في مسعى للحد من الانهيار المعنوي للميليشيات الحوثية في جبهات القتال، ورفع منسوب أوهام الانتصار لدى أتباع أتباعها، لجأت الجماعة المدعومة من إيران حديثاً إلى تركيز خطابها الدعائي عن الانتصارات الوهمية والإنجازات العسكرية، التي عدها ناشطون يمنيون «مثيرة للسخرية»، إلى جانب التركيز على اختلاق القصص عن حوادث «العيب القبلي» والاعتداءات الجنسية المزعومة لاستخدامها سلاحاً ينقذ ما تبقى من الأتباع على صعيد القبائل والمحافظات الواقعة تحت سيطرة الجماعة.
وذكرت مصادر مطلعة في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن رئيس مجلس حكم الجماعة، مهدي المشاط، شدد توجيهاته لوسائل إعلام الجماعة بتكثيف الخطاب عن وجود انتصارات عسكرية لميليشياته خارقة للعادة، إضافة إلى فبركة القصص عن الإنجازات الحربية المزعومة للجماعة.
وذكرت المصادر أن المشاط أمر القيادات الإعلامية التابعة لجماعته باستنفار رجال القبائل والسكان الخاضعين للميليشيات في صنعاء وبقية المناطق، من خلال تأليف قصص عن حوادث وانتهاكات مزعومة، واستثمار هذه القصص لاستقطاب المجندين وجمع الأموال، تحت مزاعم «الدفاع عن العرض والأرض».
إلى ذلك، أفادت المصادر بأن المشاط أصدر قبل نحو أسبوعين قراراً بتعيين أحد الضباط الموالين لجماعته، ويدعى يحيى سريع، في منصب مدير دائرة التوجيه المعنوي في وزارة دفاع الجماعة بصنعاء، ومنحه رتبة العميد، وطلب منه تفعيل الجهاز الدعائي للجماعة، وتخصيص غرفة للعمليات مهمتها الترويج للانتصارات الوهمية، ورفع معنويات مقاتلي الميليشيات، وتحريض أتباعها القبليين للدفع بمزيد من أبنائهم للقتال.
وبحسب ما أفادت به المصادر، جاء تعيين سريع في المنصب الذي بقي شاغراً لأشهر عدة، إثر إطاحة القيادي في الجماعة يحيى المهدي منه، وذلك بسبب خلافات مالية بينه وبين القيادي المعين رئيساً لاستخبارات الجماعة أبو علي الحاكم، انتصر فيه الأخير بحكم قربه من زعيم الجماعة.
وأمر المشاط القيادي سريع، المنتمي إلى قبيلة خولان، طبقاً للمصادر، بأن يسخر إمكانيات دائرة التوجيه المعنوي الضخمة لتنشيط العمل الدعائي في أوساط أتباع الجماعة ومقاتليها، كما طلب منه الإسراع بطباعة آلاف المنشورات والمطويات والكتيبات التي تتضمن ملخصات لملازم الجماعة والخطب الطائفية لزعميها، وفتاواه التي تحرم الهروب من جبهات القتال، لتوزيعها على مجندي الميلشيات. وبسبب تناقص فرق الإعلام الحربي التابعة للجماعة، ذكرت المصادر أن المشاط طلب من سريع ترشيح 50 مجنداً من موظفي دائرة التوجيه المعنوي المتخصصين في أعمال الدعاية والتصوير لتوزيعهم على جبهات القتال، شريطة أن يكونوا ممن خضعوا للدورات الطائفية التثقيفية التي أقامتها الجماعة في أوساط الموظفين العسكريين والمدنيين.
وبحسب متابعين للإعلام الحوثي في صنعاء، تحدثوا إلى «الشرق الأوسط»، كثفت الجماعة في الأيام الماضية من اختلاق القصص عن ارتكاب «العيب القبلي» من قبل قوات الجيش الوطني، في الجوف وعدن ومناطق الساحل الغربي، إذ تضمنت هذه القصص تلفيق حوادث مزعومة عن اعتقال نساء واختطاف أخريات والاعتداء عليهن أو اغتصاب أطفال.
ولاستثمار هذه القصص المزعومة في أوساط القبائل الموالية للجماعة، أمرت الميليشيات بإقامة عشرات الوقفات الاحتجاجية في صنعاء وبقية المناطق الخاضعة لها، وسط ترويج إعلامي، يحذر السكان ورجال القبائل من مصير مماثل سيلاقونه، إذا هم تقاعسوا عن النفير نحو الجبهات أو التبرع بالأموال للمجهود الحربي.
وبالمثل، ركز الإعلام الحوثي على اختلاق انتصارات وهمية، لدرجة إثارة السخرية ليس بين مناهضيها بل حتى لدى كثير من أتباعها، وذلك من قبيل الحديث عن قدرات الطائرات المسيرة التي صنعتها الجماعة واستطاعت عبرها - كما تزعم - أن تشن غارات على الرياض وأبوظبي، أو الحديث عن الصواريخ التي تروج الميليشيات بين وقت وآخر أنها دمرت عبر إطلاقها عشرات المنشآت الحيوية في المدن السعودية، فضلاً عن زعمها أنها تسببت في قتل وجرح الآلاف من عناصر جيش الشرعية والمقاومة الشعبية، وتدمير معسكرات كاملة بعتادها.
وبحسب المراقبين، عادة ما يتلقى أتباع الجماعة الطائفيون، في صنعاء وغيرها من المناطق، مثل هذه الأكاذيب بالتصديق، واستقبالها بحفاوة وتداولها في المجالس والأماكن العامة، فضلاً عن أنها تلاقي قبولاً في المناطق القبلية التي يطغى على سكانها ارتفاع نسبة الأمية وانخفاض درجة الوعي، لكنها تقابل بالسخرية بين أغلب السكان الذين باتوا يدركون طبيعة الأكاذيب التي يستند إليها الخطاب الإعلامي للميليشيات.
كانت الجماعة الحوثية قد وجهت الدعوة لأتباعها للتبرع بالمزيد من الأموال، التي قالت إنها ستسخرها لتطوير قدراتها الجوية وأسلحتها الفضائية وطائراتها المسيرة التي زعمت أنها نجحت في قطع المسافة من صنعاء إلى أبوظبي ثم العودة، متجاوزة بذلك الادعاء قدرات الدول الكبرى المعروفة بقدراتها العسكرية الحديثة في هذا المجال. وسبق للجماعة في الأشهر الماضية أن قامت بجباية مبالغ ضخمة من قبائل آنس والحدا وعنس في ذمار، وقبائل عمران وصنعاء وحجة، تحت مزاعم تطوير القدرات الصاروخية للجماعة.
ويرجح المراقبون أن تركيز الميليشيات على تكثيف الخطاب التضليلي، فضلاً عن سعيها لتطوير جهازها الدعائي، يهدف في المقام الأول إلى رفع المعنويات المنهارة لميليشياتها، ومنح أتباعها الطائفيين المبرر الكافي للاستمرار في دعم مشروع الجماعة، والثقة العمياء في قدرات زعيمها الخارقة للعادة والمنطق العسكري.
وفي الوقت الذي تسعى الميليشيات فيه إلى استثمار فبركاتها الدعائية لاستقطاب مزيد من الأتباع والمجندين، يرجح المراقبون أنها تحاول بذلك الحد من النسبة المرتفعة لأعداد الفارين من عناصرها من جبهات القتال، خصوصاً في مناطق الساحل الغربي، وتقوية دافعهم الطائفي، من أجل الموت في سبيل مشروع الجماعة وزعيمها.
وكانت مصادر محلية وأمنية في صنعاء، كشفت في الأسابيع الأخيرة عن هروب المئات من عناصر الجماعة من جبهات القتال، خصوصاً من عناصرها القبليين الذين اكتشفوا وقوعهم في فخ التضليل الحوثي، على صعيد الانتصارات المزعومة، أو لجهة اكتشافهم دناءة كبار القيادات الحوثية الذين دفعوا بهم إلى الخطوط الأمامية للمعارك، وآثروا الاختباء خوفاً على حياتهم.
وفي مسعى من الجماعة الحوثية للحد من عمليات فرار عناصرها، لجأت إلى تكثيف نقاط التفتيش على الطرق، وأمرت بإلقاء القبض على أي عنصر يزعم أنه عاد من الجبهة مأذوناً له، ما لم يشهر وثيقة رسمية خصصتها الجماعة لمن يسمح لهم فعلياً بالعودة لزيارة أقاربهم.
وبحسب ما أفادت به مصادر أمنية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، شن جهاز الأمن الوقائي الحوثي في الآونة الأخيرة عمليات بحث وملاحقة للعناصر الفارين من الجبهات، حيث أسفرت عن اعتقال كثير منهم، وإرغامهم على تسليم الأسلحة الشخصية التي فروا بها، إلى جانب دفع المبالغ المالية التي كانت الجماعة تدفعها لهم كل شهر نظير بقائهم في صفوفها.
اختلاق «الاعتداءات الجنسية»... سلاح حوثي جديد لإنقاذ ما تبقى من الأتباع
زعيم الجماعة الانقلابية وجه جهازه الدعائي بترويج الانتصارات الوهمية
اختلاق «الاعتداءات الجنسية»... سلاح حوثي جديد لإنقاذ ما تبقى من الأتباع
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة