تفوقت الهند، من الناحية الاقتصادية، على أربعة اقتصادات كبيرة لتأمين موقعها كسادس أكبر اقتصاد على العالم، متجاوزة فرنسا في قائمة العام الحالي.
وفي العام 2019 المقبل، عندما يتجه رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى الشعب الهندي سعيا للحصول على تفويضه لأجل عودة حزبه إلى السلطة، سوف يُصدر البنك الدولي تقرير أرقام الناتج المحلي الإجمالي لعام 2018 الجاري لكافة دول العالم. وإذا كانت اتجاهات النمو الماضية التي يعكسها التقرير يُمكن أن توضع في الحسبان، فمن شأن البنك الدولي الإعلان أن الهند قد تفوقت على المملكة المتحدة – السيد الاستعماري السابق – وتحتل المركز الخامس على مستوى العالم.
وكان البنك الدولي قد صرح مؤخرا بأنه من المرجح للهند أن تتفوق على المملكة المتحدة، على الصعيد الاقتصادي، بحلول نهاية العام الجاري، إذا ما استمر معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي على منواله الحالي بواقع 7 نقاط مئوية بالإضافة إلى مسار الاقتصاد القومي. وصرح وزير الشؤون الاقتصادية الهندي سوبهاش تشاندرا غارغ أن الاقتصاد الهندي قد بلغ مرحلة الإقلاع ومن المتوقع له أن يحتل المرتبة الثالثة كأكبر اقتصاد على مستوى العالم بحلول عام 2030 مع وصول قيمة الناتج المحلي الإجمالي إلى 10 تريليونات دولار. الأمر الذي يعني أن الهند تسعى لتجاوز مرتبة كل من المملكة المتحدة، واليابان، وألمانيا بحلول عام 2030. لتكون في المرتبة اللاحقة على الولايات المتحدة الأميركية والصين فقط. وكانت الهند قد سجلت في الآونة الأخيرة نموا اقتصاديا ممتازا بواقع 7.7 نقطة مئوية في الربع الأخير من العام المالي 2017 - 2018، ومن المتوقع أن يستمر نموها بمعدل 7 نقاط مئوية خلال العامين القادمين كذلك. ومن شأن الهند أيضا أن تبلغ 8 نقاط مئوية من النمو الاقتصادي بحلول عام 2022، وذلك وفقا لتوقعات البنك الدولي. وعلى النقيض من ذلك، فلقد تراجع الناتج المحلي الإجمالي للمملكة المتحدة إلى 0.1 نقطة مئوية فقط في الربع المالي بين يناير (كانون الثاني) ومارس (آذار) للعام الجاري.
غير أن الحقيقة الراهنة أن مستوى المعيشة للمواطنين الهنود سوف يستغرق عدة عقود حتى يبلغ المستويات المعيشية البريطانية. وفي عام 2017. بلغ نصيب الفرد من الدخل في المملكة المتحدة 42515 دولارا. في حين أن نصيب المواطن الهندي من الدخل يبلغ 1964 دولارا. وبالتالي، قد يستغرق الأمر قرنا من الزمان للشعب الهندي للوصول إلى أقرب نقطة ممكنة مما يتحصل عليه وينفقه المواطن البريطاني العادي.
وتعمل الهند بنظام الاقتصاد المختلط. ويعتمد نصف العمالة في الهند على الزراعة، وهو ما يميز الاقتصاد التقليدي في البلاد. ويعمل ثلث عمالة البلاد في صناعة الخدمات، والتي تمثل ثلثي إنتاج الهند. وصارت إنتاجية هذا القطاع ممكنة إثر التحول الهندي نحو اقتصاد السوق. ومنذ تسعينات القرن الماضي، عملت الهند على تنظيم الكثير من الصناعات المحلية، وخصخصت الكثير من الشركات المملوكة للدولة، وفتحت الأبواب أمام الاستثمار الأجنبي المباشر.
> ما الذي يصب في صالح الهند؟
تشير توقعات البنك الدولي إزاء الهند إلى نمو قوي في الاستهلاك والخدمات الخاصة، فضلا عن الانتعاش في الاستثمارات الخاصة.
