ماكرون... جهود 14 شهراً تنتظر الثمار

متاعب المنافسين الأوروبيين أتاحت إطلاق سياسة فرنسية ديناميكية وطموحة

ماكرون... جهود 14 شهراً تنتظر الثمار
TT

ماكرون... جهود 14 شهراً تنتظر الثمار

ماكرون... جهود 14 شهراً تنتظر الثمار

قبل 14 شهراً، وصل إيمانويل ماكرون إلى رئاسة الجمهورية الفرنسية قالبا المعايير والموازين السياسية ومتخطيا اليمين واليسار وحاملا رؤية وخطة. في الداخل، أعرب عن عزمه على نفض الغبار عن المؤسسات التي أرساها الجنرال ديغول «مهندس الجمهورية الخامسة» وإطلاق حملة إصلاحية تذهب حتى مداها الأخير بحيث لا تتوقف في منتصف الطريق كما فعل من سبقه إلى قصر الإليزيه. وفي الخارج، أراد الرئيس الشاب أن يعيد فرنسا إلى واجهة المسرح الدولي بعد أن ضمر دورها داخل الاتحاد الأوروبي وخارجه. وبعد مرور ما يزيد على العام، حان الوقت لوقفة متفحصة لإنجازاته وإخفاقاته على المسرح الخارجي.

في عام واحد، قطع الرئيس الفرنسي الشاب إيمانويل ماكرون ما يزيد على 190 ألف كلم، وزار 46 بلدا متنقلا بين القارات وقافزا من قمة إلى لقاء ثنائي. إذ قام بزيارة دولة للولايات المتحدة الأميركية وبعدها بأقل من شهر بزيارة مماثلة لروسيا. ولم ينس الصين أو الهند وكندا وأستراليا. أما زياراته الأوروبية فشبه دائمة ولقاءاته مع المستشارة الألمانية تشكل علامات ثابتة على أجندته الشهرية. ولم ينس العالم العربي الذي زار منه المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وقطر وبلدان المغرب العربي.
وبالطبع، أفريقيا كانت دوما على أجندته ولا عجب في ذلك لأنها تشكل أول دائرة للنفوذ الفرنسي خارج القارة الأوروبية. وبحر هذا الأسبوع المنتهي وبعد أن كان ضيف البابا فرنسيس في الفاتيكان، حل ضيفا على القمة الأفريقية التي عقدت في موريتانيا واستفاد من حضور القادة الأفارقة ليعقد قمة موازية ضمت بلدان «الساحل» الخمس أي موريتانيا ومالي وتشاد والنيجر وبوركينافاسو، التي يسعى ماكرون لتسهيل قيام قوتها المشتركة المسماة «مجموعة الخمس» G5 وتوفير التمويل لها، وخصوصاً، دفع الأفارقة للعمل معا من أجل محاربة الإرهاب الذي يضرب دورياً في هذا البلد أو ذاك. أما رغبة ماكرون الخفية فهي سعيه للتخفيف من الأعباء العسكرية والمالية التي تترتب على القوات الفرنسية المرابطة في بلدان الساحل الأفريقية.

- سنة دبلوماسية نشطة
ولا تشكل الزيارات الخارجية إلا جزءا من نشاطات الرئيس الدبلوماسية. ذلك أن قصر الإليزيه تحول إلى مقصد لقادة العالم... من دونالد ترمب إلى فلاديمير بوتين ومن أنجيلا ميركل إلى تيريزا ماي والزعيم الصيني شي جينبينغ إلى منافسه رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي. ومن محمود عباس إلى بنيامين نتنياهو والعشرات الآخرين.
ثم إن ماكرون يهوى المؤتمرات الخاصة التي يكون هو «مهندسها» الأول من أجل إيجاد حلول للأزمات المستعصية: من ليبيا التي كرّس لها في عام واحد مؤتمرين دوليين، إلى سوريا وفلسطين واليمن ولبنان، ناهيك من القمة العالمية للمحافظة على المناخ والعشرات غيرها من المؤتمرات والاجتماعات التي يجهد دبلوماسيو القصر الرئاسي والخارجية في ملاحقتها. باختصار، ماكرون يريد أن يفرض فرنسا التي لا ينظر إليها على المستوى العالمي إلا كـ«لاعب متوسط الحج» طرفاً رئيسياً في إدارة شؤون العالم وإيجاد حلول لأزماته. هذا هو «الدينامو» الذي يحرك الرئيس الفرنسي.

- ماكرون لا يعرف الكلل أو الملل
يوجه رسائله النصية إلى أقرب معاونيه طيلة ساعات الليل والنهار. مدمن على العمل وعازم على السير ببرنامجه الإصلاحي حتى خواتيمه مهما تكاثرت الصعوبات الاجتماعية أو الاقتصادية أو تهاوي شعبيته في الداخل.
يبدو غير آبه بأن يطلق عليه لقب «رئيس الأغنياء» بعدما ألغى الضريبة على الثروة والضريبة على الميسورين الذين اختاروا الرحيل عن فرنسا إلى بلد آخر... ولا يهتز أو يرف له جفن.
يُنتقَد لأنه وزوجته بريجيت أوصيا على أوان منزلية للقصر الرئاسي ستكلف دافع الضرائب الفرنسي نصف مليون يورو، وحجته أن ما يملكه القصر «متهالك» ويتعين تجديده... لا بل يرى في ذلك بابا لإبراز مهارات مشاغل البورسلين الفرنسية الشهيرة الموجودة في بلدة سيفر القريبة من باريس. ويُعاب عليه أنه طلب بناء مسبح في مقر الاصطياف الصيفي لرؤساء فرنسا المُسمى «حصن بريغونسون» المطل على الشاطئ المتوسطي، فيرد على ذلك بأنه لا يريد أن يفعل ما فعله الرؤساء السابقون بالحلول ضيفاً على الأصدقاء الأغنياء. وأن المسبح الخاص، بعكس الشاطئ المفتوح، يوفر الحماية للرئيس ويبقيه بعيداً عن الأعين.

- رئيس خدمته الظروف
باختصار، يعتبر ماكرون أنه رئيس غير الرؤساء وله رؤية مختلفة لمهامه ومنصبه. وحقيقة الأمر أن «الظروف» أسدت له خدمات جليلة: أولاً من حيث إنها سهلت انتخابه رئيسا للجمهورية الفرنسية قبل أن يصل إلى سن الأربعين متخطيا أحزابا متجذرة في المشهد السياسي مثل اليمين المعتدل وارث الحزب الديغولي أو الحزب الاشتراكي الذي تربع اثنان منه - فرنسوا ميتران وفرنسوا هولاند - على عرش الإليزيه طيلة 18 سنة.
كذلك، فإن الظروف السياسية الخارجية تبدو وكأنها «جُندّت» لخدمة ماكرون. إذ أن وصوله إلى الرئاسة ترافق مع تكاثر الصعوبات بوجه القوتين «المنافستين» الأكبر في غرب أوروباً... ألمانيا وبريطانيا.
فمن جهة، المستشارة الألمانية ميركل كانت، عند تبوئه منصبه الرئاسي، منشغلة بانتخاباتها التشريعية التي شهدت تراجعاً دراماتيكيا لشعبيتها وللمقاعد التي فاز بها حزبها. وخلال أربعة أشهر، انصب همّ ميركل على تشكيل حكومة لم تصل إلى إيقافها على قدميها إلا بشق الأنفس... وها هي تتمزّق أو تكاد بسبب أزمة الهجرات واللاجئين، وتجد نفسها في موقع سياسي ضعيف للغاية... لا بل ثمة من يراهن على عجزها عن إكمال ولايتها الرابعة في قصر المستشارية بالعاصمة برلين.
أما المنافسة الأخرى، رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي، فليس مصيرها أفضل حالا من مصير ميركل إذ أنها ورثت صعوبات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عن سلفها ديفيد كاميرون، وفقد حزبها المحافظ الأكثرية في الانتخابات المبكرة التي فرضتها عليه. وهي تجهد بكثير من الصعوبة في المحافظة على شيء من الانتظام داخل حكومتها وحزبها لتقود بريطانيا خارج الاتحاد الأوروبي بأقل قدر ممكن من الخسائر.
وأما بقية الأوروبيين فحدث ولا حرج: إسبانيا غارقة في أزمة كتالونيا ورئيس حكومتها السابق نحي بسبب الفساد. وإيطاليا تعيش أزمات سياسية متلاحقة في ظل حكومات متعاقبة قصيرة العمر. وآخر مستجداتها حكومة مشكلة من تحالف اليمين المتطرف والشعبويين. وبقية أعضاء الاتحاد، فكل منهم لديه مشاكله: يمين متطرف صاعد في النمسا والدنمارك. ويمين متشدد في المجر وبولندا وتشيكيا وسلوفاكيا وصراعات فجّرتها أزمة الهجرات المتدفقة على أوروبا.....

- أوروبا... ملعبه و«ورشته»
هذه ملامح «الديكور» الأوروبي عند وصول إيمانويل ماكرون إلى الإليزيه مكللاً بهالة انتصاره على مارين لوبن، مرشحة الجبهة اليمينية المتطرفة في فرنسا.
الرئيس ماكرون انتخب على أساس برنامج أوروبي واضح ولديه خطة لإنهاض أوروبا وإصلاح مؤسساتها. إنه، بمعنى ما، لبس ثياب «المنقذ» وخطاباته المختلفة التي خصّصها للبناء الأوروبي وأهمها ثلاثة واضحة وقوية وثابتة: خطاب جامعة السوربون في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وخطاب تسلمه إحدى أهم الجوائز الأوروبية في ألمانيا، ثم خطابه الأخير أمام البرلمان الأوروبي... كلها تدل على عزم لا يلين.
أوروبا ورشته الأولى وذلك لسببين: لأنها أولا العرين الأوسع الذي يحتاج إليه، والثاني لأنها يمكن أن تكون الرافعة للنفوذ الفرنسي في العالم. بيد أن حلم ماكرون الأوروبي آخذ بالتحول إلى كابوس. فها هي أوروبا تترنح نحن وطأة أزمة لا تعرف، بسبب انقساماتها العميقة، كيف تتعامل معها.
ما كان ماكرون رئيساً عندما تدفق عشرات الآلاف من اللاجئين والمهاجرين عبر «ممرّ البلقان» باتجاه وسط وغرب أوروبا. غير أن ذلك لا يغير من واقع الحال شيئا بعدما أعيد «تشغيل» ممرّ وسط البحر الأبيض، هو الطريق الأقصر الذي يربط الشاطئ الأفريقي للمتوسط بالسواحل الأوروبية. ورغم تسلم ماكرون بالأرقام للتدليل على أن موجة الهجرات إلى أوروبا قد تراجعت ومعها طلبات اللجوء، فإن الأرقام لا تبدو كافية لإقناع مَن لا يريد الاقتناع كالمستشار النمساوي الشاب سباستيان كورتز أو وزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني ونظيره الألماني هورست زيهوفر الذي يشكل تهديداً سياسيا رئيسيا لميركل. وباستثناء إسبانيا التي عادت قيادتها بالمصادفة إلى الاشتراكيين، لم يعد يجد ماكرون حليفا قويا له داخل الاتحاد الأوروبي للسير بخططه. القادة الإيطاليون اليمينيون يتهمونه بـ«العجرفة» وقادة «مجموعة فيزغراد» المشكلة من المجر وبولندا وتشيكيا وسلوفاكيا يرفضون الخضوع لـ«الديكتاتورية الأوروبية» التي لها رأسان ظاهران: ميركل وماكرون، والتي يتهمها يمينيو «فيزغراد» بأنها تريدهم أن يستقبلوا حصصهم من اللاجئين إلى أوروبا، كما وزعتها المفوضية الأوروبية، وهم متمسكون برفضهم. وماكرون يريد اندماجا أكبر لمنطقة اليورو مع ميزانية خاصة ووزير مالية. وبعد كم من اللقاءات، وافقت المستشارة الألمانية على «الحد الأدنى» من مقترحاته. وحتى الآن، لم تتحول هذه المقترحات إلى نصوص وقوانين وإجراءات بل ما زالت تدور في فلك المشاريع الضائعة بين الأخذ والرد.

- أزمات الشرق الأوسط
على صعيد آخر، أثبتت أزمات وحروب الشرق الأوسط أن دون نجاح الإليزيه في تحيق اختراقات مصاعب لا يجوز الاستهانة بها. فبالإضافة إلى سوريا والعراق، سعت باريس لأن يكون لها صوت في الملف الفلسطيني، وجاء الرئيس محمود عباس مرتين إلى باريس لمقابلة ماكرون. لكنه في كل مرة سمع الجواب نفسه: لا اعتراف أحاديا بالدولة الفلسطينية وأن الحل هو سياسي وتفاوضي مع إسرائيل. وبينما يسعى فريق الرئيس الأميركي دونالد ترمب لـ«صفقة القرن» تجد باريس نفسها على الهامش.
أما في ليبيا، فقد سعى ماكرون لإيجاد مخارج من حروب الميليشيات والعصابات في هذا البلد بالنظر لأهميته لاستقرار شمال أفريقيا وبلدان الساحل واحتواء الهجرات ومحاربة الإرهاب. ولذا بذل جهداً في الصيف الماضي مع رئيس «حكومة الوفاق» فائز السراج وقائد الجيش الوطني المشير خليفة حفتر، واعتبر أن الجمع بين «الشرعية السياسية (ممثلة بالسراج) والشرعية العسكرية (ممثلة بحفتر)» كفيل بإيجاد المخارج. وبالفعل، اجتمع الرجلان مرة أولى برعاية ماكرون ومرة ثانية برعاية دولية وبحضور المبعوث الدولي غسان سلامة، ولكن، في المرتين خرجا ببيانات وتعهدات لم يطبق منها شيء، ولا أحد يرى اليوم إلى أين يوجد المخرج من هذه الأزمة بالنظر لتعدد المصالح والتدخلات الخارجية.
كذلك، سعى ماكرون إلى التقارب مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، فدعاه إلى باريس واستقبله في قصر الإليزيه. ويعي ماكرون أنه بحاجة لتعاون إردوغان في ملفّي اللاجئين والإرهاب، وخاصة، المتطرفين الفرنسيين الساعين للعودة إلى فرنسا. ولكن عندما قرّر إردوغان اجتياح عفرين، بشمال سوريا، لم تنفع معه النصائح الفرنسية... الأمر الذي دفع باريس وواشنطن إلى إرسال وحدات عسكرية إلى مدينة منبج لردع أنقرة عن اجتياحها. ومثلما، لم تنجح نصائح ماكرون لإردوغان، كذلك أخفقت مع مسعود بارزاني الذي حثته باريس على صرف النظر عن الاستفتاء على الانفصال عن العراق، إذ صمّ بارزاني أذنيه مع أن باريس «صديقة» للأكراد منذ ثمانينات القرن الماضي، وهكذا، تبين أن «صرف» هذه الصداقة سياسيا صعب.
وحول سوريا، بالذات، لم يعط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نظيره الفرنسي شيئا. فقط اتفق معه على إيجاد «آلية تنسيق» بين «مجموعة أستانة» (روسيا وإيران وتركيا) وبين «المجموعة المصغّرة» (الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا والمملكة العربية السعودية والأردن) لإيجاد السبل لحل سياسي في سوريا. لكن هذه الآلية يصعب العثور على وجود أي دور لها، كما أن روسيا ما زالت اللاعب الأول والأكثر تأثيراً في المسار السوري، في حين لم تعثر فرنسا على دور حقيقي لها رغم مشاركتها في الضربات الصاروخية مع واشنطن ولندن ردا على استخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي.
والجدير بالذكر، هنا أن ماكرون كان مهتماً ببناء علاقة قوية مع بوتين الذي دعاه إلى قصر فرساي التاريخي، ثم زاره في مدينة بطرسبرج عاصمة الإمبراطورية الروسية. وكان «أمل» ماكرون أن يلعب دور «الوسيط» بينه وبين ترمب، وأن يكون «محاوره» الأوروبي تطبيقا لمبدأ رئيسي في سياسته الخارجية أنه «يتعين الحديث إلى الجميع».

- أفكار كثيرة... تنتظر ثماراً
هكذا تبدو محصلة سياسة ماكرون الخارجية: كثير من الأفكار والتحركات لكن النتائج العملية والفعلية ما زالت قيد الانتظار. صحيح أن معه عادت فرنسا حاضرة على المسرح الدولي: في الشرق الأوسط وأفريقيا وفي علاقاتها مع الدول الكبرى. لكن الصرح الأوروبي ما زال هشاً و«الصديق الأميركي» لا يطبق من السياسات الخارجية إلا ما يفيده داخلياً، ونظيره الروسي مستمر في إعادة الاعتبار لموسكو عبر صواريخها وطائراتها في سوريا.
يعترف الفرنسيون بفضل رئيسهم على المستوى الخارجي. لكن داخليا، للأمور مظهر آخر. ويدل آخر استطلاع للرأي أن شعبية ماكرون تراجعت بحدة الشهر الماضي وهبطت إلى 34 في المائة بحيث خسر ست نقاط في شهر واحد. وقد يكون هذا الرقم نذيرا بأن الحراك الخارجي لا يمكن أن يكون بديلا عن سياسة داخلية عادلة تأخذ بعين الاعتبار مصالح الجميع، وتُسقِط عن ماكرون صفة «رئيس الأغنياء».

- ليّ أذرع مع دونالد ترمب
بعد أقل من شهر على انتخاب إيمانويل ماكرون، جاءت قمتا الحلف الأطلسي في بروكسل و«مجموعة الدول السبع» في صقلية (إيطاليا) لتوفر الفرصة للرئيس الفرنسي أن يلتقي سريعا جدا كبار زعماء العالم. وما لصق بأذهان الفرنسيين من لقائه الأول مع الرئيس دونالد ترمب هي المصافحة الرجولية المطولة بين الاثنين التي خرج منها ماكرون «رابحا» لأنه الأخير الذي سحب قبضته.
كثيرون رأوا فيها دلالات رمزية لوجود رئيس قوي لا ينمسح ولا ينسحب. ونجح ماكرون، في لقاءاته مع ترمب في بناء أولى وشائج علاقة يريدها حميمة وشخصية الأمر الذي ترسخ بدعوة «سيد» البيت الأبيض كضيف شرف إلى باريس يومي 13 و14 يوليو (تموز) بمناسبة العيد الوطني الفرنسي. وأعجب ترمب بالعرض العسكري على جادة الشانزلزيه، وأبلغ ماكرون أنه يريد مثله في واشنطن.
وفي الليلة السابقة، دعا إيمانويل وبريجبت ماكرون الزوجي الأميركي إلى عشاء في مطعم فاخر قائم داخل برج إيفل والغرض من كل التكريم التقريب بين إيمانويل ودونالد أملا بأن تلعب فرنسا دور «المؤثر» على خيارات ترمب السياسية. ورد ترمب التحية بأفضل منها فدعا الرئيس الفرنسي أبريل (نيسان) الماضي، إلى زيارة دولة كثرت فيها المصافحات والمجاملات أمام عدسات التلفزة. ولكن ما الحصيلة السياسية؟
قد يكون الجواب صادما ببساطته.
ماكرون لم يجن شيئا من التقارب مع واشنطن. وذهب الرئيس الفرنسي في أحد مؤتمراته الصحافية بعد اندلاع الأزمة مع إيران إلى القول إن ترمب «ينفذ سياسة خارجية نزولا عند دواع داخلية» أي عمليا لإرضاء قاعدته الانتخابية من المحافظين والمتشددين. وفلسفة ترمب السياسية التي يلخصها شعاره «أميركا أولاً» تتعارض جذريا مع فلسفة ماكرون الذي يريد إدارة جماعية متعددة الأطراف لشؤون العالم.
كثيرة خيبات ماكرون من صديقه دونالد: فالأخير نفذ تهديده وانسحب من اتفاقية المناخ التي جاهدت فرنسا للتوصل إليها نهاية العام 2015 لأن ترمب يعتبر أن ارتفاع حرارة الأرض مزحة سمجة، ولا دور للإنسان في ذلك.
وأتبع ترمب خروجه من اتفاقية المناخ بالانسحاب من اليونيسكو التي اختارت مديرة عامة لها الخريف الماضي الوزيرة الفرنسية السابقة أودري آزولاي. وبعدها كرت الخيبات الفرنسية: ترمب ضرب عرض الحائط تمنيات ماكرون ومعه غالبية القادة الأوروبيين بألا يعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل وألا ينقل إليها سفارة بلاده. وهنا أيضا، سعى ترمب لإرضاء مجموعات الضغط اليهودية الموالية لإسرائيل والمسيحيين المحافظين وطيف من الشرائح الانتخابية التي تريد التماهي بين الولايات المتحدة وإسرائيل. وبعد ذلك، خلال مايو (أيار) الماضي، ورغم الرفض الفرنسي والأوروبي، أعلن ترمب تمزيق الاتفاقية النووية مع إيران. وأتبعت الإدارة الأميركية ذلك بالإعلان عن إعادة فرض عقوبات اقتصادية ومالية على طهران، وخصوصاً التهديد باتخاذ عقوبات بحق كل دولة أو شركة تتعامل مع طهران أو تستثمر فيها. وفي حين أعلنت الدول الأوروبية، وكذلك روسيا والصين، تمسكها بالاتفاقية، فإنها تسعى في الوقت نفسه لتشكيل جبهة مواجهة مع ترمب من أجل إقناع إيران بألا تخرج من الاتفاقية. وأخيرا، جاءت الصدمة الأميركية الكبرى لفرنسا وعنوانها «الحرب التجارية» التي أعلنها ترمب من خلال فرض رسوم على الألمنيوم والصلب الأوروبيين.



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».