«الشرعية» تمنع الميليشيات من توظيف أموال «هيئة الأدوية»

يمنية مع أطفالها المرضى بمستشفى في صنعاء (أ.ف.ب)
يمنية مع أطفالها المرضى بمستشفى في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

«الشرعية» تمنع الميليشيات من توظيف أموال «هيئة الأدوية»

يمنية مع أطفالها المرضى بمستشفى في صنعاء (أ.ف.ب)
يمنية مع أطفالها المرضى بمستشفى في صنعاء (أ.ف.ب)

وجَّهَت الحكومة اليمنية ضربة جديدة للميليشيات الحوثية على صعيد مساعيها لتجفيف الموارد المالية التي تصب في خزينة الجماعة، وتسهِم في تمويل مجهودها الحربي، بعدما قررت أخيراً الموافقة على نقل مقر الهيئة العليا للأدوية والمستلزمات الطبية من صنعاء إلى العاصمة المؤقتة عدن.
ومن شأن هذا القرار، أن يؤدِّي إلى خسارة الجماعة الحوثية ملايين الدولارات التي كانت تحصل عليها جراء إصدار التصاريح لشركات تصنيع الأدوية المحلية ومنح تراخيص استيراد كل الأصناف الدوائية الأخرى، فضلا عن تحكمها بسوق الأدوية وتسخير سيطرتها على الهيئة في صنعاء لخدمة مجهودها الحربي، والضغط على مصنعي الأدوية ومستورديها من أجل التبرُّع للجماعة بالمال والدواء.
وكانت الجماعة الحوثية، عيَّنَت قبل أسابيع القيادي طه المتوكل في منصب وزير الصحة في حكومتها الانقلابية، وهو من أشد غلاتها المعممين، في سياق مساعيها، لإحكام السيطرة على سوق الدواء، وتمكين أتباعها من تأسيس شركات التصنيع المحلية والهيمنة على توكيلات استيراد الأدوية من الخارج، فضلاً عن مساعيها للاستيلاء على الدعم الصحي والمعونات الطبية المقدَّمة من المنظمات الدولية.
إلى ذلك عينت الجماعة القيادي محمد يحيى المداني، وهو أحد أتباعها المنتمين إلى سلالة زعيمها عبد الملك الحوثي، على رأس الهيئة العليا للأدوية والمستلزمات الطبية الخاضعة لها في صنعاء، وهو ما أتاح لها التحكم في سوق الدواء فضلاً عن تمكينها من تسيير أكثر من قافلة دوائية لصالح ميليشياتها في جبهات القتال.
وذكرت مصادر طبية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن المداني فرض على مستوردي الأدوية دفع مبالغ غير قانونية تصل إلى 30 ألف دولار، مقابل الموافقة على اعتماد وتسجيل الصنف الدوائي الواحد والسماح باستيراده، كما قدم تسهيلات لقيادات في الجماعة لتأسيس شركات مشبوهة لاستيراد الدواء.
وأكد صيدلانيون في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن ممارسات الجماعة الحوثية أدَّت إلى اختفاء أصناف من الأدوية الضرورية التي كانت تستورد من بعض الدول الخليجية واعتماد أدوية بديلة مشكوك في جودتها يتم استيرادها عبر الشركات الحوثية الجديدة.
ورجح الصيدلانيون أن كثيراً من الأصناف التجارية الجديدة التي ظهرت في السوق هي إيرانية المنشأ، رغم البيانات المدوَّنة التي تشير إلى أنها سورية التصنيع، مؤكدين أن الطفرة المفاجئة في استيراد الأدوية السورية، تضع أكثر من علامة استفهام، خصوصاً أن ظروف الحرب في سوريا قضَتْ على أغلب الأنشطة الصناعية بما فيها الصناعات الدوائية.
وكان مجلس الوزراء اليمني، وافق أول من أمس (الأربعاء)، في اجتماعه بالعاصمة المؤقتة عدن على مشروع قرار نقل الهيئة العليا للأدوية والمستلزمات الطبية إلى عدن، المقدم من وزارة الصحة العامة والسكان.
ويأتي القرار الحكومي بنقل مقر هيئة الأدوية، عقب قرارات أخرى، كانت الحكومة اتخذتها لتجفيف موارد الميليشيات، ومنها تأسيس شركة اتصالات جديدة في عدن، ووقف استيراد التبغ لصالح الشركة الوطنية للتبغ والكبريت، التي تسيطر عليها الجماعة في صنعاء، وتجني من ورائها ملايين الدولارات.
وكانت الميليشيات الحوثية فرضت، في الأشهر الماضية، زيادات كبيرة في أسعار الأدوية شملت أكثر من ألف صنف، كما قامت بعقد أكثر من اجتماع مع مصنعي الدواء ومستورديه في صنعاء لأجل جباية إتاوات منهم، وجمع التبرعات العينية، ولإحكام سيطرتها على سوق الدواء بشكل عام.
يُشار إلى أن سيطرة الجماعة على القطاع الصحي والمستشفيات الحكومية والمراكز الطبية في صنعاء، وبقية المحافظات، أدت إلى تدمير ممنهج لهذا القطاع نجم عنه تردي الخدمات الصحية في أكثر من 50 في المائة من المرافق الحكومية، في الوقت الذي نجحت فيه الميليشيات، في تسخير أغلب الدعم الدولي للعناية بجرحاها في الجبهات، إضافة إلى بيع جزء كبير منه في السوق السوداء، لمصلحة كبار قادتها.
ومن المرتقَب أن تبدأ الحكومة الشرعية في عدن في تنفيذ قرار نقل الهيئة العليا للأدوية على الفور، وهو ما يعني أن قرار استيراد أصناف الدواء والإشراف عليه ومنح التراخيص لتصنيعه محلياً أصبح في يدها وحدها، بعيداً عن قبضة الجماعة الحوثية في صنعاء.
ورغم إيجابية هذا القرار الحكومي في تحجيم الجماعة الحوثية، فإن مصادر عاملة في سوق الأدوية عبرت لـ«الشرق الأوسط» عن مخاوفها من تمسك الميليشيات بنسختها الخاصة من هيئة الأدوية في صنعاء وبقية مناطق سيطرتها، وهو ما يعني خضوع الأدوية المستوردة لإجراءات مزدوجة ورسوم وضرائب مكررة في عدن من قبل الشرعية وفي صنعاء من قبل الحوثيين.


مقالات ذات صلة

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

العالم العربي مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

لجأت الجماعة الحوثية إلى مواجهة مخاوفها من مصير نظام الأسد في سوريا بأعمال اختطاف وتصعيد لعمليات استقطاب وتطييف واسعة وحشد مقاتلين

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح خلال الاجتماع (سبأ)

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

دعا عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح إلى ما أسماه «وحدة المعركة»، والجاهزية الكاملة والاستعداد لتحرير العاصمة اليمنية صنعاء من قبضة الميليشيات الحوثية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي جانب من اجتماع سابق في عمّان بين ممثلي الحكومة اليمنية والحوثيين خاص بملف الأسرى والمحتجزين (مكتب المبعوث الأممي)

واشنطن تفرض عقوبات على عبد القادر المرتضى واللجنة الحوثية لشؤون السجناء

تعهَّدت واشنطن بمواصلة تعزيز جهود مساءلة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في اليمن، بمَن فيهم «مسؤولو الحوثيين».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي من عرض عسكري ألزم الحوثيون طلبة جامعيين على المشاركة فيه (إعلام حوثي)

حملة حوثية لتطييف التعليم في الجامعات الخاصة

بدأت الجماعة الحوثية فرض نفوذها العقائدي على التعليم الجامعي الخاص بإلزامه بمقررات طائفية، وإجبار أكاديمييه على المشاركة في فعاليات مذهبية، وتجنيد طلابه للتجسس.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني (سبأ)

​وزير الإعلام اليمني: الأيام المقبلة مليئة بالمفاجآت

عقب التطورات السورية يرى وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة تحمل الأمل والحرية

عبد الهادي حبتور (الرياض)

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.