موسكو تنشّط اتصالاتها تحضيراً لمعركة إدلب وسيناريوهات لـ«حسم سريع»

عمّال إنقاذ من جماعة «الخوذ البيضاء» يبحثون عن ضحايا أو ناجين بين الأنقاض في بلدة تعرضت لقصف قوات النظام غرب حلب ليلة الجمعة (أ.ف.ب)
عمّال إنقاذ من جماعة «الخوذ البيضاء» يبحثون عن ضحايا أو ناجين بين الأنقاض في بلدة تعرضت لقصف قوات النظام غرب حلب ليلة الجمعة (أ.ف.ب)
TT

موسكو تنشّط اتصالاتها تحضيراً لمعركة إدلب وسيناريوهات لـ«حسم سريع»

عمّال إنقاذ من جماعة «الخوذ البيضاء» يبحثون عن ضحايا أو ناجين بين الأنقاض في بلدة تعرضت لقصف قوات النظام غرب حلب ليلة الجمعة (أ.ف.ب)
عمّال إنقاذ من جماعة «الخوذ البيضاء» يبحثون عن ضحايا أو ناجين بين الأنقاض في بلدة تعرضت لقصف قوات النظام غرب حلب ليلة الجمعة (أ.ف.ب)

نشّطت موسكو اتصالاتها الإقليمية والدولية استباقاً لمعركة إدلب المرتقبة، وبهدف دفع «الملف الإنساني» في سوريا من خلال تقديم مسألتي تهيئة ظروف عودة اللاجئين وإعادة الإعمار.
وبعد مرور يوم واحد على مكالمة هاتفية أجراها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع نظيره الأميركي مايك بومبيو، أطلق الكرملين نشاطاً مكثّفاً لبحث الملف السوري مع باريس وأنقرة، وتحدث عن اتصالات إضافية ستجريها موسكو مع أطراف إقليمية ودولية.
وكان وزيرا الخارجية الروسي والأميركي ركّزا على تدهور العلاقات الثنائية بعد فرض رزمة عقوبات أميركية جديدة ضد موسكو، وتطرقا إلى تطورات الموقف في سوريا، خصوصاً على خلفية الخطوات التي اتخذتها روسيا أخيراً، وبينها إبعاد القوات الإيرانية عن منطقة الجنوب لمسافة 85 كيلومتراً في عمق الأراضي السورية، ونشر وحدات الشرطة العسكرية الروسية على الجانب السوري قرب منطقة نزع السلاح في الجولان.
وأعلن الكرملين أمس توسيع دائرة الاتصالات، وأفاد في بيان بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أجرى اتصالاً هاتفياً مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون أكد خلاله أهمية المساهمة في إعادة إعمار سوريا وتسهيل عودة اللاجئين. وأشار البيان إلى أن الرئيسين أشادا بالعملية التي نفذتها موسكو وباريس لإيصال مساعدات إنسانية إلى الغوطة الشرقية.
وأوضح الكرملين، في بيانه، أن بوتين وماكرون «قدّرا عالياً، خلال تبادل الآراء بشأن الأوضاع الحالية في سوريا، العملية الروسية الفرنسية المشتركة التي نفذت في يوليو (تموز) العام الحالي لإيصال المساعدات الإنسانية إلى منطقة الغوطة الشرقية، وتوزيعها بين السكان المحليين». وأرسلت فرنسا في يوليو إلى سوريا، بموجب اتفاق توصل إليه سابقاً الرئيسان بوتين وماكرون، أكثر من 40 طناً من المساعدات الإنسانية، شملت مستشفى متنقلاً خاصاً بإجراء عمليات طبية، وأدوات مطبخ، وبطانيات، وأدوية.
وأضاف بيان الكرملين أن «بوتين شدد على أهمية مواصلة المجتمع الدولي الإسهام في إعادة إعمار البنية الاجتماعية الاقتصادية في سوريا، وكذلك إعادة اللاجئين والنازحين السوريين إلى أماكن إقامتهم الدائمة». ولَم يتطرق البيان الروسي إلى حديث الرئيسين عن ضرورة التوصل إلى تسوية سياسية تضمن عودة طوعية للاجئين، وهي النقطة التي أكد عليها بيان الإليزيه في خصوص المكالمة. إذ شددت الرئاسة الفرنسية على أن الرئيسين «بحثا الوضع العسكري في سوريا والظروف الضرورية للعودة الطوعية والآمنة والكريمة للاجئين السوريين إلى بلادهم». وأكد ماكرون خلال المكالمة «أهمية إيجاد حل سياسي شامل يتيح إحلال السلام والاستقرار بعيد الأمد في سوريا».
وأشار الإليزيه إلى أن الطرفين الروسي والفرنسي مستمران في تبادل المعلومات حول هذه القضايا على مستوى الوزراء والمبعوثين، وذكر أن بوتين وماكرون اتفقا على بحث الملف السوري أوائل سبتمبر (أيلول) المقبل، في إشارة إلى القمة الرباعية التي ستعقد في تركيا في الأسبوع الأول من الشهر المقبل، وتجمع بالإضافة إلى بوتين وماكرون كلاً من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس التركي رجب طيب إردوغان.
وأعلن الكرملين أن بوتين استكمل اتصالاته ببحث الملف السوري مع إردوغان. ولفتت مصادر إلى أن الرئيسين بحثا الوضع السوري في ضوء تنفيذ الاتفاقات التي تم التوصل إليها في آستانة، في إشارة إلى استمرار مناقشات البلدين حول آلية حسم الوضع في إدلب من دون تدهور الأوضاع الإنسانية في هذه المنطقة، علماً بأن موسكو كانت قد أعلنت أن لافروف سيزور أنقرة غداً الاثنين لمواصلة النقاشات في هذا الشأن.
في الإطار الميداني، واصلت وسائل الإعلام الروسية وضع سيناريوهات لـ«حسم سريع» في إدلب، ورجّحت تغطيات أن تكون المعركة سريعة وحاسمة، وأن تلعب المصالحات الميدانية والانقسامات في صفوف المعارضة عنصراً حاسماً فيها. وتحدثت صحيفة «إزفيستيا»، أمس، عن اكتساب الجيش السوري والقوات الروسية الداعمة له خبرة واسعة في معركتي حلب والغوطة سيكون لها أهمية خاصة في إدلب. وأشارت إلى ما وصف بأنه «تفوّق تكتيك حرب المدن الروسي الذي تم تطويره أثناء المعارك في سوريا، على قدرات المقاتلين». ولفتت الصحيفة إلى أن الولايات المتحدة حشدت قدرات كبرى لحصار الموصل والهجوم عليها بهدف طرد تنظيم داعش منها، بينما في سوريا لم تتوافر إمكانات مماثلة فكان لا بد من مهاجمة حلب بعدد أقل بكثير وبقوات من الميليشيات و«المتطوعين» الذين لجأ إليهم جيش النظام السوري، في إشارة إلى مشاركة ميليشيات تعمل بإشراف إيراني في عملية طرد المعارضة من مدينة حلب في نهاية العام 2016. ووفرت روسيا آنذاك الغطاء الجوي لتلك المعركة الحاسمة.
وزادت «إزفيستيا» أن «مفتاح النصر هو أن حميميم (القاعدة الجوية الروسية على الساحل السوري) أخذت على نفسها قيادة العمليات. وتركيز جميع القوات على معركة المدينة وحدها سمح بضمان تفوق عددي موضعي على العدو المدافع. تحقق ذلك بهجمات صغيرة متتالية، الأمر الذي لم يسمح للمقاتلين بتحديد محاور الهجوم وتركيز قواتهم على الدفاع».
وأشارت إلى أهمية عمليات الاستطلاع الروسية التي اعتمدت على مجموعات صغيرة من القوات الخاصة وكثير من الطائرات بلا طيار، ومكّنت الطائرات والمدفعية الروسية من توجيه ضربات موضعية دقيقة لخطوط المقاومة ومراكز القيادة ومستودعات الذخيرة.
وقالت إن تكتيكات مماثلة تستخدم حالياً في إدلب، والمهم «استغلال الخلافات وسوء التنسيق بين المجموعات المتفرقة من الإرهابيين».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».