سكان رفح يتطلعون إلى بناء مستشفى خاص بهم

أربعة أعوام على مجزرة 2014 الإسرائيلية تذكرهم بمعاناتهم

مصابون وأقرباؤهم ونشطاء خلال مسيرة الاحتجاج في رفح
مصابون وأقرباؤهم ونشطاء خلال مسيرة الاحتجاج في رفح
TT

سكان رفح يتطلعون إلى بناء مستشفى خاص بهم

مصابون وأقرباؤهم ونشطاء خلال مسيرة الاحتجاج في رفح
مصابون وأقرباؤهم ونشطاء خلال مسيرة الاحتجاج في رفح

ما يزال سكان مدينة رفح (جنوب قطاع غزة) المحاذية للحدود المصرية، يأملون في تلبية مطلبهم الوحيد، الذي رفعوه إلى العالم، عبر شاشات التلفزة، إبان الحرب على القطاع عام 2014، بإنشاء مستشفى طبي يقدم لهم خدمة صحية متكاملة، وينجح في أي مواجهة عسكرية محتملة في إنقاذ أرواح المصابين.
وكانت المدينة قد شهدت خلال الحرب المذكورة قبل أربع سنوات، مجزرة ارتكبت في الأول من أغسطس (آب) 2014، أدت إلى مقتل 170 من سكانها وإصابة أكثر من 400، وذلك في ثلاث ساعات فقط. وفارقت غالبيتهم الحياة بعد إصابات لم تستطع الطواقم الطبية معالجتها، وتقديم الخدمات المطلوبة، لعدم توفر الإمكانيات، وعدم قدرة مستشفى أبو يوسف النجار ذي الإمكانيات الضعيفة جدا، من استيعاب الأعداد الكبيرة من المصابين والضحايا.
وأظهرت صور تناقلتها وسائل الإعلام إبان الحرب، جثث الضحايا والمصابين، وهي تنقل في سيارات حفظ المواد الغذائية والعربات وغيرها، وكذلك وهي مكدسة في ساحة مستشفى أبو يوسف النجار الصغير وفي محيطه، لعدم وجود عدد كافٍ من ثلاجات حفظ الموتى.
ومنذ ذلك الحين يشتكي السكان، الذين يحيون الذكرى الرابعة للمجزرة، من عدم وجود مستشفى مركزي يستطيع تقديم خدمات صحية كاملة للمدينة، التي تعتبر أكثر ثالث منطقة اكتظاظا بالسكان في قطاع غزة، ويصل عدد سكانها إلى نحو 280 ألف نسمة.
وتشير الصحافية مرح الوادية، من الناشطين القائمين على حملة هاشتاغ «رفح بحاجة إلى مستشفى»، عبر شبكات التواصل الاجتماعي، إلى أنه في المدينة مبنى طبي وحيد هو مستشفى أبو يوسف النجار، الذي يقول البعض، إن إمكاناته ضعيفة جدا، ولا يكاد يتحمل أي طارئ طبي، كما جرى في الحرب الأخيرة.
وأوضحت الوادية التي تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، أن سكان المدينة يجبرون على تلقي العلاج في مستشفيات ومراكز طبية خارج المدينة، ويقطعون مسافات طويلة من أجل الوصول إلى مستشفيات في مدينة خان يونس، أو في مناطق أخرى، منها مستشفى الشفاء في مدينة غزة الذي يبعد عن المدينة أكثر من 35 كيلومترا.
ولفتت الوادية، إلى أن بعض المسؤولين من حكومة الوفاق الوطني، ومنهم وزير الصحة جواد عواد، أطلقوا، بعد الحرب الأخيرة، وعودا ببناء مستشفى في المدينة. وقد تم تخصيص قطعة أرض لذلك، إلا أن المشروع لم يخرج يذهب للتخطيط والتنفيذ، وبقي حينها متداولا في الإعلام فقط. وطالبت الجهات المختصة، بالتحرك الفعلي لإنقاذ المدينة المكتظة بالسكان، وتقديم الخدمات الطبية اللازمة لهم. وأضافت: «كان ممكنا أن يكون عدد الشهداء أقل من العدد الذي سقط خلال الحرب، لو كان في رفح مستشفى مجهز يستوعب عددا كبيرا من الجرحى».
في حين قال الناشط هاني سليم، إن مستشفى أبو يوسف النجار الطبي الوحيد الموجود، حاليا، في المدينة، عبارة عن عيادة صغيرة لا تصلح أن تكون مستشفى، يستطيع تقديم خدمات طبية كاملة للمواطنين، ويستطيع إنقاذ حياة الجرحى في أي عدوان إسرائيلي، أو حتى في أي حدث ناجم عن فعل جنائي أو بفعل الكوارث الطبيعية.
وتساءل سليم، وهو من سكان مدينة رفح، عن عجز الحكومتين في غزة والضفة، وكذلك الجهات المانحة والدول المشرفة على بناء مشروعات في غزة، عن بناء مستشفى في مدينة رفح، رغم أنها تشرف على بناء مشروعات أقل أهمية في مناطق أخرى من القطاع.
وأشار إلى أنه تم تخصيص نحو 52 دونما لبناء مستشفى، وتم وضع خطة لإمكانية البدء بإنشائه، إلا أن القرار تم تجميده بشكل غريب، ومن دون معرفة الأسباب والمصلحة التي تقف خلف تجميد مثل هذا القرار الإنساني في المقام الأول، متسائلا عن تراجع قطر في تنفيذ المشروع كما وعدت حينه.
ولفت إلى أنه خلال الحرب الأخيرة، كان المصابون في الشوارع لا يجدون من ينقذهم أو يستطيع تقديم إسعافات لهم، نتيجة نقص حاد في قدرات عيادة أبو يوسف النجار على نقل أولئك الجرحى وتقديم العلاج لهم. مشيرا إلى أن العيادة تعاني من نقص في عدد سيارات الإسعاف والأسرة داخل الأقسام، وكذلك في المواد والكوادر الطبية.
وشارك كثير من سكان المدينة في وقفة احتجاجية يوم الأربعاء الماضي، للتذكير بمعاناة السكان. وكان بين المشاركين جرحى ومرضى ومتضررون من عدم وجود مستشفى يقدم الخدمات الصحية لهم. فيما أطلق صحافيون ونشطاء حملة كبيرة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، تحت هاشتاغ: «رفح بحاجة لمستشفى»، لمحاولة دعم مطالب السكان.
وقال الفلسطيني رائد حمدان، وهو أب لطفلين يعانيان من الفشل الكلوي، إنه يضطر بشكل يومي إلى قطع مسافة أكثر من 35 كيلومترا، متنقلا بسيارات الأجرة من رفح إلى غزة، بتكلفة مالية تصل إلى 25$، من أجل علاج ابنيه.
وأوضح حمدان، أنه خصص لكل طفل من طفليه، ثلاثة أيام في الأسبوع، من أجل عملية غسل كليته. مشيرا إلى أنه على مدار أيام الأسبوع، عدا الجمعة، يتوجه من رفح إلى غزة لعلاج ابنيه، ما يرهقه صحيا ونفسيا وماديا، خاصة أنه يعمل بصعوبة على توفير إيجار السيارات.
وتساءل حمدان عن الصمت الكبير للمسؤولين الفلسطينيين عن مناشداتهم ومطالبهم. مشيرا إلى أن المئات من المواطنين يعانون يوميا من أجل الوصول إلى مستشفيات طبية خارج مدينة رفح، ويقطعون مسافات طويلة، ويدفعون أموالا هم بحاجة إليها لتوفير احتياجاتهم المنزلية، في ظل التهميش الرسمي والفصائلي لمطالبهم وتجاهل ظروف حياتهم.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».