وتشيد تقارير البنك الدولي بضريبة السلع والخدمات الهندية المعلن عنها مؤخرا، وقرار إلغاء العمل بالفئات النقدية الكبيرة، ورؤوس الأموال المدمجة حديثا في البنوك الضعيفة المملوكة للدولة، الأمر الذي أدى إلى تخفيف الحصول على الموافقات بالنسبة للشركات، فضلا عن الاستثمار الأجنبي المباشر، وبرنامج «اصنع في الهند» الوطني.
وقال أنيل راي غوبتا، المدير التنفيذي لشركة هافيلز الهندية العملاقة العاملة في مجال الكهرباء، في تقرير إلى شبكة (سي إن بي سي) جاء فيه: «لتحقيق هدف الناتج المحلي الإجمالي بواقع 10 نقاط مئوية، سوف تحتاج الهند إلى نمو قطاع الخدمات بنسبة تقارب 20 في المائة يدعمها نمو بواقع 4 و8 نقاط مئوية في قطاع الزراعة والصناعة في البلاد على التوالي، بالإضافة إلى أن الأسس الاقتصادية الهندية قوية وراسخة بالقدر الكافي الذي يتيح تحقيق ذلك». وتعمل التركيبة السكانية الهندية بشكل جيد لصالح اقتصاد البلاد. وتتوطن شيخوخة العمالة في الكثير من البلدان الغربية والآسيوية بوتيرة سريعة للغاية الأمر الذي يؤدي إلى انكماش واضح في معدلات العمالة القادرة على العمل والإنتاج. في حين أن الهند لا تزال تحقق النمو بوتيرة جيدة على هذا المسار. وقال السيد راي غوبتا إن خصخصة أجزاء من اقتصاد البلاد، مثل صناعة الفحم على سبيل المثال، وشركات النفط وخطوط الطيران المملوكة للدولة، مع تصفية المعونات الاقتصادية الهامشية، قد ساعد على تمويل الإنفاق على مشروعات البنية التحتية، وكلها من العوامل التي عززت معدلات النمو الاقتصادي في البلاد. وكان رئيس الوزراء الهندي قد تعهد في خطابه أمام المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، أوائل العام الجاري، بمضاعفة حجم الاقتصاد الهندي بحلول عام 2025 وصولا إلى 5 تريليونات دولار، وذلك من خلال «القضاء على الروتين الخانق والترحيب بالاستثمارات الخارجية». كما أشاد البنك الدولي بالهند لجهود التحكم في العجز المالي، والتي كانت من بين أبرز نجاحات حكومة ناريندرا مودي حتى الآن. وأسفر هذا النجاح عن بقاء الاقتصاد الهندي في حالة جيدة رغم الحالة الصحية الهشة للمؤسسات والشركات الهندية. وفي الأثناء ذاتها، كافأ المستثمرون الأجانب الهند بما نسبته 17 في المائة من النمو في الاستثمارات المباشرة خلال الشهور الستة الأولى من العام المالي 2018. ويقترب سوق الأسهم الهندية من مستويات تداول قياسية، مما يعيد الثقة في الآفاق الاقتصادية للبلاد. ومع ذلك، تخضع هذه الحسابات لمصفوفة الدولار مقابل الروبية. فإذا ما انخفضت قيمة الروبية الهندية مقابل الدولار كثيرا، فإن الاقتصاد الهندي، من ناحية آثار الدولار الأميركي، سوف يكون صغيرا للغاية.
وقال ديفندرا بانت، كبير خبراء الاقتصاد لدى مؤسسة التصنيفات الهندية (إنديا راتينغز)، إنه من المرجح لبلاده أن تحقق نموا بنسبة 7.5 نقطة مئوية على مدى السنوات العشر المقبلة، إذا لم تواجه البلاد الرياح المعاكسة الكبيرة أو الاضطرابات السياسية الخطيرة.
وبرغم ذلك، ولأجل المحافظة على معدل النمو المذكور، يتعين على الهند التعامل مع قضايا العرض، وإلا فإن معدل النمو الاقتصادي الحقيقي المستدام بنسبة 7.5 نقطة مئوية سوف يزيد من معدلات التضخم ويرفع من حدة الاقتصاد، كما حذر السيد ديفندرا بانت.
تشير البيانات الاقتصادية إلى اقتصاد وطني ينمو بوتيرة سريعة، ولكن النظرة العميقة على الأرقام تخبرنا بقصة مختلفة تماما – وهي قصة النمو الإجمالي الذي لا تنسحب فوائده ومكاسبه على المستويات الأدنى من التسلسل الاقتصادي الوطني. كما تشير الأرقام الحقيقية إلى ضعف الأداء الاقتصادي الهندي على مؤشر التنمية البشرية، وهو المقياس الذي وضعته منظمة الأمم المتحدة ويعتبر المعيار القياسي لنوعية الحياة في مختلف أرجاء العالم. ويرتبط حجم الاقتصاد الهندي بمساحة البلاد جغرافيا، والسكان، والقوى العاملة. ويبلغ تعداد سكان الهند نحو 1.3 مليار نسمة، في حين لا يتجاوز تعداد فرنسا 67 مليون نسمة فقط.
وفي حين أن التعداد السكاني الهندي الهائل يواصل فرض الضغوط الكبيرة على موارد البلاد، لا تزال قضية عدم المساواة في الدخل من القضايا الكبيرة والشائكة كذلك. وخلص مسح أجرته مؤسسة أوكسفام في وقت سابق من العام الجاري إلى أن نسبة (1 في المائة) من أثرياء الهند تملك وحدها 73 في المائة من الثروات المتولدة في البلاد. ومع التوقعات التي تشير إلى تجاوز التعداد السكاني الهندي نظيره الصيني بحلول عام 2024. فمن شأن الساسة الهنود مجابهة التحديات القاسية المتعلقة بمواصلة تحقيق النمو الاقتصادي الهندي مع ضمان النمو الاقتصادي الشامل.
ومن أجل خلق فرص العمل المستدامة، فإن الاستثمارات الخاصة باتت من القضايا اللازمة والضرورية وصارت أشبه بنقطة الضعف القاصمة في الاقتصاد الهندي.
وأشار البنك الدولي في تقريره عن الاقتصاد الهندي إلى تراجع الاستثمارات الخاصة بسبب ارتفاع الديون على الشركات وارتفاع مستويات القروض المتعثرة في البلاد الأمر الذي أدى إلى تراجع ثقة المستثمرين. كما حذر البنك الدولي في تقريره من أن أي نكسة في حل هذه القضايا سوف تؤثر مباشرة على الاستثمارات، وعلى النمو في الأجل المتوسط على أوسع مدى.
وتبلغ الديون الهندية المتعثرة نحو 109 مليارات دولار، وتعتبر الهند من بين أسوأ خمس دول في العالم على هذه القائمة، إذ حازت لنفسها مكانا مميزا بين الاقتصادات المتعثرة الأخرى مثل اليونان، وإيطاليا، وآيرلندا، والبرتغال.
وفي الأثناء ذاتها، قال المستشار الاقتصادي الأسبق للحكومة الهندية أرفيند سوبرامانيان إن تحقيق النمو الاقتصادي المضاعف من التحديات الكبيرة بسبب التدهور الهائل في البيئة الاقتصادية الخارجية. وأصر سوبرامانيان على توقعاته السابقة بتحقيق النمو الاقتصادي بواقع 7 إلى 7.5 نقطة مئوية خلال عامي 2018 - 2019 على نحو ما ورد في المسح الاقتصادي للعام الجاري.
وتواجه الهند في الآونة الراهنة رياحا معاكسة في التجارة الخارجية، مع تراجع الصادرات والواردات على خلفية ارتفاع أسعار النفط.
الهند تقترب من مركز خامس أكبر اقتصاد في العالم
الهند تقترب من مركز خامس أكبر اقتصاد في العالم
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة