موسكو تسعى إلى تجاوز «العقدة» الإيرانية في الحوار مع نتنياهو

بطلب من رئيس الحكومة الإسرائيلية الملف السوري على رأس الأجندة

جنود إسرائيليون قرب الحدود السورية في هضبة الجولان المحتلة أمس (أ.ف.ب)
جنود إسرائيليون قرب الحدود السورية في هضبة الجولان المحتلة أمس (أ.ف.ب)
TT

موسكو تسعى إلى تجاوز «العقدة» الإيرانية في الحوار مع نتنياهو

جنود إسرائيليون قرب الحدود السورية في هضبة الجولان المحتلة أمس (أ.ف.ب)
جنود إسرائيليون قرب الحدود السورية في هضبة الجولان المحتلة أمس (أ.ف.ب)

يجري رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، اليوم، جولة محادثات مع الرئيس فلاديمير بوتين وصفت بأنها «بالغة الأهمية»، وسط توقعات أن ينصبّ التركيز خلالها على الوضع في الجنوب السوري وملامح الترتيبات المقبلة في المنطقة، وينتظر أن يشكل ملف الوجود الإيراني في سوريا «عقدة» أساسية للحوار بين الجانبين، على خلفية تباين معطيات الأوساط المقربة من الكرملين بين طرفين، يرى أحدهما أن موسكو قريبة من الاتفاق مع تل أبيب وواشنطن على ملف تقليص الوجود الإيراني في سوريا. بينما يشكك الآخر بتوافر «القدرة أو الإرادة» لدى موسكو في ممارسة ضغوط على الإيرانيين.
وأعلن المكتب الصحافي للكرملين، أمس، أن بوتين ونتنياهو سيبحثان العلاقات الثنائية، وتسوية النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، والأوضاع في سوريا.
وكان نتنياهو مهّد لزيارته بوصف اللقاء بأنه سيكون بالغ الأهمية، وقال إنه يعول عليه لـ«ضمان مواصلة التنسيق الأمني بين الطرفين وبحث التطورات الإقليمية»، مشدداً على نيته طرح «المبدأين الأساسيين للسياسة الإسرائيلية، وهما عدم قبول وجود القوات الإيرانية والموالية لها في أي جزء من الأراضي السورية، ليس في مناطق قريبة من الحدود ولا في مناطق بعيدة عنها. ومطالبة سوريا والجيش السوري بالحفاظ على اتفاقية فك الاشتباك لعام 1974 بحذافيرها».
وعكس حديث نتنياهو الأجواء التي ينتظر أن تسيطر على المحادثات، علماً بأن معطيات حصلت عليها «الشرق الأوسط»، أكدت أن الدعوة الروسية لنتنياهو حملت في البداية اقتراحاً بأجندة مغايرة؛ إذ كانت موسكو تعول على محاولة ترتيب لقاء يجمع نتنياهو بالرئيس الفلسطيني محمود عباس، في مسعى لكسر الجمود وإطلاق حوار بين الطرفين، لكن نتنياهو طلب تغيير موعد اللقاء وأجندته، ليكون الملف السوري على رأس جدول الأعمال. وفي المحصلة حددت إدارة البروتوكول في الكرملين موعداً للقاء بوتين مع نتنياهو، على ألا يتجاوز أربعين دقيقة بسبب انشغال الرئيس الروسي.
ورغم أن هذا الأمر أبرز وجود تباين في الآراء سلفاً، لكنه لم يمنع في الوقت ذاته، وفقاً لمصادر مقربة من الكرملين، من أن يكون التركيز خلال اللقاء على الملف السوري. وهو أمر توليه موسكو أهمية خاصة في إطار التحضيرات الجارية لوضع ملامح نهائية للترتيبات المقبلة في سوريا بعد معركة الجنوب، وبشكل يسبق القمة الروسية - الأميركية المقررة الاثنين المقبل في هيلسنكي ليشكل ورقة تفاوضية بيد بوتين عند لقائه مع نظيره الأميركي دونالد ترمب.
وكانت أوساط روسية أشارت إلى أن موسكو تسابق الزمن لتحضير اقتراحات محددة لترتيبات الوضع في سوريا بعد إنجاز السيطرة على منطقة الجنوب، عبر تثبيت تفاهمات مع الأطراف الإقليمية والدولية. وفي هذا الإطار، أنجزت تفاهمات مع الأردن خلال زيارة وزير الخارجية أيمن الصفدي أخيراً. وتسعى حالياً لتثبيت تفاهمات سابقة تم التوصل إليها خلال زيارة نتنياهو إلى موسكو في مايو (أيار) الماضي، التي أعلن بعدها مباشرة، أن موسكو «لن تسعى لعرقلة التحركات العسكرية الإسرائيلية في سوريا، لمواجهة نشاط القوى القريبة من إيران».
ونصت التفاهمات الروسية – الإسرائيلية في تلك الزيارة على انسحاب القوات الإيرانية والميليشيات التابعة لإيران من المنطقة الحدودية إلى عمق 40 - 50 كيلومتراً، علماً بأن الجانب الإسرائيلي كان يطالب بانسحاب يزيد على 80 كيلومتراً عن الحدود الجنوبية والغربية. بالإضافة إلى بسط سيطرة النظام في المنطقة الحدودية مع الأردن، وهو أمر تم إنجازه في إطار العملية العسكرية والاتفاقات التي تم التوصل إليها مع المعارضة أخيراً.
واشتملت التفاهمات على موافقة إسرائيل على انتشار قوات الشرطة العسكرية الروسية في الجنوب، باعتبارها آلية لضمان الأمن ومنع وقوع احتكاكات. بالإضافة إلى أنه تمت الإشارة إلى احتمال أن تقوم الشرطة العسكرية الروسية بدور أساسي في الحلول مكان (أو مع) قوات الفصل الدولية التي انسحبت بسبب الحرب السورية من خط وقف إطلاق النار في الجولان السوري. لكن النقطة الأخيرة لم يتم التوصل إلى اتفاق كامل حول تفاصيلها لتبقى مع مسألة الوجود الإيراني عنصرين مهمين للنقاش في إطار الترتيبات اللاحقة.
ومنحت التفاهمات الروسية - الإسرائيلية السابقة تل أبيب حرية توجيه ضربات ضد مواقع إيرانية أو تابعة لإيران في حال شعرت بتهديد منها، لكن موسكو اشترطت في حينها ألا تطال الضربات مواقع حكومية سورية، أو تسعى إلى تقويض سلطة ونفوذ القيادة السورية. وهو أمر استخدمته إسرائيل لتوجيه ضربات عدة منذ ذلك الحين.
ويرى مراقبون روس، أن زيارة نتنياهو الحالية ستكون لها أهمية خاصة لأنها تضع ملامح لتثبيت التفاهمات السابقة والوصول إلى ترتيبات نهائية تحتاج إليها موسكو بقوة، وهي تستعد لدفع عملية سياسية بعد اللقاء المنتظر مع ترمب.
لكن التعقيدات الرئيسة التي تواجهها موسكو تتمثل في آليات التعامل مع ملف الوجود الإيراني بالدرجة الأولى، علماً بأن الموقف الروسي راوح بين تأكيد على ضرورة انسحاب كل القوات الأجنبية من سوريا مع انطلاق مسار التسوية السياسية، وإشارات ترددت أكثر من مرة خلال الأسبوع الأخير، وخصوصاً بعد حسم ملف الجنوب، حول أن إيران شريك أساسي ولا يمكن الوصول إلى ترتيبات في سوريا أو على المستوى الإقليمي من دون إشراكها في الحوارات. كما أنه لا يمكن لموسكو أن تبحث مع تل أبيب أو حتى مع واشنطن، موضوع الوجود الإيراني؛ لأن هذه «من صلاحيات الحكومة الشرعية السورية». ويمهد هذا المدخل الذي بدأ يسيطر على تصريحات المسؤولين الروس، إلى مواجهة عقدة جدية في الحوار مع نتنياهو حول الترتيبات النهائية في سوريا ومع ترمب أيضاً في وقت لاحق خلال القمة الثنائية.
واللافت، أن النخب الروسية المقربة من الكرملين انقسمت في الآراء حول هذا الملف؛ إذ رأى أستاذ العلوم السياسية بمعهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، ميخائيل ألكسندروف، أن ترمب وبوتين، يمكن أن يتوصلا لاتفاق حول الموضوع الإيراني؛ لأن «روسيا مهتمة بخروج الولايات المتحدة من سوريا. وترمب يولي أولوية لأمن إسرائيل، ونحن في سوريا لا ندافع عن المصالح الإيرانية. ما نريده هو أن تستعاد سوريا وتبقى دولة صديقة لنا، وعلى وجه التحديد أن تبقى قواعدنا العسكرية هناك. ولدى إيران مصالح جوهرية في سوريا. إنما وجود قوات إيرانية قرب الحدود مع إسرائيل عامل يزعزع الاستقرار. وألاحظ هنا أن مهمة خلق خطر إضافي على إسرائيل لم تكن يوماً من مهماتنا في العملية السورية. انطلاقاً من ذلك، فلن تؤذينا إسرائيل، في حين هي توجه ضربات للأرض السورية وتوقِع خسائر. ما سبق يعني ضرورة أن يتم عقد حزمة اتفاقات بين بوتين وترمب».
في المقابل، ترى أوساط روسية أن موسكو «ليست لديها القوة الفعلية أو الإرادة الكاملة للضغط على الإيرانيين، وهم (الإيرانيون) يمكن أن يظهروا في الجنوب أو في مناطق أخرى بزي القوات العسكرية السورية».
في ظل هذا التضارب في تفسير الموقف الروسي، أشارت أوساط بحثية إلى أن موسكو تبحث عن حل وسط، بموجبه يمكن أن توافق على تقليص الوجود الإيراني في المناطق الحدودية، لكنها ستترك ملف خروج القوات الإيرانية نهائياً من سوريا إلى مفاوضات مقبلة مع الحكومة السورية في مرحلة ما بعد وضع الترتيبات النهائية وإطلاق العملية السياسية.
وفي ملف الجولان استبعدت أوساط روسية تحدثت إليها «الشرق الأوسط»، أن توافق موسكو على أي ترتيبات تقترحها إسرائيل، باستثناء مسألة تعزيز خط الفصل بين القوات لمنع وقوع احتكاك، وأشارت إلى أن تل أبيب تخوض سباقاً مع الزمن لإقناع الأطراف المؤثرة، وخصوصاً موسكو وواشنطن، بالإفادة من الوضع في سوريا عبر تثبيت وضع الجولان كمنطقة «إسرائيلية»، ورفع هذا الملف من أي مفاوضات مستقبلية، علماً بأن نتنياهو كان قد أعلن في زيارة سابقة لموسكو، أن الجولان «ستبقى جزءاً من إسرائيل إلى الأبد». وأثار هذا التصريح استياء الكرملين في حينها؛ لأنه صدر في موسكو، ما أوحى بتفاهمات مع الروس على هذا الموضوع. وقال المصدر، إن موسكو التي تدعو إلى احترام قرارات مجلس الأمن لن يكون بمقدورها بحث ترتيبات نهائية مع إسرائيل تخص الجولان، وأن هذا الأمر يجب أن يكون موضع تفاوض بين إسرائيل والحكومة السورية في وقت لاحق.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».