جاء ذوبان الجليد المفاجئ بين الجارين اللدودين إريتريا وإثيوبيا ليفتح المجال واسعا للتكهن بالاحتمالات القائمة أمام مواطني الدولتين.
ومن ضمن الاحتمالات تأسيس علاقات اقتصادية ودبلوماسية وإنشاء شبكات طرق واتصالات، ليضع بذلك نهاية لأحد أكثر قصص العداوة مرارة بين الدول الأفريقية.
لكن السلام الوليد جاء ليثير الكثير من الأسئلة الجديدة بشأن الإريتريين في المهجر الذين تقدر أعدادهم بعشرات الآلاف، منتشرين بشكل أساسي في إسرائيل وألمانيا وأميركا، وإثيوبيا، وقد تخلصوا من قبضة حكومتهم الحديدية وما تمليه عليهم قوانينها من تجنيد إجباري قسري، ناهيك بالفقر المدقع.
وحسب تقرير نشرته وكالة أسوشييتدبرس أمس، فإن الإريتريين في المهجر يرقبون بحذر بالغ الهدنة الجديدة وما تمثله لمستقبل بلادهم، وما تمنحه من فرص للعودة. وفي السياق ذاته، قال سلام ويتلدو (29 عاما) مقيم في إسرائيل لـ«أسوشييتد برس»: «أريد أن أعود إلى بلادي. أنا لاجئ في كل مكان أذهب إليه. لكن بلادي هي وطني الذي أشعر فيه بأنني في بيتي. ولذلك أتمنى أن ننعم بالسلام».
حصلت إريتريا الصغيرة ذات الخمسة ملايين نسمة على الاستقلال من إثيوبيا عام 1993 بعد سنوات من حرب خاضها المتمردون. ويحكمها منذ ذلك الحين الرئيس أسياس أفورقي، لتصبح بعد ذلك أحد أكثر شعوب العالم انعزالا. وتسببت الحرب الدائرة مع إثيوبيا في جعل إريتريا المطلة على البحر الأحمر في حالة استعداد دائم للحرب. وكان من تداعيات ذلك الوضع فرض نظام التجنيد الإلزامي الذي جلب لها انتقادات عنيفة من الجماعات الحقوقية، ودفع الآلاف للهجرة إلى أوروبا وإسرائيل وإلى غيرها من الدول الأفريقية.
ودخلت دولتا القرن الأفريقي في حرب دامية ما بين عامي 1998 و2000 حصدت أرواح عشرات الآلاف وفرقت شمل عائلات لا حصر لها. لكن الشهر الماضي، بدا وكأن تلك العداوة قد أخذت في التلاشي فجأة بعد إعلان رئيس الوزراء الإثيوبي الإصلاحي آبي أحمد أن إثيوبيا قد قبلت بالكامل اتفاق السلام الذي وقع بين الدولتين الجارتين عام 2000 المفترض أن تعيد إثيوبيا بمقتضاه الأرض المتنازع عليها إلى إريتريا. وبدا مع هذا الإعلان وكأن العداوة بين الشعبين قد تلاشت فجأة. وقام رئيسا الدولتين بتبادل الزيارات وسط استقبال حافل، واستردت العلاقات الدبلوماسية وغيرها من الروابط عافيتها، وواصلت خطوط الطيران الإثيوبية رحلاتها إلى إريتريا الأسبوع الحالي.
وتعتبر الخطوة التي أقدم عليها رئيس الوزراء الإثيوبي آبي هي التغيير الأجرأ حتى الآن بعد أن بدأت البلاد تنعم ببعض الهدوء إثر توقف المظاهرات المناوئة للحكومة والمطالبة بالمزيد من الحرية في ثاني أكبر الدول الأفريقية عددا للسكان (أكثر من 100 مليون نسمة). والآن اتجهت العيون إلى إريتريا لترى كيف سيجعلها السلام ترخي قبضتها على مواطنيها ويجعلها تتراجع عن موقفها الدفاعي.
في هذا السياق، قال الرئيس الإريتري الأسبوع الحالي بعد أن بلغ من العمر 72 عاما خلال زيارته لإثيوبيا والتي تعد الأولى بعد قطيعة دامت 22 عاما وجد خلالها ترحابا كبيرا وهتافات باسمة: «لم يعد هناك كراهية ولا تمييز عنصري ولا مؤامرة». ورغم انقسام الإريتريين في المهجر ما بين مؤيد للحكومة ومنتقد لها، فإن الكثير من الإريتريين في الخارج يتشككون في إمكانية حدوث تغيير حقيقي.
وفي هذا الصدد، قال بلاتسواسو، إريتري يعيش في تل أبيب منذ عام 2010 وعضو «الاتحاد الإريتري للعدالة» الذي يضم عددا من الإريتريين الساعين للارتقاء بالديمقراطية في بلادهم: «أعتقد أن ذلك لن يجلب الحل للبلاد طالما استمر آلاف السجناء قابعين في السجون وطالما استمرت البلاد من دون دستور ومن دون سلام داخلي». وقد أصبحت إسرائيل الوجهة الأولى للإريتريين الفارين حيث بلغ عددهم 26 ألف إريتري يسكن غالبتهم الأحياء الفقيرة بجنوب تل أبيب ويعملون في الأعمال الدنيا في المطاعم والفنادق.
ورغم أن الكثيرين يزعمون أن حياتهم في إسرائيل أفضل منها في إريتريا، إنهم لم يتلقوا معاملة حسنة بعد وصولهم إلى وطنهم الجديد الذي يعاني الأمرين في استيعاب تدفق المهاجرين من إريتريا ودول أفريقية أخرى خاصة في القرن الأفريقي.
فإسرائيل ترى المهاجرين باعتبارهم باحثين عن فرص عمل يهددون هوية الدولة اليهودية. وللحد من أعداد المهاجرين المتزايدة، لجأت السلطات الإسرائيلية لاعتقالهم وإرسالهم إلى دول ثالثة. وتقول الجماعات الحقوقية إن إسرائيل قد تستغل المصالحة بين إريتريا وإثيوبيا كسبب لتشجيع المهاجرين على الرحيل.
بالنسبة للاجئين وطالبي اللجوء الارتريين البالغ عددهم 170 ألف الذين يعيشون في إثيوبيا، فإن السلام المرتقب على المدى القصير يعني إمكانية التواصل الهاتفي مع ذويهم في إريتريا. وتعبيرا عن فرحته، قال الإريتري المقيم في إثيوبيا، ألمز ولد جورجي (64 عاما)، «لا أستطيع وصف سعادتي. فقد تحدثت بالفعل مع شقيقتي بمدينة ماسوا الساحلية للمرة الأولى إثر عودة الاتصالات»، مضيفا أنه يتمنى لو أنه تمكن من استصدار جواز سفر ليزور عائلته التي لم يرها منذ 20 عاما.
في ألمانيا، استقر نحو 70 ألف إريتري، غالبيتهم لاجئين توافدوا على البلاد خلال السنوات الخمس الماضية، بحسب «مكتب الهجرة واللاجئين الفيدرالي» الألماني. ويعيش هنتسا أمين مع غيره من الإريتريين في بيوت بنيت مؤقتا للمهاجرين بالقرب من مطار برلين. وقد وصل المواطن الإريتري البالغ من العمر 22 عاما إلى ألمانيا منذ عام ونصف، ورغم مساندته لاتفاق السلام، فلم يغير هذا من خططه لأنه لا يزال لا يشعر بالأمان في بلده الأصلي. واستطرد بقوله: «أريد أن أعيش هنا في ألمانيا». وأفاد محمد لمومبا إبراهيم (61 عاما) الذي يعيش في ألمانيا منذ 45 عاما، بأن اتفاق السلام قد أحيا الأمل مجددا في إمكانية اصطحاب أطفاله لزيارة وطنهم الأصلي. أضاف لمومبا: «أود اصطحاب عائلتي كلها، لكنني أريد التأكد من أن السلام قد حل هناك وأنه لم تعد هناك حرب لكي أصطحب أطفالي ليروا أرض أبيهم».
ويدافع بعض الإريتريين في المهجر عن الحكومة الاريترية بالقول إنها لا يجب أن تتحمل اللوم على كل مشكلات البلاد. وقد عاد أسيبوسو (47 عاما)، الذي وصل إلى الولايات المتحدة في ثمانينات القرن الماضي كلاجئ، إلى بلاده مرتين، الأولى للاحتفال بالعيد العاشر للاستقلال والثانية كانت منذ عامين للاحتفال بالذكرى الخامسة والعشرين للمناسبة ذاتها.
وقد حدد الإريتريون عام 1991 للاحتفال باستقلالهم لأنه العام الذي سيطروا فيه على العاصمة أسمرة. وأفاد أسيبوسو بأنه لا يعتقد أن النظام الحالي سيعارض عودة أي من مواطنيه في المهجر باستثناء من ثبت ارتكابهم لجرائم، مضيفا: «لا أعرف لماذا يشعر البعض بعدم الارتياح للعودة. فالإريتريون ذوو التخصصات العلمية أو الذين تلقوا تعليمهم في دول أخرى يمكن أن يشكلوا موارد عظيمة للبلاد بعد عودتهم».
وبحسب بيانات حديثة وردت من «مكتب الإحصاء الأميركي»، يعيش في الولايات المتحدة حاليا 34 ألف إريتري مولود في إريتريا، وتحتضن كاليفورنيا العدد الأكبر منهم، 6200 إريتري، فيما يعيش 1150 في ولاية مينيسوتا.
وغادر محمد صالح إدريس (49 عاما)، إريتريا في سبعينات القرن الماضي، وقدم إلى الولايات المتحدة عام 1999، ولم يحاول بعدها العودة إلى بلاده الحين خشية تعرضه وعائلته للخطر وعدم تمكنه من مغادرة البلاد. وأفاد بأن «اتفاق السلام جلب بعض التفاؤل، لكن هذا الاتفاق يشوبه انعدام الثقة. ليس هناك ثقة في النظام الحالي مطلقا، والأمل الآن هو أن يجعل اتفاق السلام النظام يكف عما اعتاد فعله». أضاف أن «الخوف من السجن مبرر واقعي، وهذا الخوف يجعل من الصعب على أي منا التفكير في العودة في الوقت الحالي».
ذوبان الجليد مع إثيوبيا ينعش آمال الإريتريين في المهجر
عشرات الآلاف في إسرائيل وأوروبا وأميركا يرون أن انعدام الثقة يقف حائلاً أمام العودة
ذوبان الجليد مع إثيوبيا ينعش آمال الإريتريين في المهجر
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة