توم كروز {ذئب وحيد} يقاتل على كل الجبهات

تاريخ من المهام الخطرة والمؤامرات الكونية

مهمة مستحيلة نسخة 1996
مهمة مستحيلة نسخة 1996
TT

توم كروز {ذئب وحيد} يقاتل على كل الجبهات

مهمة مستحيلة نسخة 1996
مهمة مستحيلة نسخة 1996

توم كروز (56 سنة) ما زال قادراً على إطلاق أفلام ناجحة. بعد أيام قليلة من بدء عرض «مهمة: مستحيلة - تداعيات» على شاشات العالم تجاوزت إيراداته 200 مليون دولار من بينها 162 مليون دولار عالميا (النقد في مكان آخر هذا الأسبوع).
طبعاً السن لا علاقة له بذلك النجاح بالدرجة الأولى. هذا الإقبال على هذا الفيلم وسلسلة «مهمة: مستحيلة» عموماً يعود إلى عاملين ملتحمين: فتوم كروز هو الفيلم، والفيلم هو توم كروز. استبدل أحدهما تجد أن الإقبال انحسر على نحو فادح وبعض أفلام كروز الأخيرة التي لا علاقة لها بالسلسلة دليل واضح: «المومياء» (2017) كان كارثة. «جاك ريتشر» (2012 و2016) حققا جزءاً صغيراً من النجاح المنشود و«صنع أميركي» (2017) مر بقدر قليل من الاهتمام.
حقيقة أن توم كروز تجاوز سن الشباب لكن لديه طاقة بديعة على الحركة والقيام بمعظم المشاهد الخطرة بنفسه هو إعلان عن شخص كروز كممثل وليس فقط عن شخصية إيثن هَنت التي يقوم بتأديتها.
- 171 حلقة و11 سنة
أيام كان بيتر غرافز يقوم بالمهام المستحيلة في المسلسل التلفزيوني الذي عرض ما بين 1966 و1973 لم تكن المؤثرات البصرية قد وَصلت إلى ما هي عليه اليوم من تقدم يُتيح لكل خاطرة خيالية مجال التحقق كما لو كانت حقيقة. كان النص هو سيد الموقف، والمهام المستحيلة كانت كثيراً ما تعتمد على خطة لا تتحمل أي خطأ وعليها أن تتم تماماً كما أوصى بها بطل تلك الحلقات أعضاء فريقه. قد تعترضها مفاجآت غير منظورة، وهذا كان لا بد منه لبث روح الإثارة في أعصاب المشاهدين في منازلهم، لكن أعضاء الفريق سيتغلب على تلك المفاجآت بالدهاء أو بالسلاح وسينجز المهمّة ملتفتاً إلى سواها في الأسبوع المقبل.
التركيبة لم تكن خالية من توخي الشمولية: مسيحيون ويهود. بيض. واحد أسود. واحد لاتيني وآخر له جذور فرنسية. إيثن هَنت لم يكن اسم شخصية بيتر غرافز، بل كان اسمه جيمس فلبس (Phelps). والاختصاصات مختلفة: مارتن لانداو كان ماهراً بالخدع اليدوية. الأفرو - أميركي كرغ موريس كان اليد العليا حين يصل الأمر إلى صنع قنبلة موقوتة أو إبطال مفعول قنبلة أخرى. وبابرا لاين كانت لإضفاء أنوثة من النوع القاتل والجميع أعضاء تلك الشبكة الحكومية السرية التي تتسلم في مطلع كل حلقة شريطا مسجلاً يأمرها بالمهمة المطلوب تنفيذها. «هذا الشريط سيتلف نفسه بعد خمس ثوان»، يقول المتحدث الخفي في نهاية كل تسجيل وما يلبث الشريط أن يحترق ويتصاعد منه دخان ضئيل لنسمع موسيقى لالو شيفرين المتميزة تمهيداً للانتقال إلى الأحداث. الإتلاف الآلي يقع لأن الحكومة إذ تختار المهام المستحيلة لهذا الفريق، فإنها لا تريد أن يكون لها ضلع ما إذا ما فشل الفريق إنجاز ما أوكلوا به.
لكن الفشل لم يقع طوال 171 حلقة في إحدى عشرة سنة. على العكس، قام الفريق بإنجاز مهامه حسب السيناريو المكتوب له والذي تضمّن استيحاء أجواء الحرب الباردة في الخمسينات والستينات وتعزيزها. كذلك مجابهة الحاكمين الديكتاتوريين والأنظمة الفاسدة (غالبها عسكري أو يساري) والقضاء على خططها إن لم يكن القضاء عليها.
- هنت وبوند والآخرون
كل ذلك مختلف اليوم، ومنذ أن تسلم توم كروز دور رئيس الفريق الجديد من دون الحاجة لاستخدام أي من الشخصيات السابقة. في عام 1996 مباشرة بعد اشتراك كروز مع براد بت وكرستيان سلاتر في بطولة «مقابلة مع فامباير» لنيل جوردان، وقبل دخوله فيلم «جيري ماغواير»، تم تنفيذ النقلة السينمائية لتلك الحلقات على يدي المخرج برايان دي بالما. مشهد تدلي إيثن هنت / توم كروز بحبل معدني مشدود من سقف حجرة محاطة بأجهزة حساسة لا تتحمل قطرة عرق من دون إطلاق صافرات الإنذار ما زال ماثلاً لمن شاهد ذلك الفيلم قبل 22 سنة. ‬
بعد نجاحه توالت الأفلام والمهام فتم تحقيق خمسة أجزاء أخرى في الأعوام 2000 و2006 و2011 و2015 و2018 الحالي. المخرجون المتناوبون، وحسب سنوات الإنتاج هم جون وو وج ج أبرامز وبراد بيرد ثم كريستوفر ماغواير للجزئين الأخيرين.
في كل هذه الأفلام تابعنا توم كروز معلقاً في فضاء ما مثل فضاء الغرفة في الجزء الأول وفضاء مدينة دبي في نسخة 2011. في الفيلم الجديد يتعلق بكل شيء: بأسفل مصعد. بسلم متحرك. بحبل مربوط بطائرة هيلكوبتر. ليس أن جيمس بوند لم يفعلها قبله، لكن إيثن هَنت ليس جيمس بوند في النهاية.
صحيح أن المسلسل التلفزيوني كان نتيجة موجة من أفلام التجسس التي تبعث نجاح أفلام جيمس بوند الأولى لكن مهام الأفلام السينمائية اختلفت. لقد تخلت عن استلهام تاريخ الحرب الباردة وانتقلت إلى الحروب الساخنة بما فيها الخطر النووي المحدق حسب الجزء الجديد وما قبله. المؤامرات كونية في عالم لا يمكن الوثوق فيه والمخاطر تحيط بإيثن هَنت من الداخل والخارج.
بوند مرتبط بتاريخه حتى وإن سعت الأفلام الأخيرة إلى شحن مواقفه ببعض التمرد والإتيان بأسباب خطر جديدة. لكن هَنت يدافع عن نفسه ضد منزلقات المخاطر الناتجة، في جزء كبير منها، عن رغبة الجهاز السري المسمى بـMIF (اختصار Impossible Mission Force) التخلص منه. وهذا الحال قريب من وضع العميل جاسون بورن، كما يؤديه مات دامون في سلسلة مشابهة تحمل اسمه. هو أيضاً عميل مخابرات سابق يجد لزاماً عليه الهرب من رجالها المأمورين بتصفيته.
ولافت أيضاً أنه في حين أن رفاق كروز من ممثلي جيله والجيل اللاحق باتوا ينتشرون في مسلسلات مقتبسة عن الكوميكس، ما زال كروز، حتى مع وجود حفنة من المساعدين، ذئباً وحيداً بالمقارنة. شخص واحد عليه تحقيق المعجزات وأهمها البقاء على قيد الحياة من دون أن يفشل في إنقاذ حياته وقت الحاجة.
خلال ذلك ينجز الذئب الوحيد هَنت من الانتصارات ما يحققه أبطال مسلسل «ذا أفنجرز» (ست عشرة شخصية منها اجتمعت في الجزء الأخير «أفنجرز: حرب أبدية») مجتمعين. ومع أن الشخصية التي يمثلها كروز تجيد أنواع القتال وتخاطر بالقفز من علو شاهق وتدخل وتخرج من الفاصل النحيف بين الحياة والموت طوال الوقت، إلا أنه يحتاج لأن يتمتع بما يتمتع به آيرون مان (روبرت داوني جونيور) أو ثور (كريس همسوورث) أو كابتن أميركا (كريس ريفنز) أو بلاك بانثر (شادويك بوزمان) أو سواهم من قدرات سوبرمانية. المهام ذاتها. الإنجاز نفسه والمجد لفرد واحد.


مقالات ذات صلة

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
TT

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬
«من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة وإلقاء ما تيسَّر له من تعابير فرحٍ وثناء.

لا يختلف وضع العام الحالي عن الوضع في كل عام، فجميع آمال العاملين في هذه الصّناعة الفنية المبهرة يقفون على أطراف أصابعهم ينتظرون إعلان ترشيحات «الأوسكار» الأولى هذا الشهر. وحال إعلانها سيتراجع الأمل لدى من لا يجد اسمه في قائمة الترشيحات، وترتفع آمال أولئك الذين سترِد أسماؤهم فيها.

يتجلّى هذا الوضع في كل مسابقات «الأوسكار» من دون تمييز، لكنه أكثر تجلّياً في مجال الأفلام الأجنبية التي تتقدّم بها نحو 80 دولة كل سنة، تأمل كل واحدة منها أن يكون فيلمها أحد الأفلام الخمسة التي ستصل إلى الترشيحات النهائية ومنها إلى الفوز.

«ما زلت هنا» لوولتر ساليس (ڤيديو فيلمز)

من المسافة صفر

لا يختلف العام الحالي في شكل التنافس وقيمته بل بأفلامه. لدينا للمناسبة الـ97 من «الأوسكار» 89 دولة، كلّ واحدة منها سبق أن تنافست سابقاً في هذا المضمار. لكن المختلف هو بالطبع الأفلام نفسها. بعض ما شُوهد منها يستحق التقدير، والفرق شاسع بين ما يستحق التقدير وبين ما يستحق الترشيح والوصول إلى التّصفية.

الحلمُ في تحقيق هذه النقلة يسيطر على المخرجين والمنتجين العرب الذين نفّذوا أعمالهم الجديدة خلال هذه السنة وسارعوا لتقديمها.

من بينهم المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي وفّر خلال العام الحالي فيلمين، واحدٌ من إخراجه بعنوان «أحلام عابرة»، والثاني بتوقيع 22 مخرجاً ومخرجة أشرف مشهراوي على جمع أفلامهم في فيلم طويل واحد بعنوان «من المسافة صفر»، وجميعها تتحدّث عن غزة، وما حدث فيها في الأسابيع الأولى لما يُعرف بـ«طوفان الأقصى». بعض تلك الحكايا مؤثرٌ وبعضها الآخر توليفٌ روائي على تسجيلي متوقع، لكنها جميعها تكشف عن مواهب لو قُدِّر لها أن تعيش في حاضنة طبيعية لكان بعضها أنجز ما يستحق عروضاً عالمية.

لا ينحصر الوضع المؤلم في الأحداث الفلسطينية بل نجده في فيلم دانيس تانوفيتش الجديد (My Late Summer) «صيفي المتأخر». يقدم تانوفيتش فيلمه باسم البوسنة والهرسك، كما كان فعل سنة 2002 عندما فاز بـ«الأوسكار» بصفته أفضل فيلم أجنبي عن «الأرض المحايدة» (No Man‪’‬s Land). يفتح الفيلم الجديد صفحات من تاريخ الحرب التي دارت هناك وتأثيرها على شخصية بطلته.

«صيفي الأخير» لدانيس تانوفيتش (بروبيلر فيلمز)

مجازر كمبودية

تختلف المسألة بالنسبة للاشتراك الصّربي المتمثّل في «قنصل روسي» (Russian Consul) للمخرج ميروسلاڤ ليكيتش. في عام 1973 عندما كانت يوغوسلاڤيا ما زالت بلداً واحداً، عاقبت السلطات الشيوعية هناك طبيباً إثر موت مريض كان يعالجه، وأرسلته إلى كوسوڤو حيث وجد نفسه وسط تيارات انفصالية مبكرة ونزاع حول الهوية الفعلية للصرب. حسب الفيلم (الاشتراك الثاني لمخرجه للأوسكار) تنبأت الأحداث حينها بانهيار الاتحاد السوفياتي و«عودة روسيا كروسيا» وفق قول الفيلم.

التاريخ يعود مجدداً في فيلم البرازيلي والتر ساليس المعنون «ما زلت هنا» (I‪’‬m Still Here) وبطلته، أيضاً، ما زالت تحمل آلاماً مبرحة منذ أن اختفى زوجها في سجون الحقبة الدكتاتورية في برازيل السبعينات.

في الإطار نفسه يعود بنا الاشتراك الكمبودي (التمويل بغالبيته فرنسي) «اجتماع مع بُل بوت» (Meeting with Pol Pot) إلى حقبة السبعينات التي شهدت مجازرعلى يد الشيوعيين الحاكمين في البلاد، ذهب ضحيتها ما بين مليون ونصف ومليوني إنسان.

وفي «أمواج» (Waves) للتشيكي ييري مادل، حكاية أخرى عن كيف ترك حكمٌ سابقٌ آثاره على ضحاياه ومن خلفهم. يدور حول دور الإعلام في الكشف عن الحقائق التي تنوي السلطة (في السبعينات كذلك) طمسها.

تبعات الحرب الأهلية في لبنان ليست خافية في فيلم ميرا شعيب «أرزة»، الذي يدور حول أم وابنها يبحثان عن سارق دراجة نارية ويتقمصان، في سبيل ذلك، شخصيات تنتمي إلى الطائفة التي قد تكون مسؤولة عن السرقة. هما سنّيان هنا وشيعيان هناك ومسيحيان أو درزيان في مواقع أخرى وذلك للتأكيد على أن التربة الطائفية ما زالت تنبض حية.

حتى كوريا الجنوبية ما زالت تحوم حول الانقلاب (وهي تعيش اليوم حالة مشابهة) الذي وقع في مثل هذا الشهر من سنة 1979 عندما اغتيل الرئيس بارك على يد رئيس شعبة الدفاع لي تايدو-غوانغ (أُلقي القبض عليه لاحقاً وأُعدم). هذا هو ثالث فيلم شاهده الناقد كاتب هذه الكلمات حول الموضوع نفسه.