في وقت تشهد محافظات جنوب العراق ووسطه ذات الأغلبية الشيعية غلياناً شعبياً غير مسبوق ضد نقص الخدمات وسوء الإدارة، طال بعض المنشآت النفطية والمؤسسات الحكومية ومقرات الأحزاب والميليشيات، تعيش محافظات غرب العراق وشماله (صلاح الدين والأنبار ونينوى) هدوءاً لافتاً، علماً بأن صعود تنظيم داعش بعد يونيو (حزيران) 2014 في تلك المحافظات ترك دماراً كبيراً فيها، ما زال أهلها يعانون من آثاره الكارثية.
ويرى أستاذ العلوم السياسية إياد العنبر أن «خروج مظاهرات في الجنوب وغيابها في غرب البلاد وإقليم كردستان يكشف عن حالة الانقسام التي تعاني منها البلاد، خصوصاً أن جميع المحافظات تعاني من مشاكل الكهرباء وبقية الخدمات». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «يبدو أن داعش لم يكتف بتدمير المحافظات الغربية بعد سيطرته عليها لفترة من الزمن، إنما أسهم في حرمان المواطنين هناك من حقهم الطبيعي في الاحتجاج الذي كفله دستور البلاد». وأضاف: «أكدت الحركة الاحتجاجية أن البلاد منقسمة نفسياً إلى ثلاث كتل رئيسية مؤلفة من عرب البلاد الشيعة في الوسط والجنوب والعرب السنة في محافظات شمال العراق وغربه، إضافة إلى الأكراد في إقليم كردستان». ويعتقد العنبر أن «حالة الانقسام هذه تضعف الحراك الاحتجاجي وتقوض فرص نجاحه في تعديل أوضاع البلاد بشكل عام، ولن يتحقق أي نجاح إلا في نطاق محدود جداً».
وكان مواطنو محافظات الأنبار وصلاح الدين ونينوى خرجوا في مظاهرات مطلبية تتعلق بالخدمات وإطلاق المعتقلين في السجون وقاموا باعتصامات كثيرة مطلع عام 2013، لكن أطرافاً مختلفة وظفتها سياسيا بحيث مهدت بقوة لصعود «داعش».
ويرى المتحدث باسم مجلس شيوخ صلاح الدين مروان الجبارة أن «المظاهرات في المحافظات السنية شكلت نقطة فارقة عام 2013، أثرت على مجمل الأوضاع هناك بعد استغلالها من قبل داعش الإرهابي». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «المؤسف أن السلطات اعتبرت حينذاك أن الفشل الأمني وصعود داعش كان أحد النتائج المباشرة المرتبطة بالاحتجاجات المطلبية».
وأكد أن «المجتمع السني ما زال متخوفاً من ربط أي مظاهرة مطلبية بموضوع الإرهاب، لذلك لا أحد يفكر باحتجاجات رغم حالة التردي في الخدمات وتراجعها كثيراً قياساً بمحافظات الجنوب، حتى إن الناس لا تحصل إلا على نحو 8 ساعات تجهيز بالطاقة الكهربائية في اليوم». وأضاف أن «الأهالي هنا يدعمون احتجاجات الجنوب، لكنهم يرون أنهم يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية. المظاهرات هنا تعتبر معادية للسلطات، فيما تعتبر مطلبية في الجنوب. هذه مسألة مقلقة ومحيرة للكثيرين لأنهم لا يملكون الوسيلة المناسبة للتعبير عن مطالبهم».
ويشير الجبارة إلى سبب آخر يحول دون خروج الناس في مظاهرات احتجاجية وهو «الرقابة الشديدة التي تفرضها السلطات، خصوصاً في صلاح الدين، على النشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي، حتى إنها اعتقلت قبل أيام أحد الشباب لأنه انتقد سوء الخدمات في المحافظة على صفحته الشخصية في «فيسبوك».
ويستعبد المرشح السابق للبرلمان عن «ائتلاف الوطنية» في الأنبار زياد العرار إمكانية خروج مظاهرات مطلبية في المحافظات المتضررة من الإرهاب على رغم الأوضاع الخدمية المنهارة هناك. وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «أهل أحد الأحياء في الفلوجة لم يحصلوا الليلة الماضية إلا على نحو ساعتي تجهيز من الطاقة فقط على امتداد ساعات الليل، ومع ذلك لا يفكرون بالاحتجاج، لأن المادة الرابعة من قانون الإرهاب حاضرة وتهمة موالاة داعش والبعث جاهزة، ولو خرج السنة اليوم بمظاهرات لانصب تركيز السلطات عليهم وتركت أهل الجنوب».
واستبعد «سماح السلطات وقوى الأمن في المحافظات الغربية للمواطنين بالتظاهر حتى لو تقدموا بطلبات رسمية». وأضاف: «لا ننسى أن بقايا داعش ما زالت موجودة وأتصور أنها ستستغل أي احتجاج مطلبي لمصلحتها. الناس تدرك هذا الأمر، لذلك فإنهم لا يفكرون بالتظاهر، بل لا يفكرون بدعم مظاهرات الجنوب، لأن ذلك قد يؤثر على الجنوبيين أنفسهم».
جنوب العراق يغلي... وغربه هادئ
محافظات تحجم عن الاحتجاج خشية اتهامها بموالاة «داعش» و«البعث»
جنوب العراق يغلي... وغربه هادئ
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة