اتضحت الصورة في دولة مالي بعد خمسة أيام من ترقب نتائج الدور الأول من الانتخابات الرئاسية التي شهدتها البلاد يوم الأحد الماضي، والتي ستحسم في شوط ثان سينظم يوم 12 أغسطس (آب) الجاري ما بين الرئيس المنتهية ولايته إبراهيما ببكر كيتا، وزعيم المعارضة سوميلا سيسي.
وأظهرت النتائج الرسمية أن الرئيس المنتهية ولايته حل في المرتبة الأولى بنسبة 41.42 في المائة من الأصوات، بينما يحل ثانيا وبفارق كبير زعيم المعارضة، الذي حصل على نسبة 17.8 في المائة من الأصوات.
ويعتبر هذا الشوط الثاني هو تكرار لما جرى في الانتخابات الرئاسية الماضية (2013)، والتي تواجه فيها الرجلان في شوط ثانٍ انتهى بفوز ساحق لصالح كيتا. ويرى الماليون أن سيسي غير محظوظ في الوصول إلى السلطة، إذ سبق أن شارك في اقتراعين رئاسيين وصل فيهما إلى الشوط الثاني وخسرهما؛ في 2002 أمام الرئيس المالي الأسبق أمادو توماني توري، وفي 2013 أمام الرئيس الحالي إبراهيما ببكر كيتا.
وينحدر سيسي من منطقة تمبكتو الواقعة في شمال مالي، وهو من قومية «السونغاي» التي تعد أقلية في مالي، ولم يسبق أن حكمت مالي من طرف هذه الأقلية، إذ يخسر سياسيوها دوماً الانتخابات أمام مرشحي قومية «البمباره» التي تقطن في الجنوب وتشكل أغلبية السكان، وينحدر منها الرئيس المنتهية ولايته كيتا.
وتعد هذه هي المرة الثالثة التي يصل فيها سيسي إلى الشوط الثاني من الانتخابات الرئاسية، ولكنه يراهن من أجل الفوز على ما قال إنه «أخطاء كيتا»، وأعلن في أول تصريح أدلى به منذ إصدار النتائج: «لأول مرة في التاريخ السياسي لمالي يصل رئيس منتهية ولايته إلى الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية، وذلك دليل على أننا قريبون من تحقيق التغيير والنصر». وأضاف سيسي الذي كانت حملته الانتخابية «ممولة بشكل جيد»، أنه رغم الخروقات التي شابت الانتخابات فإن المعارضة نجحت في قطع الطريق أمام «كيتا» لتزوير الانتخابات والمرور في الشوط الأول، مشيراً إلى أن «المعركة ما تزال مستمرة» حتى يتحقق التغيير يوم 12 أغسطس (آب).
زعيم المعارضة سيسي الذي كان يتحدث أمس الجمعة في ساحة عامة في باماكو دعا بقية المرشحين للانتخابات الرئاسية إلى «تشكيل جبهة ديمقراطية ضد التزوير»، وأضاف بخصوص هذه الجبهة أنها «من أجل الشفافية الانتخابية، ومن أجل التبادل والتغيير والقطيعة مع الماضي، القطيعة مع سوء التسيير، أدعوكم لتشكيل جبهة ديمقراطية من أجل إنقاذ الديمقراطية في مالي». وختم خطابه وسط تصفيقات أنصاره بأن «معسكر التغيير يشكل الأغلبية»، وقال: «نحن معنا الأغلبية، والنصر قريب، إذا توحدت جهودنا».
ولكن الوضع لا يبدو بتلك السهولة، فمعسكر الأغلبية الرئاسية قوي ومتماسك، وبدأ بالفعل يتحرك من أجل استقطاب كبار المرشحين للانتخابات الرئاسية، ومن أبرز هؤلاء المرشحين رجل الأعمال الثري أليو ديالو، الذي يوصف في مالي بأنه «بارون الذهب»، والذي حل في المرتبة الثالثة في السباق الرئاسي بحصوله على نسبة 7.95 في المائة من الأصوات.
ويسيطر ديالو على نسبة كبيرة من مناجم الذهب في دولة مالي، ويوصف بأنه كان من أكبر المستفيدين من الدولة خلال السنوات الخمس الماضية التي قضاها كيتا في الحكم، فقد استعاد ثروته بعد أن كان على شفا الإفلاس، وبالتالي من الراجح أنه سيعقد «صفقة» مع الرئيس المنتهية ولايته لدعمه في الشوط الثاني من الانتخابات مقابل الاحتفاظ بامتيازاته المادية.
ولكن علاقته الواضحة مع نظام كيتا، لم تمنع داليو من الإدلاء بتصريحات تنتقد الظروف التي جرت فيها الانتخابات. لكنه في المقابل لم يعلن عن تقدمه بطعون لدى المحكمة الدستورية.
من جهة أخرى يبرز رجل الأعمال وعالم الفيزياء الفلكية الشيخ موديبو ديارا، الذي حل في المرتبة الرابعة بنسبة 7.46 في المائة من الأصوات، وهو وزير أول سابق قاد الحكومة خلال الفترة الانتقالية التي أعقبت انقلاب 2012، وساهم بشكل كبير في استعادة مالي للوضع الدستوري عام 2013، ولكن ديارا الذي يدخل معترك السياسة بقوة وطموحات كبيرة، ويربط علاقات متينة مع الأميركيين، يبقى موقفه غامضاً في انتظار اللحظات الأخيرة.
وفي انتظار اتضاح الصورة فيما يتعلق بالتحالفات السياسية التي ستنعقد قبيل الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية، تعود التحديات الأمنية إلى الواجهة، خاصة في شمال ووسط البلاد، حيث استهدفت هجمات إرهابية الدور الأول من الانتخابات، وتسببت في إغلاق 716 مكتب تصويت بشكل تام، بينما أوقفت بشكل مؤقت ما يزيد على 4 آلاف مكتب تصويت.
وأظهرت النتائج الرسمية للانتخابات تراجعاً في نسبة المشاركة التي توقفت عند نسبة 43.06 في المائة، بينما كانت في آخر انتخابات رئاسية (2013) قد وصلت إلى 45 في المائة، وهو ما يرجع إلى التهديدات الإرهابية التي أطلقتها جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين» المرتبطة بتنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، والتي تشن هجمات إرهابية بشكل يومي في شمال ووسط مالي.
في غضون ذلك قالت بعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات في مالي إنها جرت بشكل عام في «ظروف مقبولة»، ولكنها أشارت إلى تسجيل بعض الخروقات «التي لا تؤثر على النتائج»، وأصدرت تقريراً أولياً ركزت فيه بشكل كبير على تأثير الوضع الأمني على سير الانتخابات.
ورغم ارتياح بعثات المراقبين الدوليين للظروف التي جرت فيها الانتخابات بشكل عام، واجهت السلطات المالية العديد من الانتقادات خاصة بعد إجراءات بحجب مواقع التواصل الاجتماعي وإضعاف شبكة الإنترنت في بعض مناطق البلاد، بما في ذلك العاصمة باماكو، وهي الإجراءات التي كانت محل انتقاد من طرف «منظمة مراسلون بلا حدود» والعديد من المنظمات الدولية والمحلية.
ولكن الإجراء الأكثر إثارة للجدل هو إغلاق إذاعة خاصة، اتهمتها السلطات في باماكو بأنها «تحرض على العنف والثورة والكراهية»، وذلك بعد بثها لبرنامج حواري قدمه ناشط شبابي معروف بمواقفه المعارضة للنظام الحاكم في باماكو، ويعتبر أحد أبرز الناشطين في صفوف حملة زعيم المعارضة سوميلا سيسي.
دورة ثانية للانتخابات الرئاسية في مالي
زعيم المعارضة يدعو إلى جبهة ديمقراطية ضد الرئيس المنتهية ولايته
دورة ثانية للانتخابات الرئاسية في مالي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة