إحباط هجوم انتحاري بـ«حزام ناسف» قرب احتفالات للأقباط شمال القاهرة

النيابة تتهم راهبين بقتل أسقف دير في وادي النطرون

رجال أمن ومحققون قرب كنيسة العذراء حيث وقع التفجير الانتحاري في القاهرة أمس (رويترز)
رجال أمن ومحققون قرب كنيسة العذراء حيث وقع التفجير الانتحاري في القاهرة أمس (رويترز)
TT

إحباط هجوم انتحاري بـ«حزام ناسف» قرب احتفالات للأقباط شمال القاهرة

رجال أمن ومحققون قرب كنيسة العذراء حيث وقع التفجير الانتحاري في القاهرة أمس (رويترز)
رجال أمن ومحققون قرب كنيسة العذراء حيث وقع التفجير الانتحاري في القاهرة أمس (رويترز)

في حين نجا عشرات الأقباط المصريين من هجوم «انتحاري» بحزام ناسف كان يستهدف احتفالات بكنيسة شمال القاهرة الكبرى، وجهت النيابة العامة تهمة القتل لأحد رهبان دير الأنبا مقار بوادي النطرون (100 كيلومتر شمال غربي القاهرة)، وأمرت بحبسه 4 أيام على ذمة التحقيقات في مقتل رئيس الدير.
وقرب ظهر أمس، فجر رجل يرتدي حزاماً ناسفاً نفسه، أعلى كوبري مسطرد بمنطقة شبرا الخيمة، الذي يبعد أكثر من 200 متر عن «كنيسة العذراء مريم»، حيث كانت تتواصل احتفالات الأقباط بـ«ميلاد السيدة العذراء مريم»، بحسب التقويم القبطي، حيث تستمر حتى أواخر الشهر الحالي.
وقالت مصادر أمنية، لوكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية، إن قوات الأمن «المكلفة بتأمين الكنائس نجحت في إحباط محاولة أحد الأشخاص الذي كان يرتدي حزاماً ناسفاً و(جاكت) فسفورياً من اقتحام الكنيسة، أثناء وجوده أعلى كوبري مسطرد».
وأفادت المصادر بأنه «تم التعامل معه (الانتحاري)، ومنعه من الاقتراب من الكنيسة فقام بتفجير نفسه قبل مسافة نحو 250 متراً من الكنيسة، حيث لقي مصرعه في الحال».
وتحولت المنطقة المحيطة بموقع الهجوم إلى ثكنة عسكرية، وانتشر ضباط الأمن الوطني والمباحث الجنائية لإجراء المعاينة الأولية، فيما بدأت النيابة العامة تحقيقاتها.
ونقلت سيارة الإسعاف جثمان الانتحاري، الذي تحول بفعل التفجير إلى أجزاء، إلى مصلحة الطب الشرعي لفحصه، فيما لم تعلن قوات الأمن حتى مساء أمس، هوية منفذ الهجوم، كما لم تتبنَ أي جهة مسؤوليتها عن التفجير.
وبدا لافتاً ارتداء المهاجم زياً مشابهاً للعمال المشاركين في عمليات التطوير الجارية بمنطقة كوبري مسطرد، والقريبة بشكل كبير من معامل شركات لتكرير البترول.
وتوافد عشرات المسؤولين، أمس، على موقع هجوم مسطرد، وعاين اللواء رضا طبلية مدير أمن القليوبية موقع الحادث، وقام مدير الأمن وقيادات الوزارة بتفقد المنطقة ومراجعة إجراءات التأمين، ومشطت قوات الحماية المدنية الكوبري الذي تمت أعلاه عملية التفجير، كما راجعت قوة تأمين الكنيسة محيطها تحسباً لوجود عبوات ناسفة.
وأمرت النيابة العامة، أجهزة البحث الجنائي، بمعاينة الشركات والمحال التجارية القريبة من موقع التفجير والحصول على محتوى كاميرات المراقبة التي رصدت التفجير.
وعدّ مساعد وزير الداخلية، اللواء محمد نور الدين، أن «الهجوم كان متوقعاً من حيث التوقيت»، موضحاً أن ذلك الأمر يرجع «إلى أنه يأتي في أعقاب إحالة أوراق 75 متهماً من كبار قيادات جماعة الإخوان إلى المفتي».
وكانت محكمة جنايات القاهرة برئاسة المستشار حسن فريد، أحالت في 27 يوليو (تموز) الماضي، أوراق 75 من أعضاء جماعة «الإخوان»، من بينهم قيادات منهم عصام العريان، ومحمد البلتاجي، وعاصم عبد الماجد، وصفوت حجازي، إلى مفتي الجمهورية تمهيداً لإعدامهم في قضية «فض اعتصام أنصار الرئيس الأسبق محمد مرسي في ميدان رابعة العدوية بالقاهرة».
وقال نور الدين لـ«الشرق الأوسط»، إن تعامل قوات الأمن مع محاولة التفجير «كانت احترافية، واستباقية، إذ إن إجراءات التأمين وفرض حرم آمن حول الكنيسة خصوصاً في ظل موسم الاحتفالات، كلها عوامل سهلت من مهمة إحباط العملية الانتحارية».
وشرح نور الدين أن «وقف انتحاري عن تفجير نفسه عملية صعبة للغاية على كل أجهزة الأمن حول العالم، غير أن العمل على منعه من الوصول إلى أهدافه بسهولة هو الذي يحد من الخسائر».
