«داعش» يتمدد عبر «المنفردين»

ضرب في 3 دول بقارتين خلال يوم واحد لإثبات الوجود

فوضى عقب تفجير انتحاري ضد مركز انتخابي في مدينة كويتا الحدودية الاربعاء الماضي (رويترز)
فوضى عقب تفجير انتحاري ضد مركز انتخابي في مدينة كويتا الحدودية الاربعاء الماضي (رويترز)
TT

«داعش» يتمدد عبر «المنفردين»

فوضى عقب تفجير انتحاري ضد مركز انتخابي في مدينة كويتا الحدودية الاربعاء الماضي (رويترز)
فوضى عقب تفجير انتحاري ضد مركز انتخابي في مدينة كويتا الحدودية الاربعاء الماضي (رويترز)

تكبد «داعش» التنظيم الإرهابي الأكثر دموية خلال السنوات الماضية، خسائر هائلة في سوريا والعراق أخيراً بسبب هجمات التحالف الدولي وجيوش الدول، وهذه الخسائر أضحت تهدد «خلافته المزعومة»، لذلك لجأ إلى «عمليات خاطفة» في 3 دول مختلفة هي «باكستان، وسوريا، وكندا» في قارتين خلال يوم واحد فقط، كمحاولة لإثبات الوجود وأنه باقٍ ويتمدد.
يقول خبراء عسكريون واستراتيجيون، ومختصون في الحركات الأصولية لـ«الشرق الأوسط»، إن تمدد «داعش» في أكثر من قارة ليشعر الإعلام أنه موجود، وأنه لم يندثر، وأنه يخرج من مناطق تمركزه في العراق وسوريا لمناطق خارجية. لكن الخبراء أكدوا أيضاً «أننا أمام تمددات عسكرية سريعة ومتلاحقة تتمثل في مجموعات قتالية منفردة تأخذ القرار أحياناً بشفرة عن بُعد، أو بشفرة كلامية، أو بعملية نُفذت في منطقة أخرى... ومن المتوقع أن تكون هناك عمليات أخرى قادمة في الطريق».
- بيانات متتالية
ففي بيانات متتالية عبر حسابات التنظيم الإرهابي على تطبيق «تليغرام»، أعلن يوم 25 يوليو (تموز) الحالي تبنيه مسؤوليته الهجوم الانتحاري الخاص بصدم دراجة نارية لمركبة تابعة للشرطة قرب مركز اقتراع، وقتل انتحاري 29 شخصاً على الأقل بمدينة كويتا الباكستانية.
والبيان التالي كان بشأن سوريا، حيث تبنى التنظيم هجوماً استهدف محافظة السويداء في الجنوب، أوقع أكثر من 100 قتيل. والثالث كان تبنيه تنفيذ إطلاق النار في مدينة تورنتو العاصمة الاقتصادية لكندا، وتسبب ذلك في مقتل شخصين وإصابة 12 آخرين بجروح.
ويقول مراقبون إن «تلك الأعمال متوقعة من التنظيم، خصوصاً وأن (داعش) منذ بداية ظهوره عام 2014 وهو يركز على العمليات خارج حدود الأماكن التي يسيطر عليها، وعمل على ذلك منذ أن بدأ يضربه التحالف العربي على حدوده، فاعتمد استراتيجية (التأمين الحدودي)، وهي تقوم على ضرب الأذرع الخارجية، حتى يخف من الضغط على الأماكن المسيطر عليها».
وقال عمرو عبد المنعم، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «تمدد (داعش) في أكثر من قارة، ليشعر الإعلام أنه موجود؛ لكنه في الحقيقة ينحسر ويختفي».
بينما أكد اللواء محمد قشقوش، الخبير العسكري والاستراتيجي، أستاذ الأمن القومي الزائر بأكاديمية ناصر العسكرية العليا بمصر، أن «إعلان تبني العمليات الثلاث في يوم واحد تأكيد (مزيف) على وجوده وأنه لم ينتهِ»، لافتاً إلى أن الخطورة تكمن في تلك «العمليات الخاطفة» فهي تتم من عناصر تم تجنيدها إلكترونياً.
ويرجح خبراء أيضاً نزوح مقاتلي تنظيم داعش إلى بلاد المغرب العربي، بحثاً عن ملاذ آمن، وهرباً من هزائم سوريا والعراق. مؤكدين أن عدد مقاتلي «داعش» القادمين من بلاد المغرب يتراوح بين ثمانية آلاف وأحد عشر ألف مقاتل... وتأتي الجزائر في مقدمة الدول المستهدفة لتمركز أعضاء التنظيم، بما يشكل تحدياً أمنياً كبيراً للجزائر وللدول الأوروبية التي تتاخمها، ويُلقي بالمخاوف في قلوب تلك الدول الأوروبية بسبب انطلاق محتمل لموجات الهجرة، وطلب اللجوء إذا ما تمكن التنظيم الإرهابي من فرض سيطرته على مناطق من الجزائر.
وقال المراقبون إن «التنظيم ليس له مخرج الآن في ظل الخسائر المتكررة وفقدان الأراضي التي كان يستولي عليها، سوى الفرار بعناصره الباقية، والبحث عن أراضٍ جديدة في أي مكان لالتقاط الأنفاس».
- أجيال «داعش»
من جانبه، أوضح عبد المنعم، أن «داعش» فكرة، فالدول تستطيع ضرب الجزء العسكري؛ لكن الأفكار لا تموت، والإرهاب فكرة، ومواجهته بتحصين العقول.
وأضاف، أن الأفكار التي تكونت عند «داعش» خلال الثلاث سنوات الماضية، اعتمدت على صناعة جيل مكون من نساء ورجال وأطفال وشباب، الذين يتعاملون مع القضية (الجهادية) من خلال آيديولوجية... وهذا الجيل تم عمل إعداد له في مناطق الصراع، و«داعش» يستخدم آليات جديدة منذ عامين كانت غير متوفرة أو غير منتشرة بين التيارات (الجهادية) الأخرى، منها، الذئاب المنفردة، والتوغل في المجتمعات الغربية بطريقة الانفرادية «المنفردين»، ويحاول أن يبث التنظيم الرعب بهذه الذئاب عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والمواقع الإلكترونية، وإطلاق الشائعات في المجتمعات المنفتحة الكبيرة، مثل إشاعة «حدوث انفجار كبير في أحد الأماكن العامة ليدخل الرعب في نفوس الغربيين - أي العدو - من وجهة نظر الدواعش».
وحذر الخبراء من خطورة مراوغة تنظيم داعش الإرهابي الآن، والقيام بعمليات إرهابية في دول كثيرة من العالم عن طريق «الذئاب المنفردة» التي تعني أن منفذي العمليات الإرهابية يعملون بشكل فردي، ويشكلون خلايا محدودة العدد تعمل في التخطيط والتنفيذ، فضلاً عن «الخلايا النائمة» المستوحاة من تنظيم «القاعدة» وهي تكون دائماً في فترة الإعداد تعمل وتدرس وتحضر، لحين القيام بعمليات إرهابية.
- «ذئاب الدواعش»
«الذئاب المنفردة» هو تعبير يقصد به تحول شخص أو اثنين أو ثلاثة على الأكثر إلى مقاتلين يقومون باستخدام المتاح لديهم من أسلحة أو عتاد، دون وجود أي رابطة عضوية أو تنظيمية يمكن تتبعها، من خطوط عامة أو مناشدات من التنظيم لأعضائه أو أنصاره باستهداف دولة أو رعاياها بالقتل، كما حدث في استهداف المطارات والمساجد والأسواق والمقاهي والتجمعات.
المراقبون قالوا أيضاً إن «الذئاب المنفردة» هم أشخاص يقومون بهجمات بشكل منفرد دون أن تربطهم علاقة واضحة بتنظيم ما؛ لكنهم ينفذون هجمات مسلحة بدوافع عقائدية، سواء أكانت هذه العمليات بالأسلحة المتطورة، أو بالطرق البدائية مثل سكين المطبخ أو العصا أو حتى الدهس بالسيارات والشاحنات.
وقال اللواء قشقوش، يتم جذب وتجنيد عناصر «الذئاب المنفردة» من خلال شبكة الإنترنت، كما يتم من خلال الإنترنت التعرف على استراتيجيات التنظيم والأهداف التي يضعها بهدف شن هجمات إرهابية، ويكمل توفر وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت مهمة تدريب أفراد «الذئاب المنفردة» من خلال توفير الإرشادات اللازمة لصناعة القنابل الناسفة، واستخدام السلاح، وغيره من التدريبات العسكرية التي تحول هؤلاء الأشخاص لمنفذين ماهرين.
- رسالة العدناني
يشار إلى أن الناطق باسم تنظيم «داعش» أبو محمد العدناني دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم إلى قتل رعايا الدول في أي مكان، باستخدام أي سلاح متاح دون العودة إلى قيادة «داعش» أو حتى الانضمام إليه تنظيميا.
وأضاف عمرو عبد المنعم: «نجد أن هذه العمليات التي يقوم بها تنظيم داعش لها تأثير إعلامي كبير، والتخطيط لها يعتمد على آليات بسيطة جداً، وهو يستخدم حالياً النساء والأطفال وكبار السن، ويستخدم الوسائل غير التقليدية».
لافتاً إلى أن «داعش» ينحصر ولا يموت، وهذه لعبة سياسية تستخدمها القوى الكبرى، التي تستطيع أن تقضي على التنظيم بسهولة؛ لكن تُبقى التنظيم في أماكن بسوريا والعراق وليبيا، ليكون فزاعة للعالم العربي وبعض القوى الأخرى.
موضحاً أنه لا بد أن نقرأ انحسارات «داعش» وتمدده في إطار الآليات الفكرية لهذا التنظيم، ولا نقرأها من المنظور العسكري البحت... وحالياً موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» ضرب الكثير من الحسابات التابعة لـ«داعش»، وأيضاً على «فيسبوك»، و«تليغرام» هناك مشروعات لضرب حسابات «داعش» وبدأ ينحسر في بعض المناطق، وبالتالي كل هذا سوف ينعكس على الأرض.
- تجنيد إلكتروني
حذر الخبراء في هذا الصدد أيضاً من أن «داعش» عقب هزائمه على الأرض بات يسعى لإقامة «خلافة افتراضية» في الفضاء الإلكتروني يواصل من خلالها التواصل مع أنصاره وتجنيد الناشطين.
وقال صلاح الدين حسن، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «تركيز داعش على تبني الهجمات في الدول أخيراً تتماشى مع تكثيف وتيرة الهجمات من قبل المتعاطفين معه». لافتاً إلى أنه يلجأ إلى استخدام مواقع التواصل الاجتماعي «تويتر»، و«فيسبوك»، و«إنستغرام»، و«تليغرام» لتدبير الهجمات الإرهابية، وتنسيق الأعمال والمهام لكل عنصر إرهابي بلغة مفهومة لهم، وغالباً تكون عبارة عن رموز لها دلالات معينة، مضيفاً: أن عناصره يلجأون إلى حصول المعلومات للمنشآت التي يسعون إلى استهدافها من خلال شبكة الإنترنت، حيث إن 80 في المائة من مخزونهم المعلوماتي يعتمد في الأساس على مواقع إلكترونية متاحة للكل، دون خرق لأي قوانين أو بروتوكولات الشبكة.
في غضون ذلك، حذرت تقارير عالمية من أن استراتيجية «النكاية والإنهاك»، التي وردت في كتاب «إدارة التوحش»، المرجع الأهم للتنظيم الإرهابي، تسبب خسائر فادحة للدول التي تتعرض لها، خاصة مع صعوبة تحديد هوية العناصر المقاتلة، وأماكن اختفائهم والأماكن المستهدفة بالعمليات الإرهابية، وهو ما يسبب وقوع الكثير من العمليات الإرهابية التي تهز كيان الدول وتضرب استقرارها وتهدد مواردها الاقتصادية، وتدفع الاستثمارات الأجنبية والسياحة إلى الهرب خوفاً من التعرض لتلك العمليات. وأكد الخبراء، أن لجوء «داعش» إلى هذه الاستراتيجية يهدف إلى تشتيت جهود مكافحته والقضاء عليه، حيث تعتمد تلك الاستراتيجية على توسيع ساحة الصراع وفتح بؤر جديدة، وتحويل أنظار التحالفات الدولية الموجه ضده إلى أماكن مختلفة من العالم.


