في هذا الصيف الخانق، وقبل أيام قليلة من بدء عطلة الرئاسة والحكومة، حيث تفرغ المكاتب من أصحابها، تتجمع الغيوم السوداء فوق قصر الإليزيه منذرة بعواصف سياسية هوجاء. والسبب «فضيحة الدولة» المتمثلة في حالة أحد موظفي القصر الرئاسي الذي كان مولجاً حتى يوم أمس الحراسة المقربة للرئيس إيمانويل ماكرون وعائلته.
قطعاً، لم يكن ماكرون في حاجة إلى هذه الفضيحة. يكفيه ما تداوله الفرنسيون حول طلبه إقامة مسبح خاص في مقر الرئاسة الصيفي المسمى «حصن بريغونسون» المطل على البحر الأبيض المتوسط. وقبلها الجدل الذي أثارته رغبة القصر في تجديد الأواني والأطباق المنزلية من البورسلين بكلفة لا تقل عن نصف مليون يورو، وذلك في زمن شد الأحزمة والتقشف المفروض على الوزارات، في حين الرئيس يتهم بأنه «رئيس الأغنياء» الذين أعفاهم من «ضريبة الثورة» وأزاح عنهم ضريبة الخروج من فرنسا والاستقرار المالي في بلد آخر. ونتيجة ذلك كله، أن صورته تلطخت نوعاً ما وشعبيته تهاوت إلى درجة مقلقة، حيث إن آخر نتائج استطلاعات الرأي التي أجريت لصالح صحيفة «لو فيغارو» اليمينية ونشرت أمس بينت، أن ما نسبته 59 في المائة من الفرنسيين يعارضون سياسة ماكرون في حين هبطت نسبة المؤيدين إلى 39 في المائة. وجدير بالذكر، أن هذا الاستطلاع أجري قبل انفجار الفضيحة الأخيرة. هذه الفضيحة لها اسم ووجه ووظيفة. الاسم هو ألسكندر بنعلا. والوجه: شاب أسمر البشرة رياضي الجسم وخفيف اللحية. لم يبلغ بعد السابعة والعشرين من عمره. وظيفته: ملحق بالقصر الرئاسي ومكلف بالسهر على أمن الرئيس. نراه حيناً إلى جانبه يقود دراجة هوائية. ومرة أخرى متزلجاً معه في جبال البيرينيه، أو لصيقاً به خلال احتكاك ماكرون بالجمهور. هو كظله. له مكتب في القصر ولديه سيارة وظيفية، بل إنه انتقل مؤخراً إلى شقة تابعة للإليزيه مطلة على نهر السين في «كيه برانلي». ألكسندر بنعلا الذي تعرف إلى ماكرون إبان حملة الأخير الرئاسية اكتسب ثقة الرئيس فأصبح سريعاً حارسه الشخصي. ومع فوز ماكرون بالرئاسة، كان من الطبيعي أن يرافقه إلى الإليزيه، حيث عُيّن مساعداً لرئيس مكتب الرئيس مكلفاً أمن ماكرون خلال تنقلاته داخل فرنسا. هذا الشاب أضحى منذ 72 ساعة حديث الصحافة على أنواعها والشغل الشاغل للنواب والوزراء والقصر. والجميع متفق على اعتبار أن هذه الفضيحة هي أقسى تجربة يمر بها عهد ماكرون منذ وصول الأخير إلى الرئاسة في شهر مايو (أيار) من العام الماضي؛ لأنها تصيب سمعة العهد في الصميم. ماكرون أراد «جمهورية نموذجية» لا فساد أو محسوبية فيها.
تعود هذه القصة إلى الأول من مايو، وهو يوم عيد العمال في فرنسا، الذي يترافق مع مسيرات عمالية غالباً ما تكون احتجاجية ومطلبية. وذاك اليوم، كان ألكسندر بنعلا في مهمة «رقابة». 80 يوماً انقضت ولم يسمع أحد اسم بنعلا حتى عمدت صحيفة «لو موند» إلى نشر خبر مرفق بفيديو يظهر فيه بنعلا بثياب مدنية معتمراً خوذة الشرطة وشارة رجالها وهو يهجم على شاباً لينهال عليه ضرباً ورفساً بعد أن ألقاه أرضاً. ولم يكتف بذلك، بل إنه يسحب فتاة من شعرها ويضربها ويقودها لا يظهر بوضوح على شريط الفيديو». كذلك، يحظى بنعلا بمساعدة مدني آخر في حين رجال الشرطة الموجودون في المكان امتنعوا عن التدخل.
الفيديو انتشر كالنار في الهشيم. وتكاثرت الأسئلة: ما صفة بنعلا الرسمية حتى يتدخل هكذا ويهاجم أشخاصا وينهال عليهم ضرباً ورفساً؟ من سمح له بأن يكون من ضمن فريق الشرطة؟ ولماذا لم يعمد المسؤولون إلى الكشف عن هذه الحادثة؟ ومن سعى إلى التعتيم عليها، بل دفنها علماً بأنها حصلت قبل ثمانين يوماً؟
سريعاً جداً، انهالت الانتقادات على الحكومة والقصر. اليمين واليسار تكاتفا لمهاجمة ماكرون حكومته ومن يعتبر نفسه فوق القوانين. جلسة حامية في مجلس النواب وارتباك حكومي. ولم يكف بيان من قصر الإليزيه يؤكد أن بنعلا قد عوقب على فعلته وجمد عمله لأسبوعين من دون راتب، كما أنه نقل إلى وظيفة إدارية داخل القصر. الجميع رأوا أن هذه العقوبة «غير كافية» وطالبوا بإقالته ومحاسبة رؤسائه، بل محاسبة وزير الداخلية الذي هو المسوؤل الأول عن الشرطة والقوى الأمنية وأدائها. كثيرون اعتبروا أن بنعلا يتمتع بحماية ماكرون. وإزاء تفاعل الفضيحة واشتداد الحملة السياسية وتوافر عناصر مادية، عمد القضاء إلى وضع بنعلا في التوقيف الاحتياطي بسبب لجوئه إلى العنف وانتحال صفة رسمية وحمل شارات لا حق له بها والحصول على صور ليس مؤهلاً الحصول عليها... وبموازاة ذلك، أعلن قصر الإليزيه عن البدء في الإجراءات لتسريح بنعلا من عمله، كذلك أوقف الشخص الآخر الذي يظهر على الفيديو. اسمه فانسان كراس وهو رجل درك سابق وعمل مع بنعلا منذ العام الماضي. يضاف إلى ذلك أن مدير مكتب الرئيس ماكرون قد تم استجوابه في حين تشكلت لجنة نيابية للنظر في هذه الفضيحة، وطلب وزير الداخلية تحقيقاً داخلياً يضاف إلى التحقيق العدلي الأولي الذي انطلق.
الأسئلة التي تطرح كثيرة، خصوصاً بعد أن أخذت الصحف والقنوات التلفزيونية والإذاعية تبحث في ماضي هذا الرجل لتجد أن شكوى قد قدمت ضده لاستخدامه العنف ضد امرأة، بل إن أشخاصاً عملوا معه يلقبونه بـ«رامبو» لميله المفرط لاستخدام القوة البدنية. وأخيراً، فإن الانتقادات توجه لوزير الداخلية جيرار كولومب، حيث ذهب سياسيون إلى التشكيك في قدرته على إدارة وزارة رئيسية بحجم هذه الوزارة.
ماكرون يواجه أقسى اختبار بعد فضيحة أحد مساعديه في قصر الإليزيه
ماكرون يواجه أقسى اختبار بعد فضيحة أحد مساعديه في قصر الإليزيه
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة