تحرّكات شعبية مرشّحة للانفجار في لبنان بوجه حكومة غير موجودة

مظاهرات ضد تكميم الرأي وسط بيروت الأربعاء الماضي (إ.ب.أ)
مظاهرات ضد تكميم الرأي وسط بيروت الأربعاء الماضي (إ.ب.أ)
TT

تحرّكات شعبية مرشّحة للانفجار في لبنان بوجه حكومة غير موجودة

مظاهرات ضد تكميم الرأي وسط بيروت الأربعاء الماضي (إ.ب.أ)
مظاهرات ضد تكميم الرأي وسط بيروت الأربعاء الماضي (إ.ب.أ)

قبل أن يتمكّن الرئيس المكلّف سعد الحريري من حلّ العقد السياسية المتصلة بالحصص والحقائب والأحجام، التي تعرقل عملية تأليف حكومته العتيدة، بدأت الاحتجاجات النقابية والشعبية تهدد بتفجير الحكومة قبل ولادتها، وتلقي كرة النار في أحضان السلطة العاجزة عن تلبية مطالب حياتية واجتماعية ومالية تفاقم الأزمات الداخلية، وتهدد بشلّ البلاد في قطاعات الصحّة والتعليم والنقل والمصارف وغيرها، فيما حكومة تصريف الأعمال الممزقة أصلاً بصراعات مكوناتها، غير قادرة على إيجاد حلول للملفات المعقدة.
وشهدت الأيام القليلة الماضية مجموعة من الاحتجاجات النقابية التحذيرية، الممهدة لتحرّكات أوسع تنذر بشلّ البلاد، بدءاً من قطاع النقل البرّي الذي أقفل يوم الأربعاء الماضي الطرقات في معظم المناطق اللبنانية، ولوّح بإضراب عام الأربعاء المقبل، ما لم يسارع المسؤولون إلى تلبية مطالبه، وأكد رئيس اتحاد نقابات النقل البري في لبنان بسام طليس، أن إضراب الأربعاء الماضي «مثّل اعتراضا على كلّ الوعود التي قطعها المسؤولون من رئيسي الجمهورية والحكومة إلى وزيري الداخلية والنقل». وشدد في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، على أن نقابات النقل البري «لن توقف تحركها قبل أن تعالج الحكومة والوزارات المعنية مجموعة من القضايا الملحّة، أبرزها تنظيم قطاع النقل في لبنان، ووقف كلّ اللوحات الحمراء (العمومية) المزورة التي تعمل بطريقة غير شرعية، ومنع اليد العاملة غير اللبنانية من منافسة السائق اللبناني». ودعا طليس إلى «وقف تسجيل الباصات والصهاريج بلوحات خصوصية، فيما هي تعمل بقطاع النقل العام، بالإضافة إلى معالجة ملف معاينة الميكانيك». وطالب بـ«إعادة المعاينة الميكانيكية إلى الدولة، وفتح مراكز معاينة في كلّ المناطق اللبنانية وفق مناقصات شفافة، بعيداً عن الصفقات المشبوهة، وعدم زيادة رسم المعاينة على المواطنين».
الإضرابات الآخذة بالتصاعد، انسحبت على موظفي المستشفيات الحكومية، الذين يتهمون الحكومة بأنها لم تنصفهم في قانون سلسلة الرتب والرواتب، الذي رفع رواتب موظفي القطاع العام. ويتسبب إضراب هؤلاء الموظفين، بشلّ القطاع الصحي العام، وإلى وقف العمل بأقسام الطوارئ، والامتناع عن استقبال الحالات المرضية باستثناء غسيل الكلى والعلاج بالأشعة، والأمور الملحّة مثل حوادث السير. وأفاد أحد العاملين في المستشفيات الحكومية، أن «السياسة المعتمدة، تأخذ القطاع الطبي الحكومي نحو الدمار». وأوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن «الإهمال لا يقتصر على أوضاع الموظفين وتجاهل حقوقهم، بل على الصروح الطبية»، مشيراً إلى أن «مستشفى رفيق الحريري الحكومي الجامعي في بيروت، الذي كان متفوقاً على أهم مستشفيات بيروت، هجره معظم الأطباء البارعين، ويكاد يتحوّل إلى هيكل تنعدم فيه كلّ وسائل العلاج، وهذا ما ينطبق على مراكز طبية أخرى، في وقت تذهب معظم موازنة وزارة الصحة إلى المستشفيات الخاصة».
أما في قطاع التعليم، فالإضرابات لا تنقطع أبداً، وهذه المرّة شملت أساتذة الجامعة اللبنانية، الذين يلوحون بالعودة إليها في مستهلّ العام الجديد الخريف المقبل، الذين يطالبون بإعادة التوازن إلى رواتبهم التي تآكلت بسبب التضخم الذي أنتجته سلة الضرائب الجديدة التي أقرها المجلس النيابي، وعدم تصحيح رواتبهم أسوة بإعطاء ثلاث درجات للقضاة، ما أدى إلى خلل فادح في سلسلة رواتبهم بالمقارنة مع سلاسل القطاعات الأخرى. فيما تزداد أزمة أساتذة التعليم الخاص صعوبة، لعدم تسلمهم زيادات سلسلة الرواتب التي تقاضاها زملاؤهم في التعليم الرسمي. وأشار نقيب المعلمين في المدارس الخاصة رودولف عبود لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «النقابة اختارت التحرّك القضائي ضدّ اتحاد المؤسسات التربوية، الممتنعة عن إعطاء الأساتذة حقوقهم، وفق قانون الرتب والرواتب». وأكد أن «العودة إلى الإضرابات واردة، وهذا ما ستحدده النقابة في مستهلّ السنة الدراسية». ودعا السلطة السياسية الممثلة بوزارة التربية إلى «احترام القانون (الرتب والرواتب) الذي وضعته، وإلزام المؤسسات التعليمية بإيصال المعلمين إلى حقوقهم كاملة».
وتتهيّب السلطة السياسية هذه التحركات، التي قد تتحول إلى كرة ثلج متدحرجة، وأوضح مصدر وزاري لـ«الشرق الأوسط»، أن «التحركات محقة وتحتاج إلى معالجات سريعة، ولكن هل هناك سلطة أو حكومة لتباشر بالمعالجات؟». ورأى أن «كل شيء رهن بتشكيل الحكومة التي يصرّ البعض على عرقلتها»، متخوفاً من سيناريو مزدوج طرفه الأول تعطيل ولادة الحكومة، والثاني طرح كل المطالب الشعبية دفعة واحدة، وكأن المقصود زعزعة الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، وتوتير الأجواء على أبواب موسم الاصطياف».
ولا تقتصر الحركات الاحتجاجية على القطاع العام، بل شملت اتحاد نقابات موظفي المصارف اللبنانية، الذين طالبوا بتعديل عقد العمل الجماعي الذي يقولون إن جمعية المصارف تتجاهله منذ فترة، وهم يلوحون خطوات تصعيدية قد تشمل العصب الأساسي للمصارف، وأعلن مندوبو المصارف في غرفة المقاصة في مصرف لبنان تضامنهم مع زملائهم والانضمام إلى تحركاتهم الاحتجاجية، فيما يُحرم مئات الفائزين بمباراة مجلس الخدمة المدنية لشغل وظائف عامة، من الالتحاق بوظائفهم بذريعة غياب التوازن الطائفي، الأمر الذي يزيد من معاناة هؤلاء المادية والاجتماعية، ومعاناة الإدارات التي تحتاج للموظفين بسبب النقص الهائل في عددها.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.