عد مشاركون في ندوة بأصيلة عدم إشراك الشعوب في اتخاذ القرار، وتعطيل اتحاد المغرب العربي، و«تبخيس الثقافة» من طرف السياسيين، من أبرز الأعطاب والمعوقات التي عانت منها قضية الاندماج الأفريقي.
واستعرضت الندوة مختلف المراحل التي قطعها مشروع الاندماج الأفريقي، منذ إطلاق الفكرة منتصف القرن الماضي من طرف زعماء النضال الوطني من أجل الاستقلال، وظهور تيارين مختلفين حول سبيل تحقيق الهدف المنشود: تيار الدار البيضاء الذي يقوده المغرب والصومال، والذي كان يدعو إلى المضي رأساً صوب تحقيق الوحدة الأفريقية؛ وتيار منروفيا الذي كان يرى أن الوحدة يجب أن تأتي على مراحل، وهو الموقف الذي انتصر وتبنته منظمة الوحدة الأفريقية.
بيد أن هذه المبادرة الأولى أعطت كثيراً من النتائج الإيجابية، وعلى رأسها استكمال استقلال الدول الأفريقية، والقضاء على التمييز العنصري، وإرساء قواعد المجموعات الاقتصادية الإقليمية، إلا أنه عانى من كثير من المعوقات والأعطاب التي جعلت من الاندماج الأفريقي هدفاً بعيد المنال.
وقال جان دو ديو صومدا، الممثل الخاص لرئيس نادي الساحل نائب الرئيس السابق للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، إن تقييم نتائج النسخة الأولى لمنظمة الوحدة الأفريقية جعلت القادة الأفارقة يعيدون النظر في الوسائل والأهداف، ويقررون في 1999 التوجه نحو إنشاء سوق مشتركة في أفق 2025. وأضاف المسؤول الأفريقي السابق: «غير أنني أعتقد أن تحقيق هذا الهدف لن يكون ممكناً. فالطريق إليه الذي يمر عبر تعزيز وتوطيد الاتحادات الاقتصادية الإقليمية التي أنشأت في مختلف مناطق أفريقيا تتخلله كثير من العقبات، ومنها على الخصوص التفاوت الكبير في تطور اندماج هذه الاتحادات الإقليمية»، مشيراً على وجه الخصوص إلى حالة الجمود التي يعرفها اتحاد المغرب العربي.
وأضاف صومدا: «في مارس (آذار) الماضي، قطع القادة الأفارقة خطوة جديدة على طريق تحقيق حلم الاندماج عبر التوقيع على اتفاقية منطقة التجارة الحرة الأفريقية، غير أن هذه الخطوة لم تكتمل بسبب انسحاب نيجيريا وجنوب أفريقيا ومصر (قبل أن تراجع هذه الأخيرة موقفها، وتوقع على الاتفاقية). ونظراً للوزن الاقتصادي لهاتين الدولتين، فإن مشروع منطقة التجارة الحرة الأفريقية ينطلق وهو مثقل بمعوقات جادة».
وتساءل صومدا: لماذا على مدى خمسين سنة والأفارقة يعودون كل مرة إلى نقطة البداية، ومناقشة المواضيع نفسها، وقال: «الجواب هو أن كل هذه المشاريع كانت تقرر من القمة، من دون إشراك القاعدة».
ويشاطر الباحث السياسي النيجيري أوكي أونييكي صومدا الرأي نفسه، ويرى أن سبب انسحاب بلده من اتفاقية التجارة الحرة الأفريقية التي أبرمت في مارس الماضي راجع إلى طابعها الفوقي، لكن كثيراً من الفعاليات الاقتصادية والمجتمعية في بلده فوجئت بهذه الاتفاقية، وتخوفت من أن تكون لها انعكاسات سلبية عليها.
وأضاف: «لو أشرك الجميع منذ البداية وتم التهيؤ بشكل جيد لما كانت هناك مشكلات»، ودعا الباحث النيجيري الخبير لدى اللجنة الاقتصادية للأمم المتحدة لأفريقيا إلى إشراك المجتمع المدني في إعداد القرارات والخطط، كما دعا إلى مراجعة الأبعاد الثقافية والفلسفية والآيديولوجية لمشروع الاندماج الأفريقي.
من جانبه، عبر يوسف العمراني، المكلف بهذه المهمة لدى الديوان الملكي المغربي، عن امتعاضه من واقع اتحاد المغرب العربي، وقال: «وضعية المجموعة الإقليمية التي أعيش فيها تبعث على القلق. فالاتحاد المغاربي خبت جذوته للأسباب التي نعرفها. وبالتالي، فهو راكد لا يتطور ولا يساهم في التقدم وخلق النمو، ولا في تحقيق أهداف وانتظارات القارة الأفريقية في التنمية والرفاهية المشتركة».
ودعا العمراني إلى ضرورة رفع التحديات التي تواجه أفريقيا، وقال إن على الأفارقة أن يحددوا لأنفسهم أهدافاً قوية، وأن تتوفر الإرادة السياسية، مع العمل والتخطيط المشترك، من أجل بلوغها. وبخصوص هدف تحقيق الاندماج، أوضح العمراني أن الوسائل المؤدية لذلك معروفة، وسبق أن طورتها مناطق أخرى في العالم، كالاتحاد الأوروبي، ومنها التقارب في التشريعات والسياسة الجمركية، والتوجه نحو تحقيق سوق مشتركة أفريقية، وقال: «علينا العمل على المدى البعيد من أجل بناء اقتصاد قوي، و بناء دول ديمقراطية تحتل فيها الشفافية والحكامة موقعاً أساسياً لأنه لا يمكن من دونها أن نتقدم، وأن نحقق النمو، ونستجيب لانتظارات ومطالب الشباب».
وأشار العمراني إلى أن العاهل المغربي يتوفر على رؤية رائدة للاندماج الأفريقي، التي وفر لها كل الوسائل للمضي بها قدماً.
بدوره، تأسف أنخيل لوسادا فرنانديز، السفير الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي لدى دول الساحل، على واقع جمود اتحاد المغرب العربي، وانعكاساته السلبية على الاندماج القاري والإقليمي، وقال: «هناك مقولة صحراوية تفيد بأن القافلة تسير دائماً بسرعة الجمل الأبطأ سيراً. وفي هذه المنطقة، لدينا جملان: الساحل والاتحاد المغاربي، وهما يسيران بسرعتين متفاوتتين، ولكي نتقدم علينا أن نجد حلاً لهذه المشكلة».
وأضاف لوسادا: «في منطقة الساحل، لدينا كل التحديات التي يمكن تصورها، سياسية واقتصادية وأمنية، لدينا مشكلات الهجرة والتنمية والإرهاب. ومواجهة هذه التحديات تتطلب تحقيق الاندماج وتضافر الجهود والإمكانيات، ونسج الشراكات مع أفريقيا، وأيضاً مع أوروبا»، وأضاف أن هناك مبادرة لم يتحدث عنها أحد «مبادرة أطلقتها خمس دول من منطقة الساحل، التي تعد من أفقر الدول في العالم».
وأوضح لوسادا أن هذه الدول اتحدت في إطار مجموعة 5 الساحل حول مبدأ «الأمن والتنمية»، مشيراً إلى أنها توصلت إلى تحقيق هدف إنشاء جيش مشترك، وهو ما لم يستطع الاتحاد الأوروبي إنجازه.
ودعا لوسادا إلى ضرورة إعادة النظر في الاستراتيجيات والمبادرات الأفريقية باتجاه المزيد من التنسيق والتكامل، وأشار إلى أن المبادرات الاستراتيجية الموجهة حالياً إلى منطقة الساحل وحدها تناهز 17 مبادرة، غير أن العلاقات بين هذه المبادرات يسودها التنافس والتسابق، بدل التكامل والتظاهر والتنسيق.
من جانبه، يرى السفير المصري أحمد حجاج (منظمة الاتحاد الأفريقي) أن مفهومي التكامل والتنسيق يعتبران من المفاتيح الرئيسية للاندماج الأفريقي، وأضاف أن التنسيق والتكامل ضعيف جداً في سياسات الدول الأفريقية في مجال تشجيع الاستثمارات، مشيراً إلى أن كل دولة توجه سياستها لجلب الاستثمارات إلى خارج القارة الأفريقية، بدل استهداف استقطاب الأموال والاستثمارات الأفريقية، الشيء الذي سيعزز الاندماج والتكامل القاري.
وأوصى حجاج بضرورة وضع سياسات أفريقية - أفريقية لتحفيز وضمان الاستثمار، كما أوصى بتشجيع السياحة الأفريقية والتقارب الثقافي عبر ترجمة الكتب والأفلام الأفريقية.
وشدد خالد الشكراوي، الباحث بمعهد الدراسات الأفريقية بالرباط، على أن الاندماج الأفريقي «لا يتم فقط عبر المستويات السياسية والاقتصادية، وإنما أيضاً عبر الثقافات»، مشيراً إلى أن الموسيقى الأفريقية تطرب جميع الأفارقة، سواء من الشمال أو من جنوب القارة، وتجعلهم يرقصون بغض النظر عن لغاتهم وثقافاتهم، وقال: «الثقافي يمكن أن يكون عنصر تقارب واندماج، غير أن السياسي هو الذي يتخذ القرار في نهاية المطاف».
وأضاف الشكراوي أن إشكالية الأفارقة هي الجهل بالذات والآخر، وهو أمر يرتبط بالثقافة، مشيراً إلى أن الأفارقة يجهلون أنفسهم لأنهم يكتشفونها في مرآة صنعت في قارة أخرى، وتابع أن نجاح مشروع الاندماج الأفريقي يتطلب أخذ دور المرأة في المجتمعات الأفريقية بعين الاعتبار، مؤكداً أن المفاوضات والاتفاقيات يبرمها رجال، في حين أن المرأة هي سيدة الموقف داخل الخيمة في كثير من المجتمعات الأفريقية.
كما أكد الشكراوي على أهمية ثقافات مجتمعات المناطق الحدودية، خصوصاً الأحواض المائية المشتركة بين عدة دول أفريقية، التي يمكن أن تكون عامل تقارب واندماج، بدل أن تكون عناصر لتغذية النزاعات والصراعات. والثقافات المناطق الحدودية والأحواض المائية المشتركة بين عدة دول، التي يمكن أن تشكل مجالات للاندماج، بدل الصراع والنزاعات.
ويرى الشاعر والموسيقي ماريو لوسيو سوسا، وزير الثقافة سابقاً في جمهورية الرأس الأخضر، أن «الثقافة هي الموضوع الوحيد الذي يمكن أن ينقد أفريقيا»، مشيراً إلى أن كل مشكلات أفريقيا ناتجة عن حدوث قطيعة تاريخية بسبب الغزو الأوروبي، التي أوقفت مسار القارة الأفريقية وجعلتها تابعة، وقال إن تاريخ أفريقيا قد طمس، وفصل يومها عن أمسها، مشيراً إلى أن التاريخ الحالي لأفريقيا تحكيه قارة أخرى، وفق منظورها، وبلغتها الخاصة.
ودعا لوسيو الأفارقة إلى استرجاع تراثهم الثقافي التاريخي لما قبل المرحلة الاستعمارية، بما في ذلك الطب التقليدي والمعمار والحرف والدين، وقال: «الكثير من الأفارقة لا يعرفون أن أفريقيا أعطت إمبراطورين لروما، و4 باباوات للفاتيكان، لأن التاريخ الذي يحكي لنا عن أفريقيا بدأ قبل قرون فقط مع المرحلة الاستعمارية، في حين أن تاريخنا وثقافتنا تمتد عميقاً إلى 65 ألف سنة».
وختم محمد بن عيسى، الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، الندوة بالتأكيد على دور الثقافة في تحقيق الاندماج الأفريقي، وتأسف بن عيسى على وزن الثقافة في السياسات الحكومية، وقال إن المثقف شكل دوماً مصدر قلق بالنسبة للسلطات والسياسيين، باعتباره كثير الأسئلة والتحفظات، وتابع: «عندما أطلقت موسم أصيلة الثقافي في 1978، استدعيت من طرف الشرطة».
وبخصوص الاندماج الأفريقي، أشار بن عيسى إلى أنه يفضل الحديث عن التكامل، بدل الوحدة أو الاتحاد، مشيراً إلى أنه حتى داخل البلد الواحد توجد خصوصيات جهوية، وأن الاختلاف مصدر ثراء وتنوع وغنى، ومصدر تقارب وتعارف وتبادل.
ندوة منتدى أصيلة الأولى تبحث معوقات اندماج أفريقيا وأعطابه
عدت تعطل اتحاد المغرب العربي من بين أبرز أسبابها
ندوة منتدى أصيلة الأولى تبحث معوقات اندماج أفريقيا وأعطابه
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة