غزة «تغرق».. وقوارب الصيد تجوب الشوارع لإنقاذ العالقين

فرق إنقاذ تنقذ عائلة على متن زورق صيد في أحد شوارع غزة الغارقة بالمياه أمس (أ.ب)
فرق إنقاذ تنقذ عائلة على متن زورق صيد في أحد شوارع غزة الغارقة بالمياه أمس (أ.ب)
TT

غزة «تغرق».. وقوارب الصيد تجوب الشوارع لإنقاذ العالقين

فرق إنقاذ تنقذ عائلة على متن زورق صيد في أحد شوارع غزة الغارقة بالمياه أمس (أ.ب)
فرق إنقاذ تنقذ عائلة على متن زورق صيد في أحد شوارع غزة الغارقة بالمياه أمس (أ.ب)

لم تجد الحكومة الفلسطينية في قطاع غزة سوى قوارب الصيادين لإنقاذ وانتشال العائلات المحاصرة والمشردة، نتيجة تدمير السيول منازلهم في مناطق شاسعة ومختلفة في القطاع إثر العاصفة الثلجية التي ضربت منطقة الشرق الأوسط.
وشوهدت عشرات القوارب تحمل عائلات منكوبة وتجوب الشوارع، التي تحولت إلى أنهار مياه، وتقلهم إلى مدارس ومساجد تحولت بدورها إلى مراكز إيواء للمشردين.
واضطر آلاف من الغزيين إلى مغادرة منازلهم التي هدمت أجزاء منها، أو غمرتها السيول، وحوصر مئات منهم داخل المنازل، ما خلف أربع وفيات ومئات الإصابات حتى أمس.
وكشفت العاصفة الثلجية، وهي الأقوى منذ سنوات طويلة، عن البنية التحتية الهشة في قطاع غزة، وزادت مأساة الغزيين مع استمرار انقطاع التيار الكهربائي عن المنازل وفقدان الوقود اللازم.
ووجهت السلطة الفلسطينية وحركة حماس والجامعة العربية نداءات استغاثة لمساعدة غزة.
وقال الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وهو يتفقد أوضاع السكان في مدينة رام الله، التي عانت كذلك من انقطاع متواصل في التيار الكهربائي: «إن الوضع الإنساني في قطاع غزة صعب للغاية، لذلك أرسلنا مساعدات عاجلة من مواد تموينية وغاز وسيارات لشفط المياه، وغدا (اليوم) سنورد البترول لقطاع غزة عبر إسرائيل بدعم من دولة قطر».
وكانت قطر قررت إرسال معونات عاجلة إلى قطاع غزة بمبلغ 60 مليون دولار تستخدم لشراء وقود صناعي لمحطة كهرباء غزة وإصلاح الأضرار الناتجة عن المنخفض الجوي.
وقال بيان صادر عن مكتب الأمير القطري: «إنه نظرا للظروف الصعبة في قطاع غزة بسبب العواصف الثلجية وتوقف محطة توليد الكهرباء في القطاع عن العمل نتيجة لنفاد الوقود اللازم لتشغيلها، جرى الإيعاز للجهات المختصة بتزويد القطاع بما قيمته 32 مليون دولار من الوقود بشكل عاجل، كما وجه سموه (أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني) بإرسال مساعدات ومواد إغاثية عاجلة للقطاع بمبلغ 28 مليون دولار لمواجهة البرد القارس».
ومن بين الأموال المخصصة لشراء الوقود الصناعي، 10 ملايين دولار، اشترت بها السلطة وقودا بشكل سريع من إسرائيل على أن تحول للقطاع اليوم (الأحد) في محاولة لتشغيل محطة توليد الطاقة المتوقفة عن العمل تماما.
وقال رئيس سلطة الطاقة في غزة فتحي الشيخ خليل إن الوقود قد يكفي القطاع نحو 40 يوما، بنظام ثمان (ثماني ساعات كهرباء وثماني قطع).
وقبل ذلك أدخلت الحكومة الفلسطينية، 190 طنا من الغاز إلى قطاع غزة، فيما ينتظر أن يفتح معبر كرم أبو سالم أبوابه اليوم، لإدخال مضخات لشفط المياه.
وقال حسين الشيخ رئيس الهيئة العامة للشؤون المدنية إن السلطة ستقوم بإدخال مضخات كبيرة لقطاع غزة لسحب المياه التي تراكمت بفعل المنخفض الجوي.
وتعمقت معاناة الغزيين أمس بعدما امتلأت المدارس والمساجد عن بكرة أبيها، ولم يجد المشردون أماكن إيواء سريعة. وراح العشرات يوجهون رسائل عبر «فيس بوك» ووسائل إعلام بأن لديهم متسعا لإيواء عائلات مشردة. وقررت الحكومة المقالة تمديد تعطيل الدراسة في المدارس في غزة اليوم بسبب تداعيات المنخفض الجوي.
وانضم مقاتلون من حماس والجهاد الإسلامي لعمليات إنقاذ ومساعدة العالقين وتوزيع الاحتياجات الضرورية على العائلات.
وطلب الرئيس عباس من أمين عام الجامعة العربية نبيل العربي توجيه نداء عاجل لإغاثة قطاع غزة جراء الأوضاع الصعبة التي يعيشها، كما طلب منه ذلك رئيس الوزراء المقال إسماعيل هنية، الذي أبلغ العربي أن الوقت حان لرفع الحصار عن غزة.
وفعلا أطلق العربي نداء لإغاثة غزة، وأكد العربي في بيان أن قطاع غزة يتعرض لوضع إنساني صعب نتيجة تساقط الأمطار والسيول، مطالبا بالتدخل العاجل وتوفير الوقود الصناعي لحل أزمة انقطاع التيار الكهربائي في القطاع.
ولكن تبدو هذه النداءات بالنسبة للعالقين بلا فائدة، لأنهم ينتظرون فقط وصول القوارب. وحل الظلام على غزة، أمس، ولا تزال القوارب تنقل عالقين منذ أيام، رجال قهرهم البرد ونساء بلا حول ولا قوة وأطفال يواجهون البرد وجها لوجه.
وساعدت سيارات الإسعاف في نقل آخرين من مناطق يمكن للسيارات أن تسير فيها، وكذلك سيارات الأمن.
وأظهرت الإحصاءات الرسمية نتائج كارثية للمنخفض الجوي، إذ أعلنت جهات الاختصاص وفاة أربعة بينهم الطفلة لميس فوجو (أربعة أعوام)، والطفلة ملك الشاعر (يومان) والطفلة وردة العيماوي (ثلاثة أعوام)، جراء الصقيع والأجواء الباردة، فيما أصيب 96 آخرون.
وبحسب الإحصاءات نزحت 1183 أسرة نتيجة الأحوال الجوية من منازلهم، بواقع 5246 فردا. بينما شرد 2234 مواطنا. واضطرت الحكومة إلى فتح 17 مركز إيواء، من بينها 12 مدرسة وثلاثة مراكز شرطة ومسجدان.
ووجهت حماس التحية لأهل قطاع غزة «لصبرهم على الآلام التي واجهوها خلال الأيام الماضية وما زالوا يواجهونها». وقال الناطق باسم الحركة فوزي برهوم في تصريح: «مجددا التحية كل التحية لغزة وأهلها الصابرين الصامدين رغم الألم والبرد والمعاناة».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».