مقالات ذات صلة

عملية للمخابرات التركية في القامشلي... وتدخل أميركي لوقف نار في منبج

المشرق العربي فصائل الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا تدخل منبج (إعلام تركي)

عملية للمخابرات التركية في القامشلي... وتدخل أميركي لوقف نار في منبج

يبحث وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في تركيا الجمعة التطورات في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي مواطنون من عفرين نزحوا مرة أخرى من قرى تل رفعت ومخيمات الشهباء إلى مراكز إيواء في بلدة الطبقة التابعة لمحافظة الرقة (الشرق الأوسط)

ممثلة «مسد» في واشنطن: «هيئة تحرير الشام» «مختلفة» ولا تخضع لإملاءات تركيا

تقول سنام محمد، ممثلة مكتب مجلس سوريا الديمقراطي في واشنطن، بصفتنا أكراداً كنا أساسيين في سقوط نظام الأسد، لكن مرحلة ما بعد الأسد تطرح أسئلة.

إيلي يوسف (واشنطن)
المشرق العربي مقاتلون من المعارضة في حمص يتجمعون بعد أن أبلغت قيادة الجيش السوري الضباط يوم الأحد أن حكم بشار الأسد انتهى (رويترز)

«داعش» يعدم 54 عنصراً من القوات السورية أثناء فرارهم

أعدم تنظيم «داعش» 54 عنصراً من القوات الحكومية في أثناء فرارهم في بادية حمص وسط سوريا، تزامناً مع سقوط الرئيس بشار الأسد.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي عنصر من المعارضة السورية المسلحة في حمص يحتفل بدخول العاصمة دمشق (إ.ب.أ)

الأردن ومخاوف من خلط أوراق المنطقة والخشية من فوضى سوريا

يبدي أمنيون أردنيون مخاوفهم من عودة الفوضى لمناطق سورية بعد الخروج المفاجئ للأسد إلى موسكو، وان احتمالات الفوضى ربما تكون واردة جراء التنازع المحتمل على السلطة.

محمد خير الرواشدة (عمّان)
المشرق العربي تمثل سوريا في حقبة ما بعد سقوط الأسد فرصة لتنظيم «داعش» (أ.ف.ب)

«داعش» سيسعى لاستغلال حالة الفوضى في سوريا

تمثل سوريا في حقبة ما بعد سقوط الرئيس السوري بشار الأسد فرصة لمسلحي تنظيم «داعش» المتطرف الذين قد يحاولون استغلال أي حالة من الفوضى.

«الشرق الأوسط» (باريس)

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.