«غبار» الاحتجاجات العراقية يغطي على عمليات العدّ اليدوي

TT

«غبار» الاحتجاجات العراقية يغطي على عمليات العدّ اليدوي

على امتداد الأسابيع الثلاثة الماضية، غطى «غبار» الاحتجاجات العراقية ضد الفساد ونقص الخدمات على أخبار عمليات العد والفرز اليدوي لصناديق الانتخابات العراقية المطعون بها، التي يشرف عليها 9 قضاة منتدبين، بعد أن قرر مجلس النواب الماضي تجميد عمل مجلس المفوضين، استناداً إلى أحد بنود قانون الانتخابات المعدل الذي أقره البرلمان في نهاية دورته المنتهية في مايو (أيار) الماضي.
وعلى الرغم من تراجع الاهتمام الإعلامي بملف الانتخابات ونتائجها، إلا أن مجلس القضاة واصل عمله، وانتهى من استكمال أغلب الصناديق المطعون بها في 17 محافظة عراقية، عدا بغداد التي ابتدأ بصناديقها في قضاء الكرخ قبل يومين. وألزم التعديل الثالث الذي أقره مجلس النواب السابق في يونيو (حزيران) الماضي، مجلس القضاة المنتدب، بإعادة عمليات العد والفرز لصناديق الاقتراع بطريقة يدوية بعد إجرائها بطريقة العد الإلكتروني، وأحدثت نتائجها المعلنة جدلاً واسعاً لاتهامها بعدم الدقة والتزوير.
وتوقعت مصادر «المفوضية» أن يكون انتهى فرز صناديق الكرخ مساء أمس، لتبدأ مباشرة اليوم بصناديق قضاء الرصافة ببغداد التي يتوقع الانتهاء منها في نهاية الأسبوع المقبل.
أما بالنسبة لانتخابات الخارج والطعون المتعلقة بصناديقها، فقد أصدر مجلس القضاة المنتدب أول من أمس، قراراً بإيفاد قاضٍ مع مجموعة موظفين لكل من دول تركيا وإيران والأردن. ويتوقع أن تتم مباشرة صناديقها يدوياً هذا الأسبوع، نظراً لسهولة الحصول على سمة الدخول (الفيزا) من هذه الدول المجاورة للعراق.
من جهة أخرى، أعلن الناطق الرسمي باسم مفوضية الانتخابات القاضي ليث جبر حمزة عن إيعاز مجلس المفوضين من القضاة المنتدبين بتنفيذ توصيات اللجنة الوزارية، التي شكّلها مجلس الوزراء وصادق عليها رئيس المجلس حيدر العبادي في يونيو الماضي. وقال ليث جبر، في بيان أمس، إن «مجلس المفوضين من القضاة المنتدبين قرر تنفيذ مصادقة رئيس مجلس الوزراء على التوصيات المتضمنة اتخاذ الإجراءات القانونية بخصوص عزل مدير عام مكتب صلاح الدين ومدير مكتب انتخابات الأردن ومدير مكتب انتخابات تركيا»، مضيفاً أن «المجلس قرر أيضاً إنهاء تكليف وعزل كل من مدير مكتب انتخابات كركوك ومدير عام مكتب انتخابات الأنبار». ولفت إلى القرار اتخذ «بسبب ارتكابهم مخالفات وتلاعباً وفساداً مالياً بعد مصادقة رئيس مجلس الوزراء على توصياتها وإحالة عدد منهم للقضاء».
وكان رئيس الوزراء أعلن في 5 يونيو الماضي، أن «اللجنة المكلفة من مجلس الوزراء كشفت حالات تزوير ببعض مراكز الاقتراع»، وحمّل مفوضية الانتخابات الموقوفة حالياً عن العمل مسؤولية ذلك.
وعلى الرغم من عدم إعلان مجلس المفوضين القضاة النتائج النهائية لعمليات إعادة العد اليدوي، إلا أن أكثر الأحاديث الصادرة عن جهات قريبة من مفوضية الانتخابات تشير إلى نسب التطابق العالية بين عمليات العد الإلكتروني واليدوي، وهو الأمر الذي يرجح بقاء نتائج الانتخابات وتسلسل الكتل الفائزة فيها على حالها.
وكشف مصدر مقرب لمفوضية الانتخابات لـ«الشرق الأوسط»، أن «النتيجة الأخيرة لعملية العد والفرز في جميع المحطات المطعون بها في محافظة النجف مثلاً، البالغة 420 محطة، كانت متطابقة مع عملية العد الإلكتروني بنسبة 100 في المائة». ويؤكد المصدر، الذي يفضّل عدم الإشارة إلى اسمه، أن «نسبة المطابقة هذه تشمل جميع المحافظات تقريباً، وهذا الأمر يقوي موقف مجلس المفوضين السابق الذي جمد عمله قرار مجلس النواب».
وكشف مجلس المفوضين، في وقت سابق، أنه سيقوم بإعلان النتائج النهائية لمجمل علميات العد الفرز اليدوي بعد الانتهاء من جميع المراكز والمحطات في المحافظات التي وردت بشأنها شكاوى وطعون، إضافة إلى الانتهاء من المراكز والمحطات لانتخابات العراقيين في الخارج.
وكان تحالف «سائرون»، المؤلف من «الصدريين» والشيوعيين، ويدعمه مقتدى الصدر، أحرز المركز الأول برصيد 54 مقعداً نيابياً في الانتخابات العامة التي جرت في 12 مايو (أيار) الماضي، ثم تلاه تحالف «الفتح» «الحشدي» بزعامة هادي العامري بـ48 مقعداً، ثم تحالف «النصر» الذي يرأسه العبادي بـ43 مقعداً.
يُشار إلى أن البرلمان العراقي الجديد كان يفترض أن يلتئم مطلع يوليو (تموز) الحالي بعد المصادقة على نتائج الانتخابات التي جرت في مايو الماضي، لكن عمليات الطعن في نتائجها وقرار إعادة العد اليدوي منع انعقاده. ويتوقع مطلعون أن ينعقد البرلمان في دورته الجديدة مطلع سبتمبر (أيلول) المقبل، بعد الانتهاء من عمليات العد اليدوي وانتهاء فترة الطعون الجديدة وصولاً إلى مصادقة المحكمة الاتحادية النهائية على نتائج الانتخابات.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.