وبشأن تقديره لأهداف محاولة التفجير، أشار نور الدين إلى أنها «كانت بمثابة بالون اختبار لوزير الداخلية الجديد اللواء محمود توفيق، من العناصر الإرهابية، ومحاولة إحراج المنظومة الأمنية الجديدة، وعلى مستوى آخر، كانت تستهدف محاولة الضغط على النظام السياسي للانخراط في دعوات المصالحة مع الجماعة، عن طريق تأجيج ملف العنف باتجاه الأقباط».
ولفت الخبير الأمني إلى أن «المحاولات الأخيرة من قبل العناصر الإرهابية تنم عن فقر في الإمكانات والتفكير، وكذلك تقنيات التنفيذ، وهو الأمر الذي يعد تأكيداً لنجاح استراتيجية أجهزة الأمن المصرية بإحكام الخناق على الحدود ومنع وصول الأسلحة والمتفجرات سواء في سيناء أو في المحافظات المختلفة».
وكان آخر هجوم تبناه تنظيم داعش واستهدف كنيسة وقع في ديسمبر (كانون الأول) 2017، وأسفر عن مقتل 11 شخصاً معظمهم من الأقباط، ومن بينهم شرطي في منطقة 15 مايو (أيار) بحلوان جنوب القاهرة، ونشرت حسابات داعمة لتنظيم داعش فيديو بثته وكالة «أعماق»، ظهر خلاله شخص ملثم، وأكدت الوكالة أنه منفذ الهجوم، وتحدث خلال كلمته عما سماه «تجديد البيعة» لقيادة «تنظيم الدولة»، متوعداً بـ«الثأر» من قوات الجيش والشرطة.
وواجهت الكنيسة المصرية، في أعقاب «ثورة 30 يونيو (حزيران)» التي أطاحت بحكم الرئيس المنتمي لجماعة الإخوان محمد مرسي، هجمات مختلفة، طالت كنائس وأديرة في محافظات مختلفة، لكن أبرزها كان في أبريل (نيسان) 2017 عندما استهدف تفجيران متزامنان كنيستين بمحافظتي الإسكندرية وطنطا، وأسفرا عن مقتل ما يزيد على 40 شخصاً غالبيتهم من الأقباط، وفرضت مصر في أعقاب ذلك حالة الطوارئ، التي لا تزال سارية في البلاد بموجب قرارات تمديد وإعلان من الرئيس عبد الفتاح السيسي، وبموافقة البرلمان.
وفي سياق آخر، وفيما بدأت مفاجأة في مسار التحقيقات بواقعة مقتل أسقف ورئيس دير الأنبا مقار الأنبا إبيفانيوس، نهاية الشهر الماضي، قرر المستشار ناصر الدهشان المحامي العام الأول لنيابات استئناف الإسكندرية حبس الراهب المشلوح (المجرد من رتبته الكنسية) أشعياء المقاري، 4 أيام على ذمة التحقيقات بتهمة قتل الأنبا إبيفانيوس بالاشتراك مع آخرين.
وبحسب بيان رسمي للنيابة، فإن الراهب «اعترف في التحقيقات بارتكاب الواقعة بالاشتراك مع الراهب فلتاؤس المقاري الذي يخضع للعلاج عقب محاولته الانتحار».
وفي 29 يوليو الماضي، عثر على الأنبا إبيفانيوس مقتولاً خارج مقر إقامته بالدير، وأجرت النيابة التحقيق مع 145 راهباً بالدير.
وأثارت واقعة مقتل إبيفانيوس داخل الدير عاصفة غير مسبوقة في الكنيسة المصرية، وأعقبتها قرارات حاسمة من بابا الأقباط الأرثوذكس، الذي قرر في أعقاب الحادث، تعليق الرهبنة أو قبول أعضاء جدد في جميع الأديرة القبطية الأرثوذكسية لمدة عام يبدأ من أغسطس (آب) الحالي، كما حظرت على الأساقفة الظهور في وسائل الإعلام لأي سبب وبأي وسيلة (سواء كانت فضائيات أو صحفاً)، ومنحتهم شهراً لغلق أي حسابات لهم على مواقع التواصل الاجتماعي مثل «فيسبوك»، وكان في مقدمة من أغلقوا حساباتهم البابا تواضروس الذي أعلن وقف العمل بحسابه الرسمي على الموقع الأزرق.
وقبل توجيه الاتهام للراهب أشعياء المقاري (34 عاماً)، أعلن البابا، قبل أسبوع، تجريد الراهب من رتبته الدينية في الكنيسة وطرده من الدير، وجاء في القرار الذي صدر بتوقيع البابا تواضروس، أن قرار التجريد يرجع إلى الاتهامات والتصرفات التي صدرت عنه (أشعياء)، التي لا تليق بالسلوك الرهبانى والحياة الديرية والالتزام بمبادئ ونذور الرهبنة، مع حثه على التوبة وإصلاح حياته.
ورغم أن الكنيسة نفت في وقت لاحق أن يكون لقرار التجريد علاقة بالتحقيقات في واقعة مقتل إبيفانيوس، غير أنه وعقب ساعات من إعلان القرار حاول الراهبان أشعياء المقاري، وشريكه في جريمة القتل فلتاؤس، بحسب ما تقول النيابة في التحقيقات، الانتحار في داخل الدير.
وأول من أمس، دعا تواضروس للنظر إلى قتل إبيفانيوس على أنه «جريمة». وأضاف أنه «ليس من صالح أحد أن يتستر على أي خطأ، وأن صدور القرارات الأخيرة من اللجنة التابعة للمجمع المقدس والمختصة بشؤون الرهبان والأديرة كانت من أجل ضبط النظام الرهباني، وأن هناك كثيراً من القرارات الأخرى سيتم إصدارها، وأنه على الرهبان أن يعيشوا في الدير، لأن ذلك هو اختيارهم في الأساس».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».