... لكن يظلّ السؤال عالقا: هل هذا البطل فنان تشكيلي، وأن هذه الحبيبة ربما تكون بورتريهاً لامرأة أحبها، وشكَّلَت باكورة أعمال الفنية... القصة تخلو من أيه إشارة لذلك، وإنما تتعمد التخفية والتمويه، عليه، بلا أي مبرر فني، وأتصور أن هذه الصراع العابر كان سيكون أكثر جذباً ودرامية، حيث سيصبح صراع الزوجة حينئذ مع امرأة في صورة، أو صورة امرأة.
إذن، هي جرائم عاطفية رشيقة غير معقدة، ابنة صراعات إنسانية عابرة، تجد لها الذات الساردة حلولاً خاطفة في بعض النصوص، وتتركها على عواهنها المنطقية الواقعية في نصوص أخرى.
هذا الخطف يبرز على نحو لافت وبشكل منسجم ومتماسك فنياً في ثنايا الكثير من نهايات نصوص المجموعة، لكن ثمة نهايات مضطربة ومبتسرة في بعض القصص، وكأن الكتابة أصبحت عبئاً تريد الكاتبة أن تتخلص منه، لتركن إلى فضائها الرخو المفضل باللعب على ما يمكن أن أسميه «حواف الأشياء»... من بين هذه النهايات المبتسرة على سبيل المثال، قصة «الزجاجة وحدها لا تكفي» (ص33، 34)، وقصة «قاتل» (ص 49، 51)، حيث تأتي النهاية كتحصيل منطقي لأجواء القصّ.
رغم ذلك ثمة مناخات شيقة بالمجموعة تبرز في استدعاء الماضي، وتوظيفه معرفياً وفنياً، كجذر لنضوج الذات وتشبثها بمغامرة الحياة. من أبرزها قصة «ابتسامة مؤجلة»، حيث يومض الماضي كنقطة وثوق وتحدٍّ مضيئة، يكشف عنها حوار بطلة القصة الكاتبة نفسها مع صديقتها الثرية غير المكترثة بالعلم والثقافة، وينتهي بها المطاف للعيش في كنف حياة زوجية خربة... وكذلك قصة «وحفظت الأسرار»، حيت يتحول الطبيب المعالج النفسي إلى مريض بأسرار مرضاه لا يعرف كيف يتخلص منها، كذلك قصة «قانون الكارما» ولعب الزوجة على أوتار الجانب الخفي في حياة زوجها، إلى حد عرضها مساعدته وعشيقته كي يمتعا معا بحياة عاطفية سعيدة. أيضاً قصة «عطش»، حيث لا تجد الزوجة التي عاشت في حالة من الإذعان والانصياع التام لأوامر وتعليمات زوجها مساحة من حرية الإرادة والاختيار، حتى انتفت شخصيتها كأم وأنثى، لكن بعد وفاة الزوج تقوم بتبني طفل، لتستعيد معه أمومتها المقموعة.
كما نجد الولع باللعب بديلاً عن الونس المفتقَد للذات، في قصة «نغمة سائدة»، حيث مدام ماري تزعج زميلاتها في العمل برنين هاتفها الجوال، تتركه يرن على مكتبها وتذهب للحمام، وإمعاناً في غيظهم تحوِّل الأمر إلى لعبة نسائية، فتتركه وتذهب إلى الحمام وتتصل بنفسها عليه من تليفون آخر، وتغير النغمة من حين لآخر. أيضاً قصة «وجه آخر للصلصال» التي وسمت المجموعة، حيث تصبح هذه الخامة بمرونتها ولدونتها التشكيلة، دالا رمزياً على ماهية زوج يحتال على زوجته الثرية المحبة الطيبة، ويتفنن في ابتزازها، باختراع تنويعات وتشكيلات وأقنعة لمآزق مالية وهمية يتعرض لها، إلى أن يسقط صريع المرض فتجد الفرصة للتخلص منه.
إنها جروح الحياة وذكرياتها، مفتوحةٌ على براح الزمن والواقع، تومض بحيوية في أغلب قصص هذه المجموعة الشيقة، مؤشرةً على صعود كاتبة لها وعيها الخاص وخبرتها المبدعة.



غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر
TT

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

وأوضح رئيس النادي، الشاعر حسن الزهراني، أن محاور الملتقى تتناول «الأدب الساخر: المفهوم، والدلالات، والمصادر»، و«الاتجاهات الموضوعية للأدب الساخر، والخصائص الفنية للأدب الساخر في المملكة»، وكذلك «مستويات التأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظيراتها العربية»، و«حضور الأدب الساخر في الصحافة المحلية قديماً وحديثاً»، و«أثر القوالب التقنية الحديثة ومواقع التواصل في نشوء أشكال جديدة من الأدب الساخر محلياً»، و«سيميائية الصورة الصامتة في الكاريكاتير الساخر محلياً».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وشارك في صياغة محاور الملتقى لجنة استشارية تضم: الدكتور عبد الله الحيدري، والدكتور ماهر الرحيلي، والقاص محمد الراشدي، ورسام الكاريكاتير أيمن يعن الله الغامدي.

وكشف الزهراني أن النادي تلقى ما يزيد على 40 موضوعاً للمشاركة في الملتقى، وأقرت اللجنة 27 بحثاً تشمل؛ ورقة للدكتورة دلال بندر، بعنوان «حمزة شحاتة... الأديب الجاد ساخراً»، والدكتور محمد الخضير، بعنوان «الخصائص الفنية في الأدب الساخر عند حسن السبع في ديوانه ركلات ترجيح - دراسة بلاغية نقدية»، والدكتور صالح الحربي، بعنوان «المجنون ناقداً... النقد الأدبي في عصفورية القصيبي»، والدكتور عادل خميس الزهراني، بعنوان «الصياد في كمينه: صورة الحكيم في النكت الشعبية بمواقع التواصل الاجتماعي»، والدكتور حسن مشهور، بعنوان «الكتابة الساخرة وامتداداتها الأدبية... انتقال الأثر من عمومية الثقافة لخصوصيتها السعودية»، والدكتورة بسمة القثامي، بعنوان «السخرية في السيرة الذاتية السعودية»، والدكتورة كوثر القاضي، بعنوان «الشعر الحلمنتيشي: النشأة الحجازية وتطور المفهوم عند ابن البلد: أحمد قنديل»، والدكتور يوسف العارف، بعنوان «الأدب الساخر في المقالة الصحفية السعودية... الكاتبة ريهام زامكة أنموذجاً»، والدكتور سعد الرفاعي، بعنوان «المقالة الساخرة في الصحافة السعودية... الحربي الرطيان والسحيمي نموذجاً»، والدكتور عمر المحمود، بعنوان «الأدب الساخر: بين التباس المصطلح وخصوصية التوظيف»، والدكتور ماجد الزهراني، بعنوان «المبدع ساخراً من النقاد... المسكوت عنه في السرد السعودي»، والمسرحي محمد ربيع الغامدي، بعنوان «تقييد أوابد السخرية كتاب: حدثتني سعدى عن رفعة مثالاً»، والدكتورة سميرة الزهراني، بعنوان «الأدب الساخر بين النقد والكتابة الإبداعية... محمد الراشدي أنموذجاً». والدكتور سلطان الخرعان، بعنوان «ملخص خطاب السخرية عند غازي القصيبي: رؤية سردية»، والدكتور محمد علي الزهراني، بعنوان «انفتاح الدلالة السيميائية للصورة الساخرة... الرسم الكاريكاتوري المصاحب لكوفيد-19 نموذجاً»، والكاتب نايف كريري، بعنوان «حضور الأدب الساخر في كتابات علي العمير الصحافية»، والدكتور عبد الله إبراهيم الزهراني، بعنوان «توظيف المثل في مقالات مشعل السديري الساخرة»، والكاتب مشعل الحارثي، بعنوان «الوجه الساخر لغازي القصيبي»، والكاتبة أمل المنتشري، بعنوان «موضوعات المقالة الساخرة وتقنياتها عند غازي القصيبي»، والدكتور معجب الزهراني، بعنوان «الجنون حجاباً وخطاباً: قراءة في رواية العصفورية لغازي القصيبي»، والدكتور محمد سالم الغامدي، بعنوان «مستويات الأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظرياتها العربية»، والدكتورة هند المطيري، بعنوان «السخرية في إخوانيات الأدباء والوزراء السعوديين: نماذج مختارة»، والدكتور صالح معيض الغامدي، بعنوان «السخرية وسيلة للنقد الاجتماعي في مقامات محمد علي قرامي»، والدكتور فهد الشريف بعنوان «أحمد العرفج... ساخر زمانه»، والدكتور عبد الله الحيدري، بعنوان «حسين سرحان (1332-1413هـ) ساخراً»، ويقدم الرسام أيمن الغامدي ورقة بعنوان «فن الكاريكاتير»، والدكتور يحيى عبد الهادي العبد اللطيف، بعنوان «مفهوم السخرية وتمثلها في الأجناس الأدبية».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وخصص نادي الباحة الأدبي جلسة شهادات للمبدعين في هذا المجال، وهما الكاتبان محمد الراشدي، وعلي الرباعي، وأعدّ فيلماً مرئياً عن رسوم الكاريكاتير الساخرة.

ولفت إلى تدشين النادي 4 كتب تمت طباعتها بشكل خاص للملتقى، وهي: «معجم الأدباء السعوديين»، للدكتورين عبد الله الحيدري وماهر الرحيلي، وكتاب «سامحونا... مقالات سعد الثوعي الساخرة»، للشاعرة خديجة السيد، وكتاب «السخرية في أدب علي العمير» للدكتور مرعي الوادعي، و«السخرية في روايات غازي القصيبي» للباحثة أسماء محمد صالح.