فصل أطفال المهاجرين... آثار نفسية سيئة

رغم أنه يهدف أساساً إلى توفير الرعاية الطبية اللازمة لهم

فصل أطفال المهاجرين... آثار نفسية سيئة
TT

فصل أطفال المهاجرين... آثار نفسية سيئة

فصل أطفال المهاجرين... آثار نفسية سيئة

القرارات الأخيرة للإدارة الأميركية للحد من الهجرة غير الشرعية أثارت العديد من ردود الفعل على كل الأصعدة، ومنها الصعيد الطبي، حيث إن السلطات التي كانت توقف المهاجرين في أماكن الاحتجاز كانت تقوم بفصل الأطفال عن الأبوين، حتى يتسنى للأطفال الحصول على قدر أكبر من الرعاية والاهتمام الطبي والاجتماعي بعيداً عن الظروف القاسية للآباء لحين تسوية أوضاعهم بشكل قانوني، أو ترحيلهم من البلاد. وعلى الرغم من أن هذه الخطوة ربما تعالج الأطفال الذين يعانون من متاعب عضوية، لعل أهمها سوء التغذية والإصابة بأنواع العدوى المتعددة، إلا أن فصل الأطفال عن ذويهم يترك بالطبع آثاراً نفسية شديدة السلبية على الأطفال، ربما تستمر بشكل مزمن على المدى الطويل.
- قلق مدمر
كان الأطباء قد حذروا من أن فصل العائلات سوف يؤدي إلى مشاكل نفسية عنيفة لدى الأطفال المهاجرين، وأوضحوا أن الطفل كلما تعرض لضغوط نفسية في وقت مبكر كلما زادت فرص إصابته بما يمكن أن يسمى «القلق المدمر أو غير الحميد» (toxic stress)، وهو الذي يمكن أن يصيب الإنسان بالمشاكل النفسية لاحقاً في الحياة، فضلاً عن الإصابة بأمراض عضوية نفسية المنشأ.
ويختلف هذا القلق عن القلق العادي الذي يعتبر رد فعل طبيعياً تجاه أي أحداث خطيرة يمكن أن يتعرض لها إنسان بشكل عام، مثل تجربة الامتحان أو السفر بالطائرة للمرة الأولى أو حدوث حريق، فهذا القلق يكون مؤقتاً، وبالتالي فإن آثاره النفسية مؤقتة. ولكن في حال تعرض الإنسان، خصوصاً الطفل، للقلق لفترات طويلة مثل الحروب أو العيش في أسرة فقيرة أو المعاملة السيئة من الأهل، فإنه يترك آثاره النفسية المزمنة على الطفل.
وتكمن المشكلة الأساسية للقلق في أنه يمثل الآلية التي يتم من خلالها تحفيز الإنسان لمواجهة واستقبال الخطر، بمعنى إفراز الهرمونات التي تقوم برفع الضغط، وسرعة النبض، وشدة التركيز، ومنها هرمون الكورتيزول (cortisol). وتعود هذه الهرمونات إلى مستواها الطبيعي بعد زوال الخطر. وفي الحالات المزمنة تترك هذه الهرمونات آثاراً عضوية على الإنسان، مثل التهاب المعدة وارتفاع ضغط الدم وزيادة احتمالية حدوث مرض السكري من النوع الثاني، وأيضاً أمراض القلب واضطرابات النوم.
وتكون المناطق العصبية في القشرة المخية (prefrontal cortex) هي أكثر المناطق التي تتأثر بالارتفاع الهرموني، وهذه المناطق هي المسؤولة عن المهارات الإدراكية المختلفة للإنسان والعواطف أيضاً، ولذلك يكون للأحداث ذات الطابع المأساوي أثر واضح على الأداء الدراسي للأطفال.
- تأثيرات على المخ
وأوضح الأطباء أن وجود الطفل مع عائلته، ودعمها له بالحب، يجعله أكثر قدرة على مواجهة القلق المزمن (chronic stress)، وبالتالي لا يترك الأثر العنيف نفسه الذي يتركه إذا كان الطفل وحيداً من دون أسرته حتى لو تلقى عناية طبية جيدة. وهو ما أكدته دراسة أميركية حديثة في العام الماضي تم إجراؤها على الأطفال من بيئات فقيرة، ولكن بين أبوين متحابين، أثناء تلقيهم التطعيم، وتبين أن أثر القلق عليهم أقل حدة من الأطفال الذين تم توفير أسرة بديلة لهم.
وأوضح باحثون من جامعة «هارفارد» أن القلق غير الحميد يمكن أن يغير من تركيب المخ نفسه، حسب دراسة أجزاء المخ من خلال أشعة الرنين المغناطيسي في المناطق المسؤولة عن الأحاسيس والمشاعر، خصوصاً أن مخ الأطفال يكون في حالة نمو سريع قبل عمر الثالثة؟ وحدوث هذه التغيرات الفسيولوجية في هذا الوقت، ربما يسبب أضراراً عصبية ونفسية لاحقاً على الطفل. ومع الوضع في الحسبان أن هؤلاء الأطفال تلقوا بالفعل صدمة نفسية (trauma) جراء ترك منازلهم في الوطن الأم في محاولة الهجرة، وهو الأمر الذي يجعلهم أقل قدرة على مقاومة المزيد من الصدمات النفسية. وما يزيد الأمر سوءاً أن حالة الأطفال النفسية السيئة أثناء الوصول للحدود ربما تزيد من فرص فصلهم عن الآباء بغرض علاجهم من الاضطراب النفسي نتيجة للظروف القاسية أثناء الرحلة.
وكانت الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال (AAP) وغيرها من المنظمات النفسية قد حذرت في العام الماضي من خطورة احتجاز الأطفال في أماكن الاحتجاز للمهاجرين غير الشرعيين، لما يمكن أن يتعرضوا له من صدمة نفسية، واستنكرت سياسة الفصل التي تقوم بها السلطات حالياً. وأوضحت أنه حتى الأطفال المصابين بأمراض عضوية يمكنهم تلقي العلاج والعناية اللائقة في وجود الأهل، وأن الحالة النفسية الجيدة للأطفال سوف تساعدهم في التحسن العضوي، وهو الأمر الذي حذا بالمحكمة الفيدرالية لإصدار قرار بإعادة هؤلاء الأطفال لأسرهم مرة أخرى في خلال 30 يوماً. ولكن الأكاديمية حذرت من أن الضرر يكون قد وقع بالفعل على الطفل حتى في حال إعادته للأسرة مرة أخرى، وأن قضاء فترة الشهر ربما يترك آثاراً نفسية سيئة يمكن تجنبها من البداية بعدم الفصل.
وأوضحت المنظمات النفسية في الولايات المتحدة أنه بعد إعادة الأطفال لأسرهم، يجب أن يخضع جميع أفراد العائلة للعلاج النفسي، وتأهيلهم للتغلب على الصدمة النفسية (trauma - informed) التي مروا بها بداية من قرار الرحيل من موطنهم الأصلي، وأن الآباء نفسهم ربما يكونون غير مؤهلين نفسياً لتربية الأبناء بشكل سليم بعد ذلك نتيجة لشعورهم بالذنب تجاه أطفالهم، وأيضاً لإحساسهم بالإخفاق والعجز عن توفير حياة أفضل للأبناء. وهو ما يعني أن القرار ربما تكون له تبعات على الجانب النفسي أشد أثراً من الجانب السياسي والاقتصادي، ويجب على المنظمات الطبية المختلفة تقديم الدعم النفسي الكافي للأسر، وبشكل خاص الأطفال، سواء الذين تم فصلهم بالفعل أو الذين عادوا لأسرهم.
- استشاري طب الأطفال


مقالات ذات صلة

مقتل 9 مهاجرين وفقدان 6 آخرين قبالة سواحل تونس

شمال افريقيا حرس جزر الكناري الإسبانية يقدم مساعدات لمهاجرين أفارقة انطلقوا من سواحل تونس بعد غرق مركبهم (إ.ب.أ)

مقتل 9 مهاجرين وفقدان 6 آخرين قبالة سواحل تونس

قضى تسعة مهاجرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء، وفُقد ستة آخرون بعد غرق قاربهم قبالة السواحل التونسية.

«الشرق الأوسط» (تونس)
العالم العربي دول أوروبية تعلق البت في طلبات اللجوء المقدمة من سوريين (أ.ف.ب)

دول أوروبية تعلق طلبات اللجوء المقدمة من سوريين بعد الإطاحة بالأسد

علقت دول أوروبية كثيرة التعامل مع طلبات اللجوء المقدمة من سوريين بعد استيلاء المعارضة على دمشق وهروب الرئيس بشار الأسد إلى روسيا بعد 13 عاماً من الحرب الأهلية.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شمال افريقيا عملية إنقاذ سابقة لمهاجرين غير نظاميين غرب ليبيا (جهاز مكافحة الهجرة)

سلطات طرابلس تضبط 40 باكستانياً قبل تهريبهم إلى أوروبا

يقول «جهاز دعم الاستقرار» الليبي بطرابلس إنه «تم جلب هؤلاء المهاجرين عبر تشكيل عصابي دولي يتقاضى 20 ألف دولار أميركي من كل مهاجر مقابل إرساله إلى ليبيا».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
العالم العربي قوات بحرية مصرية تحبط محاولة هجرة غير شرعية لمركب بالبحر المتوسط (المتحدث العسكري)

الجيش المصري يحبط محاولة هجرة غير شرعية عبر البحر المتوسط

أعلن الجيش المصري، الاثنين، تمكنه من إحباط محاولة هجرة غير شرعية لمركب على متنه 63 فرداً، بينهم 3 سودانيين، بالبحر المتوسط.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا جانب من ترحيل السلطات الليبية عدداً من المهاجرين المصريين (جهاز مكافحة الهجرة)

الإعلان عن «تحرير» 9 مصريين من قبضة عصابة بشرق ليبيا

قالت سلطات أمنية بشرق ليبيا إنها نجحت في «تحرير» 9 مصريين من قبضة عصابة في عملية وصفتها بـ«المُحكمة».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

باحثون يابانيون يختبرون عقاراً رائداً يجعل الأسنان تنمو من جديد

أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)
أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)
TT

باحثون يابانيون يختبرون عقاراً رائداً يجعل الأسنان تنمو من جديد

أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)
أسنان جديدة قد يقدمها عقار جديد (رويترز)

قد يتمكن الأشخاص الذين فقدوا أسناناً من الحصول على أخرى بشكل طبيعي، بحسب أطباء أسنان يابانيين يختبرون عقاراً رائداً يأملون أن يشكل بديلاً لأطقم الأسنان أو عمليات الزرع.

على عكس الزواحف والأسماك التي عادة ما تكون قادرة على استبدال أنيابها، من المعروف على نطاق واسع أنّ البشر ومعظم الثدييات الأخرى لا ينمو في فمها سوى مجموعتين من الأسنان. لكن تحت اللثة ثمة براعم نائمة من مجموعة ثالثة، بحسب رئيس قسم جراحة الفم في المركز الطبي التابع لكلية البحوث الطبية في أوساكا، كاتسو تاكاهاشي.

في أكتوبر (تشرين الأول)، أطلق فريقه تجارب سريرية في هذا المستشفى، موفراً لأشخاص بالغين دواء تجريبياً يقول الفريق الطبي إنّه قادر على تحفيز نمو هذه الأسنان المخفية. ويقول تاكاهاشي لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إنها تقنية «جديدة تماماً» في العالم.

وغالباً ما يُنظر إلى العلاجات المستخدمة للأسنان المفقودة بسبب التسوس أو الالتهابات على أنها مكلفة وتتطلب تدخلاً جراحياً. ويؤكد تاكاهاشي، قائد المشروع، أن «استعادة الأسنان الطبيعية لها بالتأكيد حسناتها».

وتشير الاختبارات التي أُجريت على فئران وقوارض إلى أن وقف عمل بروتين «أوساغ-1» (USAG-1) يمكن أن يوقظ المجموعة الثالثة من الأسنان، وقد نشر الباحثون صوراً مخبرية لأسنان حيوانات نمت من جديد.

وفي دراسة نُشرت العام الماضي، قال الفريق إن «العلاج لدى الفئران فعّال في تجديد الأسنان، ويمكن أن يشكل اختراقاً على صعيد علاج تشوهات الأسنان لدى البشر».

«ليست سوى البداية»

في المرحلة الراهنة، يعطي أطباء الأسنان الأولوية للاحتياجات «الماسة» للمرضى الذين خسروا ستاً من الأسنان الدائمة أو أكثر منذ الولادة.

ويشير تاكاهاشي إلى أنّ الجانب الوراثي يؤثر على نحو 0.1 في المائة من الأشخاص الذين قد يواجهون صعوبة كبيرة في المضغ، وفي اليابان غالباً ما يمضون معظم مراهقتهم وهم يضعون كمامة لإخفاء الفجوات الواسعة في أفواههم. ويضيف أنّ «هذا الدواء قد يكون نقطة تحوّل لهم»؛ لذلك يستهدف الدواء الأطفال في المقام الأول، ويريد الباحثون إتاحته قبل عام 2030.

ولا يعرف أنغراي كانغ، وهو أستاذ في طب الأسنان لدى جامعة كوين ماري في لندن، سوى فريق واحد آخر يسعى إلى تحقيق الهدف المماثل باستخدام الأجسام المضادة لجعل الأسنان تنمو من جديد أو لإصلاحها.

وفي حديث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية»، يقول الخبير في تكنولوجيا المناعة وغير المنخرط في البحث الياباني، إنّ «مجموعة تاكاهاشي تقود المسار».

ويعتبر كانغ أنّ عمل تاكاهاشي «مثير للاهتمام ويستحق المتابعة»؛ لأنّ دواء للأجسام المضادة يستهدف بروتيناً مطابقاً تقريباً لـ«USAG-1» يُستخدم أصلاً لعلاج هشاشة العظام.

ويضيف: «السباق لتجديد أسنان الإنسان ليس قصيراً، لكنه مجموعة من سباقات الماراثون المتتالية، على سبيل التشبيه». ويتابع: «إنها ليست سوى البداية».

ويرى الأستاذ في علاج جذور الأسنان في جامعة هونغ كونغ، تشينفي تشانغ، أنّ طريقة تاكاهاشي «مبتكرة وتحمل إمكانات».

ويقول لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» إن «التأكيد على أن البشر يمتلكون براعم أسنان مخفية قادرة على إنتاج مجموعة ثالثة من الأسنان، هو مسألة ثورية ومثيرة للجدل».

ويشير إلى أنّ «النتائج التي لوحظت لدى الحيوانات لا يمكن دائماً ترجمتها بشكل مباشر إلى البشر». ويقول تشانغ إن نتائج التجارب على الحيوانات تثير «تساؤلات بشأن ما إذا كانت الأسنان الجديدة قادرة وظيفياً وجمالياً على أن تحل محل الأسنان المفقودة».

«في قمة السعادة»

يشير تاكاهاشي إلى أنّ موقع السنّ الجديدة في الفم يمكن التحكم به إن لم يكن تحديده، من خلال موقع حقن الدواء.

وفي حال نمت الأسنان في المكان الخطأ فيمكن نقلها عن طريق تقويم الأسنان أو الزرع، على حد قوله.

ولم يشارك أي مريض صغير يعاني من مشكلة خلقية في الأسنان في التجربة السريرية الأولى؛ إذ إن الهدف الرئيس هو اختبار سلامة الدواء لا فاعليته؛ لذا فإن المشاركين في المرحلة الحالية هم بالغون صحتهم جيدة خسروا سناً واحدة على الأقل.

ومع أنّ تجديد الأسنان ليس الهدف الصريح للتجربة هذه المرة، فإن هناك فرصة ضئيلة لحدوث ذلك للمشاركين، بحسب تاكاهاشي.

وإذا نمت أسنانهم، فسيكون الباحثون قد أكدوا أن الدواء فعّال لمَن يعانون من خسارة أسنان، وهو ما سيشكل نجاحاً طبياً. ويقول تاكاهاشي: «سأكون في قمة السعادة في حال حدث ذلك».

وقد تلقى هذه الأنباء ترحيباً خاصاً في اليابان التي تضم ثاني أعلى معدّل من السكان في العالم. وتظهر بيانات وزارة الصحة أن أكثر من 90 في المائة من الأشخاص الذين تتخطى أعمارهم 75 عاماً خسروا سنّاً واحدة على الأقل.

ويقول تاكاهاشي: «ثمة توقّعات عالية بأن تكون تقنيتنا قادرة بشكل مباشر على إطالة متوسط العمر الصحي المتوقع».