تجدد النزاع العقاري بين شيعة ومسيحيين في لبنان

المؤسسات الدينية تخشى تحوله إلى صراع سياسي وطائفي

TT

تجدد النزاع العقاري بين شيعة ومسيحيين في لبنان

تجدد النزاع العقاري في بلدة لاسا الواقعة في جرود قضاء جبيل (جبل لبنان) بين سكان البلدة من أبناء الطائفة الشيعية من جهة، وأبرشية البطريركية المارونية، التي تؤكد حصول تعديات على عقاراتها في هذه المنطقة، ودعوتها لإجراء مسح عقاري ينهي النزاع بين الطرفين، فيما لم ينتهِ الخلاف العقاري على الحدود المشتركة لبلدة العاقورة المارونية في منطقة جبيل، وبلدة اليمونة الشيعية في البقاع اللبناني، رغم كل المساعي التي يبذلها نواب المنطقة وفاعليات البلدتين.
ويخشى المعنيون بالمعالجة من تحوّل النزاع العقاري إلى صراع سياسي وطائفي، خصوصاً أن المؤسسات الدينية المارونية والشيعية، تقارب كلّ منها الموضوع من زاوية استهداف وجودها، وتجلّى ذلك في الاجتماع الذي ترأسه النائب البطريركي العام على أبرشية جونيه المطران أنطوان نبيل عنداري، للتداول بقضية ملكية الأبرشية على عقاراتها في منطقة لاسا العقارية، وحضره النواب شامل روكز، روجيه عازار، نعمة افرام، شوقي الدكاش، فريد هيكل الخازن، زياد حواط، مصطفى الحسيني، وطالب المجتمعون وزير المال بـ«تسطير مذكرة للمراجع واللجان المختصة لمتابعة عملية المسح النهائي للمنطقة، وإنهاء هذا الخلاف العقاري المزمن لوضعه أصولاً بيد القضاء العقاري، ووقف التعديات على العقارات الخاصة بها».
وعزا النائب فارس سعيد هذا الخلاف إلى «وجود قناعة عند الطرف الآخر (الشيعي)، بأن كل أعمال المساحة والتحديد والأحكام العقارية التي حصلت خلال فترة الانتداب الفرنسي، أمّنت أرجحية للمسيحيين آنذاك، وبالتالي يحاولون تغييرها الآن». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «يأتي الفريق الشيعي في المنطقة، ليقول إن هذه الأحكام مجحفة، واليوم تبدلت موازين القوى، وعلينا أن نعيد النظر بالمساحات والأحكام العقارية».
ورأى سعيد أن «هناك ثلاثةَ أنواع من التعديات التي يمارسها الفريق الشيعي في جبيل؛ الأولى أنهم يزرعون في أرض الكنيسة، والثاني يبنون المنازل فيها، والثالث يدفنون الأموات في أرضها»، معتبراً أن الأمر «يحتاج إلى قرار سياسي من الحكومة، وإجراء عملية مسح جديدة في المنطقة المتنازع عليها لحلّ كلّ هذه الإشكالات»، مشيراً إلى «وجود مشكلة حقيقية تتمثل بوضع اليد على جرود العاقورة ومنطقة لاسا وحجولا، لإعادة النظر بالنظام العقاري ككل».
واللافت أن اجتماع الأبرشية المارونية، قابله اجتماع آخر في النادي الحسيني لبلدة لاسا، دعت إليه لجنة الأوقاف الشيعية في البلدة، وحضره ممثل المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى ومشايخ جبيل وكسروان، الذين اعتبروا أن «القضية تظهر وجود خطة ممنهجة ومقدمة للتهجير القسري لأهلنا من المنطقة». وأعلنوا أن «وفداً من المجتمعين سيزور رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان، لوضعه في أجواء الاجتماع وأخذ توجيهاته».
ويحاول السياسيون التخفيف من وطأة الاحتقان القائم بين الطرفين، وتبريد الأجواء على الأرض، واعتبر عضو كتلة نواب بعلبك الهرمل النائب إيهاب حمادة، أن «الخلاف القائم سواء في بلدة لاسا، أو على حدود اليمونة العاقورة، هو خلاف عقاري تاريخي، يحاول البعض أخذه إلى مكان آخر». وكشف لـ«الشرق الأوسط»، عن «تشكيل لجان من الأهالي والفاعليات لتهدئة الأمور كي لا تذهب نحو تطور سلبي. حصلت اجتماعات مع بلدية العاقورة والنائب سيمون أبي رميا ورئيس بلدية العاقورة، للتوصل إلى تصوّر مشترك»، مشيراً إلى أن «الخلاف هو حول الحكم الذي أصدره قاضٍ من العاقورة لصالح بلدته، في مرحلة تاريخية كانت السطوة فيها للانتداب الفرنسي وللمارونية السياسية».
وتبدو طرق المعالجة صعبة ومعقّدة ليس على طرفي النزاع فحسب، بل على الدولة أيضاً، خصوصاً أن الجانب المسيحي غير مستعدّ للتنازل عن عقارات مصنّفة وقفاً للكنيسة المارونية، حيث رأى النائب السابق فارس سعيد، (ابن منطقة جبيل) أن هناك «عملية تلاعب بالعقارات وحدودها، في ظلّ غياب الدولة والأحزاب»، لافتاً إلى أن «رئيس الجمهورية لم يحرّك ساكناً». وعبر سعيد عن أسفه لـ«وضع اليد على الدولة من قبل (حزب الله) وفريقه، ومحاولة إيجاد أمر واقع عقاري واجتماعي بمرسوم تجنيس مئات السوريين في لبنان، وتهجير ملايين السوريين من بلادهم».
وذكّر بأن «حادثة العاقورة التي تمّ فيها الاعتداء على عناصر شرطة البلدية وإطلاق النار عليهم والاستيلاء على مسدساتهم وهواتفهم، لم يتخذ أي إجراء بحق المعتدين، ولم توقف الدولة وأجهزتها الأمنية والقضائية واحداً منهم».
من جهته، جدد النائب إيهاب حمادة تأكيده أن «الخلافات عقارية وستبقى عقارية». وأضاف: «قرارنا كنواب وأحزاب وبلديات وفاعليات في بعلبك الهرمل، أن نذهب إلى الحلّ المقترن بالحفاظ على العيش المشترك، مع عدم التفريط بالحقوق والكرامات». وشدد على أن «موضوع الأرض يعنينا كثيراً، ويعنيا أن نصل أيضاً إلى الحق، سواء بالأساليب العرفية أو بالإجراءات القانونية، اللهم إذا كان القانون عادلاً ويساوي بين الجميع».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».